لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.. هكذا يبدو الجو العام في غالبية العالم. لا يمكنك التطرق لموضوعات حياتية أخرى إلا وموضوعات أحداث غزة العزة تقف أمامك، فلا يمكنك أن تتحدث عن غيرها، وإن لم يجبرك أحد. فلا شيء يمكنه دفع قضايا غزة عن الواجهة. لا يمكن لكاتب أن يتطرق أو يكتب عن قضية يراها الآن أهم من قضية المعركة الدائرة في غزة بين الحق والباطل.
المحطة الأولى
الغرب ظهر في هذه الأحداث بوجهه الحقيقي البشع. الوجه الذي كان عليه في العصور الوسطى. لا عهد ولا ذمة ولا أخلاق. إنما الوحشية الفوضوية الهمجية الحاقدة، مغلفة بروح صليبية متعصبة عمياء. هذا الغرب الذي قال للعالم عملياً منذ السابع من أكتوبر بأن القوانين الدولية التي هو من وضعها وصدّع رؤوسنا بها لسنوات طوال بحثاً عن مصالحه، ليست قابلة للتطبيق عليه وعلى حلفائه، بل إن صح التعبير، قال بوضوح أكثر: لا قوانين نافذة مؤثرة اليوم وإن كانت دولية أممية، طالما كنت تملك ساعداً قوياً وسلاحاً أقوى! إنها شريعة الغاب التي كنا نقرأ ونسمع عنها في الكتب.
المحطة الثانية
العرب في المقابل، ومعهم بقية مسلمي العالم، وأقصد الرسميين لا الشعوب، أثبتوا عملياً أنهم ليسوا سوى أدوات وظيفية بيد الغرب. جزء منهم يسير في الفلك الأمريكي، وآخر مع الفرنسي، وثالث مع الروسي وهكذا هم. متناثرون بين معسكرات العالم المختلفة إلا المعسكر العربي المسلم ! فلا قوة عربية قائدة موجهة، ولا بالمثل قوة إسلامية مؤثرة ملهمة. إنما الجميع، إلا ما رحم ربي وقليل ما هم، تجده يردد: نفسي نفسي.
انتظر العالم طويلاً، موقفاً عربياً أو إسلامياً مما يجري في غزة الأبية، حتى يكون معياراً يتحرك الآخرون على أساسه. فكانت القمة الهزيلة بالرياض بعد شهر من العدوان، والتي ما زادت صورة العرب والمسلمين الرسميين إلا هشاشة وخزياً متجددا.
المحطة الثالثة
المرجفون في المدينة، والمثبطون والمنافقون ومن اصطلح على تسميتهم بصهاينة العرب، ظهرت خفاياهم ودواخلهم في هذه الأحداث أكثر مما مضى. وبدت بواطنهم سوداء حالكة وخبيثة، بل وجدنا كثيراً من نفوس نصرانية وحتى يهودية، أرقى منهم وأكثر إنسانية وأقل سواداً وخبثاً. الإنسانية التي انعدمت تماماً في نفوس صهاينة العرب، وأعادوا أيام ابن سلول في المدينة إلى الواجهة تارة أخرى. يسرحون ويمرحون دون أدنى خجل أو ذرة حياء.
المحطة الرابعة
المقاطعة الاقتصادية فرضت نفسها على الواقع الشعبي، بعد أن وجدت الملايين من هذه الأمة، عرباً وعجما، أن القوة العسكرية ليست متاحة لأي أحد، وليس بالتالي من المنطق أن يتم اتخاذ ذلك مبرراً للقعود والتخلف عن المساهمة في دفع الظلم عن أهل غزة، فظهرت المقاطعة إلى الواجهة، حتى بدأت الشركات الداعمة للصهيونية والعدوان على غزة التي افتخرت بداية الأمر بدعمها، ترفع أصواتها بالاعتذار هنا وهناك، وأن مواقفها قد أُسيء فهمها ! وهذا ما يدعو للاستمرار وبكل فعالية، بل أرى أن تكون المقاطعة من الآن وصاعداً، ثقافة مجتمعية، لا رد فعل مؤقتاً على حدث وتتوقف. لابد أن نتوقف ونتفكر في كل دولار واحد يتم ضخه في عجلة اقتصاد دول معينة، تفاخرت وجاهرت بدعم العدوان، وعلى رأسها الولايات المتحدة ثم ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والهند، كأبرز دول تفاخرت وهرولت سريعاً نحو عالم الصهاينة.
المحطة الخامسة
أهل غزة أعادوا لهذه الأمة أملاً كاد أن يختفي ويضمحل، متمثل في صبرهم على البلايا وعظائم الأحداث، واحتساب الأجر عند الله، وعدم انتظار القريب أو البعيد في تصريف شؤون حياتهم، على رغم شدة وقسوة ما يواجهونه، حتى صارت عبارات «الحمد لله، ونرجو الله الشهادة، وتوكلنا على الله، وصامدون» وغيرها من عبارات وكلمات، شعارات واقعية عملية. قول وفعل. الأمر الذي أغاظ أعداء الله من الصهاينة ومن معهم وساندهم.
المحطة السادسة
كتائب عز الدين القسام أعادت للواجهة سيرة الصحابة الفدائيين الأبطال. سيرة سعد وخالد والزبير والمقداد وغيرهم، بعد أن أغرقت وسائل التواصل، الشباب قبل الكبار، الرجال والنساء، ودخلت الجموع الهائلة في منافسات للتفاهة والتفاخر بسفاسف الأمور. فإذا مشاهد بطولية فدائية لمجاهدي القسام تلهب النفوس، فصارت تنتظرها بفارغ الصبر، حتى تحولت بيانات أبي عبيدة الموجزة القصيرة إلى أنغام يستمتع السامع بكل كلمة، وأصبح قدوة للأطفال والشباب في مظهره وكلماته وأسلوب إلقائه، وصارت صورهم وصواريخهم محلية الصنع، أيقونات وشعارات يفتخر بها الكثيرون، بل بدأ آخرون من خارج الملة يبحثون عن السر الذي يجعل الغزاوي والغزاوية، الصغير قبل الكبير، يصمد ويبتسم في وجه الأهوال. اكتشف هؤلاء سريعاً أن الدين هو سر هذا الصمود، لا غيره.
المحطة السابعة
إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون ، وترجون من الله ما لا يرجون. هكذا تلخص الآية الواقع الحالي في غزة، التي صارت شرفاً لهذه الأمة، وآخر قلاعها المرتبطة بالسماء. هذه القلعة التي إن لم نحافظ عليها ونعض عليها بالنواجذ، فلن تقوم لهذه الأمة قائمة إلى قرن قادم من الزمان. وهلاك هذه العصبة المؤمنة – لا قدر الله – قد يكون بداية عهد جديد استعماري بغيض تحت الراية الصهيوصليبة، حيث الكثير الكثير من المذلة والهوان، أضعاف ما الأمة عليها اليوم. لكن أملنا بالله كبير وفي نصرته لهذه الثلة المؤمنة المجاهدة - ونحسبهم كذلك - والتي ربطت نفسها بالسماء مبكراً، فلا قوانين ولا زعامات ولا قامات أرضية تنفعهم، فقد تبين لهم ذلك نهاراً جهارا، وهذا الارتباط الوثيق بالسماء هو أجمل ما في المشهد الغزاوي. والله سبحانه بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(الشرق القطرية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة فلسطين غزة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه الأمة
إقرأ أيضاً:
خطبة الجمعة من المسجد النبوي: الإيمان العميق وحسن الظن بالله هما سر ثبات الأمة في أقسى الأزمات
ألقى فضيلة الشيخ عبدالبارئ الثبيتي خطبة الجمعة اليوم بالمسجد النبوي الشريف، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله تعالى، تقوى من يرجو دار النعيم.
وبيّن فضيلته أن الحياة وتقلباتها وتحدياتها يجد الإنسان خلالها حاجته إلى الشعور بما يبدد القلق، ويمنحه الطمأنينة، ويبعد عنه الخوف والشك.. وأن حسن الظن بالله يمضي بمسيرة حياة الإنسان بثقة اطمئنان، وإذا أيقن الإنسان بأن الله يعده لمستقبل مشرق عاش بالأمل برحمة الله، فتحركه قوة الإيمان إلى السعي والإبداع.
وقال: “إن من سنة الحياة الابتلاء الذي يأتي فجأة ليختبر الصبر، ويزيد اليقين بحسن الظن بالله في تحول المحنة إلى منحة، فالتوكل على الله غذاء حسن الظن بالله، ومصدر للقوة المعنوية التي تحمي من اليأس في مواجهة الهموم، وأن من توكل على الله بصدق تشرب قلبه الثقة بأن الله لن يخذله، ويرى في الفتن طريقًا للنجاح وسلمًا للارتقاء وصقلاً للذات.
وأشار إمام وخطيب المسجد النبوي إلى قصة مريم وهي في أشد لحظات الضيق حين لجأت وقت المخاض إلى جذع النخلة، وكان حسن ظنها بالله راسخًا، قال تعالى: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا}.
وتابع الثبيتي بأن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يتجلى حسن الظن بالله، ففي الهجرة مع أبي بكر وقد حاصرهم الخطر قال أبو بكر للنَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّمَ-: “لو أنَّ أحَدَهم نَظَر تحْتَ قدَمَيْه لَأبْصَرَنا”، فقال له -صلَّى الله عليه وسلَّمَ-: “ما ظنُّكَ يا أبا بَكرٍ باثْنَينِ الله ثالثُهما”.
وأوضح أن جل الإيمان العميق وحسن الظن بالله هما السر الكامن في ثبات الأمة في أقسى الأزمات، مبينًا أن الأمة مرت على مر العصور بأزمات خرجت منها أكثر قوة.
وبيّن فضيلته أن حسن الظن بالله لا يعني التواكل والكسل وترك العمل، بل هو محفز على الجد والاجتهاد، وأن من مقتضيات حسن الظن بالله بذل الجهد وخدمة الدين والأمة وبناء الوطن.. ففي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تَقوم حتى يَغرِسَها، فليَغرِسْها”. وقال جل من قائل: {وَمَن يَتَّقِ اللَّه يَجْعَل لَّه مَخْرَجًا وَيَرْزُقْه مِنْ حيث لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه فَهُو حَسْبُه إِنَّ اللَّه بَالِغُ أَمْرِه قَدْ جَعَلَ اللَّه لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}.