الجزيرة:
2025-05-03@02:47:08 GMT

هذه أمة خائفة

تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT

هذه أمة خائفة

 

هذه أمّة خائفة، تخاف حتى غدت بلا همّة، فمن خاف قعد، ومن قعد ذل، ومن ذل هان على الناس بعد أن هانت عليه نفسه. فلا غرو، إذن، أن تهون فلسطين على سبع وخمسين دولة خافت، أن تصدع بشجاعة لفظًا وبيانًا، على الأقل، بما يمليه عليها الواجب الشرعي والإنساني، وبما تستوجبه العقيدة الواحدة، وبما تقبله النفوس العزيزة، اللهمّ إلا قليلًا ممن وقفوا دائمًا مع غزة وفلسطين.

وجاء جهاد غزة ليعري ويفضح، ثم لينفث في الأمة، بإذن الله، ما يحييها حين تستجيب لله ورسوله.

فمِّمَ نخاف وكيف؟

نخاف من أنفسنا، إذ يخاف من هو في القمة ممن هم في القاع، فيسلط عليهم عيونه، ويوسع لهم في السجون ويستخفهم، ويخاف من هم في القاع ممن هو في القمة فينافقونه ويسكتون وينصاعون، وتدور الدائرة بلا توقف جيلًا بعد جيل، وتعمى القلوب قبل الأبصار، وتهون النفوس، ويخاف الكل من الكل.

نخاف من الناس حولنا، إذ نخاف أن تتخطفنا الأمم، بعد أن هُنَّا على أنفسنا وعلى الناس. نخاف ممن هم وراء البحار، فلا ندخِل لغزة إلا أكفانًا نواري بها سوءاتنا نحن، فشهداء غزة يستر الله أجسادهم الطاهرة بستره، ويواريهم ثراها المجاهد، لنكتشف- نحن القاعدين تخاذلًا- أن كل ما درسناه عن نيل استقلالنا الحديث، واستعادة حرية أمتنا، سرابٌ تحسبه شعوبنا حقيقة، حتى إذا جئناه وجدناه وهمًا، ووجدنا الله عنده فوَفَّانا حسابنا، وما أغلظه من حساب!

نخاف من الصدق مع أنفسنا؛ إذ نخجل من هواننا، فنَتَلَبَّسُ أقنعة زائفة مزورة، لعل من نخاف منهم وراء البحار يقبلون بنا، لنكتشف أن ذلك مراد لن نناله مهما تعبت من أجله أجسامنا.

أفلا نّتَنَكَّر لتراثنا وهويتنا وديننا ولغتنا حين نرسل أبناءنا إلى مدارس من نخاف منهم، فيتخرج أحدهم يتباهى بالرطين البذيء؟ وهيهات أن يقبلوه متساويًا معهم حتى ينزع عن نفسه آخر انتماء لأمته، فيلفظوه! ويظل بعضهم يلهث، حَمَلْتَ عليه أم تَرَكْتَهُ.

نخاف من الحرية، ومن يخاف منها يخلد إلى الأرض، حتى لا يرى بيارقها المضرجة، فيستمرئ الاستعباد. فكم من عبد آثر القيد على الانعتاق، فظل يرسف حتى الممات، في طاعة سيده؛ خوفًا من الجوع! وكم من بلداننا تكبلها هذه الأيام أغلال الديون فتؤثر إملاءات سادة ما وراء البحار، فلا تهب لنجدة من يرفعون بيارق الحرية، بل تخاف أن تصل إليها من غزة وفلسطين رياح الحرية، فيتغير الحال بأحسن منه بعد خوف وهوان.

نخاف من وحدة أمتنا أرضًا ومصيرًا، فنتقوقع وراء الحدود متفرّقين وتذهب ريحنا، فيؤكل الواحد منا أمام الآخر، ولات حين مندم! وما طوائف الأندلس وبلاد الشام منا ببعيد.

نخاف من العلم والعقل فنقمعهما، ونَعْمَهُ بلا فكر ولا مراجعة، ونظل ندور وندور كما يفعل من قيدوه للساقية، يسقي غيره ويموت وهو مقيد. أَوَ لا يتخرج أبناؤنا من جامعاتنا، مهندسين وأطباء وعلماء ومفكرين، فيرحلوا إلى بلاد ما وراء البحار حين تقمع عقولهم، أو حين لا يجدون العدل في فرص العمل؟

نخاف من العدل فكثر فينا الفساد، فساد في حكم العباد والبلاد، فساد في الإدارة، فساد في الموارد وتوزيع الثروات، بل حتى فساد في التدين والمتدينين. أوَ لا تتصدر بعض دولنا القوائم العالمية لأكثر الدول فسادًا؟

نخاف من الكلمة الحرة والرأي الشجاع فنسكت خانعين، أو نرفع أصواتنا بالباطل ومع أهله. أو لا ترون كيف أن بعض شاشاتنا الناطقة بالعربية تهلل لمن يسفكون دم أهل غزة، وتعتبر رسالة الشاشة التي تقف مع غزة ترويجًا خارجًا عن قواعد المهنية، كما يحلو لهم أن تكون؟

بذرة الخير

قد يتّهمني نفر من الناس- أحسبهم من المخلصين- بالتثبيط إذ أقول ما قلت، وسيقولون الخير في الأمة إلى يوم الدين، مصداقًا لحديثه صلى الله عليه وسلم، وهو كذلك، ولكن حتى تصبح بذرة الخير هذه فعلًا يغير واقعًا ويحيي نفوسًا، فلن تبرح مربع الإيمان الناقص حتى عن حدود الأضعف من الإيمان.

آن الأوان أن نُمَكِّنَ لبذرة الخير التي غرسها في الأمة نبينا- محمد صلى الله عليه وسلم، وروَّاها صحبه بدمائهم وعقولهم- حرمًا آمنًا فاعلًا في قلوبنا حتى تستغلظ وتستوي على سوقها لتغيظ أعداءنا.

ولن تصبح هذه البذرة فعلًا يغير حتى تنقشع سحب الخوف من النفوس، وهل يكنس السحاب الداجن المظلم بلا مطر إلا الرياح الهطول؟ وهل تهتز الأرض وتربو إلا من بعد غيث عميم، فيخرج منها الخبء الذي ينتظره خلق الله جميعًا؟ وهل يملأ الخبء خوابيَ الناس إلا من بعد أن تحصده المناجل وتذرو تبنه السواعدُ على بيادر الغلال؟

وأستميح من سبقني بالتشبيه حين أقول: غزة اليوم مثل "ناقة صالح" عقرها قومه فدُمْدِمَ عليهم، فعسى أن ننزع الخوف من نفوسنا كما فعل أهل رباط عسقلان، فلا نهون ولا يدَمْدَم علينا.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف

مكة المكرمة

‏‎أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط، في خطبته التي ألقاها اليوم، بالمسجد الحرام، المسلمين بتقوى الله ومُراقبته والإيمان بلقائه.

وقال فضيلته: إن نزول البلايا وحُلول المصائِب في ساحةِ العبد، على تنوُّعها، وتعدُّد ضُرُوبها، وما تُعقِبُه من آثار، وما تُحدِثُه من آلامٍ، يتنغَّصُ بها العيشُ، ويتكدَّرُ صفوُ الحياة؛ حقيقةٌ لا يُمكِنُ تغييبُها، ولا مناصَ من الإقرار بها، لأنها سُنَّةٌ من سُنن الله في خلقه، لا يملِكُ أحدٌ لها تبديلًا ولا تحويلًا.

وأوضح الدكتور أسامة خياط، أن مواقف الناس أمامَها، فأما أهل الجَزَع، ومن ضعُف إيمانُه واضطربَ يقينُه، فيحمِلُه كل أولئك على مُقابلة مُرِّ القضاء ومواجهة القدَر، بجزَعٍ وتبرُّمٍ وتسخُّطٍ، تعظُمُ به مُصيبتُه، ويشتدُّ عليه وقعُها، فيربُو ويتعاظَم، فينوءُ بثِقَلها، ويعجِزُ عن احتمالها، وقد يُسرِفُ على نفسه، فيأتي من الأقوال والأعمال ما يزدادُ به رصيدُه من الإثم عند ربِّه، ويُضاعِفُ نصيبَه من سخَطِه، دون أن يكون لهذه الأقوال والأعمال أدنى تأثيرٍ في تغيير المقدور، أو دفع المكروه.

‏‎وأبان فضيلته أن أولي الألباب، يقِفُون أمامَها موقفَ الصبر على البلاء، والرضا ودمع العين، لا يأتون من الأقوال والأعمال إلا ما يُرضِي الربَّ سبحانه، ويُعظِمُ الأجرَ، ويُسكِّنُ النفسَ، ويطمئنُّ به القلبُ، يدعوهم إلى ذلك، ويحُثُّهم عليه، ما يجِدونه في كتاب الله من ذكر الصبر وبيان حُلو ثِماره، وعظيمِ آثاره ، بإيجاب الجزاء لهم بأحسن أعمالهم: (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون) .

وأكد فضيلته أن المرءُ بالصبر خيرَ عيشٍ في حياته، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “خير عيشٍ أدركناه في الصبر”.
وأشار فضيلته إلى أن أمرُ المؤمن كلُّه خير له، لأنه دائرٌ بين مقامَي الصبر والشُّكر، حيث قال صلى الله عليه وسلم-: “عجبًا لأمر المؤمن، إن أمرَه كلَّه له خيرٌ، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن؛ إن أصابَته سرَّاء شكَرَ فكان خيرًا له، وإن أصابَته ضرَّاءُ صبَرَ فكان خيرًا له”.

تحدّث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير عن أهمية انشغال العبد بما ينفعه من أمور دينه ودنياه، والبُعد عن الاشتغال بأخبار الناس، وتتبّع أخبارهم، وما لا يعنيه من أمورهم، مبينًا أن ذلك من المكروهات، ومدخل للخصومات والشرور الذي يورد للمرء الندامة والشقاء.

وأوضح الشيخ الدكتور صلاح البدير أن من صفات أهل العزائم والكمالات ترك ما لا يعني، ورفضُ الاشتغال بما لا يُجدي، وأن ينشغل المرء بما يتعلق بضرورة حياته في معاشه، وسلامته في معادِه، فإذا اقتصر الإنسان على ما يعنيه من أموره، سلِم من شرٍ عظيم، وذلك من حُسن الإسلام، مضيفًا أن ثمرة اشتغال المرء بما يعنيه، وتركُهُ ما لا يعنيه، الرفعة، والراحة، والسكينة، والطمأنينة، والبركة في العمر والقول والعمل، والأهل والمال والولد.

وقال إمام وخطيب المسجد النبوي: إن أكثر الناس تعاسة وانتكاسة وشقاء ً أكثرهم اشتغالًا بما لا يعنيه، مشيرًا إلى أن اشتغال المسلم بما لا منفعة له فيه هو الداءُ العُضال، الجالِبُ لكلّ شرّ، مبينًا أن من صور اشتغال المرء بما لا يعنيه كثرة البحث عن أخبار الناس، والاشتغال باستقصاء أخبارهم، وتتبع أحوالهم، وكشف عوراتهم، والشغف بمعرفة تفاصيل أمورهم، وحكاية أقوالهم، ومعرفة أملاكهم، وضِياعهم، وزوجاتهم، وأولادهم، ومعرفة الداخل عليهم والخارج منهم حتى يُدخل عليهم الحرج والأذى في كشف ما ستروه من أمورهم، وهو فِعلٌ قبيح مكروهٌ، يُدخل في عموم حديث المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “إن الله كره لكم ثلاثًا:

قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال” متفق عليه وتابع فضيلته قائلًا: كم سَلَب ذلك التهافت المشؤوم بكثرة سؤال الناس عن أحوالهم الخفية والدقيقة من خيراتٍ وبركات، وكم زرع من عداوات، وكم غرس من خصومات، وكم أوقع من حرج وحزازات، وقد جُبل الناس على بُغض الباحث عن مخبئات أمورهم، المستعلم عن أحوالهم، المتقصّي عن أهلهم وأولادهم وأموالهم، ومن تقصّى أخبار الناس مجّته قلوبهم، وعافته نفوسهم، وكرهته مجالسهم.

وبيّن الشيخ صلاح البدير أن مِن سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ عَنْ عُيُوبِ غَيْرِهِ، وأن من صور اشتغال المرء بما لا يعنيه خوضُه في لغو الكلام الذي لا منفعة فيه، فمن ترَكَ من الأقوال والأفعال ما لا ضرورة فيه، ولا منفعةَ له منه، صانَ نفسَه، ومن أراد خِفة الذُّنوب، وقِّلة الأوزار، وراحة القلب، وحُسن الذكر، وصلاح العمل، فليترك الاشتغال بما لا يعنيه، مضيفًا أن من صور اشتغال المرء بما لا يعنيه سؤال العلماء عمّا لا يعنيه من القضايا والوقائع والحوادث، والإكثار من السؤال عمّا لم يقع، ولا تدعو إليه حاجة، تكلفًا وتنطعًا، داعيًا إلى مجاهدة النفس على التمسُّك بهذا الأصل العظيم من أصول الأدب والسلوك.

وأشار إلى أن من صور اشتغال المرء بما لا يعنيه، انتصابه للفتوى والأحكام؛ وتصدُّره للإفادة في العلوم الشرعية، وهو ليس بأهلٍ لذلك، فيتَكَلَّم فِي الدّين بِلَا عِلم، ويُحدّث بِلَا عِلم، ويُفتي بِلَا عِلم، داعيًا العباد إلى تنزيه قلوبهم وجوارحهم عمّا لا ينفعهم، فإذا اشتغل العبد بما لا ينفعه، انصرف عما ينفعه، فتحقّقت خسارته، وعظُمت ندامته.

وختم فضيلته خطبة الجمعة؛ مذكرًا العباد بملازمة الصلاة على نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – في كل وقت وحين، داعيًا الله جلّ جلاله أن يُعزّ الإسلام والمسلمين، وينصُر عباده الموحّدين، وأن يحفظ بلادنا وبلدان المسلمين، وأن يغيث إخواننا المستضعفين المظلومين في فلسطين، ويكون لهم معينًا وظهيرًا، ووليًا ونصيرًا، وأن يجبر كسرهم، ويشفِ مرضاهم، ويتقبّل موتاهم في الشهداء، ويفُكّ أسراهم، ويُعجّل نصرهم على المعتدين الظالمين.

مقالات مشابهة

  • المنافقون.. الوجه الآخر للعدوان على الأمة الإسلامية
  • خطبة الجمعة من المسجد الحرام
  • خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الانشغال بما لا يعنيكم ليصلح الله شأنكم
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف
  • خطبتي الجمعة من المسجد الحرام و المسجد النبوي
  • داعية: افعل الخير وارمه في البحر.. إن لم يعرفه السمك عرفه رب السمك
  • في عيد العمال.. كيف حث سيدنا النبي على إعطاء حقوقهم؟
  • سبع وصايا نبوية تديم الستر و تُنقذك يوم القيامة.. علي جمعة يوضح
  • سجناء المُطالبات المالية
  • الآية اليمانية…