القيادات الأوكرانية تنقسم بهدوء بينما أنظار العالم نحو غزة
تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT
ارتفعت أصداء الحرب في غزة وبلغت أصواتها كل أنحاء العالم، ومن الصعب في ظل هذه الأوضاع أن يُسمع أي شيء فوق هذا الضجيج، ولكن رغم ذلك كان الصوت واضحًا وعاليًا للمقابلة التي أجريت مع القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية الأسبوع الماضي، وهي التي تسببت في إثارة أزمة داخل كييف وأشعلت جدلا دوليا يتعلق بمستقبل الصراع الروسي الأوكراني.
الجنرال «فاليري زالوني» هو القائد العسكري الذي يقود القوات الأوكرانية ضد القوات الروسية، وكان موقفه مدهشًا وصادمًا، حيث أعلن بشكل صريح ومباشر أن القتال ضد الروس وصل إلى طريق مسدود، وقال «مثل ما حدث في الحرب العالمية الأولى بالضبط، وصلنا إلى مستويات تقنية جعلتنا في نقطة الطريق المسدود، على الأرجح لن يكون هناك اختراق عميق ومنسق».
ما قاله القائد ليس مستغربًا على أرض الواقع، ولكن المفاجأة هي التصريح المباشر بذلك، وهذا ما جعله يتعرض للتوبيخ من القيادة السياسية الأوكرانية، وجاء في تصريح للرئيس الأوكراني «زيلينسكي» حيث أعرب عن قلقه الواضح من الدعم الغربي: «هذه ليست حالة من الجمود».
التصريحات حول الوضع الأوكراني يصف الوضع الراهن فعلا، حيث تشير المعطيات إلى وصول الحرب الأوكرانية إلى طريق مسدود، وذلك منذ أسابيع، ولكن الأمر تطلب تطور الأوضاع في غزة لتوضيح الواقع الأوكراني بطريقة مباشرة.
الهجوم الذي شنته أوكرانيا الصيف الماضي على القوات الروسية كان من المفترض أن يغير مجرى الأحداث كما خططت له القوة الأوكرانية، ولكن هذا لم يحدث بطبيعة الحال، حيث عانت أوكرانيا منذ البداية من نقص في المعدات، ومع الأحداث الحالية تضاعفت معاناتها وبدأت تتعثر بشكل جلي ومباشر، بعد أن استطاعت بشكل جزئي أن تتقدم بقواتها في يونيو الماضي حيث استعادت جزءا من أراضيها، خاصة في «خاركيف» شرقا، و«خيرسون» في الجنوب. كل ما فعلته القوات الأوكرانية لم يحقق لها إلا التقدم البطيء في فترة من الفترات، فقواتها إلى اليوم لم تستطع أن تجري تغييرا كبيرا في خط المواجهة مع الروس وبحدود 1000 كيلومتر، حيث إن خط المواجهة شديد التحصين، ولو قمنا بتصغير خريطة العالم لوجدنا أن الأراضي التي استعادتها أوكرانيا مجرد بقع صغيرة مقارنة بما احتلته القوات الروسية.
وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، فقد أشارت الشهر الماضي إلى أن الأراضي التي استعادتها كييف من روسيا هي بقع صغيرة أصغر بكثير من العاصمة الأوكرانية نفسها، وهذا تطلب من أوكرانيا الكثير من التضحيات والألم مقابل نجاحات بسيطة جدا.
وهذا التقدم البطيء أدى إلى إحباط معنويات الأوكرانيين وكذلك إحباط معنويات المؤيدين لهم، فحلفاؤها دفعوا الكثير لدعمها خلال عامين مأساويين مرت عليهما شتاء قارص، وبلغ إجمالي ما قدمت أمريكا والدول الأوروبية لأوكرانيا قرابة 80 مليار دولار أمريكي على هيئة مساعدات مالية وعسكرية، إضافة إلى ذلك تبرعت عدد من الدول مثل الدنمارك والنرويج بـ 1% من ناتجها المحلي السنوي لأوكرانيا لتوفير الغذاء وتعزيز الدعم العسكري.
الحرب الروسية الأوكرانية أثرت على العالم بأسره، فتوقُّف خطوط التوريد والصادرات أدى إلى تغيير في الأسعار العالمية للسلع الأساسية وارتفاعها بشكل كبير، عوضا عن التوترات السياسية.
في بداية الأمر ارتضت كثير من دول العالم حجة الغرب في القضية الأوكرانية الروسية، ودعمت هذه المساعي مقتنعين بأن القليل من الألم ضروري لأن يُحدِث تغييرا جوهريا في العالم -بقصد كبح جماح روسيا- ثم جاءت الأزمة في غزة، ومع تصاعد أعداد الشهداء الفلسطينيين بشكل كبير، اتجهت أنظار العالم إليها، وناضل الكثير من الحكام الغربيين إلى «الإعلان عن وقف إطلاق النار»، اتجاه العالم الغربي إلى الأزمة الفلسطينية واضح جدا، فقد تغير قواعد الدعم.
يبدو أن حرب غزة أثرت على اهتمام العالم بأوكرنيا، ولكن ليس من الواضح إذا كان ذلك هو السبب الرئيسي وراء وصول أوكرانيا إلى طريق وسدود كما وصف قائدها العسكري، فرغم أن الدعم الغربي لأوكرانيا كان متواصلا قبل أحداث غزة إلا أن التقدم كان بطيئا ولا يذكر، بل يمكن القول أن الحملات كانت متعثرة، كانت الفترة الماضية بالنسبة لسياسة «زيلينسكي» أن يخرج من حدث إلى آخر ويسافر لمقابلة سياسيين غربيين، ويملأ الإعلام بصوره وكلماته.
الآن، مع اتجاه العالم السياسي إلى إحداث غزة هناك عزوف واضح عن القضية الأوكرانية، ومما يدل على ذلك غياب القضية الأوكرانية عن صفحات الجرائد الأولى، وفي ظل هذا الغياب أصبحت الانقسامات داخل الصف الأوكرانية أكثر وضوحا، وهناك دلائل تؤكد أن الحلفاء الغربيين لأوكرانيا بدأوا بالبحث عن مخرج، فقد أشارت عدة تقارير في وسائل إعلام أمريكية إلى أن موضوع مفاوضات السلام قد طُرِح على نطاقات واسعة، بمعنى محاولة التوصل إلى حل بين الطرفين بدلا من المقاومة، ولكن رغم كل ذلك يبقى الموقف الرسمي والصريح من الدول الغربية، وخاصة أمريكا، أنها تقف مع الجانب الأوكراني ما دامت البلاد تحتاج إلى مساعدة، ولكن في الواقع لدى أمريكا أولويات ومصالح الخاصة بها لا تفوقها مصلحة أخرى، منها ما يلوح بالأفق من الانتخابات الرئاسية القادمة المثيرة للجدل، حيث سيكون للوقوف مع أوكرانيا دور كبير لترجيح كفة «جوبايدن» بالانتخابات القادمة.
وهذا ما يجعل «جو بايدن» في حلقة ضعيفة من السلسلة الدبلوماسية فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، هو الآن دخل الرهان في حربين مثيرتين للجدل إلى حد كبير، ولم تظهر أي بوادر لحل تلك الحربين بشكل قريب.
وفي ظل هذا الترقب، وهذا الصراع الراكد من الجانب الأوكراني، سيكون الرئيس الروسي «بوتين» سعيدا برؤية الصراع الرئاسي بين «جو بايدن» و «دونالد ترامب» إذا ما عاد الأخير إلى الرئاسة، وهذا يعني أنه لا توجد في الوقت الحالي فرصة للتفاوض مع روسيا بينما تجرى الحملات الانتخابية الأمريكية على قدم وساق.
وإذا لم يكن هناك سبب صريح يدفع موسكو إلى إنهاء الصراع، فمن المحتمل جدا أن تُجمد الحرب وتستمر إلى العام المقبل على الأقل.
لقد راهن «زيلينسكي» على الحرب، بوصفه حاكما لا يستهان به في زمن الحرب، ولكن من الواضح أن الجيش الأوكراني لا يستطيع تحقيق النصر، وقد قال قائد الجيش ذلك، واعتقد أنه لن يمر وقت طويل وسيضع حلفاء أوكرانيا ثقتهم، ليس في حاكم في زمن الحرب، ولكن في رجل قادر على تحقيق السلام بأي تكلفة، ربما بالمستقبل.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مع قرب انتهاء حرب أوكرانيا وسقوط الأسد.. هل يؤثر ذلك على الوجود الروسي في ليبيا؟
طرحت الأنباء الواردة بخصوص قرب توقيع هدنة بين روسيا وأوكرانيا لوقف الحرب، وكذلك سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، تساؤلات حول تأثير ذلك على الدور الروسي في المنطقة العربية خاصة ليبيا، وما إذا كانت موسكو ستجد في ليبيا الملاذ الآمن، ما يحول الأخيرة إلى بؤرة صراع دولي جديدة.
وذكرت شبكة "بلومبرج" الأمريكية نقلا عن مسؤولين أوكرانيين، أن "كييف تتجه نحو تسوية مريرة، قد تتنازل فيها عن مساحات شاسعة لموسكو مقابل ضمانات أمنية ووقف الحرب هناك، وأن هذه التسوية ستكون برعاية وموافقة أمريكية، وكذلك حلف شمال الأطلسي "الناتو".
سقوط بشار الأسد
كما مثل السقوط المفاجئ لنظام بشار الأسد في سوريا ضغطا جديدا على روسيا وقواعدها العسكرية هناك، وسط توقعات بقيام موسكو بنقل قواعدها وترسانتها التسليحية إلى شواطئ ليبيا، لعلاقتها الاستراتيجية مع قوات "حفتر" في شرق البلاد.
وبالفعل، رصدت تقارير استخباراتية وغربية عن بدء نقل بعض هذا العتاد الروسي المخزن في سوريا إلى شرق ليبيا، وكشفت التقارير، نقلا عن مصادر عسكرية غربية وليبية، عن مغادرة طائرة شحن روسية من قاعدة حميميم الجوية السورية إلى شرق ليبيا، ليس هذا فقط، بل تم بالفعل بناء جسر جوي لتسيير طائرات شحن عسكرية؛ بقصد نقل أصول دفاعية إلى هناك.
في حين كشف موقع “إيتاميل رادار” الإيطالي المتخصص بالملاحة الجوية، الذي التقطت أجهزته الرصدية صورا فضائية لميناء طرطوس، تظهر أرصفة فارغة وسفنا روسية متمركزة في عرض البحر على بُعد 10 كيلومترات من الساحل، مشيرا إلى أنه لم يتضح حتى الآن هل يعدّ هذا الانسحاب مؤقتا أو دائمًا، وأوصى الموقع الإيطالي بضرورة مراقبة الموانئ الروسية "الصديقة"، لتحديد وجهة الأسطول الروسي، خصوصا ميناء طبرق في ليبيا، الذي عدّه في مقدمة الموانئ التي من الممكن أن ينسحب إليها الأسطول الروسي.
إظهار أخبار متعلقة
فما تأثير وقف روسيا للحرب في أوكرانيا وقبله سقوط الأسد على الوجود والدور الروسي في ليبيا وفي أفريقيا عامة؟
صفقات مركبة
من جهته، قال عضو اللجنة السياسية بالمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، محمد الهادي؛ إن "هناك صفقة مركبة تمت في سوريا، وحتى الآن لم تتضح حدودها وأطرافها الأساسيون، ولعل جزءا من هذه الصفقة، هو سيطرة روسيا على بعض الأقاليم من أوكرانيا مقابل الخروج من سوريا".
وأشار في تصريحات لـ"عربي21" إلى أن "ليبيا هي نقطة تحول، وقد يكون خروج روسيا منها هو جزء آخر من الصفقة التي ذكرناها، لذا أستبعد وجود صراع بين الأطراف الدولية داخل ليبيا، ولعل إبقاء الوضع كما كان، هو السيناريو القادم"، وفق قوله.
نقل المعارك إلى ليبيا
في حين رأى مدير المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية "شريف عبدالله"، أنه "بخصوص مستقبل الصراع الروسي الأوكراني، وكذلك الوجود الروسي في ليبيا أو أفريقيا عامة، كلها ملفات تنتظر تحركات وخطى الإدارة الأمريكية الجديدة، والتسويات والصفقات التي سيقوم بها "ترامب"، المتوقع أن يرفع يده عن دعم أوكرانيا، ومن ثم ستقدم الأخيرة تنازلات لموسكو".
وقال في تصريحه لـ"عربي21": "سيكون لذلك ارتدادات على ليبيا، فمن المحتمل أن تنتقل المعركة والصراع الدولي إلى الأراضي الليبية، كون الوجود الروسي في ليبيا هو وجود خدمي أكثر من كونه وجوديّا، فروسيا تتعامل مع ليبيا كممر ومنفذ للمياه الدافئة، وأنها تشكل ضغطا على الجناح الجنوبي لحلف الناتو وجنوب أوروبا، وكذلك هي منفذ وخط إمداد رئيسي على الصراع الموجود في أفريقيا".
وأوضح أن "الصراع سيكون على المستوى الاقتصادي والسياسي، ولدينا رؤية بالمركز الليبي للدراسات الأمنية، أن جزءا من التفاهمات وتقاطع المصالح بين روسيا وأمريكا في وجود روسيا في ليبيا، هو جزء من السماح لوجودهم للضغط على أوروبا وجنوب أوروبا خاصة، في قضايا الهجرة غير الشرعية والتهريب؛ وذلك لإبقاء أوروبا بحاجة إلى الحماية الأمريكية"، كما رأى.
إظهار أخبار متعلقة
تنازلات وانسحاب من ليبيا
الباحث الليبي وخبير العلاقات الدولية، أسامة كعبار قال من جانبه؛ إن "القاسم المشترك بين المثلث السوري والليبي والأوكراني هي روسيا، وعليه فإن الترتيبات على أي ساحة منهم متعلقة بالتفاهمات في الساحات الأخرى، وروسيا منهكة جدا في أوكرانيا وتريد أن تنهي هذه الحرب بانتصار، على الأقل معنويا أمام دول العالم".
وبين أنه "من الواضح أن روسيا قدمت تنازلات في سوريا؛ أملا في الحصول على تنازلات أمريكية في أوكرانيا، وإنهاء الحرب وفق الرغبات والمطالب الروسية. أما الساحة الليبية، فلازالت غير واضحة المعالم، ليبيا مهمة جدا لروسيا من حيث كونها بوابة لأفريقيا، وحققت روسيا الكثير من المكاسب في منطقة الساحل والصحراء منذ دخولها إلى ليبيا"، وفق تقديره.
وتابع في تصريحات لـ"عربي21": "أمريكا ترى أن هذه فرصة ذهبية لإخراج روسيا من ليبيا، مقابل تفاهمات لصالح روسيا في أوكرانيا ووقف الحرب، وانتهاء الحرب في أوكرانيا مرتبط بالوجود الروسي في ليبيا، والفرصة مواتية لأمريكا لحل هذه المعضلة بالشكل المناسب، وإجبار روسيا على الانسحاب من ليبيا"، كما يعتقد.