سجل حافل بالإنجازات العلمية بجامعة السلطان قابوس.. وتعزيز التعاون الدولي لتصدير الثقافة البحثية العمانية
تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT
◄ استحداث برامج أكاديمية في تخصصات متنوعة
◄ اكتشاف أكبر فوهة نيزكية في الشرق الأوسط
◄ العثور على مستوطنة تعود إلى 5000 آلاف عام في المضيبي
◄ إنتاج خليط من الوقود الحيوي والديزل بمختبرات الجامعة
◄ إضافة 6 محطات مستقلة إلى شبكة الرصد الزلزالية
◄ العمل على إنشاء 50 محطة لقياس الحركات الأرضية القوية
◄ إجراء مشاريع بحثية لتطوير إنتاج الهيدروجين الأخضر
تعاون إقليمي ودولي لتطوير القدرات البحثية ورفع قدرات الكفاءات البشرية
◄ دعم مشاركة الباحثين في المحافل الدولية
◄ نشر 5772 ورقة علمية في "سكوباس" منذ 2020
◄ نشر 2603 أوراق علمية في المجلات المصنفة ضمن المستوى الأول عالميا
◄ مواصلة العمل على 714 مشروعا بحثيا لمعالجة قضايا اقتصادية واجتماعية
◄ إصدار 66 عددا من مجلات الجامعة العلمية المحكمة و6 كتب علمية
مسقط- الرؤية
حققت جامعة السلطان قابوس العديد من الإنجازات في المجالات البحثية التطبيقية، من خلال العمل على مشاريع بحثية لتحقيق التنمية المستدامة في العديد من المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية، بالإضافة إلى الاهتمام برفع مؤشر البحث العلمي ونشر الأوراق والإصدارات العلمية في المنصات الدولية المعتمدة.
البحوث التطبيقية في القطاع الصناعي
اشتملت الخطة الاستراتيجية متوسطة المدى 2021-2025 لجامعة السلطان قابوس، على مشروع تطوير البحوث التطبيقية والبينية متعددة التخصصات، والذي يُركز ضمن أهدافه على التوسع في إجراء البحوث التطبيقية التي من شأنها الإسهام في تلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية، وترويج نتائج البحوث الابتكارية، ومضاعفة تطوير الشراكات البحثية مع قطاعي الصناعة والأعمال من خلال حلّ المشكلات التي تُواجه المجتمع، وإيجاد ابتكارات جديدة، أو القیام بعمليات تؤدي إلى تصنيع منتجات یُمكن تسويقها على نطاق تجاري.
ومن بين هذه البحوث التي أجريت في هذا الجانب: مشروع اكتشاف أكبر فوهة نيزكية في الشرق الأوسط، التي تعد تراثًا وطنياً وموقعًا علميًا نادرًا لدراسة آثار الارتطامات على الأرض، ولها أهمية من الناحية العلمية والسياحية على المستوى الدولي، وأيضًا اكتشاف مستوطنة تعود إلى 5000 آلاف عام في ولاية المضيبي بمحافظة شمال الشرقية، ومشروع إنتاج وقود حيوي من نوى التمر في مختبرات الجامعة، وتسيير أول حافلة تعمل بوقود خليط من الوقود الحيوي والديزل تم انتاجه بمختبرات لجامعة، وهو إنجاز يُعد الأول من نوعه في المنطقة، ويعزز التوجهات العمانية نحو الحياد الصفري الكربوني، وكذلك دراسة استخدام الطائرات بدون طيار لرسم خرائط ومراقبة الشقوق التي تتطور في الهياكل الخرسانية لأرصفة الموانئ وتطبيقها في ميناء صحار، وبعدها دراسة تحسين جودة الحياة لكبار السن في سلطنة عُمان عن طريق سرد قصص حياتهم، بالإضافة إلى بحث ركّز على الإدارة المستدامة لاستخدام مخلفات حديد الكروم والفولاذ باعتبارها مواد آمنة وصديقة للبيئة، وأخيرًا مشروع بحثي يقدم معلومات مهمة عن إمكانات الأعشاب البحرية في المياه العمانية وكيفية تقييمها وإدارتها بشكل أفضل.
دعم شبكة الرصد الزلزالية
وركزت الجامعة على إضافة 6 محطات مستقلة إلى شبكة الرصد الزلزالية العمانية بهدف رصد الزلازل على أحدث المستويات التقنية، وتعزيز قدرة الشبكة الحالية على رصد الزلازل الصغيرة والمتناهية الصغر، وتقليل الفجوات بين المحطات الزلزالية الحالية، مما يسهم بشكل فعّال في تحسين تحديد مواقع الزلازل وتقييم الخصائص الزلزالية لمكامنها، وبهذا يصبح عدد المحطات رصد الزلازل الثابتة 26 محطة تعنى بتحديد قوى ومواقع الزلازل.
كما يجري العمل على إنشاء 50 محطة لقياس الحركات الأرضية القوية باستخدام مستشعرات العجلة الزلزالية التسارع acceleration) ) موزعة على المدن الرئيسية في سلطنة عمان، وتم نشر هذه الشبكة من محافظة مسقط والداخلية إلى شمال سلطنة عمان، ويجري استكمال الشبكة خلال العام المقبل لنشر المحطات الأخرى في وسط وجنوب السلطنة، ومن بين أهداف هذه الشبكة هو تحديد شدة الزلزال من موقع إلى آخر، في ظل وجود زيادة واضحة في معدلات تسجيل الزلازل حاليا تعزى إلى حد كبير إلى كثافة شبكة الرصد وبدرجة أقل الى الزيادة في النشاط الزلزالي.
مجال الهيدروجين الأخضر
وتركز العديد من المشاريع البحثية والعلمية بالجامعة على مجال الهيدروجين الأخضر، إدراكًا لأهميته بوصفه تقنية واعدة للطاقة النظيفة لاسيما في ظل ما تتمتع به سلطنة عمان من مزايا تجعلها في وضع جيد لتصبح منتجًا ومصدرًا رئيسيًا للهيدروجين الأخضر، إضافة إلى ما تتمتع به من موارد وفيرة من الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وموقعها الاستراتيجي في شبه الجزيرة العربية، مما يتيح لها الوصول بسهولة إلى الأسواق العالمية.
ويأتي ذلك تماشيًا مع التزام سلطنة عمان بتطوير قطاع الهيدروجين الأخضر، وتحديد ذلك كهدف للحكومة متمثل في إنتاج مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا بحلول عام 2030، وما يرتبط بذلك بضرورة تطوير إطار تنظيمي لقطاع الهيدروجين الأخضر وجذب الاستثمارات من الشركات الأجنبية والمحلية.
وتهتم بعض المشاريع التي تجرى في هذا الجانب، وأبرزها مشاريع مركز أبحاث الطاقة المستدامة بالجامعة، بمعالجة أبرز التحديات قبل أن يتم اعتماد الهيدروجين الأخضر على نطاق واسع في سلطنة عمان، فأحد التحديات هو تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر، حيث يعتبر الهيدروجين الأخضر حاليًا أكثر تكلفة من الوقود الأحفوري، ولكن من المتوقع أن تنخفض التكلفة مع تحسن التكنولوجيا وتوسيع نطاقها، والتحدي الآخر هو الحاجة إلى تطوير البنية التحتية للنقل والتخزين للهيدروجين الأخضر، فالهيدروجين الأخضر هو غاز ويجب تخزينه ونقله بأمان، وذلك ما يفسر تركيز سلطنة عمان على تطوير البنية التحتية الملائمة لذلك، لكن الأمر سيستغرق وقتا واستثمارا.
وتتمثل أبرز المشاريع التي يجريها المركز مؤخرًا في مشروع "مجموعة انتقال الهيدروجين والطاقة في ولاية صور" الممول من الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال، والذي يتمثل هدفه الأساسي في استكشاف ولاية صور كمركز هام للتحول في مجال الهيدروجين والطاقة، مما يعزز مكانة سوق الغاز الطبيعي المسال في سلطنة عمان مع تشجيع إزالة الكربون، وتتضمن هذه الدراسة ذات المراحل الثلاثة تقييم فرص إزالة الكربون، وخاصة باستخدام الهيدروجين الأخضر، والنتيجة الرئيسية لها عبارة عن نظام شمسي ورياح يولد الطاقة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، مما قد يؤدي إلى تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتوفير الغاز الطبيعي، والمرحلة الثانية هي تحليل الجدوى الاقتصادية لاستخدام الهيدروجين الأخضر لإنتاج منتجات منخفضة الكربون مثل الأمونيا الخضراء والميثانول الأخضر، أما المرحلة الثالثة فهي دراسة فرص التكامل مع التركيز على نقل الهيدروجين الأخضر إلى ميناء صحار.
ويؤكد مشروع آخر يجريه المركز بعنوان "الهيدروجين الأخضر في عمان إطلاق الإمكانات الاقتصادية لاقتصاد الهيدروجين الأخضر نحو تحقيق رؤية عمان 2040"، والممول من شركة دليل للنفط على أهمية إيجاد بدائل للطاقة المستدامة، حيث يركز المشروع على دراسة المناطق غير الساحلية القريبة من حقول دليل للنفط لإمكانات الهيدروجين الأخضر باستخدام الموارد المتجددة بهدف تقييم جدوى إنتاج الهيدروجين الأخضر، مع الأخذ في الاعتبار عدة عوامل مثل إمكانات الطاقة الشمسية والمقاييس الاقتصادية، وبشكل عام فإن هذا المشروع يتماشى مع أهداف الطاقة المستدامة العالمية، ويقدم نموذجًا للمناطق الأخرى في سلطنة عمان.
التعاون الإقليمي والدولي
ويُعدّ من الجوانب التي تؤمن جامعة السلطان قابوس بأهميته، هو تعزيز التعاون مع المؤسسات الأكاديمية والبحثية الخارجية إقليميًا ودوليًا، والذي يُسهم في تطوير القدرات البحثية في الجامعة، ويُعطي الفرصة للتشارك مع العالم في كل ما يتعلق بالبحوث والدراسات، والاطلاع على مستجداتهما أولا بأول، إلى جانب تصدير الثقافة البحثية العمانية وإبراز جهود الكفاءات الوطنية في العالم، وتعريفه بهم.
ومن الأمثلة على ذلك: تمويل دولي مشترك لبعض البحوث مع جامعة زييانغ الصينية، والأكاديمية الصينية للعلوم، وجامعة قطر، وإجراء عدد من الدراسات بالتعاون مع مؤسسات خارجية، مثل دراسة عن جلطات الدم الوريدية عند البالغين مع معهد أبحاث مستشفى أوتاوا بكندا، ودراسة حول استخدام عدادات المياه الذكية لإدارة طبقات المياه الجوفية متعددة الفترات مع جامعة حمد بن خليفة في قطر، ودراسة حول تحديد الشفرات العلمية بالتعاون مع جائزة مكتب البحوث البحرية، ومشروع بحثي حول تأثير الرضا عن التوازن بين العمل والحياة على الصحة العقلية لمتخصصي الرعاية الصحية مع جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية، ودراسة النسخ المختبري مع جامعة كاتانيا الإيطالية، بالإضافة إلى التعاون مع منظمة اليونسيف في مشروع يخص حماية الطفل، ومشروع بحثي عن تأثير الدوامات والتيارات المائية على الأمن الغذائي والمائي مع المكتب الأمريكي للبحوث البحرية العالمية.
وتحرص جامعة السلطان قابوس على استقبال وفود مختلفة من مؤسسات بحثية وأكاديمية خارجية، وبحث آلية التعاون مع مؤسساتهم، إلى جانب دعم مشاركة باحثي الجامعة وأكاديمييها في محافل بحثية وابتكارية دولية.
إحصائيات البحث العلمي
وبلغ نتاج الأوراق العلمية لباحثي الجامعة التي ظهرت في قاعدة بيانات سكوباس ما يقارب 5,772 ورقة علمية منذ عام 2020 حتى الآن، ووصل عدد الأوراق العلمية المنشورة في المجلات المصنفة ضمن المستوى الأول عالميا (Q1) إلى 2,603 ورقة علمية.
وتتواصل مسيرة الجامعة في إنتاج الأبحاث العلمية، إذ تبلغ عدد الأبحاث الجارية 714 مشروعًا بحثيًا واسع النطاق لمعالجة قضايا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة، وبلغ عدد الكتب التي نشرها باحثو الجامعة والمسجلة في قاعدة بيانات الخبراء Pure (68) كتابًا، وأصدر مجلس النشر العلمي 66 عددًا من مجلات الجامعة العلمية المُحكّمة السبع متضمنةً 799 ورقةً علمية مُحكّمة، و6 كتب علمية.
وتشجيعًا على توليد المعارف، ونشر النتائج البحثية المهمة في قواعد البيانات العالمية المعترف بها عالميًا والمعتمدة من قبل الجامعة، تم تكريم 2377 من باحثي الجامعة للأوراق المنشورة خلال الفترة من 2020م إلى 2022م، وذلك ضمن جائزة جامعة السلطان قابوس للنشر العلمي وبراءات الاختراع للأوراق العلمية المنشورة.
الدراسات العليا
وفي ظل ما تُشكّله برامج الدراسات العليا من أهمية في بناء القدرات الوطنية وتأهيلهم في التخصصات الدقيقة وفق أفضل الممارسات العالمية بما يضمن مساهمة المخرجات في خدمة أهداف سلطنة عمان الاستراتيجية؛ فقد بلغ عدد الخريجين حوالي 449 طالبُا وطالبةً حتى الآن من طلبة الدراسات العليا من العام 2023م، وفي جانب الورش التدريبية التي تُقدّمها الجامعة لطلبة الدراسات العليا في سبيل تعزيز مهاراتهم وإمكاناتهم فقد تم اعتماد 30 ورشة تدريبية لطلبة الدراسات العليا خلال العام 2023م.
وفي جانب الحرص على تسهيل الإجراءات والخدمات المقدمة لطلبة الدراسات العليا فقد تم مؤخرًا تدشين بوابة "ثواني" كمنفذ إضافي لتسهيل عملية دفع الرسوم الدراسية إلكترونيًا.
وتم استحداث عدد من البرامج الأكاديمية مؤخرًا، مثل استحداث درجة الدكتوراه في تخصص الاتصال الجماهيري، وكذلك درجة الدكتوراه في تخصص العلاقات الدولية والدراسات الأمنية، كما تم تحديث ماجستير اللغة العربية وآدابها، وماجستير إدارة الأعمال.
وعلى مستوى عدد المتقدمين للالتحاق ببرامج الدراسات العليا بالجامعة فقد بلغ إجماليهم 2683 قُبل منهم حوالي 1151 طالبًا وطالبة للعام الأكاديمي 2023/ 2024 بعد أن خضعوا لإجراءات القبول وفق معايير محددة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
سياحة جامع السلطان قابوس الأكبر وخطوة في مجال التّصحيح
السياحة الدينية من أهم أنواع السياحة في العالم لا تقل أهمية عن مثيلاتها من أنواع السياحة الأخرى، وقد كتبتُ مقالة سابقة في جريدة عُمان بعنوان: السياحة الدينية في عُمان، ومما ذكرتُ في مقدمتها أن «السياحةُ الدينية بما تحمله هذه المفردة من أبعاد روحية وطقوسية، وآثار مادية كدور العبادة والنقوش والمقابر، وتأريخ ديني عريق، وتنوع ديني ومذهبي، ومعارف طقوسية وكلامية وعرفانية، وتصورات وأساطير وشيء من الخرافة، لما تشكله الذاكرة الدينية من تراكمات روحية وطقسية لأزمنة موغلة في القدم، ومحاولة مبكرة لفهم الوجود، وتشكل العلاقات المجتمعية، فلها تأثيرها على الفنون والعادات والتقاليد، كعادات الزواج والولادة والدفن والنواح وغيرها..».
ولأني كثير التردد على جامع السلطان قابوس الأكبر بمحافظة مسقط، خصوصًا على مكتبته العامرة بأكثر من خمسين ألف عنوان حتى الآن، وأيضا سبق لي أن كتبت عن هذه المكتبة بشكل سريع؛ أرى في هذا المعلم الديني حضورًا واسعًا من السياح من العالم، ومنه العالم العربي، ولا يكاد زائر يزور عُمان إلا ويأخذ جولة في الجامع، إلا أنه لم يكن يوجد هناك تنظيم واستثمار سياحي حقيقي لهذا المعلم، وأحيانا تسمع الصراخ من هنا وهناك، وفيه حديقة جميلة يمكن أن تستثمر في مقهى، ومكان للتصوير والإبداع، كما رأيته في حديقة ضريح الشاعر الفارسي الشهير حافظ الشيرازي (ت 792هـ/ 1390م) في شيراز بإيران.
كما نجد استغلالًا للسائح من قبل بعض الشركات السياحية، وأحيانا ينقلون معلومات ومفاهيم مغلوطة لعدم اطلاعهم وتخصصهم، كذلك من قبل بعض سيارات الأجرة، والتي تستغل السياح، فتنقل صورة سيئة عن عُمان، وكنت أرجو -لكون هذا الجامع أكبر معلم ديني في عُمان، وبوابة السياحة الدينية في سلطنة عمان- أن يرفق بمتحف يعرف بالثقافة الدينية في عُمان قديمًا وحديثًا، وبتعددها الديني والمذهبي، وبتسامحها وتعايشها، مرفقا بالصور والنقوش والمخطوطات والرسائل، وأن يكون بوابة للسائح لزيارة المعالم الدينية الأخرى في البلد.
وأسعدني ما وجدته مؤخرا من تنظيم لهذا الجامع، من قبل الجهة المختصة، وتشجيعها للشركات الصغيرة، مع تعجبي من الجدل السلبي الذي شاهدته في بعض وسائل التواصل الاجتماعي، وقد قررت الذهاب بنفسي، وقراءة الواقع عن قرب، فأدركت أن العديد مما تسمعه في وسائل التواصل ليس صحيحا، والعديد من الكلام عن عجل، وعن عدم تثبت وتأنٍ، ولا أريد الدخول في النيات، فقد يكون صادقًا، لكن يحتاج إلى تثبّت وتأنٍ قبل التسرع في إطلاق الأحكام.
شاهدت فتية يقتربون من أربعين موظفًا، يتحدثون بما يقارب عشر لغات، معهم أفواج من السياح بالعشرات يوميًا، ومنظمون في أفواج منتظمة، وبطرق واضحة، يحملون ثقافة واسعة عن المعلم ومرافقه، وعن الثقافة الدينية في عُمان، وعن نقوشها وفنها، فلا استغلال لسائح، ولا فوضى في زيارة المعلم، ولا معلومات خاطئة توصل إليهم، مع تدريب القائمين بالتفويج السياحي على حسن المعشر، وجميل الخلق، فينقلون صورة حسنة عن هذه البلاد، لهذا ما رأيته كانت خطوة مهمة في مجال تصحيح المسار، فليس الخطأ أن تأتي متأخرًا، لكن الخطأ أن تظل في مكانك ولا تتقدم لتصحيح الخطأ.
كما سمعت منهم أن المشروع ما زال في أيامه الأولى، وهناك برامج سياحية للمعلم، كتوفير سماعات ترجمة مباشرة، وتوفير ما يتناسب في السياحة من مقهى متطور وتصوير وملابس وعيادة متنقلة وعناصر السلامة وغيرها، فضلا عن توفير فرص عمل جديدة، وخلق وظائف للباحثين، وجميع الكادر من العمانيين أنفسهم، ومن جيل الشباب، وهذا يعطي صورة حسنة للجانب السياحي، وفي الوقت ذاته استثمار مثل هذه المعالم هي الصورة الحسنة، بدل العشوائية، وسوء التنظيم، فضلا عن سوء استغلال مثل هذه المعالم.
إن تفعيل الجانب السياحي لهذا المعلم يعطيه صورة متكاملة، ففي المنظور الجمعي يقتصر عند الصلاة والجمعة، بيد أنه واقع أوسع بكثير، ففيه -كما أسلفت- مكتبة من أضخم المكتبات في عُمان من حيث جودة العناوين، وما توفره من جاهزية للباحثين، يقصدها باحثون من عُمان وخارجها، وفيه قاعة لطالما شهدت فعاليات ومؤتمرات وندوات محلية ودولية، وملحق به مركز ومعهد للدراسات الإسلامية والشرعية بجانب المواد الأساسية، وفيه مركز للتعريف بالإسلام وسماحته وتعايشه، كما فيه حديقة غناء تضفي جمالًا وبهاءً للموقع، كل هذا إذا أضيف إليه متحف يروي ذاكرة عمان الدينية، وإذا ألحقت به زوايا للإبداع والفن والرسم والنقش، خصوصا في الجوانب الدينية والإسلامية، ومقاهٍ للحديث والمثاقفة، وأماكن تصوير للذكرى والتوثيق، جميع هذا يعطيه صورة سياحية متكاملة، وجذبًا أكبر للسياحة.
إنَ تفكير العقل الجمعي في تنشيط الثقافة السياحية، كما شاهدناه في بعض الحارات العمانية؛ لهي حالة صحية، وتحتاج إلى دعم مجتمعي، كان رسميًا أم أهليًا، هذا لن يخلو من أخطاء، لكنه الصورة الصحيحة لرقي وتطور المجتمع سياحيا، كما أن تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة، يساعد في خلق وظائف أفقية تسهم في دوران المال بشكل إيجابي، وتوسع من دائرة الأمان المعيشي، وهذا ما نلحظه اليوم في جامع السلطان قابوس الأكبر، فعلينا أن نعطي الشباب شيئًا من الثقة، وشيئًا من سعة تجربة المحاولة، وألا نكون مطلقًا عنصر تذمر وتنمر، مع الحالة السلبية التي لا تتوافق والحالة الإيجابية التي ينبغي أن تصاحبنا في مثل هذه الجوانب التصحيحية.