أجابت دار الإفتاء المصرية عن هل الالتزام  بالفحوصات الطبية للمقبلين على الزواج واجب شرعًا؟ 

في فتوى تحمل رقم “8067”.

قائلة:- الفحص الطبي الذي يجريه الراغبون في الزواج والمقبلون عليه لاستكمال إجراءات عقد الزواج بينهما وفق ما اشترطه القانون ليس أمرًا صوريًّا، بل هو مطلوبٌ شرعًا؛ لما في ذلك من طاعة ولي الأمر، والالتزام بالقوانين المنظمة لهذه الأمور، ولما فيه من الوقاية المبكرة للزوجين وبصفة خاصة من الأمراض الوراثية والمعدية التي قد تُهدّد استقرار الأسرة وصحة أفرادها فيما بعد.

موقف القانون من اشتراط الفحص الطبي للمقبلين على الزواج

من المعلوم أنَّ الشرع الشريف قد اعتنى بالحفاظ على حياة الإنسان وصحته اعتناءً عظيمًا، فلم يترك شاردة ولا واردة يرفع بها ضررًا واقعًا أو يدفع خطرًا متوقعًا إلا ونصّ عليها بإشارة خاصة، أو انتظمها ضمن قاعدة عامة؛ فجاءت تعاليمه جَليًّة وفيَّة بكل ما يضمن سلامة الإنسان الجسدية والنفسيَّة، ويدخل في ذلك: الفحوصات الطبية اللازمة للمقبلين على الزواج عند إتمام إجراءات العقد، في ظل ما يشهده العصر الحديث من تطورٍ باهرٍ للأبحاث الطبية في مجال علم الجينات والهندسة الوراثية؛ إذ أصبح من الممكن معرفة ما إذا كانت هناك أمراض لدى الزوجين أو أحدهما، ومدى تأثير هذه الأمراض في الانتقال إلى ذريتهما، فيما يُعرف بالأمراض الوراثية.

وهو ما جعل المشرع المصري يُلزِم كلَّ مَن يرغب في الزواج: التأكد من سلامته الصحية التي تؤثر على سلامة الطرف الآخر وصحة نسلهما؛ حرصًا على مكاشفة المخطوبيْن ومصارحتهما من بداية الأمر؛ انطلاقًا من توفير بيئة آمنة وصحية للمجتمع المصري، ووقاية لأفراده وأجياله اللاحقة من الأمراض الوراثية والمعدية ما أمكن.

ولا يخفى أن الاهتمام بالوقاية في كل مراحلها وتجلياتها أبعثُ على النهضة الإنسانية، وأسرعُ في معدلات النمو المجتمعي، وأدلُّ على مستوى الرُّقيّ الحضاري.

وفي سبيل ذلك: اشترط المشرع المصري الفحصَ الطبيَّ للراغبين في الزواج والمقبلين عليه قبل الارتباط وتوثيق العقد، على أن تُحَرِّر الجهة المعنية الفاحصة شهادةً معتمدة بنتيجة الفحص، من أجل التأكد من خلوهما من الأمراض المعدية، أو الأمراض الوراثية، أو العيوب التي قد تؤثر سلبًا على صحتهما بعد العقد، أو صحة نسلهما؛ وذلك كإجراء لازم من إجراءات توثيق العقد، فقد نصَّت المادة (31 مكررًا) من قانون الأحوال المدنية المصري رقم 143 لسنة 1994م وفقًا لآخر تعديل صادر في سنة ٢٠١٨م، على أنه: [يشترط للتوثيق أن يتمّ الفحص الطبي للراغبين في الزواج للتحقق من خلوهما من الأمراض التي تؤثر على حياة أو صحة كلٍّ منهما أو على صحة نسلهما، وإعلامهما بنتيجة هذا الفحص، ويصدر بتحديد تلك الأمراض، وإجراءات الفحص، وأنواعه، والجهات المرخص لها به قرار من وزير الصحة بالاتفاق مع وزير العدل. ويُعَاقَب تأديبيًّا كلُّ مَنْ وثَّق زواجًا بالمخالفة لأحكام هذه المادة] اهـ.

حدود سلطة الحاكم في تقييد المباح

قد تقرر شرعًا أنه يجوز لولي الأمر التدخل بتقييد المباح بما يحقّق المصلحة ويدفع المفسدة؛ خاصة أن اشتراط إجراء هذه الفحوصات الطبية جاء بعد التوصيات المتخصصة القائمة على الدراسات والإحصاءات المستقرأة للواقع في هذا الشأن.

فتحقيق مصالح العباد في أنفسهم لن يتحقق إلا بطاعتهم لأولياء أمورهم؛ إذ لو ترك الأمر دون حاكم مطاع لكثر الفساد، وضاعت الحقوق، ولذا فنحن مأمورون شرعًا بطاعة ولي الأمر -الذي أصبح شخصًا اعتباريًّا يتمثل في مؤسساتٍ تشريعيةٍ، وقضائيةٍ، وتنفيذيةٍ- فيما يحقق مصالح الخلق: العامة والخاصَّة؛ وذلك لِعِظَمِ ما قد يؤول ترك العمل بها من مفاسد، وكذلك لكون طاعة ولي الأمر من طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي، وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ وَعَدَلَ: فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ: فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ» أخرجه البخاري في "الصحيح".

موقف الشرع من اشتراط الفحص الطبي للمقبلين على الزواج

على ذلك: فالفحص الطبي الذي يجريه الراغبون في الزواج والمقبلون عليه لاستكمال إجراءات عقد الزواج بينهما وفق ما اشترطه القانون ليس أمرًا صوريًّا، بل هو مطلوبٌ شرعًا؛ لما تقدم ذكره، ولما فيه من الوقاية المبكرة للزوجين وبصفة خاصة من الأمراض الوراثية والمعدية التي قد تُهدّد استقرار الأسرة وصحة أفرادها فيما بعد، وقد تقرّر في قواعد الفقه أن "الدفع أسهل من الرفع"؛ كما في "الأشباه والنظائر" للعلامة السبكي (1/ 127، ط. دار الكتب العلمية).

فالمراد بالدفع هنا: الاحتياطُ للمرض وتَوَقِّيه، والعملُ على تجنُّبِه وتَلَافيه، وأما الرفع: فهو إزالتُه بعد نزوله، ومحوُه بعد حلوله، فدفع المرض (وقايةً) يكون قبل ثبوته ابتداءً، والرفع (علاجًا) يأتي بعد وجوده انتهاءً؛ امتثالًا لقول الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195].

قال الإمام الشاطبي في "الموافقات" (2/ 260-261، ط. دار ابن عفان): [المؤذيات والمؤلمات خلقها الله تعالى ابتلاءً للعباد وتمحيصًا.. وفُهِمَ من مجموع الشريعة: الإذنُ في دفعها على الإطلاق؛ رفعًا للمشقة اللاحقة، وحفظًا على الحظوظ التي أذِنَ لهم فيها، بل أذن في التحرز منها عند تَوَقُّعِها وإن لم تَقَعْ.. فمن ذلك: الإذنُ في دفعِ ألم الجوع والعطش، والحر والبرد، وفي التداوي عند وقوع الأمراض، وفي التَّوَقّي من كلِّ مؤذٍ؛ آدميًّا كان أو غيرَه، والتحرُّزِ من المتوقَّعات حتى يُقدِّم العُدَّة لها، وهكذا سائر ما يقوم به عيشُه في هذه الدار؛ من درء المفاسد وجلب المصالح.. وكونُ هذا مأذونًا فيه: معلومٌ من الدين ضرورة] اهـ.

والأصل في الوقاية بصفة عامة: أنها مرحلة استباقية لمنع وصول الداء إلى الجسد في الابتداء، فهي خط الدفاع الأول ضد المرض، فإذا وصل الداء للجسد كان العلاج هو خط الدفاع الثاني؛ ولذلك كانت الوقاية المتمثلة في إجراء الفحوصات الطبية للمقبلين على الزواج وبيان حالتهم الصحية مقدَّمةً على الآثار الناجمة من اكتشاف الأمراض محل الفحص بعد إتمامه؛ لأنها آمَنُ منه خطرًا، وأيسرُ تبعةً، وأقلُّ تكلِفةً، وتتماشى مع جهود الدولة الهادفة إلى تحقيق حياة كريمة متكاملة لمواطنيها. وممَّا ذُكِر يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: للمقبلين على الزواج الإفتاء تجيب للمقبلین على الزواج الأمراض الوراثیة الفحص الطبی ن فی الزواج من الأمراض الله تعالى ى الله

إقرأ أيضاً:

حكم إفطار مريض السكر الذى يتضرر من صيامه.. الإفتاء تجيب

هل يجوز لمريض السكر الذى يتضرر من صيامه ولا يرجى شفاؤه الإفطار وهل عليه فديه؟ سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية.

وقالت دار الإفتاء عبر صفحتها الرسمية على فيس بوك فى اجابتها عن السؤال: إنه يجوز لمريض السكَّر الذي يتضرَّر بصومه ولا يرجى شفاؤه،  الفطر في رمضان.

وأوضحت أن مريض السكر الذى أفطر لتضرره من الصوم ولا يرجى شفاؤه عليه إخراج الفدية عن كل يوم أفطره وقدرها 30 جنيهاً كحد أدنى، ومن زاد فهو خير له.

حكم استعمال بخاخة الربو أثناء الصيام.. الإفتاء توضحهل على الحامل التى منعها الطبيب من الصيام كفارة أو فدية؟.. الإفتاء تجيبحكم استخدام قطرة العين والأنف والأذن أثناء الصيام.. الإفتاء تجيبدعاء الصائم عند الإفطار .. كما كان يردده النبيحكم صيام مريض السكر

حكم صيام مريض السكر،السكرمن الأمراض المزمنة وله درجات مختلفة، وحكم صيام مريض السكر مبني على طريقة علاج المريض الموصوفة له من قبل الطبيب، فمن المعروف أن تعامل الأطباء مع مرضىالسكريكون على أحوال ثلاث وهي كالآتي:

-الحالة الأولى: يكون علاج المريض في هذه الحالة عبارة عن تنظيم الوجبات بالإضافة إلى ممارسة بعض التمارين الرياضية، فهؤلاء المرضى عليهم أن يصوموا، لأنه لا خوف عليهم من الصيام، لأن المرض لديهم خفيف، ولن يؤثر الصيام عليه، مع الأخذ في الاعتبار إذا تبين حدوث ضرر في حالة صيام المريض من خلال توصية الطبيب المعالج، فيكون على المريض أن يأخذ بالرخصة وأن يفطر ويخرج الفدية عن كل يوم يفطره إطعام مسكين.

-الحالة الثانية: يكون علاج المريض في هذه الحالة عبارة عن عقاقير موصوفة من قبل الطبيب المعالج، مع برنامج غذائي، وهما على نوعان:

-النوع الأول: المريض الذي يتناول العقاقير مرة واحدة يوميًا، وهذا المريض لا إشكال في صيامه، لأنه من الممكن أن يتناول الدواء قبل الفجر.

-النوع الثاني: المريض الذي يتناول العقاقير مرتين أو ثلاث مرات يوميًا، في هذه الحالة يمكن للمريض أن يتناول الدواء قبل الفجر وبعد الإفطار، بدون أن يلحق بالمريض ضرر من الصوم، أما إذا كان تأخير تناول العقاقير ففي هذه الحالة عليه أن يأخذ الدواء ويترك الصوم.

-الطريقة الثالثة: يكون العلاج في هذه الحالة عبارة عن حقن الأنسولين مرة أو مرتين يوميًا أو أكثر من ذلك، ففي حالة صيام المريض الذي يعالج بالحقن فهذا يجوز شرعًا ولا يعد الصيام فاسدًا.

مقالات مشابهة

  • حكم خلع الأسنان أثناء الصيام؟ الإفتاء تجيب
  • هل ليلة القدر متغيرة أم ثابتة عند يوم محدد؟.. الإفتاء تجيب
  • هل الإفطار في رمضان يكون بالمدفع أم بالأذان؟.. الإفتاء تجيب
  • حكم صيام من نهاه الطبيب عن الصوم.. وهل عليه وزر إذا صام.. الإفتاء تجيب
  • دار الإفتاء المصرية: التشدد في منع التوسل بالنبي والأولياء تضييق على الناس
  • حكم إفطار مريض السكر الذى يتضرر من صيامه.. الإفتاء تجيب
  • متى يجب الصوم على الأولاد والبنات؟.. الإفتاء تجيب
  • هل يكون الإفطار في رمضان بمدفع الإفطار أم بالأذان؟.. "الإفتاء" تجيب
  • «أحمد كريمة»: على المرأة إعانة زوجها على الزواج بأخرى بدلًا من الفاحشة
  • هل الصيام صحيح حتى لو لم يشعر الصائم بلذّة العبادة؟.. الإفتاء تجيب