بايدن «واللا عودة»!
«كل أشكال المقاومة الفلسطينية لا يجوز على الإطلاق مساواتها بعنف المستوطنين وقوات الاحتلال بل وجهاز الدولة الإسرائيلى».
المسألة لم تتوقف عند الاحتجاج فى الشوارع. فحملات مقاطعة بضائع ومؤسسات أمريكية داعمة للاحتلال يقودها ناشطون شباب ليسوا عربًا ولا مسلمين.
انطلقت المظاهرات الداعمة لفلسطين والمحتجة على السياسة الأمريكية فى كبريات المدن الأمريكية، حتى طالت الولايات الجنوبية، معقل الصهيونية المسيحية.
كان صحفىا يهوديا أمريكيا فضح قيام إسرائيل، لا حماس، بتفجير منازل الإسرائيليين على رؤوسهم فى الأيام الأولى لمجرد الشك فى أن عناصر حماس داخل المبنى!
التحولات الكبرى في تاريخ أمريكا لم تأتِ من أعلى بل بفعل حركات اجتماعية تُرغم الساسة على تغيير المسار مما يتطلب تراكمًا ووقتًا لن يطول إذ برزت إرهاصات التحول.
لغة الخطاب تغيرت ودخلت مفردات جديدة القاموس الأمريكى، بدءًا بـ«المقاومة الفلسطينية»، ومرورًا بـ«الاحتلال الاستيطانى»، والتوسع فى استخدام «الأبارتهايد».
* * *
عندما قال بايدن الأسبوع الماضى إنه «لا عودة لما كان عليه الحال» قبل 7 أكتوبر الماضى، كان يقصد فلسطين. لكن الواقع يشير إلى أن اللا عودة تتعلق بالمجتمع الأمريكى لا بفلسطين!
ففي الأيام الأولى صدرت تصريحات وزيارات رسمية أمريكية تمنح إسرائيل شيكًا على بياض لتفعل ما تريد فى غزة. لكن ما هي إلا أيام قليلة حتى انطلقت المظاهرات الداعمة لفلسطين والمحتجة على السياسة الأمريكية فى كبريات المدن الأمريكية، حتى طالت الولايات الجنوبية، معقل الصهيونية المسيحية.
أما مظاهرة واشنطن العاصمة، التى قالت «نيويورك تايمز»، المنحازة أصلًا لإسرائيل، إنها تخطت الخمسين ألف شخص، وقالت مواقع أمريكية أخرى إنها تخطت المائتى ألف، فكانت الأكبر على الإطلاق فى التاريخ الأمريكى دعمًا لفلسطين.
والمسألة لم تتوقف عند الاحتجاج فى الشوارع. فحملات المقاطعة للبضائع والمؤسسات الأمريكية الداعمة للاحتلال يقودها ناشطون شباب ليسوا عربًا ولا مسلمين.
ولغة الخطاب نفسها تغيرت. فقد دخلت مفردات جديدة القاموس الأمريكى، بدءًا «بالمقاومة الفلسطينية»، ومرورًا «بالاحتلال الاستيطانى»، ووصولًا للتوسع فى استخدام «الأبارتهايد».
أما التشهير بالداعمين لفلسطين من جانب إسرائيل وأنصارها فلم يعد يُخيف أحدًا وصار يُدان علنًا. فالبيان الذى أصدرته الجمعية الأمريكية للدراسات الأمريكية أدان حكومة الولايات المتحدة «لتمكينها للأبارتهايد الإسرائيلى» كما أدان «تحويل معارضة الاستعمار الاستيطانى إلى معاداة للسامية».
وقد وقَّع ما يزيد على مائة من الكتاب والأدباء الأمريكيين خطابًا مفتوحًا لزملائهم فرّقوا بين اليهودية كدين والصهيونية كأيديولوجيا، وقالوا إن «كل أشكال المقاومة الفلسطينية لا يجوز على الإطلاق مساواتها بعنف المستوطنين وقوات الاحتلال بل وجهاز الدولة الإسرائيلى»، ثم دعوا زملاءهم لمقاطعة جوائز أدبية وفنية كبرى ذكروها بالاسم تنظمها مؤسسات يهودية أمريكية لأنها تتبنى الصهيونية.
وأعداد متزايدة من اليهود الأمريكيين كانوا طرفًا فاعلًا فى مناصرة فلسطين. مثلًا وقّع 1800 من الشخصيات العامة اليهودية الأمريكية خطابًا مفتوحًا يؤكد أن «انتقاد إسرائيل ليس معاداة السامية»، بل وكان صحفى يهودى أمريكى هو الذى فضح قيام إسرائيل، لا حماس، بتفجير منازل الإسرائيليين على رؤوسهم فى الأيام الأولى لمجرد الشك فى أن عناصر حماس داخل المبنى!
ويتساءل الكثيرون حول جدوى ذلك كله بينما السياسة لم تتغير. ولهم أقول إن كل التحولات الكبرى فى تاريخ أمريكا لم تأتِ من أعلى وإنما بفعل الحركات الاجتماعية التى تُجبر الساسة إجبارًا على تغيير المسار. وتلك مسألة تتطلب وقتًا وتراكمًا حتى تطال السياسة. لكن يبدو أن ذلك الوقت لن يطول. إذ برزت الإرهاصات الأولى للتحول.
ففى مجلس الشيوخ طالب أغلبية الديمقراطيين بايدن بمعلومات عن «الآليات التى وضعتها أمريكا لضمان التزام إسرائيل بالقانون الدولى، والالتزام بأن استخدامها السلاح الأمريكى لا ينتهك القانون الأمريكى».
وفى وزارة الخارجية انقسام حاد، فعشرات المذكرات والرسائل كتب أغلبيتها الأجيال الأحدث لرؤسائهم رفضًا لسياسة الإدارة، ومطالبين «بوقف فورى لإطلاق النار».
وكتابة مثل تلك المذكرات معتادة بالوزارة لكن الكل يلتزم بسريتها. أما هذه المرة فقد نشرها أصحابها مؤكدين أنهم «لم يعد بإمكانهم الصمت». وأكثر من ألف من العاملين بهيئة المعونة حرروا خطابًا مفتوحًا لبايدن يطالبونه بوقف فورى لإطلاق النار.
أكثر من ذلك، ولأول مرة فى حدود علمى المتواضع، نظم أكثر من مائة من العاملين بالجهاز الفنى للكونغرس يعملون بخمسين من مكاتب أعضاء المجلسين وقفة احتجاجية قالوا خلالها إن الأعضاء «لا يستمعون لمن يمثلونهم» من الأمريكيين. مؤكدين أنهم من يتلقون اتصالات أهالى الدوائر التى تطالب بوقف فورى لإطلاق النار.
أمريكا هى التى صارت بالفعل عند نقطة اللاعودة!
*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، باحثة في الشأن الأمريكي
المصدر | المصري اليومالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أمريكا إسرائيل أبارتهايد بايدن 7 أكتوبر لاعودة المقاومة الفلسطينية معاداة السامية
إقرأ أيضاً:
حولتها إلى سجن كبير..الخارجية الفلسطينية: إسرائيل تنكل بالمواطنين في الضفة لتهجيرهم إلى الخارج
قالت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية اليوم الثلاثاء، إن إسرائيل تقيد حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية عبر قرابة 900 حاجز وبوابة حديدية.
وقالت الوزارة في بيان إن نشر السلطات الإسرائيلية ما يقارب 900 حاجز وبوابة حديدية تقيد حياة الفلسطينيين وتتحكم في حركتهم داخل البلدات والقرى والمخيمات، ما يؤدي إلى تمزيق أوصال الضفة الغربية، وتحويلها إلى سجن كبير يضم مئات السجون الفرعية المغلقة. واعتبرت الوزارة أن الحواجز العسكرية الإسرائيلية تعد "أبشع أشكال العقوبات الجماعية المفروضة على المواطنين، والأسر الفلسطينية خاصة في شهر رمضان، حيث تجبرهم قوات الاحتلال على تناول إفطارهم عند هذه الحواجز في مشهد يذكر بأسوأ أنظمة الفصل العنصري في التاريخ".وأوضحت الوزارة أنها تنظر "ببالغ الخطورة إلى سياسة الاحتلال وإجراءاته" في الضفة الغربية، مؤكدة أن هذه الحواجز "لا تخدم أي أهداف أمنية بل تهدف إلى التنكيل بالمواطنين الفلسطينيين، وتقويض صمودهم، لدفعهم قسراً إلى البحث عن حياة أفضل خارج وطنهم".
وقالت الوزارة إن الحواجز "ليست سوى أداة ممنهجة لتأجيج العنف وإشعال الصراع، في تناقض صارخ مع الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تحقيق التهدئة ووقف إطلاق النار".
وطالبت المجتمع الدولي بالتحرك العاجل "لإلزام الاحتلال برفع جميع حواجزه وتسهيل حركة الفلسطينيين، وضمان وصولهم بحرية إلى بيوتهم ودور العبادة خلال الشهر الفضيل".
ولم يصدر أي تعليق إسرائيلي رسمي على نشر الحواجز والبوابات، إلا أن صحيفة "هآرتس" قالت منذ أيام إن التغيير الكبير جاء الشهر الماضي بعد أن أمر المستوى السياسي في إسرائيل الجيش بإضافة عشرات الحواجز التي يوجد فيها جنود على الشوارع المؤدية إلى المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، إضافة إلى الحواجز التي وضعت عند اندلاع الحرب مع قطاع غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وقالت الصحيفة إن الأمر أعطي عقب طلب من المجلس الأمني السياسي المصغر الإسرائيلي، بذريعة أن الأمر وسيلة لمنع الاشتعال بسبب إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين، في إطار صفقة التبادل مع حماس.