لا يمكن بحال من الأحوال القول إن الـ25 عامًا الماضية كانت الأفضل في تاريخ السينما، أو أن ممثلي هذا الجيل هم الأنجح أو الأكثر تنوعًا أو قدموا  الكثير من الأفلام التي تظل خالدة في تاريخ السينما، مع عدم نفي وجود تجارب، وإن كانت تجارية أو سائدة في الأساس، لكنها جيدة فيما يتعلق بالنوع الفيلمي الخاص بها أو أحدثت تطورًا في طرق التصوير أو المونتاج أو الإخراج، وغيرها من العناصر المتعلقة بصناعة السينما.

 

 

وفي الوقت نفسه لا يمكن نفي دور محمد هنيدي ثم رفاقه في إنقاذ السينما المصرية من حالة الركود التي كانت تعاني منه في التسعينيات، صحيح أنه كان هناك إرهاصات لمفهوم السينما الشبابية قبل فيلم إسماعيلية رايح جاي، بدخول جيل جديد يساعد النجوم المعروفة في السينما في عدة أفلام مثل كابوريا لأحمد زكي وإخراج خيري بشارة، أو استعانة عادل إمام ببعض النجوم الشباب في أفلامه، إلى جانب بعض التجارب الأخرى، وكذلك تجربة آيس كريم في جليم لعمرو دياب وإخراج خيري بشارة، وصحيح كذلك إن الفيلم يُحسب لبطله المطرب محمد فؤاد بالأساس، لكن إذا كان الفيلم ومحمد فؤاد هما القوس، فإن محمد هنيدي كان السهم الذي انطلق واخترق جدار الثلج وأذابه، أو أنه المعول الذي ضرب اللبنة الأخيرة وفتح الباب لجيل كامل خلفه أحدث انتعاشة في عدد الأفلام المعروضة، سواء من خلال محمد هنيدي مباشرة أو بشكل موازٍ له،  فانطلقت السينما الكوميدية ثم اتبع ذلك أنواع فيلمية أخرى مثل الأكشن والتشويق وغيرهما.

 

مرت السنوات الأولى وأغلبهم يحقق الإيرادات الضخمة، فبحسابات التضخم وأسعار التذاكر، فإن 20 مليونا أو أكثر التي كنت تجنيها الأفلام الناجحة وقتها أكثر من الـ30 أو 50 أو حتى 100 مليون التي تحققها الآن بعض الأفلام. ثم جرى الكثير من الماء خلال ربع قرن، ليس المجال لسردها بالتفاصيل، لكن المهم أن حال السينما كان وما زال يسوء يومًا بعد يوم، وانفصل أغلب نجوم هذا الجيل، خاصة الرجال، عن أي تجارب سينمائية مختلفة، بسبب خوفهم من عجلة النجومية التي تدور بسرعة أو أن فشل أي فيلم قد يعيدهم خطوة أو خطوات إلى الخلف، وهرب أغلبهم بسرعة إلى التجارب التليفزيونية أملًا في عودة أضواء النجومية مرة أخرى، أحيانا بعد فشل فيلم واحد، وبعضهم بعد عدة أفلام، والأمر لا يختلف كثيرًا بالنسبة للجيل الذي لحق بجيل هنيدي ورفاقه.

 

لتصبح قدرتهم حتى على إنعاش السينما بأفلام تحقق أرباحًا كبيرة حتى لو لم تكن جيدة غير موجودة عند أغلبهم، باستثناء بعض الأسامي التي يمكن عدها على أصابع اليد الواحدة، التي ما زالت تتمتع بثقة كبيرة عند الجمهور منذ بداية نجوميتها حتى الآن، وهذا لا يعني أن هذه الأفلام متميزة أو مختلفة، لكنها ما زالت تمتع بالحد الأدنى لجذب الجمهور، أو بمعنى أدق فإنها "أحسن الوحشين"، أو أن بطلها ما زال محافظا على نجوميته بفضل الكاريزما في الأساس.

 

ورغم ذلك ما زال الكثير منهم يجد الأعمال التي يقدمها واحدا تلو الآخر بغض النظر عن حجم الإيرادات ومدى جودة الأفلام، على مدار 25 عاما ظلت السينما رهن التجربة الناجحة، فالنوع الذي ينجح يجري الباقي خلفه، في ظل عدم وجود تجارب مختلفة قادرة على فرض نفسها على السينما، واتسعت الفجوة بينما ما يسمى "الأفلام التجارية" و"الأفلام الفنية".

 

في دولة مثل مصر تقترب من 100 عام على إنتاج أول فيلم مصري، واحتفلت قبل 27 عامًا بمرور 100 عام على أول عرض سينمائي على أرضها، لم تجد السنة الماضية فيلمًا ترشحه لجائزة أوسكار أفضل فيلم دولي، في ظل الضعف الرهيب للأفلام المتنافسة في شباك التذاكر، وحتى التجارب القليلة التي تخرج من صناع أصحاب مشاريع أو وجهات نظر مختلفة تواجه الأزمات في العرض التجاري، أو أزمات من الرقابة، أو تكون في جولتها بين المهرجانات ولم تتاح للعرض الجماهيري في دور العرض، والمحصلة في النهاية أنه لا يوجد فيلم يستحق أن نرسله، لا أن يتمكن من دخول القائمة القصيرة للجائزة.

 

في هذا الموسم الصيفي شهدت دور العرض، عرض العديد من الأفلام التي تباين إقبال الجمهور معها، وباستثناء فيلم بيت الروبي بطولة كريم عبد العزيز وكريم محمود عبد العزيز، الذي اقترب من 130 مليون جنيه، جاءت إيرادات الأفلام الأخرى بين مقبولة وضعيفة، فأسعار التذاكر تساهم في الشعور بأن الأفلام حققت أرقام ضخمة لكنها ليس كذلك، فالفيلم الذي يحقق 30 مليون جنيه، لم يدخله إلا 300 ألف مواطن من بين 100 مليون، بحساب أن متوسط سعر التذكرة 100 جنيه.

 

مع اقتراب نهاية الموسم الصيفي عُرض فيلمان هما فيلم "وش في وش" من بطولة محمد ممدوح وأمينة خليل وتأليف وإخراج وليد الحلفاوي، والثاني هو "فوي! فوي! فوي!" من بطولة محمد فراج وتأليف وإخراج عمر هلال، ورغم أن الفيلمين ليس بهما بطل جماهيري بالمعنى المعروف ورغم تشبع الجمهور خلال موسم صيفي تداخل فيه عيد الفطر وعيد الأضحى تمكنا من تحقيق إيرادات جيدة، فالأول اقترب من 34 مليون جنيه، بينما حقق الثاني أكثر من 30 مليونًا، إلى جانب إشادات نقدية قوية، دفعت بالثنائي إلى التواجد في القائمة القصيرة لقائمة الأفلام التي صوتت عليها لجنة السينما لاختيار ممثل مصر في مسابقة الأوسكار، وجاء القرار بالأغلبية لفيلم "فوي"، أمام هاتين التجربتين عُرض فيلمان لنجمين جماهيريين هما "مرعي البريمو" لمحمد هنيدي، لم يحقق إلا 16 مليون جنيه، وفيلم على الزيرو لمحمد رمضان الذي حقق 13 مليون جنيه، في مدة زمنية أطول من المذكورة للفيلمين سابقين.

 

بكل تأكيد لم ولن تختفي في أي سينما بالعالم ولا حتى المصرية في عصور قوتها الأفلام المعتمدة على البطل ونجم الشباك، الذي يجنى الإيرادات، لكن في ظل انسحابات وخفوت الضوء حول كثير من النجوم، فلم يتبق إلا القليل من بين جيل هنيدي ورفاقه ومن لحقوا بهم ما زالوا قادرين على تحقيق الإيرادات الضخمة، في حين تخرج تجارب مختلفة تستطيع الصمود اعتمادًا على عناصر السينما من قصة إلى إخراج وغيره، هل يمكن أن تتغير رؤية المنتجين والصناع لحجم الأفلام المعتمدة على النجوم مقابل الأفلام التي تهتم بالجودة بحيث تميل إلى الأخيرة؟ هل بعد سلسلة فشل طويلة لنجوم السينما كان آخرها فيلم مرعي البريمو، الذي وصفه بطله بأنه سيكون أفضل مما فات ولم يحدث، أن يكون محمد هنيدي هو السهم الأخير لكي ينتبه النجوم ويلتفتوا إلى الموضوعات التي يتم معالجتها وتحسين الجودة، فيجمعوا بين الحسنين الإيرادات والخلود في التاريخ وينقذوا السينما المصرية!

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الأفلام التی محمد هنیدی ملیون جنیه

إقرأ أيضاً:

الصوت الذي لا يموت.. كيف أصبح محمد رفعت أيقونة التلاوة القرآنية؟

مع حلول شهر رمضان المبارك، تتزين الأجواء بنفحات روحانية خاصة، وتصبح الأصوات التي تعود عليها المسلمون جزءاً لا يتجزأ من ذكريات الشهر الفضيل. وبين تلك الأصوات، يبقى صوت الشيخ محمد رفعت حاضراً في وجدان الملايين، فهو الصوت الذي ارتبط بقدوم رمضان لعقود طويلة، وما زالت تلاوته تملأ البيوت والمساجد، حتى بعد أكثر من سبعين عاماً على رحيله.

البدايات والنشأة

في حي المغربلين بالعاصمة المصرية القاهرة، وتحديداً عام 1882، وُلد الشيخ محمد رفعت، ذلك الصوت الذي شقّ طريقه إلى القلوب قبل الآذان، فأبهر المستمعين بتلاوته العذبة التي امتزجت بالخشوع والجمال. إذ لم يكن مجرد قارئ للقرآن، بل كان حالة روحانية فريدة، تجاوزت أصداء صوته الحدود واللغات، حتى أصبح صوته رمزاً خالداً في سماء التلاوة.

في صغره، وُصف بأنه طفل جميل ذو عيون جذابة، لكن قيل إن سوء الحظ طاله بعد أن أصيب بعين الحسد، مما أدى إلى إصابته بداء في عينيه. وبعد محاولات علاجية لم تُجدِ نفعاً، خضع لعملية جراحية فقد على إثرها بصره تماماً وهو في الخامسة من عمره.
وكما كانت العادة في ذلك الوقت، وجّه والده وجهته نحو حفظ القرآن الكريم، فألحقه بكُتَّاب مسجد مصطفى فاضل باشا في السيدة زينب، وأظهر محمد رفعت موهبة استثنائية في التلاوة، إذ حفظ القرآن كاملًا وهو في العاشرة من عمره، قبل أن يُبحر في علوم التجويد والتفسير والمقامات الصوتية، التي أصبحت فيما بعد علامة مميزة لتلاوته.
ولم يكن فقدانه للبصر هو المحنة الوحيدة في حياته، إذ فقد والده وهو في التاسعة من عمره، ليجد نفسه فجأة مسؤولًا عن إعالة أسرته المكونة من والدته، وخالته، وأشقائه. وبإرادة صلبة، بدأ في إحياء الليالي القرآنية في المآتم، ليكسب قوت يومه ويؤمّن احتياجات عائلته.

صوت من السماء

لم يكن صوت الشيخ رفعت مجرد تلاوة عادية، بل كان يتغلغل في النفوس ويأسر القلوب، حتى بدأ الناس يطلبونه في مختلف أنحاء القاهرة، وأصبح اسمه يتردد في الأقاليم. وعندما بلغ الخامسة عشرة، تم تعيينه قارئاً ليوم الجمعة في مسجد فاضل باشا، حيث ازداد الإقبال على سماعه، لدرجة أن المصلين كانوا يتزاحمون في المسجد لسماع تلاوته.
وكانت أول مكافأة حصل عليها في حياته 25 قرشاً، بعدما قرأ في إحدى المناسبات، وكان هذا المبلغ يمثل له الكثير آنذاك، لكن مع مرور السنوات، ازداد الطلب عليه من قِبل الأثرياء والمحبين، ورغم ذلك، كان زاهداً في المال؛ ففي إحدى المرات، عندما قرأ في منزل أحد الأثرياء، أخطأ المضيف وأعطاه مليماً بدلًا من الجنيه الذهبي، لكنه لم يهتم بذلك، وحين جاء الرجل ليعتذر منه، أجابه بكل رضا: "هذا رزق ربي، والحمد لله على ما رزقني".

ثقافة موسيقية واسعة

لم يكن الشيخ رفعت مجرد قارئ للقرآن، بل كان مثقفاً واسع الاطلاع، إذ درس علوم التجويد والتفسير، إلى جانب دراسته الموسيقى والمقامات الصوتية، حيث تأثر بموسيقى بيتهوفن، موتزارت، وفاجنر. وكان يمتلك مكتبة تضم أشهر السيمفونيات العالمية.
كما كان يعقد صالونات ثقافية يحضرها كبار المثقفين والفنانين، مثل أحمد رامي، كامل الشناوي، صالح عبد الحي، زكريا أحمد، ومحمد عبد الوهاب، وحتى الفنانة ليلى مراد قبل إسلامها.

المحطة الفاصلة في حياته

في عام 1934، حقق الشيخ محمد رفعت نقلة نوعية عندما أصبح أول صوت يُفتتح به بث الإذاعة المصرية، حيث اختير لتلاوة سورة الفتح في افتتاح البث الرسمي، فكان مطلعها: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا".
ورغم شهرته الكبيرة، كان الشيخ في البداية متردداً في تلاوة القرآن عبر الإذاعة، خوفاً من عرضها للأغاني والموسيقى التي قد يراها البعض غير لائقة، لكنه استفتى شيخ الأزهر محمد الأحمدي الظواهري، الذي طمأنه بأن ذلك لا يتعارض مع قدسية القرآن، مما دفعه إلى قبول العرض، ليصبح صوته مرافقاً للشهر الفضيل وأذان الفجر في الإذاعة المصرية، وهو الصوت الذي لا يزال يُسمع حتى اليوم في رمضان.

سنوات المرض والاعتزال القسري

بعد مسيرة عامرة بالإنجازات، أصيب الشيخ رفعت بعدة أمراض أضعفت صوته، لكنه كان يعود للقراءة بين الحين والآخر حتى اشتد عليه المرض. وفي السنوات الثماني الأخيرة من حياته، أصيب بورم في الأحبال الصوتية، مما منعه من تلاوة القرآن نهائياً.
ورغم ظروفه الصعبة، رفض الشيخ رفعت أي مساعدة مالية، حتى عندما جمع محبوه مبلغ 50 ألف جنيه لعلاجه، رفض قائلاً: "الدنيا عرض زائل.. وقارئ القرآن لا يُهان ولا يُدان.. أراد الله أن يمنعني، ولا راد لقضائه.. فالحمد لله".
وفي نفس يوم ميلاده، الموافق عام 1950، رحل الشيخ محمد رفعت عن عمر ناهز 68 عاماً، تاركاً خلفه إرثاً خالداً من التلاوات العذبة، التي لا تزال تسكن قلوب المستمعين حتى اليوم. 

وعندما نعته الإذاعة المصرية، خاطبت المستمعين قائلة: "أيها المسلمون، فقدنا اليوم علماً من أعلام الإسلام"، كما نعتته إذاعة دمشق بقولها: "لقد مات المقرئ الذي وهب صوته للإسلام"... وحتى الآن لا يزال صوته رمزاً خالداً للتلاوة القرآنية، ويظل اسمه مرتبطاً بشهر رمضان في وجدان المسلمين حول العالم.



مقالات مشابهة

  • 800 مليون درهم إيرادات السينما بالإمارات في 2024
  • إجمالى إيرادات الأفلام.. الحريفة على القمة والدشاش نمبر 2
  • تريند زمان.. 11 سنة على مقتل خواجة السينما المصرية يوسف العسال والفاعل مجهول
  • بالصورة.. في حوار مع إحدى الصحف المصرية.. الممثلة السودانية المتألقة إسلام مبارك تكشف عن النجمة المصرية التي حببتها في التمثيل
  • تحتمس الثالث وبناء الدولة المصرية.. القائد الذي صنع إمبراطورية قوية
  • الحلقة العاشرة "قلبي ومفتاحه".. آسر ياسين يطلق مي عز الدين مجددا وأشرف عبد الباقى ينقذ عايدة رياض
  • الصوت الذي لا يموت.. كيف أصبح محمد رفعت أيقونة التلاوة القرآنية؟
  • مجدداً.. أخطاء "أشغال شقة جداً" تثير ضجة
  • محمد أبو هاشم: الإمام أبو حنيفة وضع أساس الاجتهاد الفقهي الذي يسر على المسلمين
  • إيرادات الأفلام أمس.. محمد سعد يتراجع وأحمد مالك ينتصر على الجميع