جريدة الرؤية العمانية:
2024-07-06@07:08:12 GMT

دلالات زيارة البرهان للسعودية

تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT

دلالات زيارة البرهان للسعودية

 

 

 د.هبة بت عريض

 

 

فتحت زيارة رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق عبد الفتاح البرهان للسعودية صفحة جديدة للعلاقة بين البلدين الشقيقين، وعكست سلوكا إيجابيا على مستوى الرأي العام السوداني، سيما وأن المملكة ظلت متربعة في قلوب السودانيين، لقد حملت الزيارة وإن كانت تحت عنوان (القمة العربية الأفريقية) دلائل إيجابية على ضوء الحفاوة والترحيب الذي وجده الوفد .

 

ويبدو أن هذه الزيارة يمكن استيعاب نتائجها في إطار إعادة التموضع الذي تشهده السعودية، خصوصاً في السنوات الأخيرة، وهو مبني على قراءة أكثر احترافية وموضوعية للتطورات والمعطيات الإقليمية والدولية، حيث تدرك السعودية حالة تراجع المكانة الدولية للولايات المتحدة الأميركية، وازدياد تركيز اهتماماتها على شاطئ المحيط الهادي، وعدم جديتها الكافية في حماية مصالح حلفائها وأمنهم في الشرق الأوسط، كما تدرك حقيقة الصعود الصيني، واتجاه العالم تدريجياً نحو منظومة متعددة الأقطاب، فضلا عن رغبة قوى عالمية كروسيا والهند في تثبيت مكانتهما الدولية، والانعتاق من هيمنة (الدولار)، كما تدرك السعودية صعوبة حل مشاكلها الإقليمية دون التفاهم مع القوى الإقليمية الصاعدة كإيران وتركيا، وأن أمن السعودية والخروج من المأزق اليمني بحاجة إلى هكذا تفاهمات .

 

من ناحية أخرى، فإن فشل وقف إطلاق النار في السودان، والرفض الشعبي المستمر للمبادرة الأمريكيه السعودية (منبر جدة)، بسبب تعنت مليشيا الدعم السريع المتمردة وعدم التزامها بالخروج من منازل المواطنين والأعيان الحكومية، مما أجبر المواطن السوداني على دفع ثمن الحرب تشريداً ونزوحاً واغتصابا للحرائر ودون ذلك من إذلال وتهجير قسري، بالإضافة إلى أن المليشيا أثبتت أنها لا تصلح شريكاً يُعتمد عليه في أمن السودان، وأن أجندتها العنصرية والعدوانية تُعمق الرفض الشعبي لها، وتجعلها عبئاً ثقيلاً على أي علاقة تشاركيه أو رسمية .

 

ثم إن جنوح نهج هذه المليشيا إلى مزيد من التطرف العدواني والعنصري، إضافة إلى أن حربها لجلب الديمقراطيه كذبا حولتها إلى حرب ضد المواطن المغلوب على أمره، الذي وجد نفسه في أتون حرب موغلة في التطرف لم تشهد في كل تاريخ الوطن .

 

 كل ذلك يجعل الموقف السعودي أكثر تحفظاً تجاه أي علاقة محتملة مع المليشيا، وأكثر رغبة في الانفتاح على الحكومة الفاعلة المتمثلة في مجلس السيادة والقوات المسلحة السودانية.

 

ولعل المملكة العربية السعودية من ناحية أخرى، لاحظت أن الشعب السوداني يدعم جيشه ويقف خلفه، بدليل الاستنفار الذي أعلنه القائد العام للقوات المسلحة، وتلبية الشعب لنداء القائد تحت شعار (شعب واحد جيش واحد)، كما أن انتهاكات المليشيا انعكست سلباً على شعبيتها محلياً وعالمياً، وأن الجيش ما زال يتصدر استطلاعات الرأي، ويحظي بقبول وتأييد شعبي كبير، وهي شعبية تتزايد مع زخم العمل والأداء العسكري المقاوم على الأرض، وليس بالتجاوب مع المبادرات المطروحة إقليميا وعربيا ودوليا .

 

ولعل السعودية لاحظت أن الجيش بسبب ضغوط عدد من دول الجوار له، صار أكثر اعتماداً على الدعم الحربي من تركيا ومصر وأخيراً إيران، مع احتفاظه باستقلاليته، وأن على السعودية وعلى البلدان العربية، إن كانت جادة في مساعدته لإنهاء الحرب يتعين عليها أن تكون أكثر انفتاحاً عليه لا حياديا ولا ضده، وفي قضية امست لاتقبل انصاف الحلول .

 

ولذلك، بات من الواضح بالنسبة للسعودية والبلدان العربية استحالة تجاهل حرب السودان والاكتفاء بالدعم والمنح فقط، خصوصاً وأن المملكة العربية السعودية تعد قوة صاعدة مرشحة لقيادة الشرق الاوسط في منظومة (توازن القوي)، بالشرق الأوسط.

 

ثم إن السعودية وبالرغم مما تعرضت له من هجمات إعلامية من بعض الإعلاميين والنشطاء السودانيين، تحمّلتها بصبر، ولم تبادر بأي ردود أو هجمات إعلامية مضادة، ومالت للتهدئة وقامت بواجبها تجاه الشعب السوداني، بتقديم كل أنواع الإعانات والمنح، وكانت سباقة في فعل الخيرات، بل انها في مقدمة الدول المانحة، مما أسهم في تحجيم الاحتقان إلى حدّه الأدنى، وإلغاء مبررات العداء، وتسهيل العودة إلى الإعلام الإيجابي عبر تفعيل العلاقات الثنائية مما سيوفر بيئة أفضل لاستعادتها لدورها المهم ومكانتها في الملف السوداني، وفي إطار عودة طبيعية للسياسة السعودية التقليدية المنفتحة على الحكومة السودانية، وذلك سيوفر بيئة أفضل للدعم الشعبي والرسمي السعودي للشعب السوداني وتخفيف معاناته، ليس فقط في الحرب الحالية، وإنما أيضاً في مرحلة ما بعد الحرب وهي الأهم .

 

 من ناحية أخري فإن زيارة البرهان للسعوديه برهنت على علاقة السودان القوية بالمملكه التي استطاعت عبر قراءتها الموضوعية لمجمل المعطيات المحلية والإقليمية والدولية، من الانفتاح ايضا على الصين وروسيا، والاتفاق مع إيران، ومحاولة تسهيل الوصول إلى حلٍّ سياسي في السودان يتسق وتطلعات الشعب، ومثل هكذا سياسة لا يمكن أن تتجاهل أهم فاعل في شرق ووسط افريقيا، او بالأحري منطقة الشواطيء الغربية للبحر الأحمر التي تمثل أهمية قصوي للفاعلين الكبار .

 

وبالطبع، فإن (الكُوَّة) التي فتحتها السعودية من خلال هذه الزيارة، يجب النظر اليها في إطارها وحجمها المحدود، ولا ينبغي تعليق آمالا كبيرة عليها قبل أن تنضج ظروف تطورها الطبيعي، ولعل رسالة السعودية كانت واضحة، من خلال استقبالها للبرهان بحفاوة .

 

السيناريوهات المحتمله

 

نحن أمام ثلاثة سيناريوهات في المستقبل القريب والوسيط لعلاقة الرياض بالخرطوم :

 

الأول : الإتجاه نحو تخفيف الإحتقان الإعلامي وإنهاء التوتر ووقف الحملات الإعلامية المتبادلة، مع الإبقاء على علاقة فعليه متماسكة .

 

الثاني : الانفتاح المحسوب، عبر علاقة حميمية وتفعيلها من خلال الأطر الاقتصادية وتبني سياسات استثماريه أكثر تفهّماً لظروف السودان الحاليه، ومحاولة وجود حلول بديلة لوقف إطلاق النار تحقق تطلعات الشعب .

 

الثالث : بالإضافة إلى الإجراءات المشار إليها في السيناريو الثاني، يتم تطوير العلاقات إلى المستوى السياسي بالتواصل المباشر المنفتح مع الجيش والقوي السياسية الاخري، وغضّ الطَّرف عن الخلافات الجذريه بينها .

 

ولعل السيناريو الثاني هو الأقرب للتحقيق، وهو الاتجاه نحو انفتاح حذر متدرج محسوب، يتناسب مع الرؤية السعودية الجديدة، وتحنب إستعداء الأميركان ودون أن يتسبّب ذلك في ضغوط غربية لا ترغب القيادة السعودية في مواجهتها في هذه المرحلة .

 

وكُلُّ امرئ يُولي الجَمِيلَ محببًا، وكُلّ مَكانٍ يُنبِتُ العِزَّ طَيبُ.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

دلالات زيارة الدبيبة إلى مصر بعد قطيعة استمرت 3 سنوات.. هل يلتقي السيسي؟

طرحت زيارة رئيس حكومة الوحدة في ليبيا، عبدالحميد الدبيبة إلى العاصمة المصرية "القاهرة" بعد قطيعة لأكثر من 3 سنوات بعض الأسئلة عن أهداف ودلالة الخطوة وما إذا كانت لتحقيق مصالح اقتصادية أو سياسية أو مجرد زيارة روتينية.

وبدأ "الدبيبة" نشاطاته في القاهرة التي يزورها لأول مرة منذ أكثر من 3 سنوات بكلمة في جامعة الدول العربية رفقة الأمين العام للجامعة، أحمد أبو الغيط خلال افتتاح أعمال المؤتمر الاستعراضي الإقليمي الثاني للاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية في المنطقة العربية.

"قوانين توافقية"
وناقش الدبيبة خلال لقاء ثنائي مع أبو الغيط دعم الجهود المحلية والدولية لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفق قوانين توhفقية، وتفعيل دور الجامعة العربية في الملف السياسي الليبي وفي دعم واستقرار ليبيا في مختلف الجوانب.

وترددت أنباء عن لقاء بين السيسي والدبيبة خلال تواجد الأخير في القاهرة من شأنه إنهاء مرحلة القطيعة مع حكومة طرابلس وإعادة التنسيق معها في عدة مجالات خاصة الاقتصادية كون النظام المصري في حاجة ملحة لدعم الاقتصاد المحلي بعد الأزمات المتتالية.

مراقبون رأوا أن الطرفين "الدبيبة والسيسي" في حاجة لبعضهما البعض اقتصاديا وسياسيا، فالسيسي يحتاج إلى مزيد من الاستثمار والمشروعات الاقتصادية التي من شانها إنعاش الوضع الاقتصادي هناك، والدبيبة في حاجة لداعم إقليمي سياسيا بعد حالة العزلة الإقليمية والدولية لحكومته والحديث عن تشكيل حكومة جدبدة.

فهل تحمل زيارة "الدبيبة" للعاصمة المصرية أي دلالات سياسية واقتصادية أم هي خطوة روتينية؟ وهل يلتقي السيسي فعلا أم يكتفي بلقاءات تخص الجامعة العربية؟.

"ضغوط دولية على الدبيبة"
من جهتها، أكدت عضو مجلس النواب الليبي عن طرابلس، ربيعة بوراص أن "العلاقات بين ليبيا ومصر تاريخيا كانت دائما معقدة بسبب التقلبات السياسية في كلا البلدين، وما زاد من حجم هذه التعقيدات الاضطرابات التي مرت بها ليبيا بعد سقوط النظام السابق والانقسامات التي شهدتها ليبيا جراء تنافس شركاء الثورة "17 فبراير" في شرق وجنوب وغرب البلاد على السلطة بشكل سلبي ومسلح".


وأشارت في تصريحات خاصة لـ"عربي21" إلى أن "زيارة الدبيبة اليوم إلى مصر جاءت بصفته وزيرا للخارجية الليبية للمشاركة فى الحوار الاقليمي حول الهجرة، ولا مفر أمام حكومة الدبيبة من التقارب مع القاهرة وخاصة بعد المصالحة السياسية التي حصلت بين مصر وتركيا، وكذلك الضغوط الدولية والمحلية التي تطالب بتوحيد الحكومة للوفاء بعقد الانتخابات التي ينتظرها الليبيون منذ سنوات"، وفق قولها.

وأضافت: "بشكل آخر التنافس بين القوى الإقليمية مثل مصر وتركيا يعقد جهود حكومة الدبيبة لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني في ليبيا، دعم تركيا لحكومة الدبيبة ودعم مصر للجهات المعارضة للحكومة يخلق بيئة من التوتر والانقسامات، مما يعرقل التقدم نحو وحدة وطنية واستقرار دائم، لذلك اليوم لا مفر أمام الحكومة من فتح حوار دبلوماسي مع الجانب المصري لجسر الهوة الاقليمية التي تؤثر بشكل مباشر على استقرار ليبيا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني"، حسب رأيها.

"تراجع القاهرة وأطماع اقتصادية"
في حين رأى عضو التكتل السياسي لإقليم "فزان" والناشط السياسي الليبي، وسام عبد الكبير أن "القاهرة تراجعت منذ عدة أشهر عن رفضها المطلق لبقاء حكومة الدبيبة بعد محاولات عديدة من القاهرة لدفع رئاسة مجلسي النواب والدولة من أجل تشكيل حكومة جديدة موحدة".

وأوضح في تصريحه لـ"عربي21" أن "الزيارة غير المعلنة لرئيس الملف الليبي في المخايرات المصرية إلى طرابلس من أجل تشكيل حكومة برئاسة الدبيبة فشلت نتيجة رفع السقف من قبل القاهرة، كما أن عودة العلاقات المباشرة من جديد بين الدبيبة والقاهرة يحمل أبعادا اقتصادية في الظروف المتعسرة التي تعيشها مصر من الناحية الاقتصادية وكذلك له دوافع سياسية"، حسب تقديره.

وتابع: "أسباب تراجع القاهرة وإعادة علاقاتها بحكومة الدبيبة يرجع لعوامل وظروف مصر الاقتصادية والسياسية، وكذلك تأثير الحرب في غزة على الأوضاع المعيشية والخدمية في مصر، وتراجع الدور المصري في السودان مع بروز أقطاب اقليمية تختلف أهدافها مع السياسة الخارجية المصرية، كل هذه العوامل دفعت الدبلوماسية المصرية لإعادة ترتيب علاقاتها مع حكومة الدبيبة"، كما قال.


"دور مصري قوي"
الأكاديمي والباحث الليبي في الأزمات الدولية، إسماعيل المحيشي قال من جانبه إن "الدبيبة أبدى مرونة في التعامل مع عدة ملفات وكسياسي نجح في احتواء بعضها، وكون مصر دولة ذات تأثير قوي في المشهد السياسي الليبي كان لابد أن يعيد الحسابات في علاقاتها بها".

وأكد أنه "من المعروف في ليبيا أنه من يريد أن يحكم البلاد أو يظل متواجدا بقوة في المشهد السياسي عليه أن يكون له علاقات جيدة وقوية مع الدولة المصرية سواء كانت دبلوماسية واقتصادية أو حتى أمنية كونها دولة ذات تأثير في المنطقة بأكملها وليست ليبيا فقط"، بحسب تعبيره.

وأضاف لـ"عربي21": "نترقب اللقاء بين السيسي والدبيبة وطي صفحة الخلافات السابقة، فمن مصلحة الدبيبة إعادة العلاقات مع الجانب المصري وكذلك من مصلحة القاهرة ذلك من أجل تحقيق مصالح اقتصادية ومنافع بينهما وهذا كله يصب في تحقيق مصالح سياسية ايضا"، كما رأى.

مقالات مشابهة

  • السودان ومصر يبحثان الهجرة غير الشرعية وتحديات الوجود السوداني بمصر
  • عاجل | رئيس مجلس السيادة في السودان عبد الفتاح البرهان للجزيرة: الشعب السوداني لن ينهزم والقوات المسلحة ستنتصر
  • القوى السياسية السودانية: نشكر مصر لمبادرتها جمع الفرقاء السودانيين (بيان)
  • أمريكا والدول الغربية ذات الوجهين: لا تستطيع فرض قبول الشعوب بها، ولا منع فرارهم منها شرقا
  • البرهان يطلق تصريحات عن الدعم السريع أمام إعلاميين قادمين من الخارج لإسناد الجيش
  • الدعم السريع تسيطر على اللواء 92 جنوب غربي السودان
  • دلالات زيارة الدبيبة إلى مصر بعد قطيعة استمرت 3 سنوات.. هل يلتقي السيسي؟
  • “إلا بعزة”.. البرهان يحدد شروط التفاوض مع الدعم السريع
  • شاهد بالفيديو.. ماذا قال البرهان في وادي سيدنا بحضور ياسر العطا؟
  • البرهان لا تفاوض مع من قتل ونهب الشعب السوداني