لجريدة عمان:
2024-09-30@15:46:25 GMT

بنيامين نتانياهو - سيرة ذاتية

تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT

يقولون إن معرفة العدو نصف المعركة. ويقول لك المثبطون، ها قد انقضى وقت طويل ولم يأت النصر، وها هي الجثث تملأ المكان ولا بارقة أمل تلوح في الأفق! وهي دعاية كاذبة لا تعدو أن تكون من فم مريض بالدعاية متأثرا بها أو من مثبط لا يدرك أن الحرب في أرض المعركة هي آخر الحروب، وأن قتل المدنيين سيعود وبالا على مرتكبه.

تحدثت في مقالات سابقة عن أهمية معرفة العدو وقراءة ما ينشره باستمرار وترجمة النافع المفيد في الحرب النفسية والاقتصادية والسياسية. وقعت على هذا الكتاب قبل ثماني سنوات في معرض للكتب المستعملة ومن حينها لم أعاود قراءته مرة أخرى، ولكنني وجدت فيه ما يمكن أن ينفعنا في عدة جوانب، منها فهم العدو، وتفكيكه، وتفنيد مخاوفه ومواطن ضعفه والعمل على تقويتها، ونقد ما يقوله بما يخدم القضية الفلسطينية العادلة أولا، وما يخدمنا كعرب جميعا. ثم إنني لا أؤمن بالأسطورة التي ترى أن الصهيوني متفوق في كل شيء، حتى جعلوا له من القوة ما يُشعرك بأنه إله لا إنسان!، بل إن الصهيوني إنسان هش أكثر من أي أحد آخر، وهذا مجال آخر قد نتحدث عنه في مقال قادم «أعني التحليل النفسي للصهيوني». ثم إن نتانياهو بنفسه يفرق بين اليهودي والصهيوني كما في ثنايا كتابه. نُشر هذا الكتاب عام 1996 باللغة الإنجليزية تحت عنوان A Place Among The Nations وتمت طباعة الترجمة قبلها بعام، وذلك لأن الناشر باللغتين العربية والإنجليزية واحد، وهي دار الجليل للنشر. أما العنوان العربي للكتاب فهو «مكان تحت الشمس». يقع الكتاب في أربعمائة وست وسبعين صفحة، ومقسم إلى عشرة فصول. ما يعجبني في قادة الاحتلال جميعا، أنهم متبجحون بأنفسهم منذ الأزل، ولا يخشون الحديث عن فظائعهم لاعتقادهم بأن قضية نصرتهم العالمية لا جدال فيها، وأن الشعوب الأوروبية والأمريكية خصوصا شعوب مضمونة ويُنظر إليها باعتبارها نواة المستقبل من النازحين من تلك الدول إلى «أرض الميعاد» ومستوطنات المجرمين الهاربين من أنحاء العالم. لكن الأحداث الحالية أصابت هذا الكيان بهزة لن يستفيق منها أبدا. فمعدلات الولادة وارتفاع عدد أفراد الشعب في الأراضي المحتلة معدلات خطيرة ولم تتغير حقيقة أن العرب في تلك الأراضي المحتلة أكثر عددا من الصهاينة النازحين من البلدان التي ذكرت. والضربة هنا ضربة اقتصادية كذلك، فما كان يبثه الإعلام وقساوسة السلطة في تلك البلدان جعل كثيرا من الناس -حتى من غير الصهاينة- يتعاطفون مع هذا «الشعب» المقهور والمسكين الذي يريد «البرابرة العرب الهمجيون» قتله وفناءه، ليتفاجأ الغربي وهو في الأربعين والخمسين من العمر أنه آمن بكذبة طوال حياته وأنه ظل ضحية الاستغلال لسنوات طويلة. ثم إن الضربة الأخرى تكمن في أن الشباب الغربي عمومًا واليهود خصوصًا لم يعودوا يؤمنون بالكيان المحتل، وأدركوا مع هذه المظاهرات المليونية أنهم تعرضوا للخداع طوال حياتهم عن حقيقة هذا الكيان الغاصب؛ وأعتقد أن جزءًا من أسباب هذه المظاهرات هو هذا الغضب بعد اكتشاف الحقيقة، ثم معرفة القضية العادلة. وهؤلاء الشباب هم النواة التي كان يعوّل عليها الاحتلال لتأتي بعده في المستقبل مع معدلات الولادة الضعيفة وانحسار فئة الشباب من المجتمع لصالح الكهول.

يضم الكتاب مقدمة من دار الجليل و«بطاقة هوية» وهو مقال لـ«يديعوت أحرونوت» الصحيفة العِبرية المعروفة، وهما مهمان في فهم السياق العالمي لمضامين الكتاب ولنفسية مؤلفه، ولكنني سأتخطاهما للحديث عما كتبه مجرم الحرب نتانياهو بنفسه. كتب نتانياهو مقدمتين لكتابه، إحداهما بالعربية وفيها -كعادته في قلب الحقائق- يشبّه نتانياهو معاهدة أوسلو بصلح الحديبية ليدلل ضمن سياق خبيث على أن العرب والمسلمين اعتادوا نكث العهود؛ رغم أن الحقائق التاريخية معروفة ومعروف من نكث هذا الصلح فيما بعد. مع أكاذيب أخرى يتحدث بها بكل صفاقة وبلا خجل. والأخرى موجهة للمستوطنين -استعمل لفظة مستوطن كبديل عن لفظة الشعب- الصهاينة باللغة العِبرية، وفيها ترويج لحزب الليكود اليميني المتطرف وانتقاص من حزب العمل اليساري الذي كان أكثر سلاسة في التعامل مع الفلسطينيين -وهو أهون الشرين هنا-.

يبتدئ مقدمة الطبعة العِبرية بالحديث عن المطبعين العرب في ثمانينيات القرن المنصرم حين كان نتانياهو سفيرًا للاحتلال لدى الأمم المتحدة. ويذكر فيه حوارا فاجأه دبلوماسي عربي بقوله بأن «الخيار العسكري العربي» انتهى!. معلقا على هذه الحادثة «لقد انطوت تلك المحادثة على اعتراف جديد كان ينتشر تدريجيا في كل الدول العربية بعد الانتصار الإسرائيلي -الصهيوني- في حرب الأيام الستة». معقبا على ذلك «أدى الاعتراف بعدم قدرة العرب على هزيمة إسرائيل في حدودها الموسعة إلى إيجاد نظريتين مختلفتين في العالم العربي» الأولى تقضي بضرورة التسليم بوجود إسرائيل. والثانية هي -الحقيقة الواقعة وليست نظرية- بوجوب قتال الاحتلال. معقبا على كل واحدة من هاتين الخلاصتين بالمكتسبات والتحديات والآثار المنبثقة منهما.

ليعترف بأنه «حتى عام 1992 عملت كافة الحكومات الإسرائيلية من أجل تقوية النظرية الأولى في العالم العربي. والتي على أساسها، سعت لتحقيق مصالحة تدريجية بين العرب وإسرائيل في حدودها الموسعة». يتحدث بعد ذلك عن انهيار الاتحاد السوفييتي وبالتالي غياب دعمه لبعض الأنظمة العربية التي كانت شوكة في حلوق الصهاينة، وكيف أن هزيمة العراق في حرب الخليج أدت إلى «إيجاد ظروف دولية مريحة لتحقيق الهدف الإسرائيلي». وهذا اعتراف ضمني من هذا المتطرف بأن كيانه قائم ويتقوى بانهيار الدول العربية ولن يكتفي بفلسطين بتاتا.

لا يكترث الصهاينة بمن يخدمون مصالحهم أو يقدمون لهم الخدمات، فهم يفضحونهم فور انتهاء المهمة المنوطة بهم ويتخلصون منهم. ويتجلى ذلك في قوله على سبيل المثال «عملت حكومة إسرائيل يدا بيد مع عرفات في اتفاق أوسلو 1993». والعمل مع العدو يكون ندا ضد ند، لا يدا بيد!. لكنه بعد هذه العبارة بأسطر يشير إلى أمر بالغ الأهمية للعرب، فعند حديثه عن التحول في السياسة الإسرائيلية، يقول إن من يدرس التيارات الفكرية التي تفرض أي إجراء سياسي، يمكنه أن يدرك طيلة السنوات الماضية كيف نجحت الدعاية العربية في التغلغل عمقا داخل أوساط واسعة في اليسار الإسرائيلي.

وعن طريقه إلى أجزاء أخرى من المجتمع اليهودي في البلاد. هنا يجب أن نقف ونتأمل في الوقت الذي كُتب فيه الكتاب، وهو قبل ظهور وسائل الإعلام العربية الحرة وقبل الانفجار المعلوماتي، فإذا كان نتانياهو يتحدث عن مخاوفه بتغلغل الرواية العربية داخل الأوساط الإسرائيلية -الصهيونية- في وقت لم يكن للإعلام الحر وجود فيه؛ فكيف يعتقد البعض أن النشر في وسائل التواصل الاجتماعي اليوم لا تفيد شيئا؟، وهذا قول لا يقوله إلا مثبط أو صهيوني.

تنطوي كلمات نتانياهو على كثير من الحقائق التي ينبغي أن يعمل العرب عليها في معرفة عدوهم ومواجهته، وأعني بها الحقائق التي تكون خلف السطور لا الأكاذيب التي يرويها ببجاحة منقطعة النظير. ويمكن معرفة مخاوف المؤلف ورؤاه وما يكيده للعرب من مكائد ودسائس، ولا يتطلب الأمر ذكاء خارقا؛ لكن بتشكيل ثلة من المفكرين وعلماء النفس العرب، يمكن العمل على تقويض هذا الكيان الاستعماري الهش واقتلاعه من المحيط العربي الممتد الذي لم يرَ الخير مذ تم زرعه في جسده لخدمة القوى الاستعمارية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

عن سيرة فنان جميل (1-2)

ليس أعظم من سيرة فنان، يعيش من أجل الجمال، ينكسر مع المواجع، ويشتعل لنثر ذرات الحسن يميناً ويساراً.

كذب الزعماء، الساسة، وقادة الحروب، والمصفقون للطغاة، وهم يسودون لنا الصفحات تاركين مذكرات تبرير وتجميل وكذب.

من هنا فسعادتى لا توصف متى قرأت مذكرات مبدع.. سحرتنى من قبل مذكرات نجيب الريحانى، وفاطمة اليوسف، ويوسف وهبى. وسعدت أيما سعادة قبل سنوات قليلة بصدور مذكرات عزة فهمى عن الدار المصرية اللبنانية، واليوم تبهرنى دار الشروق بمذكرات فنان ساحر، ومبهر، وجميل وهو محمد عبلة، بعنوان جذاب هو «مصر يا عبلة».

تبدو سيرة الفنان فى بلادنا سيرة مقاومة دائمة. وهى مقاومة لعراقيل جمة. فهى أولاً مقاومة لمجتمع لا يأبه كثيراً فى ظل الهموم المادية الحياتية بقيمة الفن، ويعتبره رفاهية وأمراً ثانوياً.

وثانياً لمؤسسات رسمية تدعى احتضان الإبداع وتشجيعه وتحفيزه، وفى حقيقة الأمر هى تتاجر به، وتستغله، وتحاول توظيفه لمآرب لا علاقة لها بالفن والذوق والجمال.

وثالثاً وذلك الأهم لتيار دينى، مُساق، ومصمت، ومُنغلق، ومخاصم لمعالم الحضارة ومعاد لقيم العصرنة، تحت باب «شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار».

بهذا المنطق قاوم محمد عبلة عقبات الفن فى طريقه مدفوعاً بفورة المحبة للجمال، وحماسة الإيمان بأهمية الفن وقدرته على تغيير البشر، والبلدان، والعوالم. ما الفن سوى راية تحدٍّ لكتائب القبح المستعرة والمنتشرة والمنتشية بمجازر التحضر شرقاً وغرباً..

كان أول تحدٍّ جابهه عبلة عندما اختار الفن، واختاره الفن، هو مقاومة وصاية والده وإصراره على إلحاقه بالكلية الحربية. كان منطق والده واضحاً فى بدايات السبعينيات حيث استقر النظام الذى أسسه ضباط يوليو، وصار كل شىء، إذ سأل ابنه عندما عرف أنه يريد دخول كلية الفنون الجميلة لأنه يحب الرسم: «هل سمعت من قبل عن رئيس مدينة أو محافظ خريج فنون جميلة؟». وأضاف والده «رئيس البلد كلها واحد من الجيش. هل هناك فنان أصبح رئيساً للجمهورية؟ راجع نفسك يا محمد». لكن محمد عبلة لم يراجع نفسه، وتقبل الدفاع عن اختياره وتحمل تبعاته حتى النهاية، فترك البيت واستأجر مكاناً متواضعاً وعمل فى النقاشة والخط وكثير من المهن الحرفية لينفق على نفسه طالباً فى الفنون الجميلة بالإسكندرية.

ثم واجه الفنان تحدى البيروقراطية عندما رفض وكيل الكلية انتقاله من فنون تطبيقية فى شهر ديسمبر، إذ مرت شهور من الدراسة، وكان محمد عبلة معجباً بأعمال فنان سكندرى عظيم هو سيف وانلى، وقرر الاستعانة به فى هذه المشكلة. وذهب الطالب لباعة اللوحات يسألهم عن عنوان الفنان، حتى وصل إليه دون سابق معرفة، وطرق الباب ليجد رجلاً متواضعاً ومهذباً يدعوه للدخول. وحكى له عن رفض وكيل الكلية التحاقه بها، رغم حبه الشديد للفن، وتدخل «وانلى» وهاتف عميد الكلية، وسانده فى قبول أوراقه.

توالت التحديات فى مسيرة الرجل، وكان أصعبها ذلك التمدد العنيف للمتأسلمين فى الجامعات والمدارس، وتحريمهم للفنون وتحريضهم ضدها. وكان من الغريب أن بعض الطلبة الذين صادقهم محمد عبلة، وانبهر بأعمالهم فى البدايات انقلبوا بعد ذلك إلى متشددين، ومكفرين، وناقمين على الفن والمجتمع والحياة برمتها. لقد أعجب ببعضهم وكانوا نواة لتيار السبعينيات الصاعد من رحم الصراع العربى الإسرائيلى، وتغيرات المجتمع الكبرى، لكن موجة التطرف العاتية ابتلعت كل شىء. وربما أغرب ما يستدعى الالتفات هنا، أن هيمنة التيار الدينى وصلت إلى حد تعيين بعضهم فى سلك التدريس بالفنون الجميلة، حتى إن أحدهم قال لـ«عبلة» وهو يعد مشروع التخرج «الرسم حرام، لكن الضرورات تبيح المحظورات».

وللسيرة بقية تستحق الحكى..

والله أعلم

 

[email protected]

 

مقالات مشابهة

  • رحلات للجماهير لدعم الاتحاد السكندري ومتابعة مباريات البطولة العربية لكرة السلة
  • عن سيرة فنان جميل (1-2)
  • هاشم صفي الدين الخليفة المحتمل لنصر الله (سيرة ذاتية)
  • هاشم صفي الدين الخليفة المحتمل لتصر الله (سيرة ذاتية)
  • فيلم وحشتيني.. سيرة ذاتية تحمل بصمة يوسف شاهين
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي: رصد صاروخ أطلق من لبنان على منطقة بنيامين
  • اتحاد الكتاب العرب في سورية: استشهاد سيد المقاومة مهد بدمه الزكي طريق النصر الآتي
  • من هو صفي الدين حزب الله؟ تفاصيل وسيرة ذاتية عن خليفة حسن نصر الله المُحتمل
  • "الكتاب العرب" يدين الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان واغتيال حسن نصر الله
  • نتانياهو يقطع رحلته إلى الولايات المتحدة بعد الغارة التي استهدفت نصرالله