جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-28@02:04:35 GMT

"طوفان الأقصى" بين البداية والنهاية

تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT

'طوفان الأقصى' بين البداية والنهاية

 

سعيد بن أسلم الشحري

 

الحق أنني كنت رهينًا لوطأة ما حدث ويحدث الى هذه اللحظة في غزة؛ فالحيرة لم تكن حيرتي فحسب؛ بل تقاسمتها مع كل مواطن عربي مسلم شاهد ما يدور في غزة واحاديث سارت بها الركبان، فلقد اخذنا هول ما حدث عن تفسير احداثه وملابساته وإن كانت جرائم الكيان الصهيوني وسيناريوهاتها المتكررة جعلت المقدمات أصدق صورة للنهايات.

لكننا ترفض في كثير من الأحيان ما وراء الاحداث ليس تكذيبا، بل خيبة الامل كانت اشد قسوة فيمن تخلى عن سيادة قراراته خوفا من تبعات ممارسة مسؤولياته على الارض.

لا شك أن أحداث غزة الحالية ليست طلاسما تحتاج إلى تفسير أو أزمة سياسية تفاقمت فنتج عنها صدام عسكري واستحال على الناس معرفة ما كان وما ينبغي أن يكون؛ بل نحن امام اعدل قضية إنسانية عرفها العصر الحديث، قضية كانت ضحية قوة امبريالية ملكت المال والقوة وعاثت بملامح الجغرافيا والتاريخ فأعطت من لا يملك لمن لا يستحق؛ بل قل إن شئت من شعب يملك 96% من أرضه قبل نكبة 1948 لحاله الآن وهو لا تتعدى ملكيته 12% من فلسطين التاريخية، شعب تكالبت عليه حثالة العالم وراء الحركة الصهيونية بحثا عن وطن بديل، فأخذ نصيبه من المجازر والتهجير القسري وافراغ مطالبه من قضية تبحث عن عدالة وضمير العالم الحر الى شعب يعيش بين سندان الاحتلال وتوسعه ومطرقة القوى الغربية وأمريكا التي زرعت هذا الكيان لخدمة مصالحها الجيوسياسية.

هل كانت عملية طوفان الأقصى صرخة في وجه الاحتلال ليفيق من غطرسته فحسب أم رسالة لدعاة السلام الذي لا يعيش إلا في كنف القوة؛ فالاحتياج في السياسة يجب أن يكون متوازنًا بين طرفين الأول يمتلك شريعة الأرض والتاريخ ومحكوم عليه أن يواجه مصيرا مجهولا من الحصار والدم أو أن يذعن لاحتلال طلباته لا تعرف الحدود فالفجوة قائمة بين حاضر مرتبك خيارات الصراع فيه أقرب من فرص السلام وبين غد تضع ملامحه وخطوطه وحركته قوة تقودها عقيدتها الدينية.

ففي سفر التكوين نذكر ملمحا على كيف يأتمر قادة إسرائيل أحيانا لمرجعيتهم الدينية المحرفة لتحقيق مكاسب تاريخية واقتصادية حتى لوكان ذلك مبنيا على الاعتداء على كيانات سياسية قائمة وخرائط حدود لا يعترفون بها "في ذلك اليوم قطع الرب مع إبراهيم ميثاقا قائلا: لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر الى النهر الكبير وهو الفرات". إنهم يتكلمون ولم يكفوا حتى اللحظة عن الكلام عن حدود إسرائيل الكبرى وهي تلتهم عطفا على النص الذي سبق ذكره الضفة الغربية وقطاع غزة وكل الأراضي المحتلة عام 1948 ومرتفعات الجولان .

إنها ليست أسطورة من نسج الخيال فتُرفض؛ بل لبست ثوبا من القداسة الذي يصم آذانه عن كل تأويل سياسي وحوارات تقال في أروقة المحللين فشتان بين أخلاق الصراحة وعقيدة المساومة.

لقد كانت الكثير من وجهات نظر الكتاب والمطلعين على الصراع العربي الإسرائيلي عينها على وقائع احداث تقوم مخلفة شهداء ومجازر وهدم للبنية التحتية وهو مهم أن نكشف مما يحدث وحشية هذا الكيان المحتل ونسوا أن يطلوا مضطرين على التاريخ لأن منطلق السياسة دائما هي الجغرافيا وخلفيتها التاريخ ويظل المستقبل مرهونا بصدق النوايا ومدى القدرة على إصلاح البيت من الداخل وإيجاد مناخ لغد مشرق ودافعا لمزيد من الاستيطان والتوسع لاسيما ومعاهدات التطبيع التي نصبت نفسها كحمامة سلام وصوت للحكمة بدلا من دماء المقاومة والدفاع عن الأرض والعرض لم تستطع أن تمارس دورا مؤثرا بوقف الغارات أو قل إن شئت تقنع الشارع العربي بأن التطبيع الأحادي هو الخيار الأمثل لصناعة سلاما شاملا بين قوة غاشمة مدججة بالسلاح، والدعم الغربي غير المشروط وشعب أعزل تقتل أجياله وطفولته ومطلوب منه مع هذا وذاك أن يتلقى الصفعات دون مقاومة ويقدم القرابين لترضى عنه إسرائيل ويسوق الخطى مهما كان الطريق وعرا لمفاوضات سلام كاذبة تخدر العقول بأن الوعد قريبا أو أوشك على الظهور، بل لعله كالبيت المهجور ندخله طائعين ولا نلبث مغادرته خائفين.

 أود أن أضع بين أيديكم تصورات لعلها تَقرأ ولو جزئيا ما يدور في الأفق الذي تلبدت سماؤه بسحب عابرة أحيانا وعواصف ممطرة في أحيان أخرى لكنها لم ترو هضابها الجدباء، أولى هذه التصورات ستظل منطقة الشرق الأوسط طوال الوقت ملتهبة ومشحونة بالتوتر ومسكونة بالشكوك ومعرضة في أي لحظة للمفاجآت مالم يكن هناك سلاما عادلا وشاملا وهو ما يقودنا إلى صناعة مستقبل يفتح الأبواب ويزيل التناقضات وإلا هو الاعتراف بالعجز والتخبط طويلا في الظلام.

يأتي طوفان الأقصى والأمة منقسمة فكريا بين تيارات ذات مرجعيات متباينة تتلقفها أجندة دولية وظفت الداخل قبل أي تدخل خارجي لتنفيذ مخططات التقسيم وإذكاء الصراع بين المكونات الاجتماعية للدول واتساع الفجوة بين الشعب والسلطة لتمرير أوهام الديمقراطية وحقوق الإنسان، بل كان هناك من يرضيه ذلك الانقسام والعذر الذي استسلم للمقادير، فعندما تكون مصائر الأمم والشعوب في مهب الريح كانت المسؤولية عامة وإلا مقولة المصير المشترك تصبح عبثا لا قيمة لها وسترفضها جماهير الأمة لأن شرعية وجودها باتت محل شك.

التباين الذي وصل لحد الخلاف على لعب دور القيادة ومناطق التأثير عربيا، حتى لو أدى ذلك لتنازلات مؤلمة من الصعوبة تدارك نتائجها على المدى الطويل، بل إدارة الصراع في هذا الملف يزداد تعقيدا لأن القناعات اختلفت والقضايا القومية لم تعد تمثل طموحات الأمة.

المكاسب العسكرية التي حققتها المقاومة أوجعت كبرياء الجيش الذي لا يهزم والدولة التي كما يقول الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل فريدة لأنها لا تتحمل هزيمة واحدة فالهزيمة بالنسبة لها انتهاء المشروع فمتى ما نزع عنها مهابة القوة والقدرة على الردع وإخافة من حولها فذلك تلويح بانتهاء الدولة، حتى لو بقي لها تواجد دون التأثير الذي كانت تلعبه في محيطها.

خيبة الأمل وفقدان مصداقية المنظمات الدولية عن بسط نفوذها على الأرض وحماية المدنيين وإلزام إسرائيل باحترام القانون الدولي الذي ظلت دائما لا تعترف بشرعيته عندما يخالف مصالحها، بل هو عالم ظل يتفرج طويلا وكأنها حلبة مصارعة ننتظر لنرى المنتصر وهو يستعرض عضلاته وتفيض دموع التماسيح متعاطفة مع الطرف المغلوب ومهما يكن من أمر لقد رأينا قوى متنفذة لا تخمد النار المشتعلة، ولكنها زادت النار اشتعالا وكأن آلة القتل يراد لها أن تستمر دون أن تحسم المعركة بين الطرفين غير المتكافئين.

لم يعد الصمت قادرا على كتمان ما يحدث، فهل نشهد تحولا جذريا بعد عملية طوفان الأقصى على مسيرة القضية الفلسطينية وتضع الحرب أوزارها أم تستمر مسيرة النار والدم حتى تعود الحقوق إلى أصحابها؟

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أبو طالب: موقف مصر واضح وحاسم منذ الشرارة الأولى لأحداث طوفان الأقصى

أكد الدكتور حسن أبو طالب مستشار مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الموقف المصري واضح وحاسم منذ اللحظة الأولى التي اندلعت فيها أحداث طوفان الأقصى وما قبل ذلك.

وفي تصريح لـ «الأسبوع» حول تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، قال الدكتور حسن أبو طالب، إن مصر داعمة للقضية الفلسطينية من خلال أربعة جوانب تتلخص في وقوف مصر مع القضية الفلسطينية قلبًا وقالبًا لإقامة دولتهم المستقلة منذ 1967م، وهذا أمر حاسم في الموقف المصري.

وأشار أبو طالب إلى الجانب الثاني وهو رفض الدولة المصرية جملةً وتفصيلاً حل أو تصفية القضية الفلسطينية من خلال إلقاء أعدائها على أطراف أخرى، مشددا على أن أرض فلسطين ستظل لفلسطين، وغزة ستظل للفلسطينيين، والضفة الغربية والقدس الشرقية ستظل للفلسطينيين، ولا يستطيع أحد أن يغير هذه الحقيقة على الإطلاق.

أما عن الجانب الثالث يقول الدكتور حسن أبو طالب «نحن نعطي الأولوية لتطبيق اتفاق الهدنة التي بدأت قبل عدة أيام، ونحن نعلم جيدًا أنه في الداخل الإسرائيلي يريدون التملص من هذه الهدنة والعودة إلى ممارسة العدوان والإبادة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وأيضًا فإن ما يحدث في الضفة الغربية هو امتداد لعملية الإبادة التي بدأت في قطاع غزة، فمصر ترفض هذا الامر تمامًا وتذكر على تطبيق الاتفاق وأن تلتزم به إسرائيل وتلتزم به حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى كما تم الإعلان عنه والاتفاق عليه».

وتابع «الجانب الرابع يهدف إلى نظر مصر بأن هذا الاتفاق يجب أن يتبعه جهد فائق سواء من الولايات المتحدة أو من إسرائيل أو من الجانب الفلسطيني وأيضًا من بعض الدول العربية للتوصل إلي حل للدولتين، وأن هذا ما سيحقق الاستقرار والتوازن والأمن لكل الأطراف في المنطقة، لهذا نحن نرى ما قاله الرئيس ترامب باعتباره محاوله لإجهاض القضية الفلسطينية، وهذا أمر مرفوض تماما».

وعن موقف مصر والأردن في حال إصرار ترامب على تصريحاته، أشار أبو طالب إلى أن الرئيس الأمريكي يعطي الضوء الأخضر لهز أمان المنطقة، ولكي ينظر أيضًا إلى ردود الأفعال المترتبة على تصريحاته.

وقال أبو طالب «نحن قد عبرنا في هذا الشأن عن رد الفعل الغاضب والرافض لهذا الامر، بل أيضًا قامت الأردن من ناحيتها برفض هذا الأمر، ومن ناحية أخرى قامت السلطة الوطنية الفلسطينية والفصائل الفلسطينية والعشائر الفلسطينية الموجودة في غزة والضفة الغربية برفض هذا الأمر، بل أن الجانب الأوروبي أيضًا أكد من خلال متحدثين رسميين لهم رفضهم هذا الأمر، أيضًا قامت المفاوضة الدولية لحقوق الانسان باعتراضها على هذا الأمر، بالتالي فهذا الأمر لا يمثل قدراً علينا الالتزام به».

وأضاف: ما يقوله الرئيس ترامب ليس قدرًا نهائيًا، إنما القدر النهائي هو الذي نسعى إليه والذي نستطيع أن نحققه وهو حماية الشعب الفلسطيني وأرضه وإعطائه المزيد من الدعم لكي يصمد في مواجهة مثل هذه الأفكار السلبية والمرفوضة تماما.

وعند سؤاله عن مستقبل القضية الفلسطينية في ظل عهد ترامب، قال الدكتور حسن أبو طالب، إن مواقف الدعم الأمريكية لإسرائيل ليست جديدة، وقد يتغير التعبير عنها في الشكل ولكنها ثابتة في الجوهر العام، فنحن رأينا ما الذي قدمه الرئيس السابق بايدن لمساعدة إسرائيل في استكمال الإبادة والتدمير الذي حدث في قطاع غزة، فلو كان هناك أحد داخل الولايات المتحدة يحترم حقوق الانسان لم يكن ليحدث هذا الدعم الذي حدث بالفعل، وعلينا أن ندرك هذه الحقيقة ونتعامل معها، فنحن نرفض هذه الأفكار التي تريد أن تحرم الشعب الفلسطيني من حقوقه، من وطنه وسيادته على أرضه الأصلية التي لا يمكن الاستغناء عنها.

وقال أبو طالب إن ترامب يريد مساندة اليمين الإسرائيلي لكي يمارس سطوته وهيمنته على المنطقة العربية، ولكنه أمر صعب الحدوث لأن الدول العربية ترفض هذا السلوك الأمريكي المتطرف، فنحن في العالم العربي قد تحدث بيننا اختلافات ولكن عند لحظة المعاينة ويرى الجميع أن هذه الاختلافات تضر المواقف الفردية والجماعية، فنحن قادرون على إلغاء هذه الأفكار السلبية التي يحملها ترامب والنخبة المحيطة به.

وبسؤاله عن إلغاء ترامب الحظر على إرسال قنابل مدمرة تزن حوالي ألفي رطل لإسرائيل، أوضح أن ترامب منذ توليه الرئاسة وقع على أكثر من 200 أمر تنفيذي ألغى فيها الكثير من القرارات التي اتخذتها إدارة الرئيس السابق بايدن، مشيرا إلى أن ما قرره الرئيس ترامب في رفع الحظر عن هذه القنابل المدمرة وإعطائها لإسرائيل، هو جزء من إلغاء قرارات الإدارة السابقة، وفي نفس الوقت هو تقرب لنتنياهو ولليمين المتطرف في الداخل الإسرائيلي، وهو أمر ليس جديدًا على ترامب، ولكن الجزء السيء في هذا الأمر هو أن هذا القرار تحديدًا سيعطي لإسرائيل مبررًا لمزيدٍ من التدمير واستخدام القوة ضد غزة ولبنان والضفة الغربية، بل وأيضًا ضد إيران ومنشئاتها النووية.

وفي ختام حديثه لـ «الأسبوع» أكد أن هذا القرار يزيد من التوتر، واصفا إياه بـ «إشعال عود من الكبريت بجانب برميل من البنزين»، قائلا: هذا القرار غير إيجابي للاستقرار في المنطقة، ولكنه تعبير عن التصرف الأمريكي في مساندة التطرف الإسرائيلي.

اقرأ أيضاًنقابة الصحفيين تدين موقف ترامب وتصريحاته حول تهجير الفلسطينيين

أستاذ علوم سياسية لـ «الأسبوع»: الدولة المصرية ذات سيادة وتصريحات ترامب عن التهجير استفزازية

نقيب المحامين: تصريحات «ترامب» محاولة جديدة لتصفية القضية الفلسطينية

مقالات مشابهة

  • ما بعد طوفان الأقصى
  • مسير ومناورة لخريجي دورات “طوفان الأقصى” من منتسبي القضاء في الرجم بالمحويت
  • مسير ومناورة لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في مديرية الرجم بالمحويت
  • اليمن ضمن محور المقاومة
  • عرض طلابي لخريجي دورات طوفان الأقصى في ذمار
  • 195 خريجاً من دورات “طوفان الأقصى” ينفذون مناورة عسكرية في مديرية الزيدية بالحديدة
  • أبو طالب: موقف مصر واضح وحاسم منذ الشرارة الأولى لأحداث طوفان الأقصى
  • افتتاح بطولة طوفان الأقصى في إب
  • جبهة اليمن.. المفاجأة الاستثنائية لـ “طوفان الأقصى”
  • مسير وتطبيق عملي لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في مديرية جبن بالضالع