خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
حينما تنام الشعوب آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان، فإن ثمة عناية ساندتها من رب العزة والجلال، فأتتها البشارات والخيرات تترى من كل حدب وصوب، وأتتها الهبات والمعونات والتوافيق سارات محفزات متتاليات، فهيأت لها السبل ومن كان في قلبه مثقال مجرات من خير، ومن صدق فيما عاهد الله وشعبه عليه، ومن تمثل بالصدق فكان صدوقاً وتجمل به، ومن كان هو للخير عنوانا وتمتع به، وحمل قبلا هم بلد بأكمله، البلد الذي قيض الله له من يعتمل داخله فكر سامٍ عميق، ويتطلع إلى أهداف نبيلة راقية لا تضيق، ونهج رفيع وتوجه شفيع.
كان فعلا أهلا للأمانة التي شرف بها من لدن خالقه ليكون على رأس القوم والأشهاد حاكما عادلا، وسلطانا أمينا باذلا فانعم به. وإذا ما علمنا أن لكل مقام مقال، ولكل تتطور وقيام نهضة تنموية كبرى حركة واجتهاد ومال، فإن الحال كذلك في النهوض بالأمم وبالاعتناء بناسها وأهلها، فبلدنا عمان دولة تشريعات ومؤسسات وقانون ونظام، وبها ما يكفل لمن عليها حياة آمنة مُطمئنة.
إنَّ القوانين في بلدنا جاءت نتيجة جد واجتهاد ومسايرة لكل مرحلة تلو مرحلة، فالأنظمة بها محكمة نافذة متحدثة، والعمل على جعل سلطنة الخير وبلاد السلام ونبذ الخلافات والحروب والصراعات، حمامة سلام ومسرى وئام ومكان تسامح وانسجام وتوافق واحترام، ديدن قائدها وعاهلها المفدى الذي تفضل يوم الثلاثاء الماضي، فافتتح دور الانعقاد السنوي الأول للدورة الثامنة لمجلس عُمان بمبنى المجلس بمحافظة مسقط. وألقى جلالته- أعزه الله- خطابا ساميا أكد من خلاله عدم التواني عن تحقيق أهداف وتطلعات عمان 2040، وقال جلالته: "نشيد بنضج تجربة مجلس عُمان وتكاملها مع أجهزة الدولة تعزيزا لفاعلية العمل الوطني".
أكد المقام السامي العزم على الاستمرار في بذل المزيد من الجهود لتنويع مصادر الدخل الوطني، وأن هناك دور أساسي لأبناء عُمان فيما تحقق من إنجازات مُتواصلة في مسار التنمية الشاملة.
وفيما يتعلق بنظام الحماية الاجتماعية، فإنه شامل لكافة فئات المجتمع لينعم الجميع بالعيش الكريم، وكان لإعادة هيكلة الجهاز الإداري أسهام في زيادة فاعلية الأداء الحكومي وكفاءته، وكذلك تطوير مرفق القضاء الذي هدف منه لتحقيق العدالة الناجزة بكفاءة واقتدار.
وفي هذا السياق، وجه جلالته أعضاء مجلس عمان ليكونوا على قدر المسؤولية واضعين مصلحة البلاد نصب أعينهم. ووجه في خطابه شكرا وتقديرا للقطاعات المدنية والعسكرية والأمنية في الدولة على جهودها المستمرة في حفظ الأمن ودعم قطاعات العمل والإنتاج في المجتمع. وأشار- باركه الله- أيضا إلى أننا حققنا نتائج طيبة اجتماعيا واقتصاديا رغم تحديات الاقتصاد العالمي وانعكاساتها السلبية علينا، وأن تنمية المحافظات وترسيخ مبدأ اللامركزية، نهج أسسنا قواعده، والعزم جارٍ على توسيع نطاق اللامركزية وتكريس دور المجتمع المحلي في التنمية، وأن هنالك اختصاصات وأدوار عديدة للمجالس البلدية لتحقيق رفاهية المواطنين سترى النور قريبا.
وفي مسار تصحيح أوضاع التعليم وتحقيق الفائدة منه على المستوى المحلي، قال جلالته: نؤكد ربط مناهج التعليم بمتطلبات النمو الاقتصادي والانفتاح على الآفاق الرحبة للعلوم والمعارف، مع ضرورة التصدي للتأثيرات غير المقبولة على المنظومة الأخلاقية والثقافية للمجتمع، وأهمية ترسيخ الهوية الوطنية والقيم والمبادئ الأصيلة والاهتمام بالأسرة والمجتمع. وجعل الاقتصاد الرقمي أولويةً ورافدا للاقتصاد الوطني، وضرورة إعداد برنامج وطني لتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي وتوطينها، وتسريع إجراءات قطاع الطاقة المتجددة ووضع الأطر القانونية والسياسات اللازمة لنموه.
وفي الشأن الدولي، قال جلالته: نتابع بكل أسى وأسف ما يتعرض له الأشقاء في فلسطين المحتلة من عدوانٍ إسرائيلي غاشمٍ، مشددا حفظه الله ورعاه إلى ضرورة تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته والتزاماته تجاه القضية الفلسطينية.
تلك كانت جوانب مضيئة من الخطاب السامي الذي تابعناه من يومين، ونحن نستشرف آفاق العام المقبل والمستقبل المرتجى، فإننا نعاهد الله أننا سنكون جندا أوفياء وحماة أمناء لوطننا وسلطاننا المفدى. وفي هذه الأيام التي تستعد فيها بلادنا للاحتفال بالعيد الوطني الـ53 المجيد، فإنَّ عمان وأهلها يضرعون إلى الله تعالى بأن يُديم الأمن والأمان على شعوب العالم قاطبة، وأن ينعم على فلسطين وأهلها بالنصر الحاسم الذي يمكنهم من العيش بسلام، وكل عام وأنتم بألف خير وبركة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تأملات قرآنية
#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآية 11 من سورة الرعد: “..إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ..”.
ذهب المفسرون الى أن التغيير في حال قوم يوقعه الله بهم يحتمل أن يكون من سيء الى حسن أو العكس، لكن السياق يفيد التغير من الحال السيء الى حال أفضل، ويعزز ذلك الآية المتشابهة مع هذه الآية: “ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ” [الأنفال:53].
لذلك تعتبر هاتان الآيتان من السنن الكونية التي يجري الله الأحداث بموجبها، وتقطعان بأن أحوال الأمم والأقوام ليست أقدارا مكتوبة عليها، بل متغيرة يبدلها الله من حال الى حال، والتغيير مرتبط بتغير نواياها وسلوكاتها.
وعليه فان من يطمحون الى خروج أمتنا من واقعها الحالي المزري، ونهضتها وعودتها الى موقعها الحضاري المجيد الذي كانت عليه، وكانت خلاله في صدارة الأمم، حري بهم أن يتأملوا جيدا في مدلولات هاتين الآيتين.
مما يمكن استخلاصه الحقائق التالية:
1 – إن التعامل الإلهي مع البشر فردي حينما تتعلق المسؤولية عن سلوكاته بذاته، فيحاسبه عما فعل ولا يحمله عاقبة أفعال غيره لأنه ليس له عليه من سلطة، لكنه يحاسب المجتمعات جماعيا عندما تتعلق منتجات الأفراد بالمنتج العام للسلوكات فتصبغ المجتمع بصبغة ذلك السلوك، وتصبح تلك السمة العامة للمجتمع سواء كانت إيجابية أو سلبية مؤثرة على الأفراد وموجهة لسلوكاتهم، مثال على ذلك قوم لوط، اذ لا يعقل أن جميع الأفراد كان لديهم شذوذ جنسي، لكن عوقب الجميع عندما لم يعد الأمر مستنكرا في القيم المجتمعية الجمعية، بل ممارسة مقبولة، ولممارسيه حماية ورعاية من قبل الهيئة الحاكمة، بل وتعاقب من ينتقدها أو يضايق فاعليها (كما نشهده الآن في العالم)، وعندما لم يتصدّ المصلحون لوقفها ولم يستنكرها الصالحون، أصبحت سمة عامة تصبغ المجتمع كله، لذلك أخذ الله المجتمع كله، صالحه وفاسده بالعذاب.
2 – فاسدو المجتمع يحاولون تبرير أفعالهم بأن الله كتب عليهم الضلال، وفي هاتين الآيتين بيان مبطل لادعائهم، وتأكيد على أن ما يصيب الأقوام هو نتاج أعمالهم.
كما بين تعالى في مواضع كثيرة أن الله لا يضل إلا من اختار الضلالة بإرادته وعن سابق عزم وتصميم “سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ” [الأنعام:148].
كما بين أنه تعالى لا يأمر بالمنكر: “وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ” [الأعراف:28]، بل فعل المنكرات هو مما تزينه النفوس الأمارة بالسوء.
3- بناء على ما سبق نتوصل الى أنه لا ينبغي للمؤمنين في زمننا الكالح هذا القعود بانتظار المعجزات، ولا انتظار أن يأتينا الفرج بالاكتفاء بالدعاء، بل علينا الجد والعمل لتغيير هذا الحال الذي ما وصلنا إليه إلا لأن العلماء المصلحين انكفأوا عن أداء واجبهم في التنبيه الى سوء المنقلب، والمؤمنون الصالحون صمتوا عن شيوع المنكرات، وعلى رأسها تقبل أن يحكموا بغير ما أمر به الله، وسكتوا عندما تبين لهم أن قادتها يرفضون الحكم وفق منهج الله، واعترفوا صراحة أنهم ينبذونه ويعتبرونه أرهابا، ويتبعون منهج أعداء الأمة التاريخيين.
ان الحكم بما أنزل الله واجب شرعي، ولا يجوز للحاكم ان كان مؤمنا اتباع منهج غيره، ولا يقبل الله منه ادعاءه بأنه مسلم بمجرد إعلان ذلك طقوسيا على الراية، أوالتظاهر باتباعه من خلال المظاهر الخادعة كالسماح برفع الأذان، او تنفيذ احكام الاعدام بالسيف بدل المشنقة.
الحكم بموجب الشرع يظهر في اتباع ما أمر به الله، وأهمه معاداة من يعادي الدين ويحارب المسلمين، ونصرة إخوانهم في الدين وعدم موالاة من احتلوا ديار المسلمين ولا إلقاء السلم إليهم قبل أن يجلوا عنها.
هل عرفنا الآن لماذا غير الله نعمته التي أنعمها علينا بجعلنا خير أمم البشر، فغيرها الى الأمة الأضعف والتي سلط عليها أراذل البشر الذين كتب عليهم الذلة والمسكنة!؟.
وهل عرفنا أنه لن يزول ذلك، ولن يعيد الله حالنا الى ما كنا عليه من عزة وكرامة، بمجرد الصلاح الفردي وكثرة العبادات، بل بتغيير ما بأنفسنا كمجتمع، من هوان واستكانة لما فرضه الأعداء ووكلاؤهم علينا.