عاجل.. د. مصطفى ثابت يكتب: فن إقالة الكفاءات
تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT
إذا أردت البناء المؤسسي فعليك بالكفاءات، وإذا أردت الهدم، فعليك بالإطاحة بهم، خاصة تلك الفترة التي تشهد تهميشًا لبعض القيادات الكفء، والتي تسببت النزاعات الشخصية في الإطاحة بهم، بدلا من الاحتفاظ بهم، مما يستدعي الأمر أن نطرح تساؤلا حول إقالة الدكتور حاتم جمال وكيل وزارة الصحة بالفيوم.
الدكتور حاتم جمال الدين، هو أحد أبناء المحافظة، والذي قاد محافظة الفيوم في مواجهة أزمة كورونا في الموجة الأولى، كان يشغل وقتها مدير مستشفى التأمين الصحي، وظل يواجه في الموجة الثانية والثالثة، وبعدها تقلد مدير مستشفى التأمين الصحي بحلوان، وسافر إلى السودان في مواجهة السيول وظل خلال شهر هو ومجموعة العمل يعملون ليل نهار، تحت الاضطرابات، وتعرض للقتل مرتين من الفرق المتناحرة في السودان، ثم في 2021 تقلد منصب وكيل وزارة الصحة بالفيوم.
في عهده، تم افتتاح قسم الكلى الجديد بالفيوم العام، كذلك افتتاح قسطرة القلب بمستشفى طامية المركزي، وافتتاح قسم جراحات القلب والصدر بطامية، وافتتاح وحدة السكتة الدماغية بمستشفى الفيوم العام، وافتتاح وحدة التصلب المتعدد بمستشفى الفيوم العام، وافتتاح وحدة التفتيت بمستشفى الفيوم العام، افتتاح قسم المناظير التداخلية بمستشفى الفيوم العام، كما تم تطوير وحدة الغسيل الكلوي بمستشفى طامية المركزي، وتطوير وحدة الغسيل الكلوي بمستشفى سنورس المركزي، وهيكله توزيع الأطباء بالمديرية، وإدخال الصيدلة الإكلينيكية بمستشفيات الفيوم، وإدخال اعتماد الجهاز بمستشفيات الفيوم.
على الرغم من أن اقتصاد العمل الحديث يشهد تطورًا سريعًا، حيث تتغير توجهات الشركات والمؤسسات في اختيار واستقطاب الكفاءات والموظفين، خاصة وأن الكفاءات العالية تلعب دورًا حاسمًا في نجاح أي منظمة، لكن في بعض الأحيان، قد يلجأ بعض القادة إلى إقالة الكفاءات بدلًا من الاحتفاظ بهم، إلا أنه على الرغم من الحراك والنجاحات التي تمت في عهد الدكتور جمال، والتي يشهد عليها وزير الصحة شخصيًا، إلا أنه تم الإطاحة به.
عدم تحقيق الأهداف المنشودة، وعدم التوافق الثقافي، والسلوك غير المهني، جميعها أسباب من الممكن أن تتسبب في الإطاحة بأي قيادة، ولكن من لم تتوفر فيه تلك الأسباب فما الداعي إلى إقالته، سوى النزاعات الشخصية!
فما يحدث مع الدكتور حاتم جمال الدين، يذكرني بما حدث سابقا مع أحد القيادات التاريخية للقطاع الصحي في محافظة الفيوم وهو الدكتور صلاح أبو طالب، عندما تولى شؤون التأمين الصحي لمدة تزيد على 20 عاما، حقق خلالها نجاحات كبيرة يعيش على آثارها إلى اليوم قطاع التأمين الصحي في المحافظة، ونتيجة اختلافات شخصية مع أحد قيادات المحافظة حينها تمت الإطاحة به،على الرغم من أنه تحدى الظروف الصعبة وقتها وقاتل وحقق منظومة ناجحة يشهد لها الجميع وأسس مركز أورام الفيوم الذي يشهد له الجميع اليوم.
على الرغم من عدم لقائي بالدكتور جمال من قبل إلا مرتين فقط كانت في وزارة الصحة، لكن الحديث عن الاستياء الذي عم جموع الأطباء والعاملين بالمنظومة الصحية بالمحافظة، دفعني إلى الكتابة عن الإطاحة به، ولكني أرى أن هذا الطريق الخاص بالإطاحة بالكوادر الجيدة، سيقودنا إلى طريق لا يحمد عقباه، وأتمنى من القائمين على اتخاذ القرار تصحيح ذلك الوضع.
لأن حجم الخسارة الذي يتعرض لها الوطن، نظير تهميش الكفاءات مثل الدكتور حاتم جمال، بسبب أمور لا علاقة لها بمعايير اختيار المسؤول الناجح يكلف الوطن خسارة كبيرة، لأن في هذه الحالة من نعتمد على وصولهم، لم يصلوا بالاعتماد على قدراتهم، لأن المتتبع للواقع الذي نعيشه فيما يخص المنظومة الصحية بالمحافظة يظهر له جليًا مدى كفاءة هذه الشخصية التي تحملت المسؤولية في أصعب الظروف ومنها أزمة كورونا، وتم الإطاحة بها لأسباب بعيدة كل البعد عن معايير اختيار القيادات والكفاءات المناسبة.
وعلى المستوى الشخصي أشهد للدكتور حاتم جمال الدين أنه يطبق القانون كما يجب أن يكون والجميع عنده سواسية، فأنا بحكم أنني أحد أبناء محافظة الفيوم المهتمين بالعمل العام، أتلقى بعد الطلبات بالنقل وغيره ممن يعملون في القطاع الصحي، وكنت أتقدم بها للدكتور جمال وكانت غالبيتها لم يتم الاستجابة لها لعدم تماشيها مع سياسة المديرية في التوزيع، ورغم ذلك كنت احترم ذلك جدا وأقدره لأنه ينفذ القانون دون أي مجاملات، وهذا ما كان يحدث أيضا مع كافة النواب والشخصيات العامة في المحافظة وغيرها، يتلقى الطلبات ومن يتعارض طلبه مع سياسة المديرية كان لا يستجيب له نهائيًا.
رسالتي إلى المسؤولين عن هذا القرار بضرورة أن يكونوا مع الواقع، ويقوموا برسالتهم التي أوكلت إليهم بالعمل بإخلاص وأمانة، ومعاملة الجميع انطلاقا من مبدأ العدالة والتقييم العادل لكل من أوكلت له مسؤولية، لا لأمور أخرى تؤثر على الوطن بعدم الاستفادة من الكفاءات.
في النهاية أوجه رسالتي مرة أخيرة لأصحاب قرار الإطاحة بالدكتور حاتم جمال، وهي أن أهم ركيزة في عمل كل مسؤول وكل مؤسسة هي حماية وتعزيز سيادة القانون بترسيخ مبادئ العدالة والمساواة والاستعانة بالكفاءات لا تصفية الحسابات والنزاعات الشخصية.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: مصطفى ثابت التأمین الصحی الفیوم العام على الرغم من
إقرأ أيضاً:
حاتم الجمل عمدة فن المولوية .. يفتح أشرعة الخيال والتجلي الروحاني عبر الدوران
على مدى أكثر من عام يكون لي نصيبا من حضور البرنامج الرمضاني في دار الأوبرا السلطانية، والذي تحضر فيه مجموعة من الفرق الانشادية العربية لتقدم من موروثها الديني والانشاد الصوفي أروعه، ولطالما اقترن ذلك مع فنون بصرية تضفي على الفن الصوتي جمالا آخر وبعدا أعمق تنتشي به الروح وتتجلى بالذكر النبوي والديني، ومن تلك الفنون "فن المولوية" التي تقترن مع الفرق الانشادية السورية، ويعد فن المولوية أحد أبرز الفنون الصوفية التي تعبر عن التأمل الروحي والسمو بالنفس من خلال الدوران جهة اليسار بتناغم إيقاعي على ألحان الانشاد الصوفي، وتشير المصادر إلى أنه تأسس على يد جلال الدين الرومي في القرن الثالث عشر الميلادي، ويمزج الفن بين الحركة التعبيرية العميقة والتأمل، ليكون وسيلة للتقرب إلى الله ويرتدي مؤدوه ملابس رمزية، حيث يرمز اللون الأبيض إلى الكفن، والطربوش إلى القبر، فيما تعبر العباءة السوداء عن الدنيا، والتي يتم خلعها أثناء الأداء كدلالة على التحرر من قيود الحياة المادية.
في حفل انشادي أقيم بالأوبرا قبل عامين، لفت انتباهي مؤدي لفن "المولوية" وهو حاتم الجمل، إذ بدى أكبرهم سنا إلا أنه يتمتع بالنشاط والحيوية بشكل كبير، أجبرني أداءه السلس والعذب والطويل في المدة إلى التأمل فيه، وجدت في ملامحه شرودا عن المكان، وكأنه يسرح في ملكوت الله، غارقا في عذب النشيد، منتشيا وطَرِبًا بالإيقاع والنغم، لتتكرر زيارته لسلطنة عمان في هذا العام، فكانت فرصة سانحة لحواره والغوص في أغوار احساسه، هنا عرفت أني أحوار روحا طيبة بشوشة مرحة، وعمدة لفن المولوية –إن جاز وصفي له- فإلى ما جاء في الحوار:
*****************************************************************************************
- متى بدأت ممارسة فن المولوية؟ وكيف تستمر بهذه الحيوية والنشاط رغم التقدم في السن؟
• أولاً، أرحب بك وبجميع أهل عمان الكرام، الذين عُرفوا بالكرم والجود، لقد كانت لي مشاركات عديدة في سلطنة عُمان، ودائمًا ما أشعر بالتميز خلال لقاءاتي مع أهلها الطيبين، أما بالنسبة لفن المولوية، فقد تعلمناه منذ الصغر عن آبائنا وأجدادنا، وهو فن يقام في مجالس الذكر ومدح الرسول الكريم، حيث يترافق مع الإنشاد والتأمل الروحاني، هذه الممارسة ليست رياضة جسدية، بل هي رياضة روحانية عميقة تمنح المؤدي طاقة داخلية متجددة، ورغم أنني أُعتبر من أقدم المولويين في دمشق، بل وربما في العالم العربي، إلا أنني ما زلت أمارس هذا الفن، لأن الروحانية التي يتمتع بها المولوي تمنحه طاقة متجددة، إلى جانب الإحساس العميق بالكلمات والألحان التي ترافق الدوران.
*****************************************************************************************
- لماذا يدور المولويون دائمًا جهة اليسار؟
• الدوران في المولوية ليس عشوائيًا، بل هو رمز لحركة الكون، فكل شيء في هذا الكون يدور جهة اليسار، من الأفلاك والكواكب إلى الذرات وحتى الحجاج الذين يطوفون حول الكعبة، نحن ندور بنفس الاتجاه، مع القلب، تعبيرًا عن توجهنا إلى الله تعالى، كما تدور الملائكة حول العرش تسبح بحمد الله.
*****************************************************************************************
- ذكرت أن المولوية ليست رياضة جسدية، بل روحانية، هل هذا يعني أنك لا تشعر بالتعب أثناء الأداء؟
• تمامًا، كثيرًا ما يُطرح عليّ هذا السؤال حول التمارين التي أقوم بها قبل الأداء، وإجابتي دائمًا هي أنني لا أقوم بأي تمرين سوى ذكر الله ومدح الرسول، الطاقة التي تمنحني القدرة على الدوران تأتي من هذه الروحانية، وأشعر أنني أستمدها مباشرة من الذكر والإنشاد، كما أن تفاعل الجمهور معنا يضفي المزيد من الروحانية والاندماج، مما يمنحني طاقة إضافية.
*****************************************************************************************
- حدثنا عن مشاركاتك في سلطنة عمان؟
• شاركت في فعاليات عديدة، وكان زملائي أيضًا قد شاركوا في سلطنة عُمان. وفي إحدى المشاركات كان معنا طفل يُدعى عصام، وهو ابن الأستاذ محمود الطير الذي قدم معنا اليوم حفلا انشاديا، وهو ينتمي إلى عائلة مولوية عريقة، فجده ووالده وأعمامه كلهم من المولويين، تمامًا كما هو الحال في عائلتي، وقد تم تدريبه على يد والده، كما أنني قمت بتدريب أبنائي وأبناء إخوتي وأخواتي على هذا الفن.
*****************************************************************************************
- هل هناك معاهد متخصصة لتعليم فن المولوية، أم أن تعلّمه يتم من خلال التناقل بين الأجيال؟
• لا توجد معاهد رسمية لتعليم المولوية، بل يتم نقلها من جيل إلى جيل عن طريق الأساتذة والمربين، أهم شرط لتعلم هذا الفن هو الرغبة الصادقة والاندماج الروحاني، فمن دون رغبة قوية، يصبح من الصعب جدًا على أي شخص أن يتقن المولوية، لأنها ليست مجرد حركات جسدية، بل هي حالة روحانية عميقة تتطلب إيمانًا داخليًا.
*****************************************************************************************
- ما أطول مدة قمت فيها بالدوران خلال الأداء؟
• عندما كنت في العشرينيات والثلاثينيات من عمري، كنت قادرًا على الدوران لمدة تصل إلى ساعة متواصلة، أما الآن، فأدائي يستمر عادة لمدة 20 إلى 30 دقيقة، لكن ليس هناك مدة ثابتة، فالأمر يعتمد على مدى اندماجي في الذكر ومدح الرسول، وعلى ما يقدمه لي المنشدون من أجواء روحانية.
*****************************************************************************************
- هل طرأت تطورات على فن المولوية مع مرور الزمن؟
• أدخلنا بعض الحركات الطفيفة المستوحاة من الذكر والإنشاد، لكن الأساس لم يتغير، في الأصل، كانت حركة المولوية تعتمد على رفع اليد اليمنى إلى الأعلى وخفض اليسرى، تعبيرًا عن الأخذ من الخالق والعطاء للمخلوق، هذه الحركة لها معانٍ صوفية عميقة، مثل التوجه إلى الله بيدنا اليمنى وعدم الرغبة في الدنيا التي تمثلها اليد اليسرى، أضفنا بعض الإشارات الأخرى التي تعبر عن الذكر والتأمل، ولكن مع الحفاظ على جوهر الفن وروحانيته.
*****************************************************************************************
- هل يقتصر فن المولوية على دمشق فقط؟ أم أنه موجود في مناطق أخرى؟
• المولوية موجودة في دمشق وحلب، كما أنها تمارس في تركيا، حيث تأسست على يد مولانا جلال الدين الرومي، ومقامه في قونية. توجد أيضًا في مصر، لكن الفرق المصرية تقدمها بأسلوب استعراضي أكثر منه دروشة مولوية، فهم يستخدمون الألوان ويقدمون عروضًا فنية، بينما نحن نمارسها باللباس الأبيض الفضفاض وبطريقة روحانية.
*****************************************************************************************
- هل لديك فرقة خاصة، أم أنك تتعاون مع فرق أخرى؟
• لدي فرقتي الخاصة من المولويين، لكنني أيضًا أتعاون مع فرق إنشاد حول العالم. لقد قمت بأداء المولوية في العديد من الدول، من المشرق إلى المغرب، وأوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا وحتى الهند وباكستان والصين، كما تشرفت بالعمل مع كبار المنشدين، مثل الأستاذ محمد ياسين المرعشلي، الذي يعد من كبار مشايخ الإنشاد الصوفي.
*****************************************************************************************
- في الختام، ما الذي تعنيه لك المولوية؟
• المولوية ليست مجرد فن أو أداء حركي، بل هي طريق للتأمل والسلام الداخلي والمحبة. إنها وسيلة للتقرب إلى الله من خلال الذكر والتواضع والروحانية. طريقتنا تقوم على الأدب والمحبة والأخوة، وهي رسالة سلام نوجهها للعالم أجمع.