بركان مونا لوا..عملاق البراكين في عالمنا
تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT
يتسامى بركان مونا لوا في سماء هاواي كأكبر بركان نشط في العالم، حيث يرتقي إلى ارتفاع يُقدّر بنحو 4 كم فوق سطح البحر، مع قاعه يمتد لنحو 5 كم تحت الماء. يمتد هذا العملاق البركاني على نصف مساحة جزيرة هاواي، وهو قد بدأ تشكيله منذ مليون سنة، شاهدًا على ثورانات عديدة، آخرها كان في عام 1984 حيث غمرت الحمم البركانية مناطق قريبة من بلدة هيلو.
تاريخ نشاط بركان مونا لوا
عبر آلاف السنين، عاش بركان مونا لوا مراحل متعددة من الثورات المتكررة، تارة كانت في قمته وتارة أخرى عند تدفق الحمم من فتحات التهوية. شهد هذا العملاق البركاني 33 ثورانًا منذ عام 1843، يُظهر أنّ البراكين ليست فقط قوة طبيعية، بل أيضًا سجلًا حي لتكوين الأرض.
تركيب هندسي استثنائي
تمتاز براكين هاواي، بما في ذلك مونا لوا، بتركيب هندسي فريد. يتبلور هذا في شكل "البراكين درعية" التي تتدفق ببطء، وتتسم بميل طفيف على جوانبها. تشكّل هذه البراكين على نطاق واسع، وتظهر ثوراناتها بلطف، مما يتيح للمراقبين استكشاف جمالها دون الخطر المفاجئ.
رحلة بركانية في تشكيل الأرض
تعكس ثورانات بركان مونا لوا، على مدى آلاف السنين، تغيّرات جذرية في سطح الأرض. تغطي تدفّقات الحمم نحو 90% من سطح البركان، مساهمة فريدة في تشكيل المنطقة وتحديد ملامحها.
فهم بركان مونا لوا لا يقتصر فقط على قوته وثوراته المتكررة بل يمتد لتفاصيل هندسية استثنائية. يبلغ طول بركان مونا لوا 97 كم وعرضه 48 كم، ويرتفع إلى 9 كم فوق سطح المحيط. يتشكل من فوهة رئيسية تُدعى "Moku‘āweoweo"، ويمتد عبر ثلاثة نطاقات: الشمال الشرقي، والشمال الغربي، والجنوب الغربي.
تمثل الطبيعة الدرعية لبركان مونا لوا تدفق الحمم البطيء من شقوق في جذع البركان أو من القشرة الأرضية، مما يخلق بنية مستمرة ومائلة. تعد ثوراناته لطيفة مقارنة بالبراكين الأخرى، حيث يعتقد العلماء أن بركان مونا لوا تكون قد تشكلت قبل مليون سنة على نحو طبيعي، حيث تدفقت الحمم الساخنة عبر صدع في قشرة المحيط.
إنّ هذا البركان الضخم ليس فقط معلمًا طبيعيًا بل درسًا حيّا في تطور الأرض وقدرتها على تشكيل المناظر الطبيعية. يظل بركان مونا لوا لغزًا حيث يكشف للعلماء والباحثين عن أسرار تاريخ الأرض وطريقة تكوّنها.
المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
اليمن.. حيث الجبال تتكئ على سواعد الرجال
دفنا، في الأرض التي وشمتها الشمس بقُبلٍ من ذهب، ونقشت على جبالها ملحمة الكبرياء، تنبض القبائل اليمنية بروحٍ أزلية، كأنها شريانُ الأرض الذي يضخ الحياة في صخورها الوعرة. لا تُشبه القبائل هنا نظيراتها في أي أرضٍ أخرى، فهي ليست مجرد كُتلٍ سكانية، بل أممٌ قائمةٌ بذاتها، ذات شِفراتٍ لا يفكّ طلاسمها إلا من خبرها، وتقاليدٍ تنحني لها السنون، وقوةٍ لا تهرم مهما اشتعل الشيب في لحى رجالها.
في اليمن، لا تُحَدّد الجغرافيا مصائر الناس، بل هم من ينحتون قدرهم بأيديهم. وإذا كانت بعض الشعوب قد وجدت هِبات الطبيعة ممهدةً لها طريق الحضارة، فإن القبائل اليمنية لم تجد إلا الجبال الشاهقة، فحملتها على أكتافها، وحوّلتها إلى قلاعٍ من العزّة، وسدودٍ من الإرادة، وأبراجٍ تراقب منها سماء الكرامة، فلا يُحلق في أفقها إلا من عرف معنى المجد.
هنا يولد الرجال وسيوفهم مشحوذة ، كأن الحديد قد التصق بالعظم، وكأن الطلقات صدى لنبض قلوبهم.
يُفطم الطفل على أزيز الرصاص، وتكون أولى لُعبه مقبض خنجرٍ مُذهّب، وأولى دروسه كيف يكون رأسه شامخًا حتى وهو في حضن أمه.
لم يُولدوا ليكونوا رعايا، بل ليكونوا أسياد الأرض، وحراس التاريخ، وسَدَنة الكرامة التي لا تُشترى ولا تُباع. كل رجلٍ فيهم مقاتل بالفطرة، وكل خيمةٍ حصنٌ، وكل جبلٍ معقلٌ للصمود.
ليسوا أرقامًا في سجلات الإحصاء، بل حكاياتٌ من نارٍ وبارود، كلٌّ منهم سطرٌ في سفر البطولة، وكلٌّ منهم صخرةٌ لا تنكسر حتى لو جثمت فوقها جيوش العالم بأسره. لا يحتاجون إلى معسكراتٍ لتعليمهم القتال، فقد تعلموه قبل أن يتعلموا النطق، ولا إلى من يُلقّنهم معنى الشرف، لأن الشرف هنا ليس مجرد كلمة، بل شريعة حياة.
وحين يَحِنّ السلاح بين أيديهم، يعرف العدو أنه يقف أمام رجالٍ لم تُصنع قلوبهم من لحمٍ ودم، بل من حديدٍ ونار، وأنهم لا يقاتلون ليعيشوا، بل يعيشون ليقاتلوا .. في سبيل ما يقدّسونه: الأرض، العرض، والكرامة التي لا تقبل المساومة.
هذه القبائل ليست مجرد نواصي خيولٍ متأهبة، ولا زغاريد بنادق مشتعلة، بل هي أيضًا ميزانٌ دقيق، يعرف متى يُشهر السلاح، ومتى تُفرش مجالس الصلح. إنها فن الحرب، كما أنها فن الحكم، فلا تندفع بغباء، ولا تتراجع بجبن. في السلم، تحكمها أعرافٌ وقوانينٌ أشد صرامةً من أي دستور، وفي الحرب، تحكمها عقيدةٌ راسخةٌ بأن الشرف أغلى من الحياة.
هي حِصن الدولة حين تهتز، وصوتُ الشعب حين يصمت الآخرون، وكفُّ الميزان حين تنحرف الموازين. وحين تُنسَج المؤامرات في العواصم البعيدة، تظلّ القبيلة هي العقدة التي لا تُحَلّ، والسؤال الذي لا يملك الغزاة له جوابًا.
التاريخ لا يُكتب فقط بالحبر، بل بالدم الذي يتشابه في لونه أينما أُريق. هناك، حيث تنزف القدس، حيث ينام الأطفال على أزيز الطائرات، ويستيقظون على أنقاض بيوتهم، حيث الكرامة تُداس تحت جنازير الاحتلال، هناك، تنظر القبائل اليمنية إلى فلسطين كما ينظر الأخ إلى أخيه الجريح، فتغلي في العروق نارٌ لا يُطفئها إلا فعلٌ يُثبت أن العروبة ليست خرافةً على ألسنة المتخاذلين.
لم تكن اليمن يومًا أرضًا تشاهد بصمت، بل كانت دائمًا أرض الفعل، وحين تهتف القبائل باسم غزة، فإنها لا تهتف بالكلام وحده. تُنظَّم الفعاليات، تُجمع التبرعات، تُطلق القوافل، لكن هذا لا يكفي، فالرصاص وحده هو اللغة التي يفهمها الاحتلال.
هكذا، حين تلوح في الأفق رايات المقاومة، لا تتردد القبائل في إعلان جهوزيتها، فهنا، لا تُعرف الحدود، ولا تمنع المسافات من تلبية النداء. وإن كان شبه الجزيرة بالكامل يفصل بين صنعاء وغزة، فإن الدم الواحد يجعل المسافة بينهما أقرب من شرايين القلب لبعضها البعض.
العالم الذي اعتاد أن يرى الشعوب تُطأطئ رؤوسها أمام المدافع، لم يفهم بعد أن هناك شعوبًا لا تُنكّس أعلامها حتى لو احترقت الأرض تحت أقدامها، في الغرف المظلمة، حيث تُرسم الخرائط، ظنّ البعض أن القبائل قد تُشترى بالذهب، أو تُفتت بالسياسة، لكنهم لم يدركوا أنهم يواجهون إرثًا من الصلابة، يتوارثه الأبناء كما يُورَّث السلاح.
ليس في تاريخ اليمن صفحةٌ كُتبت بالاستسلام، وليس في ذاكرتها سطرٌ قيل فيه: “كنّا ولم نعد”، فيا أيها العالم، إذا كنت تجهل معنى الكبرياء، فانظر القبائل اليمنية، فإنها دروسٌ مكتوبةٌ بالحبر الحيّ، في كتاب لا يمحوه الزمن، ولا تغلقه المؤامرات.
وحين تظنّ أن الجبال قد تنحني، فتذكّر أن القبائل ليست صخورًا صامتة، بل براكينُ تنتظر اللحظة التي تثور فيها، فتُعيد رسم التاريخ من جديد.