ألمانيا ومتطلبات التوازن بين التحالف مع واشنطن والشراكة مع بكين
تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT
قمة بين الرئيسين الأمريكي والصيني في سان فرانسيسكو
بلغت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين أدنى مستوياتها خاصة مع حدوث مناوشات جوية بين طائرات أمريكية وصينية فوق بحر الصين الجنوبي وتحول القيود على التصدير إلى ما يشبه حربا اقتصادية.
وعلى وقع ذلك، يرى هانز دبليو مول، الخبير الألماني في الشؤون السياسية، أن أنظار العالم تتجه صوب سان فرانسيسكو حيث يعقد الرئيسان الأمريكي والصيني قمة الأربعاء (15 نوفمبر / تشرين الثاني) رغم تواضع التوقعات حيال ما سيسفر عنه الاجتماع.
وأشار مول، الخبير في شؤون شرق آسيا في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية ومعهد مركاتور المتخصص في الدراسات الصينية، إلى تأخر استئناف المحادثات بين بكين وواشنطن.
وأضاف "لكن هذا لا يحمل في طياته أي مؤشر حيال ما إذا كانت القمة ستنجح في إحراز تقدم بشأن القضايا الجوهرية التي تعد السبب الرئيسي وراء التوترات بين الصين والولايات المتحدة. معظم المراقبين يشككون في ذلك".
من جانبه، قال الخبير والباحث بالشؤون السياسية والمختص بالشؤون الأمريكية، جوزيف برامل، إن الولايات المتحدة والصين أصبحتا بالفعل "وسط دوامة حرب باردة جديدة. وهو ما يثير القلق لأن هذه الحرب الاقتصادية يمكن أن تبدد الفرصة الأخيرة للتعاون الدولي لمواجهة تداعيات ظاهرة تغير المناخ في محاولة لتجنب كوارث مناخية يمكن أن تؤدي إلى حرب ساخنة".
ووصل شي جين بينغ إلى الولايات المتحدة في 14 نوفمبر / تشرين الثاني في زيارة هي الأولى منذ 2017 بالتزامن مع قمة منتدى التعاون آسيا المحيط الهادئ (أبيك) التي تستضيفها سان فرانسيسكو.
الاعتماد الألماني على الصين
وفيما يتعلق بألمانيا، فإن أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي يعتمد على الصين في مسار التحول إلى الطاقة النظيفة سواء للحصول على الخلايا الكهروضوئية أو تكنولوجيا البطاريات أو تعزيز التنقل الكهربائي الرخيص فيما يقول خبراء إنه من الصعب تحقيق انجاز في مجال الطاقة المتجددة بدون سلسلة التوريد الأولية والنهائية للمنتجات الصينية.
وفي ذلك، قال برامل إن الأمر ينطبق بشكل خاص على ألمانيا، مضيفا "لقد دشنا تجربة جريئة تتمثل في التخلص من الوقود الأحفوري وإيقاف تشغيل محطات الطاقة النووية وتعزيز مصادر الطاقة المتجددة. ولهذا السبب نعتمد بشكل كبير على الصين".
ويشير مراقبون إلى أن التوترات المتصاعدة بين واشنطن وبكين قد وضعت برلين في موقف صعب إذ تقف برلين حائرة بين الولايات المتحدة التي تعد الحليف السياسي والعسكري شديد الأهمية من جهة وبين الصين التي تعتبر الشريك التجاري الأكبر من جهة أخرى.
وفي مسعى لتحقيق توازن ألماني بين العلاقات الأمريكية-الصينية، تبنت الحكومة الألمانية في يوليو/تموز الماضي "استراتيجية الصين" الرامية إلى إعادة صياغة العلاقة مع بكين بعد مناقشات طويلة وحادة.
واستهلت الاستراتيجية بالقول إن "الصين قد تغيرت وهذا يشير إلى حقيقة مفادها أن القرارات السياسية للصين تجعل من الضروري تغيير الطريقة التي نتعامل بها مع الصين"، واصفة بكين "بالشريك والمنافس والخصم الاستراتيجي".
زار رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ ألمانيا في يونيو / حزيران الماضي
ويتمحور أهم ركائز الرئيسية لهذه الاستراتيجية حول تقليل اعتماد ألمانيا على الصين تحت عنوان "إزالة المخاطر" ما يعني ضمان أن الشركات الألمانية أصبحت أكثر انخراطا مع بلدان ومناطق أخرى لتفادي أن تصبح مفرطة الاعتماد على الصين.
وفي ردها، قالت وزارة الخارجية الصينية إن الاستراتيجية التي أعلنتها ألمانيا بشأن علاقاتها مع بكين سوف تأتي بنتائج عكسية، مضيفة "سوف يؤدي ذلك تفاقم الانقسامات العالمية".
وفي هذا السياق، أصدرت السفارة الصينية في برلين بيانا جاء فيه أن "الصين تعد شريكة لألمانيا في التغلب على التحديات وليست خصما لها"، مضيفة أن النظر إلى الصين كمنافس وخصم بشكل منهجي "لن يصب في صالح البلدين فضلا عن أن الأمر يعتمد على تقييم غير واقعي".
برلين بين المطرقة والسندان
وكانت تصريحات سابقة صدرت عن وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في مطلع سبتمبر / أيلول الماضي، قد أثارت غضب الصين.
وتعود التصريحات إلى مقابلة أجرتها شبكة فوكس نيوز الأمريكية مع بيربوك التي وصفت الرئيس الصيني شي جين بينغ بـ "الدكتاتور" فيما اعتبرت بكين التصريح "بالسخيف والاستفزازي".
مختارات رئيس الوزراء الصيني في برلين.. مدخل للتقارب وتعزيز العلاقات؟ السيارات الكهربائية.. هل تستطيع الشركات الصينية المنافسة في أوروبا؟وأثار تصريح رأس الدبلوماسية الألمانية انتقادات في برلين خاصة من أحزاب المعارضة.
ففي تصريحاتها نقلتها DW، قال يورغن هارت، المتحدث باسم الشؤون الخارجية لأحزاب الاتحاد المسيحي، في حينه إنه "عندما يدلي دبلوماسي أو وزير خارجية بمثل هذا التصريح، فيجب أن يدرك أن هناك ثمنا سياسيا سيُدفع. ما يطرح تساؤلا هاما مفاده هل كان الأمر يستحق هذا الثمن؟"
من جانبه، قال الخبير في الشؤون السياسية شويوو جو، إن الثمن كان تآكل كبير في ثقة القيادة الصينية تجاه حزب الخضر الذي يتزعمه بيربوك.
وانعكس أحد مظاهر الصراع داخل الحكومة الألمانية تجاه التعامل مع الصين في دعوة بيربوك ووزير الاقتصاد روبرت هابيك الذي ينتمي أيضا إلى حزب الخضر، إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه بكين في حين عمد المستشار أولاف شولتس، الذي يعد رابع مستشار لألمانيا من الحزب الاشتراكي، إلى ضمان عدم تنفيذ "استراتيجية الصين" على نحو مقيّد للغاية.
وبحسب البيانات، فقد ضخت الشركات الألمانية استثمارات بقيمة 10.3 مليار يورو (11.1 مليار دولار) في الصين في النصف الأول من العام الجاري وحده فيما ذهب البعض إلى القول بأن مجال تكنولوجيا الاتصالات يعد المثال الأوقع على حيرة ألمانيا بين المصالح الأمنية والاقتصادية.
وفي كلمته أمام مؤتمر الدفاع السيبراني الأول لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في برلين في وقت سابق من الشهر الجاري، دعا الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ كافة الدول الأعضاء إلى الابتعاد عن الاعتماد على معدات اتصالات من شركتي "هواوي تكنولوجيز" و "زد تي آي" الصينيتين.
وأضاف أنه في إطار بناء "العمود الفقري الرقمي لدول الناتو في المستقبل، يجب علينا تجنب الاعتماد على المعدات التي توفرها الأنظمة الاستبدادية."
ورغم ذلك، مضت شركات الاتصالات المحمولة في ألمانيا قدما في استخدام مكونات هواوي لتوسيع شبكة الجيل الخامس في البلاد، دون تدخل من الحكومة الألمانية فيما تمثل المنتجات الصينية حاليا ما يقدر بنحو 60% من شبكة الجيل الخامس في ألمانيا.
تحدي أوروبي وليس ألماني فقط
بدوره، اعتبر هانز دبليو مول، الخبير الألماني في الشؤون السياسية، المساعي الألمانية لتحقيق توازن بين بكين وواشنطن بأنها تمثل "تحديا"، لكن قال إن ألمانيا "لا تواجه هذا التحدي وحدها وإنما أوروبا بأسرها".
وقال إنه في ضوء أن الاتحاد الأوروبي يعد لاعبا مهما في التجارة العالمية، فإن "ألمانيا باعتبارها جزءً من الاتحاد الأوروبي تحظى بوزن ثقيل ما يمكنها من ممارسة تأثير معين على الولايات المتحدة والصين والنظام الدولي".
ورغم ذلك، أقر بأنه "سيكون ضربا من المستحيل الوقوف على مسافة واحدة من القطبين"، مضيفا أن الولايات المتحدة هي الحليف الطبيعي لألمانيا، ولكن في الصراع بين الولايات المتحدة والصين لحسم التفوق العالمي "فإن مصلحة ألمانيا السياسية تكمن في احتواء الأضرار الجانبية الكارثية المحتملة التي يمكن أن تنجم عن هذا التنافس على الساحة الدولية".
ماتياس فون هاين / م. ع
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: أخبار ألمانيا الولايات المتحدة تايوان الصين حكومة بكين وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك المستشار الألماني أولاف شولتس جو بايدن أخبار ألمانيا الولايات المتحدة تايوان الصين حكومة بكين وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك المستشار الألماني أولاف شولتس جو بايدن الولایات المتحدة الشؤون السیاسیة على الصین فی برلین
إقرأ أيضاً:
الجيش الروسي: واشنطن تكثف نشاطها البيولوجي العسكري في إفريقيا بعد نقله من أوكرانيا
كشف نائب رئيس قوات الدفاع الإشعاعي والكيميائي والبيولوجي الروسية، اللواء أليكسي رتيشيف، أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على تعزيز نشاطها البيولوجي العسكري في القارة الإفريقية، عقب نقله من أوكرانيا.
وأوضح رتيشيف أن واشنطن قامت بنقل نشاط مقاولي البنتاغون البيولوجي من أوكرانيا إلى السنغال، مشيرًا إلى أن هذا التحرك يأتي ضمن سلسلة من الأنشطة التي تتجاوز التزامات الولايات المتحدة بموجب اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية والسمّية.
وأضاف أن البنتاغون يركز أبحاثه في إفريقيا، لا سيما في زامبيا، على مسببات الأمراض الخطيرة، مما أثار مخاوف لدى دول منظمة الرقابة البيولوجية التي باتت، بحسب وصفه، "رهينة لممارسات الولايات المتحدة".
وأكد اللواء الروسي أن نظام المخاطر البيولوجية الذي اختبرته واشنطن في أوكرانيا يجري استخدامه الآن في إفريقيا، حيث تعتبر الولايات المتحدة القارة الإفريقية "حوضًا طبيعيًا لمسببات الأمراض المعدية".
وأشار رتيشيف إلى أن الولايات المتحدة قامت بشكل غير قانوني بنقل عينات من فيروس إيبولا من إفريقيا إلى أراضيها، في خطوة قال إنها تنتهك القوانين الدولية وتشكل تهديدًا للأمن البيولوجي العالمي.
وفي سياق متصل، قال المسؤول الروسي إن واشنطن تكثف نشاطها البيولوجي العسكري في إفريقيا، ما يثير قلقًا دوليًا متزايدًا بشأن الغايات الحقيقية لهذا النشاط، وأضاف أن هذه التحركات تشكل خطرًا على الصحة العامة والبيئة في القارة الإفريقية، وتستوجب تحركًا دوليًا للحد من هذه الممارسات.
تأتي هذه التصريحات في وقت يتصاعد فيه التوتر بين موسكو وواشنطن بشأن قضايا متعددة، بما في ذلك الأمن البيولوجي، وسط دعوات دولية لتعزيز آليات الرقابة والتفتيش على الأنشطة البيولوجية لضمان الالتزام بالقوانين والاتفاقيات الدولية.
استمرار الاشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية والفصائل المسلحة غربي الفرات
لا تزال الاشتباكات مستمرة بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والفصائل المسلحة في المناطق الواقعة غربي نهر الفرات، وسط تصعيد ميداني شهد تقدماً لقسد في محور سد تشرين وسيطرتها على عدة قرى في محيط السد.
وأفادت مصادر محلية بتعرض قرية قزعلي في الريف الغربي لمدينة تل أبيض والصوامع الموجودة فيها لقصف مدفعي عنيف منتصف ليل الإثنين/الثلاثاء، شنته الفصائل الموالية لتركيا، كما تعرضت قرية تل الطويل في الريف الغربي لمدينة تل تمر لقصف مدفعي متزامن.
وفي تطورات أخرى، قُتل ثلاثة عناصر من الفصائل الموالية لتركيا، ودُمّرت آلية عسكرية خلال محاولة للتقدم نحو قرية عالية غربي تل تمر في ريف الحسكة، حيث شهدت المنطقة اشتباكات عنيفة بين الجانبين.
من جانبها، نعت قوات سوريا الديمقراطية، فجر الثلاثاء، 16 من مقاتليها الذين قضوا خلال تصديهم لما وصفته بـ"هجمات الاحتلال التركي ومرتزقته على مختلف مناطق شمال وشرقي سوريا"، وأكد المركز الإعلامي لقسد أن مقاتليها تصدوا للهجمات التي استهدفت مناطق في ريف حلب، ومنبج، وجسر قره قوزاق، وسد تشرين، وريف دير الزور الشرقي.
وفي سياق متصل، عززت قوات التحالف الدولي وجودها في المنطقة، حيث استقدمت تعزيزات عسكرية إلى قاعدتها في معمل كونيكو للغاز بريف دير الزور، وشملت التعزيزات، التي وصلت من معبر الوليد الحدودي مع العراق، حوالي 60 شاحنة وعربة عسكرية، كما أُرسلت تعزيزات مماثلة إلى القاعدة العسكرية في حقل العمر النفطي.
وتأتي هذه التطورات في ظل تصعيد مستمر يشهده شمال وشرق سوريا، وسط مخاوف متزايدة من انعكاساتها على الوضع الإنساني والأمني في المنطقة، التي تعاني من توترات عسكرية متواصلة منذ سنوات.