طوفان الأقصى كشف المنافقين
تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT
حمد الحضرمي **
إن النفاق الأكبر هو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه، وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، قال تعالى "إن المنافقين في الدركِ الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرًا" (النساء: 145).
أما النفاق الأصغر هو نفاق العمل، وهو أن يظهر الإنسان أمرًا ما علانية ويبطن ما يخالف علانيته. وفي زمننا الحاضر كثر المنافقين وكثر أتباعهم، وتعددت أساليبهم وخططهم، وتظاهروا بالصلاح، وقلوبهم كلها خيانة وكذب وغدر، لأن المنافق مريض القلب يفرح إذا أصاب المسلمين ضر، ويحزن إذا انتصروا، ويتربص بهم الدوائر.
وقد أظهرت عملية طوفان الأقصى المنافقين على حقيقتهم وكشفت اقنعتهم، لأن الشدائد والمحن هي التي تظهر المنافق على حقيقته، وسيظل المنافقون في كل زمان ومكان إخوة للكافرين والمشركين يشدون أزر بعضهم البعض. فالنفاق من الأمراض الخطيرة التي يصاب بها الأفراد والمجتمعات، وتبدو خطورته حينما نلاحظ آثاره المدمرة على حياة الناس، لأنهم يقومون بعمليات الهدم من الداخل، ويحسبهم الآخرين بأنهم صالحين، وهم شياطين الإنس، يكذبون ويجحدون الحق، ويحبون المنافع ويطمعون فيها، فهم معول هدم وخراب في حياة الأفراد والمجتمعات، ولا بد من الابتعاد عنهم وتجنبهم.
إن المنافق لديه صفات تكشفه على حقيقته، فهو ناعم بكلماته، خبيث في نياته، يتحرك بين الناس بالرياء والأنانية، تراه ملاكًا في مظهره الخارجي، وهو شيطان في تفكيره الداخلي، يلقاك بوجه مبتسم، وفي قلبه كرهًا وحقدًا وحسدًا ليس له مثيل، لأنه من حزب الشيطان، قال تعالى "أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون" (المجادلة: 19)، فترى المنافق يغمز ويلمز إذا تحدث عن الناس، ويمشي بينهم بالنميمة، كثير الكلام، في لسانه إذاعة وجريدة، ويرتدي أقنعة كثيرة ليتعامل مع الناس بها.
إن المنافق حياته كلها خداع ومكر وأذية ولؤم وجحود، وتطاول على كرامات الآخرين، وقد اعتاد على الكذب، ولا يحفظ عهدًا، ولا يعرف للوفاء قيمة، ولا يعرف للمروءة معنى، ضرره خطير وشخصيته خادعة، لا يعرف الناس معدنه، ولا نفعه من ضرره، لأنه يستخدم كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتحقيق مصالحه، ويتجاوز كل المبادئ والقيم والأخلاق التي تقف في طريقه، لتحقيق مبتغاه ومراده. وتأتي الشدائد والمحن في لمح البصر، فتكشف معادن الناس وسياسات الدول، وتظهر لك الحقائق، وتعرف الصديق من العدو، والعادل من الظالم، والأمين من الخائن، والشجاع من الجبان، والقريب من البعيد، والصادق من الكاذب، والمخلص من المخادع، والمناصر من الخذلان، كل هؤلاء وغيرهم تكشفهم المحن والشدائد.
إن الواقع المرير الذي يعيشه إخواننا وأهلنا في غزة وفلسطين من الصعب السكوت عنه لأنهم منا وفينا ونحن أمة واحدة، والشهامة والكرامة والمروءة والنخوة العربية والإسلامية تلزم كل شخص منا التحرك بما يستطيع، وعن نفسي أحاول بمقالاتي الكتابة بلسان حال الأمة، والتعبير عن ما تكنه ضمائرهم وسرائرهم، لأن الحزن والألم قد بلغ مداه. ولكن رغم كل الصعوبات والشدائد التي يعيشها أهلنا في غزة وفلسطين، يبقى الأمل والرجاء بالله كبير، ونصره على الكفار ليس بعزيز ونراه قريب، فعليكم بالصبر يا إخوة الإيمان والعقيدة، امتثالًا لقول الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا أصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" (آل عمران: 200) فاصبروا على ما أنتم عليه الآن من الكروب والحروب، لأن جزاء الصابرين كبير، قال تعالى "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" (الزمر: 10) ونرجو من الله أن يكون الفرج والنصر قريب لإخواننا وأهلنا المرابطين المجاهدين الأحرار في غزة وفلسطين.
لن يستطيع الإنسان صاحب الضمير الحي السكوت، وهو يرى اليهود الصهاينة منذ أكثر من شهر يرتكبون جرائم حرب إبادة جماعية بشعة في حرب شعواء بحق إخواننا وأهلنا في غزة، دون احترام للمبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني، المتضمن التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وحظر مهاجمة العاجزين عن القتال، والذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية، وحظر التسبب في معاناة لا داعي لها، وهذا القانون الدولي الإنساني ملزم لجميع أطراف النزاع المسلح، ولكن الجنود الصهاينة لا قيم ولا أخلاق لهم في السلم، لأنهم يخونون العهود والمواثيق، ولا قيم ولا أخلاق لهم في الحرب، لأنهم يستهدفون المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ والمصابين والجرحى.
للأسف الشديد الأمة العربية والإسلامية تتفرج دون حراك، فلماذا يا أمة الإسلام هذا الضعف والهوان والسكوت، ولماذا يجري لنا كل هذا؟! وقد اغتصبت منا الأرض والمال والعرض، وسلب منا القدس والخليل وحيفا ويافا وعكا وعسقلان وطبريا وطولكرم والناصرة وضفد واللد والرملة وجنين وبئر السبع وبيسان والجولان والنقب، فمن السبب، في كل ما جرى ويجري لكم أيها العرب؟!
** محامٍ ومستشار قانوني
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
التصالح مع الذات (السعادة الأبدية)
دعني أبحر وإياك في تلك القيمة النبيلة التي إذا امتثلناها عشنا حياة سعيدة أبدية وهي التصالح مع ذواتنا، الله عز وجل لما خلق الدنيا قدر فيها الأقدار ووزع الأرزاق،
فتجد الغني والفقير والقوي والضعيف والصحيح والسقيم والمعافى والمبتلى والمتعلم والجاهل وغيرها على هذه البسيطة، تجد أخوين في بيت واحد أحدهما قد رزقه الله مالاً والآخر يسأل الناس الحاجة، وآخر قد فتح الله له من العلوم والرفعة في العلم والثاني ليس معه إلا المرحلة الثانوية، وآخر قد رزق بالولد وأخيه قد حرم منه،
وتجد امرأة قد ترزق بزوج شديد الطباع غليظ في التعامل وأختها أو صديقتها قد أرتبطت بزوج دمث الأخلاق هين لين،فهذا كله من علم الله وهو من يقدر الأقدار وقس على ذلك الشيء الكثير في هذه الحياة ، فعلينا بالرضى وأن نتصالح مع أنفسنا فيما رزقنا الله به ، قلَّ أن تجد شخصين لهما نفس الظروف المادية والتعليمية ويعيشان بسعادة فغالباً يخرج لهما ما ينغص عليهما حياتهما من معارك الحياة ،
نحن اليوم نعيش في زمن الماديات وأصبحت هي المحرك الأساس في حياتنا لأننا نظرنا لها بذلك وتحولت الكماليات إلى أساسيات وذهبت القناعة والتصالح مع الذات وأصبحنا نجري خلف المتغيرات ونبحث عن كل جديد ونطالع بما في أيدي الناس،
في زمن مضى قبل أربعين سنة كان التصالح مع الذات أساس الحياة تجد الرجل يكدح ويبني نفسه ومن يعول ولا يمد عينيه إلى ما لا يستطيعه ويعيش الحياة والسعادة الأبدية لم يكن يفكر أن يسافر خارج البلاد للفسحة ويحمل نفسه ما لا تطيق من التكاليف لم يكن ليشتري سيارة فارهة أو ذات تكلفة عالية وهو ليس معه مالاً لم يكن ليستدين لشراء الكماليات بل كان متصالحاً مع نفسه يعيش قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن أصبحَ منكم آمِنًا في سِربِه، معافًى في جسَدِه، عِندَه قُوتُ يومِه، فكأنما حُيزت له الدنيا)،
نعيش تحديًا كبيرًا في كيف نتصالح مع ذواتنا وننقلها لمن نعول فوسائل التواصل الاجتماعي تنقل الغث والسمين وأصبحت وسيلة ضغط والكل يتطلع لعيش الحياة الوهمية أو السعادة المؤقتة، عندما نرى الحياة بالعين المجردة نجد أن الإنسان خلق فيها في كبد فلا تستقر له حال وهذا على كل البشر الصغير والكبير، الذكر والأنثى، الغني والفقير، ولكن السعيد الذي عرف مفتاح السعادة وتصالح مع ذاته،
على سبيل المثال عندما تشتري سيارة ما هو هدفك هو قضاء حاجاتك الدنيوية أم أنك تريد أن تريه الناس، قد يكون عندك تحدي في المال فالأول الذي فهم الدنيا وتصالح مع ذاته سوف يشتري ما تيسر ولا يمد عينيه إلى ما لا يستطيعه ويعيش حياته، أما الآخر الذي يرى كيف تكون نظرة الناس له سوف يكلف نفسه ما لا تطيق ويستدين ويقتر على نفسه، ومثل ذلك شراء المنزل هل أشتري منزلاً جديدًا أم أتصالح مع ذاتي وأشتري منزلاً يتناسب مع إمكانياتي وظروفي المادية ، السعادة في الدنيا نستطيع أن نعيشها ونستطيع أن نحرم منها ويعود ذلك لطريقة تفكيرنا وتصالحنا مع ذواتنا وطريقة الحياة التي نود أن نكون عليها،
في الأخير يجب أن نفهم أن ما كُل ما نريده ونصعد له سوف نناله نحن علينا فعل السبب ولكن النتيجة من الله، فلا نلطم الخدود ونشق الجيوب ونتحسر لرزق لم يسوقه الله لنا أو مرض ابتلينا به أو حاجة من حوائج الدنيا فاتت ولم نصب منها خيرًا، ابتسم دومًا وتصالح مع نفسك وانظر أنك في الدنيا مسافر إلى جنة النعيم والسعادة الأبدية، فكل شيء سيفنى ولن يبقى لك إلا ما قدمت من عمل صالح.