عدن (عدن الغد) وزارة الداخلية:

ضبطت الأجهزة الأمنية بمحافظة الحديدة أمس الثلاثاء متهم في قضية التفجير العمد.

وأشارت الشرطة أن المتهم (أ، س، ص، ناصر) 23 عاماً قام تفجير قنبلة صوتية في منزل  ( ث، م، س، قادري) 50 عاماً مما أدى إلى وقوع أضرار مادية تقدر بـ مليون ريال يمني.

وتم ضبط المتهم وإيداعه الحجز رهن الإجراءات القانونية.

المصدر: عدن الغد

إقرأ أيضاً:

«الذئاب المنفردة» إرهاب الأفراد يؤرق الأجهزة الأمنية فى العالم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في ظل التطورات المتسارعة للمشهد الأمني العالمي، تبرز ظاهرة «الذئاب المنفردة» كأحد أخطر التهديدات التي تواجه الأجهزة الأمنية والاستخباراتية حول العالم. فرغم التراجع الميداني لتنظيم داعش وتقلص نفوذه الجغرافي في معاقله التقليدية بسوريا والعراق، إلا أن خطره لا يزال حاضرًا بقوة من خلال الأفراد المستلهمين لأيديولوجيته المتطرفة، الذين ينفذون هجمات مميتة بشكل فردى دون توجيه مباشر من قيادات التنظيم.

الهجمات التي ينفذها "الذئاب المنفردة" تعتمد بشكل أساسي على استراتيجيات غير تقليدية، وتستهدف غالبًا تجمعات سكانية أو مواقع حساسة، مما يجعل من الصعب على الأجهزة الأمنية التنبؤ بها أو إحباطها قبل وقوعها. وتؤكد الهجمات المتفرقة التي وقعت مؤخرًا فى مناطق متعددة، مثل هجوم نيو أورليانز الأخير، قدرة التنظيمات الإرهابية على التأثير عبر الدعاية المكثفة فى منصات التواصل الاجتماعى والإنترنت المظلم، حيث تستمر فى نشر أيديولوجيتها المتطرفة واستقطاب الأفراد من مختلف الخلفيات.

إن ظاهرة "الذئاب المنفردة" ليست مجرد سلوك فردى معزول، بل هي جزء من استراتيجية مدروسة تتبناها تنظيمات مثل داعش والقاعدة، والتي تركز على إلهام الأفراد لتنفيذ عمليات ذات تأثير كبير بتكلفة منخفضة وأدوات بسيطة، ما يعزز من التحديات التي تواجه جهود مكافحة الإرهاب.

أصول الذئاب التاريخية

يشير "مركز فيريل للدراسات" إلى أن مصطلح "الذئاب المنفردة" يُستخدم لوصف أفراد ينفذون هجمات دون ارتباط مباشر بتنظيم أو جهة معينة، ودون تكليف رسمي أو تخطيط مسبق من قبل جماعة. هؤلاء الأفراد غالبًا ما تدفعهم أفكار ومعتقدات ترسخت لديهم نتيجة مشاعر الإحباط أو الغضب تجاه دولة، عرق، طائفة، أو حتى مجموعة بشرية محددة. ويؤكد المركز أن الظاهرة لا ترتبط بدين معين أو مكان أو تاريخ محدد، بل هى سلوك فردى يتغذى على أيديولوجيات متطرفة متشعبة.

ظهر مصطلح "الذئاب المنفردة" بشكل بارز فى تسعينيات القرن الماضي، حيث دعا العنصريان الأمريكيان "ألكس كيرتس" و"توم متزغر" إلى اعتماد الخلايا الفردية الصغيرة بدلًا من التنظيمات الهرمية التقليدية، مع التركيز على السرية المطلقة فى تنفيذ العمليات. وقد شهدت الولايات المتحدة منذ ذلك الحين هجمات عنصرية نفذها أفراد بشكل منفصل، واستهدفت غير البيض باستخدام أساليب متنوعة. وفى عام ٢٠١١، حذر الرئيس الأمريكى الأسبق "باراك أوباما" من خطورة "الذئاب المنفردة"، مشيرًا إلى أن تهديدهم يفوق خطر التنظيمات الكبيرة، نظرًا لصعوبة تعقبهم أو التنبؤ بتحركاتهم، خاصة وأن أيديولوجيتهم غالبًا ما تتغذى على الكراهية والإحباط الفردي.

يؤكد الباحث "جيفرى دى سيمون" فى كتابه "إرهاب الذئاب المنفردة: الخطر المتزايد" أن هذه الظاهرة تمثل تحديًا أمنيًا كبيرًا، حيث أثبت "الذئاب المنفردة" أنهم أكثر خطورة وابتكارًا فى أساليبهم من الإرهابيين التابعين لتنظيمات كبيرة. ووفقًا لسيمون، فإن هؤلاء الأفراد لا ينتمون إلى ديانة أو أيديولوجية واحدة، بل يتبنون أفكارًا متطرفة متعددة المصادر. وقد تنوعت أساليب هجماتهم ما بين الدهس بالسيارات، والطعن بالسكاكين، وإطلاق النار على التجمعات، مما يزيد من حالة الخوف والشك داخل المجتمعات، ويجعل مواجهة هذا النوع من الإرهاب أكثر تعقيدًا.

يمكن التفرقة بين نوعين من الذئاب المنفردة، النوع الأول الذى تقوده دوافع نفسية عاملهُ نفسي، فقد يكون الشخص يعانى من تحديات عائلية أو وظيفية أو مجتمعية فيقوم بإطلاق طاقته السلبية نحو الآخرين، حيث يقوم بالانتقام من محيطه من جهة، وحتى يشار إليه بالبنان والبحث عن الشهرة من جهة أخرى. أما النوع الثانى وهو الأكثر خطورة وانتشارًا فيكون ذو توجهات عقائدية أو أيديولوجية أو قومية.

وتقول صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن هناك نوعين من "الذئاب المنفردة" هما "المجنون" و"الشرير"، وتستشهد الصحيفة على ذلك بالطبيب النفسي الأمريكي نضال حسن الذى أطلق النار فى قاعدة "فور هود" العسكرية وقتل ١٣ عسكريا عام ٢٠٠٩، ورفض الاعتراف بأنه "مذنب".

فى المقابل، تتحدث الصحيفة عن المهاجر الإيراني، مان هارون مونيس، الذى احتجز عشرات الرهائن فى مقهى بمدينة سيدنى الأسترالية خلال ديسمبر ٢٠١٤، وكان يعانى اضطرابات نفسية. ووصفه محاميه السابق بأنه "مصاب بجنون العظمة وصاحب سجل جنائى وعمل فى السحر".

بدورها، تشير صحيفة الديلى تليجراف البريطانية إلى حادث قيام المواطن الكندى مايكل زحاف بيبو بقتل جندى وإطلاق النار داخل البرلمان فى العاصمة الكندية أوتاوا. وترجح الصحيفة أن يكون الهجوم رد فعل على قرار كندا المشاركة فى العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

فى هذا السياق؛ يشير مرصد الأزهر لمكافحة التطرف فى كتابه "ظاهرة الذئاب المنفردة - الصور والدوافع وسبل المكافحة" إلى أن "دوافع الأعمال الإرهابية التى تقوم بها الذئاب المنفردة، قد تكون بدوافع نفسية من التعصب العرقي، أو سوء فهم التراث الدينى فى أصول العقيدة، لافتًا إلى أن الظاهرة تنشط فى أوقات ضعف التنظيمات المتطرفة فى غالب الأمر"، ما يرجح دوافع لعودة ظاهرة "الذئاب المنفردة" مع تراجع قدرة التنظيمات الإرهابية بشكل كبير على تدبير اعتداءات واسعة النطاق يتم التخطيط لها مركزيا، بعد الضربات الأمنية الاستباقية المتتالية التى تعرضت لها.

يجب ألا يملك منفذ الهجوم سجلًا أمنيًا، وألا يكون قد خضع لأى نوع من عمليات الملاحقة والمتابعة الأمنية من قبل.

ألا تكون قناعاته (الأيديولوجية أو السياسية) بالقيام بهجوم إرهابى قد تكوّنت بالاتصال المباشر أو غير المباشر مع أى مجموعة أو جماعة إرهابية منظمة.

أن يكون منفّذ الهجوم منفردًا، ولم يتلق أى مساعدة أيًا كان نوعها؛ فلا يمكن تصنيف هجمة قام بها اثنان أو أكثر بأنها "إرهاب ذئب منفرد"؛ على النحو الذى فعله معظم المحللين فى الهجوم الذى استهدف صحيفة "شارلى إبدو" فى باريس فى ٧ يناير ٢٠١٥.

فإذا توافرت هذه الشروط الثلاثة السابقة فى هجومٍ إرهابي؛ فيمكن القول إنه "إرهاب ذئب منفرد"؛ إذ تضمن هذه الشروط تكوُّن هذه القناعات بناءً على إدراك فردى كامل من قِبل منفّذ الهجوم بأن ما يقوم به صحيح، وأنّ مناصرته لفكرةٍ أو تنظيم ما جاءت بعد هذا اليقين الفردى بالكامل. وكذلك الفعل؛ حيث تضمن هذه الشروط أنّ فعل هذا الذئب قد ارتبط ارتباطًا وثيقًا برغبته الفردية القادرة على فعله الفردى غير المُجرَّم أبدًا؛ وفقًا لعرفه أو أيديولوجيتيه.

وعندما تصل إلى السلطات الأمنية والمعنية أوراق قضيةٍ ما توافرت فيها الشروط الثلاثة السابقة؛ يُتفق تمامًا مع الرأى القائل أن هذا النوع من العمليات يصعب جدًا ملاحقته أو متابعته أو حتى التنبؤ به قبل وقوعه من قبل هذه المؤسسات؛ وهذا يشكّل بالفعل تحدّيًا حقيقيًا للمؤسسة الأمنية والاستخبارية؛ ووقتها يمكن أن يتعاطف المجتمع (الشارع) مع هذه الأجهزة والمؤسسات؛ لعدم توافر القدرة على منع حدوث هجوم من هذا النوع، ومن هنا؛ فيجب مراجعة العمليات التى حدثت وتوافرت فيها (شروط الذئب المنفرد)، وتحديد نسبتها من مجموع الهجمات الإرهابية التى نُفذت حول العالم.

أهم العمليات الإرهابيّة التى قام بها ذئاب منفردة:

لا تنتمى "الذئاب المنفردة" إلى دين معينٍ أو ثقافة بعينها، بل يوجد منهم من يقاتل لدوافع قوميَّة أو عِرْقية أو فكريَّةٍ. ومن أشهر العمليات التى قام بها "ذئاب منفردة" فى العالم:

مذبحة الحرم الإبراهيمي: قام بها طبيب يهوديٌّ أمريكى يُدعى "جولدشتاين" فى فبراير ١٩٩٤، حيث أطلق النار على المصلين أثناء صلاة الفجر، وراح ضحيتها ٢٩ شخصًا، وأصيب ٢٥٠ آخرون.

تفجير المبنى الفيدرالى فى أوكلاهوما: قام بهذه العملية الأمريكيّ "ماكفي" عام ١٩٩٥، وقتل أكثر من ١٦٠ فردًا من بينهم أطفال.

أحداث باريس ٢٠١٥: تعرَّض عددٍ من المواقع فى باريس إلى سلسلة من الهجمات الإرهابيّة، كان أشدَّها هجوم استهدف مسرح "باتاكلان" فى ١٣ نوفمبر ٢٠١٥، الذى راح ضحيته ١٣٧ قتيلًا. نفَّذ هذا الهجوم ٣ أشخاص، وأعلن تنظيم "داعش" الإرهابى مسئوليته عن هذا الهجوم.

حادثة دهس "يوم الباستيل": فى ١٤ يوليو ٢٠١٦، حيث شنَّ شخص هجومًا فى مدينة "نيس" الفرنسيَّة بشاحنة نقل أثناء احتفالات المواطنين بـ "يوم الباستيل"، وراح ضحيته ٨٤ قتيلًا، وإصابة أكثر من ٤٠٠ آخرين، وتبنى تنظيم "داعش" الإرهابى الهجوم فيما بعد.

هجوم "سان برناردينيو": فى ٢ ديسمبر ٢٠١٥ حيث شنّ رجل وزوجته هجومًا بالأسلحة على مركز "إنلاد الإقليمي" فى مدينة "سان برناردينيو" الأمريكيّة. أسفر هذا الهجوم الذى تبنَّاه تنظيم "داعش" الإرهابيّ عن مقتل ١٤، وإصابة ١٨ آخرين.

هجوم الملهى الليليّ فى "أورلاندو": حيث نفَّذ شخص هجومًا على إحدى الملاهى الليليَّة فى مدينة "أورلاندو" الأمريكيَّة فى ١٢ يونيه ٢٠١٦، وراح ضحيته ٥٠ قتيلًا. وتبنى تنظيم "داعش" الإرهابى الهجوم فيما بعد.

عملية دهس سوق لعيد الميلاد فى برلين: فى ١٩ ديسمبر ٢٠١٦، حيث اقتحمت شاحنة سوقًا لعيد الميلاد بالعاصمة الألمانية برلين، وأدى إلى مقتل ١٢ وإصابة أكثر من ٥٠ آخرين. وقد تبنى تنظيم "داعش" الإرهابيّ هذه العملية كذلك.

أحداث مانشستر: فى ٢٢ مايو ٢٠١٧، حيث قام شخص من مواليد بريطانيا بهجوم انتحارى فى إستاد "مانشيستر أرينا" أثناء إحدى الاحتفالات الموسيقيَّة. ونتج عن هذا الهجوم الذى تبناه تنظيم "داعش" الإرهابى مقتل ٢٣ شخصًا، وإصابة ٢٥٠ آخرين.

أحداث جسر وستمنستر: فى ٢٢ مارس ٢٠١٧، حيث قام البريطانى "أدريان راسل" بعملية دهس على "جسر وستمنستر" فى "لندن"، راح ضحيتها ٣ أشخاص.

عمليات جسر لندن: فى ٣ يونيه ٢٠١٧، حيث قام ٣ أشخاص بعملية دهس على جسر لندن، ثم نزلوا من السيارة، وطعنوا مرتادى مطاعم ومقاهى بالسَّكاكين فى منطقة "بورو ماركت."

مجزرة مسجدى نيوزيلندا: فى يوم الجمعة الموافق ١٥ مارس ٢٠١٩ نفذ اليمينى المتطرف "برينتون تارنت" هجومًا على مسجدين فى "كرايست تشرش"؛ مما تسبب فى مقتل ٤٩ مسلمًا وإصابة العشرات فى هجوم وصف بأنه إرهابي عنصري ضد المسلمين.

آلة داعش الإعلامية وتأثيرها فى استقطاب الأفراد

في ذروة قوته خلال عامي ٢٠١٤ و٢٠١٥، اعتمد تنظيم "داعش" على آلة إعلامية متطورة، جمعت بين المهارات التقنية والقدرة على الترويج لأيديولوجيات تكفيرية عبر منصات الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. هذه الآلة لم تكن مجرد أداة لنشر رسائل التنظيم، بل كانت وسيلة أساسية للتجنيد الفكرى للأفراد واستقطابهم من مختلف دول العالم، خاصة فى الغرب. سعى التنظيم من خلال دعايته الإعلامية إلى نقل المعركة من الشرق الأوسط إلى قلب المدن الغربية، عبر تحفيز الأفراد لتنفيذ هجمات فردية دون الحاجة إلى السفر أو الالتحاق بمعسكرات التدريب.

يمكن تقسيم مؤيدى تنظيم "داعش" إلى فئتين أساسيتين: الفئة الأولى تضم الأفراد الذين تأثروا بخطاب التنظيم وسافروا إلى سوريا والعراق للانضمام إليه خلال فترة سيطرته على مساحات واسعة. أما الفئة الثانية فتشمل أولئك الذين تأثروا بالأيديولوجيا المتطرفة عبر الإنترنت، لكنهم لم يتمكنوا من السفر بسبب الإجراءات الأمنية المشددة فى بلدانهم. ينتمى منفذ هجوم فيينا عام ٢٠٢٠ إلى هذه الفئة، حيث حاول السفر إلى سوريا فى عام ٢٠١٩ للانضمام إلى التنظيم، لكنه أُدين وسُجن. هذه الفئة شكلت القاعدة الأساسية التى اعتمد عليها التنظيم لاحقًا لتنفيذ هجمات فردية ضمن استراتيجية "الذئاب المنفردة".

برز مفهوم "الذئاب المنفردة" كاستراتيجية واضحة فى خطاب "أبو محمد العدناني"، المتحدث الرسمى السابق باسم التنظيم، عام ٢٠١٤. دعا العدنانى مؤيدى التنظيم حول العالم إلى تنفيذ هجمات فردية دون انتظار توجيه مباشر من القيادة، مؤكدًا أن أى هجوم، مهما كان حجمه، سيتم تبنيه رسميًا. وقد استجاب العديد من الأفراد لهذه الدعوة، كما حدث فى هجوم سان برناردينو (٢٠١٥) وهجوم ملهى أورلاندو (٢٠١٦)، حيث أعلن منفذو الهجمات ولاءهم للتنظيم قبل دقائق من تنفيذ عملياتهم. اعتمد التنظيم فى تبنى هذه العمليات على إعلان الولاء العلنى أو اليمين المباشر لقادته، دون وجود علاقة تنظيمية فعلية مع المنفذين.

فى أوقات ضعف التنظيم وتراجع قدراته الميدانية، أصبحت هجمات "الذئاب المنفردة" أداة رئيسية لإبقاء اسمه حاضرًا على الساحة العالمية. يعتمد "الذئب المنفرد" على اختيار الهدف، ووضع خطة الهجوم، وتحديد توقيته بشكل مستقل، دون توجيه مباشر من قيادة التنظيم. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، هجوم فيينا (٢٠٢٠)، حيث أعلن المنفذ بيعته لزعيم التنظيم قبل تنفيذ الهجوم عبر مقطع مصور. مثل هذه العمليات تؤكد قدرة التنظيم على التأثير عبر الأفراد المتأثرين بفكره، حتى وإن لم تكن هناك علاقة تنظيمية مباشرة، مما يعكس مرونة هذا النهج وفعاليته فى تحقيق أهداف دعائية وسياسية رغم تراجع القدرات الميدانية للتنظيم.

الإرهاب كأداة فى حروب الجيل الرابع

أصبح الإرهاب جزءًا من استراتيجيات الدول فى إطار ما يُعرف بـ "حروب الجيل الرابع" و"حروب المنطقة الرمادية"، حيث يتم توظيف الجماعات الإرهابية و"الذئاب المنفردة" كأدوات لتحقيق أهداف سياسية وأمنية. وأشارت بعض التحقيقات إلى دور أجهزة استخبارات أجنبية وأخرى محلية فى تحريك هذه العمليات، ما يزيد من التحديات والضغوط على الأجهزة الأمنية. وفى هذا السياق، يرى كريستوفر كوكر أن الحروب الحديثة باتت تركز على إدارة المخاطر بدلًا من المواجهات المباشرة، مما زاد من تعقيد المشهد الأمنى العالمي.

وتُظهر العديد من الدراسات والأبحاث أن الإرهاب بات ظاهرة معقدة ترتبط بأبعاد سوسيولوجية وسياسية واقتصادية. مثال على ذلك قضية الضابط الألماني "فرانكوز إيه" الذى تَنكّر فى هيئة لاجئ سورى لتنفيذ عملية إرهابية كان يمكن أن تُنسب إلى لاجئ متطرف. وفى ذات السياق، كشفت تقارير عن وجود ٦٠ مقاتلًا من جبهة النصرة فى ألمانيا، ما يطرح تساؤلات حول قدرة الأجهزة الأمنية على توقع الهجمات ومنعها.

كما أشارت دراسة لـ "معهد دراسة الحرب (ISW)" إلى أن تنظيم "داعش" ركّز عملياته على أوروبا بعد خسائره فى سوريا والعراق، مستغلًا ملاذاته الآمنة للتخطيط لهجمات جديدة. فى المقابل، أكدت "اليوروبول" أن لا دليل على وجود علاقات مباشرة بين داعش واللاجئين فى أوروبا، إلا أن تأثير دعايته المستمر على الأفراد يعد أحد أبرز أسباب تنفيذ العمليات الإرهابية الفردية.

يكمن الخطر فى مصطلح "الذئاب المنفردة" فى كونه يوحى بأن هؤلاء الأفراد يعملون بشكل مستقل، بينما الحقيقة أنهم جزء من منظومة أيديولوجية وجماعية أوسع. هذا المفهوم يُضلل الرأى العام ويُقلل من خطورة هذه الهجمات، كما يجعل توقعها أكثر صعوبة. فحتى الهجمات الفردية تتأثر بمظالم اجتماعية وسياسية وتستمد تكتيكاتها من الأيديولوجيات الإرهابية المعروفة.

تعتمد الجماعات الإرهابية، مثل "القاعدة" و"داعش"، على نهج اللامركزية فى عملياتها، مما ساهم فى زيادة هجمات "الذئاب المنفردة". ظهر ذلك بوضوح بعد مقتل أسامة بن لادن، حيث تم الكشف عن ارتباطات بين العديد من المنفذين الفرديين والجماعات الأم. تنظيم "داعش" نفسه اعتمد هذا التكتيك، وأصدر كتيبًا بعنوان "توجيهات إرشادية لسلامة وأمن مجاهدي الذئاب المنفردة"، ما يعكس الأهمية الاستراتيجية لهذه الهجمات ضمن خطط التنظيم.

خاتمة: آليات المواجهة ومستقبل ظاهرة الذئاب المنفردة

في ظل تصاعد تهديدات "الذئاب المنفردة" كأحد أبرز التحديات الأمنية عالميًا، أصبح من الضرورى تطوير استراتيجيات شاملة تتجاوز المقاربة الأمنية التقليدية. تتطلب مواجهة هذه الظاهرة تكاملًا بين الأجهزة الأمنية، والتعاون الدولي، واعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعى وتحليل البيانات الضخمة لرصد الأنماط السلوكية المشبوهة. فالتنبؤ بالهجمات الفردية يستدعى استراتيجيات استباقية تركز على تفكيك الدعاية الرقمية للتنظيمات الإرهابية على منصات التواصل الاجتماعي، وتعزيز الوعى المجتمعى بمخاطر الفكر المتطرف.

كما ينبغى معالجة الأسباب العميقة التى تدفع الأفراد إلى تبنى أيديولوجيات العنف، سواء كانت نفسية، اجتماعية، أو اقتصادية. فالتهميش الاجتماعي، والبطالة، والشعور بالاغتراب تعد عوامل خصبة لاستقطاب الأفراد نحو التطرف. من هنا، تبرز أهمية تعزيز سياسات الاندماج الاجتماعى والاهتمام بالصحة النفسية، خاصة لدى الفئات الأكثر هشاشة داخل المجتمعات، وتكثيف البرامج الوقائية فى المدارس والمؤسسات المجتمعية.

على مستوى الفضاء الإلكتروني، أصبح من الضرورى تكثيف الرقابة على المحتوى المتطرف دون المساس بحرية التعبير، مع التعاون بين الحكومات وشركات التكنولوجيا الكبرى لتعطيل الحسابات المشبوهة، ومنع انتشار المواد التحريضية. كما يجب تعزيز التعاون الاستخباراتى الدولي، وتبادل المعلومات حول الأفراد المشتبه بهم أو الذين تظهر عليهم مؤشرات التوجه نحو التطرف الفردي.

مستقبليًا، يبدو أن استراتيجية "الذئاب المنفردة" ستظل أداة فعالة لدى التنظيمات الإرهابية، خاصة فى أوقات ضعفها وتراجع قدراتها اللوجستية. مع التطور التكنولوجي وتزايد الاعتماد على الإنترنت المظلم، سيستمر استغلال هذه الوسائل فى نشر الأيديولوجيات المتطرفة وتدريب الأفراد على تنفيذ هجمات معقدة بأدوات بسيطة. هذا التحدي يتطلب يقظة دائمة وتطوير آليات حديثة تواكب أساليب الإرهابيين المتجددة.

في الختام، تمثل ظاهرة "الذئاب المنفردة" تحديًا أمنيًا معقدًا يتطلب تكاتفًا دوليًا وشراكة حقيقية بين الحكومات، المؤسسات الأكاديمية، ومنظمات المجتمع المدني. إن مواجهة هذا الخطر لا تتعلق فقط بإجراءات أمنية مشددة، بل تتطلب مقاربة شاملة تعالج جذور المشكلة، وتُحصّن الأفراد فكريًا ومجتمعيًا من السقوط فى فخ الأيديولوجيات المتطرفة.

مقالات مشابهة

  • «الذئاب المنفردة» إرهاب الأفراد يؤرق الأجهزة الأمنية فى العالم
  • شرطة تعز تضبط متهم بمقتل مُسن في مديرية مشرعة وحدنان
  • الأجهزة الأمنية تعزز سيادة الوطن
  • شرطة تعز تضبط 4 متهمين بجريمة قتل عمدي وأخر بجريمة الشروع بالقتل
  • الحديدة.. مقتل مواطن بإنفجار لغم حوثي
  • خلال شهر الداخلية تضبط 20 ألف قضية تسول
  • خلال 24 ساعة.. ضبط 255 قضية مخدرات بالمحافظات
  • شرطة النقل تضبط 1360 قضية متنوعة
  • شرطة الضرائب تضبط 465 قضية في 24 ساعة
  • شرطة التعمير تضبط 50 قضية متنوعة