مصر حاجز الأمان بين المشرق والمغرب!
تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT
مكانة مصر الإقليمية والدولية المتميزة وتكوين الإنسان المصرى الذى ظل على مر العصور متمسكا بقيم الاعتدال والانفتاح على الآخر، والتفاعل الخلاق مع سائر الأمم والثقافات من أجل تحقيق الأمن والسلام ليس لوطنه فقط بل للإنسانية جميعا، أتاح لها القيام بدور مؤثر وفاعل لا يمكن إغفاله أو التغاضى عنه، استمدته عبر مقومات رئيسية من أهمها الامتداد الطبيعى لمصر عبر القارات، جعلها بمثابة البرزخ الذى مرت عبره الديانات السماوية، وملتقى رئيسيا للتفاعل الثقافى والفكرى بين الشرق والغرب والشمال والجنوب.
كذلك مثلت القدرات البشرية عاملا رئيسيا فى استمرار هذا الدور، فمصر كانت أول مجتمع مدنى فى تاريخ البشرية، تشكلت فيه أمة نشأ بين أفرادها نوع من التفاهم والانسجام، وكانت للقدرات العسكرية التى تتمتع بها مصر دورها فى صد هجمات الغزاة والمعتدين على مر التاريخ، وفى الدفاع عن الإسلام والعروبة. كذلك ساندت مصر جميع حركات التحرر فى الوطن العربى. ودافعت عن قضايا العرب ومشكلاتهم، ولعل العبء الذى تحملته مصر فى الدفاع عن القضية الفلسطينية منذ بدايتها حتى اليوم خير دليل على ذلك. كما تحملت مصر مسئولية نشر التعليم فى معظم أجزاء العالم العربى. فى الوقت نفسه اضطلعت بمسئولية السعى نحو الاستقرار والسلام فى الشرق الأوسط مستمدة من قيم الاعتدال والتسامح والتعايش التى تمثل جوهر تعاليم الإسلام السمحة.
وقد جسّد الأديب الكبير عباس محمود العقاد أهمية مكان مصر ومكانتها فى مقال بمجلة «الهلال»، حمل عنوان «نحن المصريين»، قال فيه «نحن فى بقعة من الأرض لا يستقر العالم إذا اضطربت، ولا يضطرب العالم إذا استقرت، ولم يحدث فى الزمن الأخير حدث عالمى قط إلا كان رده وصداه على هذه البقعة من الكرة الأرضية. فإذا ملكنا إرادتنا فى هذه البقعة فهى حاجز الأمان بين المشرق والمغرب، وبين المتنازعين فى كل وجهة وعندنا مصفاة الثقافات والدعوات، فإذا استخلصنا شيئا من الغرب وشيئا من الشرق، فليس أقدر منا على تصفية الخلاصة لبنى الإنسان جميعا فى ثمرة لا شرقية ولا غربية تضىء ولم تمسسها نار.
لا شك أن موقع مصر المتميز مكّنها من لعب دور مهم فى صياغة السياسات الإقليمية والدولية فى فترات الحرب والسلام، ومنحها مكانة متفردة فى العالم بملتقاه الآسيوى والأفريقى، وجعلها من اللاعبين الكبار بمنطقة الشرق الأوسط منذ عقود طويلة.
فمصر تقع فى موقع القلب من العالم، فهى نقطة تلاقى قارات العالم القديم: أفريقيا وآسيا وأوروبا، كما تطل على بحرين هما: البحر الأحمر والبحر المتوسط، وتشرف على خليجين هما: خليج السويس وخليج العقبة، وعلى أرضها تجرى قناة السويس أحد الممرات المائية الدولية، كما يتدفق عبرها نهر النيل الذى يمثل شريان الحياة لمصر، ويحظى بمكانة كبيرة فى وجدان الشعب المصرى.
هذا الموقع المتفرد حفز كثيراً من العلماء والمفكرين على شرح وبيان أهميته وخصائصه وأثره وتأثيره على مصر فى الداخل والخارج. ويمثل كتاب الدكتور جمال حمدان «شخصية مصر.. دراسة فى عبقرية المكان» دليلاً قوياً فى هذا السياق، لقد استفاض «حمدان» فى شرح شخصية مصر الإقليمية والبشرية والزمانية والمكانية، ولخص ذلك فى قوله: «لمصر شخصيتها الإقليمية التى تضفى عليها تميزها وانفرادها عن سائر الدول فى الأقاليم المختلفة، إنها فلتة جغرافية فى أى ركن من أركان العالم». وحدد أهمية الموقع ومكانته قائلا: «إن عبقرية مصر الإقليمية تستند إلى محصلة التفاعل بين بعدين أساسيين هما الموضع والموقع، حيث يقصد بالموضع البيئة بخصائصها وحجمها ومواردها فى ذاتها، وهى البيئة النهرية الفيضية لطبيعتها الخاصة. أما الموقع فهو الصفة النسبية التى تتحدد بالقياس إلى توزيعات الأرض والناس والإنتاج وتضبط العلاقات المكانية المرتبطة بها».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حكاية وطن مصر الإقليمية الانسان المصري مر العصور
إقرأ أيضاً:
«غزة والضفة» لفلسطين.. رفض دولي لـ«التهجير» (ملف خاص)
وسط ترقب عالمى للتهدئة فى الشرق الأوسط ووقف إطلاق النار فى قطاع غزة، وفرحة الأهالى بالعودة إلى ديارهم شمال القطاع، وتمسكهم بالأرض، فى مشاهد العودة التى تناقلتها وسائل الإعلام العالمية بعد أكثر من عام ونصف على الحرب التى شنها الاحتلال الإسرائيلى وتسببت فى سقوط نحو 48 ألف شهيد و112 ألف مصاب، خرج الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى مؤتمر صحفى مع بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلى، مساء أمس، ليقول إن الولايات المتحدة ستسيطر على غزة، وهناك إمكانية لإرسال قوات إلى هناك، ونقل الفلسطينيين إلى دول مجاورة، مع إعادة تطوير المنطقة، حيث لا يوجد أمام الفلسطينيين بديل سوى مغادرة غزة بشكل دائم، زاعماً أنه يريد تحويل الدمار فى غزة، الذى خلفته حرب إسرائيل على «حماس»، إلى مكان آمن يشبه ريفييرا الشرق الأوسط.
المشروع الأمريكى الإسرائيلى لتهجير الفلسطينيين لاقى رفضاً واستنكاراً على جميع المستويات، من أمريكا نفسها، إلى العديد من دول العالم الكبرى، وصولاً إلى الرفض الفلسطينى، والإجماع العربى على أنه لا سلام ولا استقرار فى الشرق الأوسط إلا بحل عادل للقضية الفلسطينية، يستند لإقامة الدولة المستقلة، ورفض التهجير.