طهران- مع إطالة أمد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وإصرار الولايات المتحدة وعدد من حلفائها الأوروبيين على دعم الاحتلال الإسرائيلي بزعم القضاء على حركة حماس، تبرز أهمية السيناريوهات المحتملة لعملية طوفان الأقصى خلال الفترة المقبلة.

وعلى ضوء السجال المحتدم بين المقاومين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة، تشير تقديرات الخبراء الإيرانيين إلى طيف من الاحتمالات المتوقعة في حال استمرار العدوان على القطاع المحاصر، بدءا من دحر الاحتلال شمال القطاع ثم استمرار الحرب حتى العثور على شبكة الأنفاق وصولا إلى توسيع رقعة الحرب وتدويل المعركة.

إخفاق العملية البرية

يقوم سيناريو إخفاق العملية البرية وانسحاب اسرائيل على تكرار تجربة الاجتياح الإسرائيلي للبنان في حرب يوليو/تموز 2006 والحروب الإسرائيلية المتكررة على القطاع وانسحاب الاحتلال في النهاية من الأراضي المحتلة.

وحول هذا السيناريو، يقول الدبلوماسي المتحدث الأسبق باسم الخارجية الإيرانية حسين جابري أنصاري إنه "ما أشبه الليلة بالبارحة، وكأن عقارب الزمن قد عادت 17 عاما للوراء، حيث كان الكيان الصهيوني قد شن حربا ضروسا على لبنان عام 2006 بزعم القضاء على حزب الله وتحرير أسراه من قبضة المقاومة الإسلامية، لكنه انسحب في النهاية دون تحقيق أي من أهدافه المعلنة".

وفي كلمة له حول "مآلات الحرب في غزة" ألقاها بجامعة طهران، يشير أنصاري إلى أن المقاومة تمتلك اليد العليا في حرب العصابات والعملية البرية رغم التفوق الإسرائيلي في العمليات الجوية. وتوقع الدبلوماسي ذاته أن ترغم المقاومة الإسلامية في غزة الجانب الإسرائيلي على الانسحاب إثر ارتفاع خسائره في العدة والعتاد.

أنصاري يتوقع انسحاب الجانب الإسرائيلي من غزة إثر ارتفاع خسائره في العدة والعتاد (الصحافة الإيرانية) احتلال شمال القطاع

"يتحقق هذا السيناريو من خلال الضغط الخارجي، لا سيما الأميركي لإخراج حكومة بنيامين نتنياهو من مستنقع غزة" وفق مدير معهد العلاقات الدولية مجيد زواري الذي يرى أن تطورات الأحداث في غزة تسير نحو احتلال شمال القطاع، لتوظيفه ورقة ضغط في المفاوضات الرامية إلى وقف إطلاق النار.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقرأ زواري العنف الإسرائيلي المستخدم بحق المدنيين في غزة في سياق ترميم الروح المعنوية للجيش الإسرائيلي بعد انهيارها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، معتقدا أن الجيش الإسرائيلي لا يستطيع خوض حرب طويلة الأمد، ولذلك يسعى لاحتلال شمال قطاع غزة لتوظيفه لتحرير أسراه وتقديمه إنجازا للرأي العام الإسرائيلي.

كشف شبكة الأنفاق

ويعتبر زواري شبكة الأنفاق في القطاع عاملا أساسيا في قلب مسار العملية البرية لصالح المقاومة وزيادة خسائر الاحتلال خلال الأسابيع القليلة الماضية، مؤكدا أن الكيان الإسرائيلي ومعه الولايات المتحدة يسعيان حثيثا لتدمير شبكة الأنفاق تمهيدا لقبول هدنة إنسانية أو وقف لإطلاق النار.

ولدى إشارته إلى المجازر التي ارتكبها الجانب الإسرائيلي بدعم أميركي -على حد قوله- في إلقاء القنابل على المستشفيات والمخيمات، توقع الباحث الإيراني أن يقدم الكابينيت الإسرائيلي على حقن الغاز السام أو إلقاء القنابل الحارقة لتدمير شبكة الأنفاق والقضاء على من فيها، للخروج بماء الوجه وإنعاش الحياة السياسية لنتنياهو بذريعة القضاء على التهديد الأمني الأساس لكيان الاحتلال.

احتلال القطاع بالكامل

تطرح بعض الأوساط الإيرانية احتمال تقويض قدرة حماس في حال تم العثور على شبكة أنفاقها واحتلال القطاع بالكامل، لكنها تستبعد في الوقت ذاته القضاء على الحركة بالكامل باعتبارها فكرة وأيديولوجيا مترسخة لدى المواطن الغزي.

من جانبه، يرى زواري أن أطرافا عربية وغربية تتناغم والمطالب العبرية المنادية بضرورة احتلال القطاع بالكامل والإتيان بحكم جديد على ظهر الدبابات الإسرائيلية، مستدركا أنه لا يمكن لأي عملية سياسية جديدة أن تحكم غزة إلا إذا تخلى أهلها عن مناصرة الحركة، وهذا مستبعد في الوقت الراهن.

زواري يتوقع احتلال إسرائيل لشمال قطاع غزة لتوظيفه كورقة ضغط في المفاوضات (الجزيرة) توسيع رقعة الحرب

من السيناريوهات المحتملة، سيناريو توسيع رقعة الحرب، وهو سيناريو محتمل الحدوث إذا استمر الجانب الإسرائيلي في الإبادة الجماعية بحق المدنيين في غزة لفترة أطول، ووسع من رقعة عملياته جنوبي لبنان، وتمادى في قصفه أهدافا داخل الأراضي السورية، لا سيما مع تصاعد التعاطف الشعبي الغربي مع الجانب الفلسطيني في المعركة المتواصلة، وفق الباحث زواري.

وفي السياق، يعتقد المستشار السابق لوزارة الخارجية الإيرانية وعضو مجلسها الإستراتيجي محمد مهدي مظاهري، أن معركة طوفان الأقصى ستخرج عن إطارها الثنائي بفعل إصرار الجانب الإسرائيلي على المضي قدما فيها حتى القضاء على حركة حماس، مما يستدعي تدخل أطراف أخرى لردعه وإنقاذ الأبرياء في القطاع المحاصر.

وفي حديثه للجزيرة نت، يتوقع المستشار الأسبق لرئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام محمد مهدي مظاهري أن تؤدي توسعة رقعة المعركة في بلاد الشام إلى تدويلها وانضمام أطراف أخرى إلى طرفيها، على غرار ما حدث إبان الحربين العالمية الأولى والثانية.

وحذر الباحث الإيراني من أن تدويل المعركة قد يحولها إلى حرب عالمية ثالثة سوف تستنزف طاقات جميع أطرافها، بيد أنها سوف تمهد لسلام جديد في الشرق الأوسط، وتغير مشهد المنطقة لصالح الجبهة المتفوقة.

واستدرك مظاهري أن أطرافا فاعلة يفترض انضمامها إلى إحدى الجبهتين في حال توسعة رقعة الحرب، تبذل في الوقت الراهن مساع وجهود حثيثة للسيطرة على نيران المعركة، ذلك أن تدويلها سوف يكبد اقتصاد العديد من الدول خسائر باهظة.

مظاهري يقول إن جميع المؤشرات ترجح فوز حماس في عملية طوفان الأقصى (الصحافة الإيرانية) نموذج أوكرانيا

وفي حين يصف الباحث الإيراني، احتمالات تدويل معركة غزة بأنها ضئيلة، يعتقد أنها تسير نحو تطبيق النموذج الأوكراني في القطاع المحاصر، حيث تتخلى الأطراف الأخرى رويدا رويدا عن حماسها في خوض المعركة لنصرة حليفتها بشكل مباشر وتركها كيان الاحتلال وحركات المقاومة تتقاتل في غزة.

ورأى مظاهري، أنه مع إطالة أمد عملية طوفان الأقصى سيقوم حلفاء طرفيها بتقديم الدعم خلف الكواليس وتقديم مبادرات لوقف إطلاق النار في الأوساط الدولية والأممية، حتى قبولهما بإحدى المبادرات.

وخلص مظاهري إلى أن جميع السيناريوهات أعلاه محفوفة بالمخاطر والتحديات لكلا الطرفين، بيد أن جميع المؤشرات ترجح فوز المقاومة ونهاية حياة نتنياهو السياسية في نهاية المطاف، مؤكدا أنه بعد معركة طوفان الأقصى الراهنة سوف تفتح صفحة الهجرة العكسية من الأراضي الفلسطينية المحتلة وسيحتدم الصراع السياسي بين الأوساط الإسرائيلية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الجانب الإسرائیلی الإسرائیلی على طوفان الأقصى شبکة الأنفاق احتلال شمال القضاء على رقعة الحرب فی غزة

إقرأ أيضاً:

عام على "الطوفان الهادر" ضد الاحتلال.. صمود أسطوري للمقاومة والشعب الفلسطيني في مواجهة حرب الإبادة والتجويع

 

 

 

"طوفان الأقصى" أفشلت المخططات الصهيونية لتصفية القضية الفلسطينية

السابع من أكتوبر أظهر التطور الاستخباراتي والعسكري للمقاومة

المقاومة ألحقت هزيمة ساحقة بجيش الاحتلال وسيطرت على مساحة واسعة من الأراضي المحتلة لأول مرة

أسر 251 جنديا ومستوطنا إسرائيليا في السابع من أكتوبر

مقتل 715 وإصابة 4473 جنديا إسرائيليا حتى 25 سبتمبر

إسرائيل فشلت على مدار عام في استرداد كرامتها التي فُقدت قبل عام

انتهاج سياسية التدمير والإبادة للتغطية على الفشل الإسرائيلي

الحصار والقصف والتجويع.. أسلحة إسرائيل للانتقام من الفلسطينيين

تدمير أكثر من 60% من المباني السكنية في غزة

تصعيد وتيرة الاغتيالات في صفوف قادة المقاومة وأبرزهم إسماعيل هنية

تعمد تدمير المستشفيات والمؤسسات التعليمية لإجبار السكان على النزوح

العدوان الغاشم على غزة يأتي بدعم أمريكي وغربي غير محدود

 

نزوح 75% خلال الثلاثة أشهر الأولى من الحرب بإجمالي 1.7 مليون فلسطين

تعمد قصف "الأماكن الآمنة" لخلق بيئة قهرية تجبر السكان على النزوح المتكرر

◄ أكثر من 41600 شهيد و96 ألف مصاب منذ العدوان الغاشم

المقاومة تواصل عملياتها النوعية بنصب الكمائن واستهداف التمركزات العسكرية

الصمود الفلسطيني عزّز فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه العسكرية

◄ اتساع تأثير "الطوفان" إلى ساحات أخرى في الضفة ولبنان واليمن والعراق وإيران

 

 

الرؤية- غرفة الأخبار

365 يوما مرت على عملية "طوفان الأقصى" والتي تعد العملية العسكرية الأكبر ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ حرب السادس من أكتوبر 1973، وهزيمة جيش الاحتلال أمام الجيش المصري.

هذه العملية التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية في صباح السبت المواقف 7 أكتوبر 2023، بقيادة كتائب القسام- الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"- أربكت الحسابات الإسرائيلية والإقليمية والدولية، وأفشلت كل المخططات الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية وانتهاك المقدسات الإسلامية.

لقد حققت المقاومة الفلسطينية بهذه العملية النجاح العسكري منذ تنفيذها على الرغم من الإبادة الجماعية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني بعد ذلك، إذ أنها أظهرت التطور الاستخباراتي والعسكري الكبير لفصائل المقاومة، والذي ساعدها في تنفيذ هذه الضربة "القاصمة" لجيش الاحتلال، والتي يعاني منها حتى اليوم.

ولقد استيقظت إسرائيل في هذا اليوم على ضربة ساحقة تعرضت لها قوتها البشرية والعسكرية، وأظهرت الفشل الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي، إذ إنه في خلال ساعات من يوم السابع من أكتوبر، استطاعت فصائل المقاومة تدمير عشرات الآليات العسكرية واقتحام عدد من المستوطنات وأسر العشرات من الجنود والمستوطنين، وظل الاشتباك مع مقاتلي المقاومة لمدة يومين داخل الأراضي المحتلة.

وبحسب المصادر الإسرائيلية الرسمية قتل في هذه الحرب حتى 25 سبتمبر 2024 حوالي 715 جنديا إسرائيليا، منهم 346 منذ بدء العمليات البرية في غزة، وجرح 4473 جنديا، منهم 2290 منذ بدء الاجتياح البري.

وتمكنت فصائل المقاومة في هذه العملية من أسر حوالي 251 جنديا ومستوطنا إسرائيليا، وتم إطلاق 81 منهم في اتفاق الهدنة بنوفمبر الماضي، وخارج إطار الصفقة تم إطلاق سراح 24 أجنبيا لا يحملون الجنسية الإسرائيلية.

وما أن أدركت إسرائيل ما حدث لها في هذا اليوم العصيب، إلا وقررت بدء عملية إبادة جماعية للشعب الفلسطيني في غزة برا وبحرا وجوا، في محاولة لاستعادة كرامتها التي فقدتها في السابع من أكتوبر وتحرير الأسرى، وهو ما لم يحدث على مدار العام.

وبدعم أمريكي وغربي غير محدود، شن الجيش الإسرائيلي غارات جوية واسعة استهدفت المنازل والمستشفيات والمدارس، مما أدى إلى سقوط آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى، وسط مشاهد من دمار هائل في المباني والمرافق الحيوية.

وفي التاسع من الشهر ذاته، فرض الاحتلال حصارا شاملا على قطاع غزة، وأغلق كافة المعابر وقطع إمدادات الكهرباء والمياه والغذاء والطاقة عن القطاع، وخلال أيام أمر بإخلاء شمال القطاع، تأهبا لقصفه.

مراحل الحرب على القطاع

وفي 20 أكتوبر 2023، كشف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، عن خطة حربية في غزة تتكون من 3 مراحل: المرحلة الأولى: تهدف إلى القضاء على المقاومين، وتدمير البنية التحتية لحماس، وتشمل تلك المرحلة قصفا جويا كثيفا يتبعه اجتياح بري للقطاع.

المرحلة الثانية: تهدف إلى القضاء على جيوب المقاومة، وتتضمن عملياتها قتالا بوتيرة أقل كثافة من المرحلة الأولى، مع التركيز على ضرب أهداف محددة.

المرحلة الثالثة: تهدف إلى إنشاء نظام أمني جديد في قطاع غزة، بما يضمن أمن إسرائيل ومناطقها المحيطة بالقطاع.

وفي 27 من الشهر نفسه، بدأت إسرائيل هجوما بريا واسعا على شمال القطاع، واستمرت العمليات فيه تحت غطاء ناري مكثف نحو 3 أشهر، نفّذ الاحتلال خلالها هجمات عنيفة، طالت مناطق واسعة وأهدافا مدنية في محافظتي الشمال وغزة.

وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأن أكثر من 60% من المباني السكنية و65% من الطرق قد تدمر بشكل كلي أو جزئي، حتى منتصف أغسطس 2024.

وأدى القصف الجوي المستمر والتوغل البري إلى تعطيل الحياة اليومية للمدنيين، ودمر الاحتلال 15 قطاعا حيويا، بما في ذلك، النظام الاقتصادي والتعليمي والصحي.

وبحلول منتصف ديسمبر الماضي، بدأ الجيش بالانسحاب التدريجي من مناطق في محافظة الشمال، تبعها انسحاب جزئي من محافظة غزة، ولكنه أعاد توغله في مواضع أخرى في المحافظتين، فكان يُغيّر تموضعه، وينفذ عمليات سريعة.

وبالتزامن مع انسحابه الجزئي من الشمال، بدأ الجيش الإسرائيلي بالتوغل في وسط القطاع، إذ دارت اشتباكات ضارية، لا سيما في محاور التوغل بمخيمي البريج والمغازي، وفي يناير 2024 احتدم القتال في المناطق الجنوبية، وكثفت القوات الإسرائيلية تحركاتها لتطويق خان يونس.

وساهمت الحرب البرية في رفع خسائر الجيش الإسرائيلي، وكان أشدها حتى ذلك الوقت، قتل 21 جنديا إسرائيليا في عملية نفذتها المقاومة في 22 من الشهر نفسه، وفي الوقت نفسه تصاعد عدد ضحايا الحرب من الفلسطينيين، إلى أكثر من 30 ألف شهيد و70 ألف جريح.

وفي فبراير، واصلت قوات الاحتلال توغلها في مدينة خان يونس وسط قصف مدفعي وغارات جوية عنيفة، وهدمت منازل واستهدفت عدة مستشفيات في المدينة. وفي شمال القطاع، ارتكب الاحتلال مجزرة عرفت بـ"مجزرة الطحين"، استشهد فيها أكثر من 112 فلسطينيا وأصيب ما يقارب 800 آخرين، أثناء انتظارهم الحصول على مساعدات.

وفي أبريل 2024 اقتحم جيش الاحتلال مستشفى الشفاء، بعد أسبوعين من حصاره، مخلفا مئات الشهداء ودمارا واسعا، مما تسبب بخروج المستشفى من الخدمة. كما استهدف الاحتلال سيارة تابعة لمنظمة المطبخ المركزي العالمي في وسط القطاع، أدى إلى مقتل 7 موظفين من فريق الإغاثة، يحملون جنسيات أجنبية متعددة.

وعلى الرغم من التحذيرات الدولية، نفذت إسرائيل اجتياحا بريا في مدينة رفح جنوبي القطاع، في السادس من مايو، وأصدر الجيش أمرا بإخلاء المدينة، مما أجبر النازحين على الانتقال مرة أخرى، في حين هاجم الجيش مناطق مختلفة من المدينة، واستولى على المنطقة الحدودية مع مصر.

وشرع الجيش الإسرائيلي في الشهر نفسه في عملية عسكرية موسعة في الشمال، ودارت اشتباكات عنيفة بين الفصائل الفلسطينية وقوات الاحتلال، التي توغلت في مخيم جباليا، وسط قصف عنيف متواصل على مناطق سكنية مكتظة في المخيم، وفي أثناء ذلك، استمرت عمليات عنيفة لجيش الاحتلال شرقي مدينة رفح.

وفي أواخر ذلك الشهر، انسحب الاحتلال من الشمال، بعد إحداث دمار هائل، بينما واصل توغله في رفح، ونفذ عمليات عسكرية في مركز المدينة، ضاربا عرض الحائط بالتحذيرات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية التي دعت لوقف الهجوم فورا.

وزاد الجيش توغله في المناطق الأكثر اكتظاظا بالسكان، وجرف مساحات شاسعة من الأراضي والحقول وهدم مباني شرقي قطاع غزة، وأحدث تغييرا جذريا في جغرافية مدينة رفح، وسعى لإنشاء خط سيطرة على طول الحدود المصرية.

وأعلن غالانت في يوليو 2024، عن قرب الانتقال إلى المرحلة الثالثة والأخيرة من الحرب، التي وفق تقديرات إسرائيلية، قد تمتد شهورا أو حتى سنوات، ووصفت تلك المرحلة بأنها انتقال من القصف الكثيف إلى عمليات عسكرية دقيقة ومحددة، مع انسحاب الجزء الأكبر من قوات الاحتلال من القطاع.

وتمهيدا لتلك المرحلة، كان الجيش الإسرائيلي قد وضع يده على مناطق سيطرة إستراتيجية في القطاع، للاعتماد عليها في المرحلة الثالثة، وهي: محور نتساريم: الذي يفصل بين شمال قطاع غزة وجنوبه، وقد أقام فيه الاحتلال ثكنات عسكرية لجنوده، بهدف استخدامها مركزا لشن عملياته العسكرية، ومحور فيلادلفيا: الذي يمتد 14 كيلومترا على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة، ومنطقة عازلة على طول الحدود ما بين القطاع ودولة الاحتلال، تمتد بعمق 800 متر بحد أدنى في أراضي قطاع غزة.

وفي أعقاب الإعلان، واصل الاحتلال الإسرائيلي توغله البري، بالتزامن مع غارات جوية وبحرية كثيفة على مختلف مناطق القطاع، أوقعت أضرارا مادية بالغة وخسائر فادحة في الأرواح.

وإلى جانب ذلك، صعد الاحتلال وتيرة الاغتيالات في صفوف قادة المقاومة، فقد اغتال رئيس المكتب السياسي السابق لحماس إسماعيل هنية في 31 يوليو في إيران، وكان قد اغتال نائبه صالح العاروري في يناير من العام نفسه في لبنان.

ومن جانبها، استمرت المقاومة المسلحة في القطاع في عملياتها النوعية فنصبت كمائن وأطلقت صواريخ على مواقع إسرائيلية، مما أوقع خسائر في المعدات والأرواح.

ولقد تعمد جيش الاحتلال استهداف المتشفيات والمؤسسات التعليمية وتدمير البنية الأساسية في غزة، حتى انهار النظام الصحي والتعليمي في  القطاع وخرجت المستشفيات عن العمل، وشدد الاحتلال الحصار ومنع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية للقطاع.

وعلى مدار أيام الحرب، أصدر جيش الاحتلال العديد من أوامر الإخلاء للمنازل والمؤسسات الصحية والتعليمية، لتصبح هذه الأوامر بالنزوح أمرا شبه يوميا

وخلال الشهور الثلاثة الأولى من الحرب، نزح أكثر من 75% من سكان غزة، بما يعادل نحو 1.7 مليون شخص، أجبروا على العيش في خيام وملاجئ مكتظة وأحيانا في الشوارع، دون توفر الضروريات الأساسية للحياة.

واضطر سكان القطاع للنزوح مرارا وتكرارا، حتى إن بعضهم نزحوا نحو 10 مرات، بهدف الانتقال إلى مناطق يحددها الاحتلال بأنها آمنة، ويستمر في تغييرها بشكل روتيني.

وعلى الرغم من ذلك، درج الجيش الإسرائيلي على استهداف مواضع حددها ضمن المناطق الآمنة أو المناطق الإنسانية، وتعمد قصف الملاجئ ومراكز الإيواء، وتدميرها فوق رؤوس النازحين، حتى إن الأمم المتحدة أعلنت مرارا أنه لا مكان آمنا في القطاع.

وبحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، يتعمد جيش الاحتلال تدمير مراكز الإيواء في قطاع غزة، بما في ذلك المدارس والمرافق العامة، بهدف خلق بيئة قهرية تجبر المدنيين على إخلاء مناطق سكنهم باتجاه وسط وجنوب القطاع.

وحتى نهاية أغسطس 2024، ووفق بيانات الأمم المتحدة، فإن حوالي 11% فقط من قطاع غزة لم يخضع لأوامر الإخلاء، وإلى منتصف سبتمبر، كان هناك أكثر من 55 أمر إخلاء ساري المفعول، يغطي أكثر من 85% من قطاع غزة، وتسببت هذه الإجراءات في وضع مليوني غزي، يشكلون 90% من سكان القطاع، في حالة نزوح مستمر ومتكرر.

وإلى جانب هذه الممارسات الإجرامية، استخدم الاحتلال التجويع سلاحا في الحرب على غزة، فقد سارعت السلطات الإسرائيلية منذ بداية الحرب إلى فرض حصار شامل على القطاع، بهدف الضغط على المقاومة لإطلاق سراح الرهائن، فأغلقت جميع المعابر، ومنعت دخول المساعدات الإنسانية والطبية، كما عمدت إلى تدمير المصادر الحيوية المحلية للغذاء كالزراعة والصيد.

وتسببت ممارسات الاحتلال بأزمة إنسانية حادة، وتراجع الأمن الغذائي في القطاع، وصنفته منظمة الصحة العالمية، منذ الأشهر الأولى من الحرب ضمن الترتيب الأسوأ، فقد وصفت حوالي 50% من السكان، بواقع 1.17 مليون إنسان، بأنهم يعيشون في وضع طارئ من حيث الأمن الغذائي.

بينما وصفت ربع السكان، أي ما يقدر بأكثر من 500 ألف إنسان، بأنهم في وضع كارثي، وكلا الفئتين تعاني، وفق المنظمة العالمية، من جوع شديد ونقص حاد في الغذاء.

وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" في منتصف فبراير 2024 أن واحدا من كل 6 أطفال دون سن الثانية في القطاع، يعانون من سوء التغذية الحاد، منهم 3% يعانون من هزال شديد، وهو أشد أشكال سوء التغذية تهديدا للحياة.

وقطع الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية عدوانه على غزة إمدادات الوقود والكهرباء والأنابيب التي تزود سكان القطاع بالمياه، مما تسبب في إغلاق محطات تحلية المياه والصرف الصحي بشكل كامل، وأدى إلى تفاقم مشاكل نقص مياه الشرب النظيفة وسوء الصرف الصحي.

ونجم عن ذلك، تفشي العدوى البكتيرية التي تنقلها مياه الشرب الملوثة، مثل مرض الزحار والتيفوئيد وشلل الأطفال.

وضاعف الاكتظاظ الشديد للنازحين في الملاجئ معدلات الأمراض المعدية مثل الإسهال والالتهابات الحادة للجهاز التنفسي، وأمراض الجلد الالتهابية وفيروس التهاب الكبد الوبائي، التي زاد من خطرها نقص خدمات الصرف الصحي وسوء التغذية ونقص الإمدادات الطبية وانهيار المنظومة الصحية.

وعلى مدار هذا العام، ارتكب جيش الاحتلال 3628 مذبحة، راح ضحيتها أكثر من 41600 شهيد إلى جانب 10 آلاف مفقود بالإضافة إلى أكثر من 96359 مصابا.

ورغم عدم تكافؤ القوة بين فصائل المقاومة وجيش الاحتلال، إلا أن إسرائيل تكبدت خسائر بشرية وعسكرية فادحة على مدار هذا العام، إذ طورت المقاومة من وسائلها القتالية وأسلوبها العسكري، مدعومة بالحاضنة الشعبية والصمود الفلسطيني الأسطوري رغم التنكيل والقتل والتجويع.

كما اتسعت دائرة "الطوفان الهادر" ضد الاحتلال لتشمل ساحات أخرى مثل الضفة الغربية ولبنان واليمن وإيران.

وفي ظل هذه التوترات التي تشهدها المنطقة والإجرام الإسرائيلي المتواصل، لم يستطع المجتمع الدولي تطبيق القانون بردع إسرائيل وإلزامها بوقف الحرب التي تخالف القوانين والمواثيق الدولية.

 

مقالات مشابهة

  • عام على "الطوفان الهادر" ضد الاحتلال.. صمود أسطوري للمقاومة والشعب الفلسطيني في مواجهة حرب الإبادة والتجويع
  • صحيفة تكشف: مُباحثات جرت قبل أيام بشأن "اليوم التالي" في غزة
  • إسرائيل ربما تتورط في لبنان.. قراءة عالمية عن الحرب مع حزب الله
  • غزة تحت الحرب.. انهيار الإنتاج الغذائي والجوع سلاح الاحتلال لإخضاع السكان
  • عاجل | "الشيكل يصل القاع".. سيناريوهات تأثير استمرار الحرب على اقتصاد إسرائيل
  • صحة غزة: 41788 فلسطينيا استشهدوا و96794 أصيبوا في عدوان الاحتلال الإسرائيلي على القطاع منذ 7 أكتوبر
  • السفير حسام زكي: سيناريوهات الاحتلال الإسرائيلي مكشوفة وأغراضه معروفة
  • ما هي سيناريوهات الردّ الإسرائيلي على إيران؟
  • مركز الدراسات الإستراتيجية: إيران تُزايد على العرب في دعم القضية الفلسطينية
  • جيش الاحتلال يكثف عدوانه على غزة ويخلف 67 شهيدا أغلبهم من النساء والأطفال