كيف ستبدو منطقتنا بل والعالم بعد أن تنهي إسرائيل حربها في غزة؟ إن الإحصائيات الواردة من القطاع الضيق المُحاصر الذي يسكنه 2.3 مليون فلسطيني – 70% منهم لاجئون من حروب سابقة – مذهلة.

تقول الأيام الستة والثلاثين الأولى من الهجوم الإسرائيلي، تحت "ستار الدفاع عن النفس"، أنه قُتل أكثر من 11 ألف شخص، وفقد آلاف آخرون تحت الأنقاض، وأصيب 24 ألفًا.

وقد قُتل نحو 4500 طفل، ودُمرت أو تضررت 40 %من المنازل والأبراج، وأُلقي 30 ألف طن من المتفجرات على ما أصبح أرضًا قاحلة غير صالحة للعيش.

فقد قُتل ما لا يقل عن 50 صحفيًا، مقارنة بـ 63 صحفيًا قتلوا خلال العشرين عامًا من الحرب في فيتنام… وقائمة الفظائع التي لا يمكن تصورها تطول وتطول… وقد تم تهجير أكثر من مليون مواطن من سكان غزة….لا يوجد ماء ولا غذاء ولا دواء ولا وقود ولا منطقة آمنة…. هذه محرقة فلسطينية حقا.

ورفضت إسرائيل الدعوات لوقف إطلاق النار، وفشلت في تنفيذ هدنة إنسانية للسماح بوصول المساعدات الكافية إلى غزة. وبحسب مسؤولين إسرائيليين، فإن الضغوط الدولية على البلاد لوقف الحرب ستزداد خلال الأسبوعين أو الأسابيع الثلاثة المقبلة، لقد خرج عشرات الملايين من الأشخاص حول العالم للمطالبة بإنهاء الحرب، ويرفض المسؤولون الغربيون الاستماع.

*وفي نظر الكثيرين، لم تعد هذه حربًا لتدمير حركة حماس المسلحة، بل حرب إبادة…. وقد تم تجاهل نداءات وكالات الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر وهيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات غير الحكومية… إن إسرائيل ليست عازمة على الانتقام من الفظائع التي ارتكبت في السابع من أكتوبر2023 فحسب، بل إنها تريد أيضًا تنفيذ استراتيجية تغير قواعد اللعبة وتهدف إلى إسقاط أسس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الهدف هو العودة إلى نكبة 1948 والبدء من هناك مرة أخرى.*

ويتحدث الشركاء اليمينيون المتطرفون لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو علنًا عن الحاجة إلى إعادة احتلال قطاع غزة، ونقل سكانه قسرًا، وإفساح المجال أمام بناء مستوطنات يهودية جديدة.

  ويقولون أيضًا إن ما يحدث في غزة هو نموذج أولي لما سيحدث في الضفة الغربية، ويقول محللون إسرائيليون إن نتنياهو أضعف من أن يتمكن من كبح جماح شركائه المتطرفين في الائتلاف، تقوم الحركة الصهيونية الدينية بابتزاز نتنياهو وهو يحاول إنقاذ حياته السياسية وترسيخ إرثه.

لقد كان الزعماء العرب واضحين بشأن جرائم الحرب والإبادة الجماعية والتطهير العرقي، التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي الغازي.

كما أشاروا بصراحة إلى المعايير المزدوجة التي يستخدمها الغرب عند تطبيق القانون الدولي... لقد أعاقت الولايات المتحدة محاولات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتبني قرار لوقف إطلاق النار؛ ولا يعني ذلك أن إسرائيل، بسجلها الكئيب في الأمم المتحدة، ستحترمها على أية حال.

*لذا، في الواقع، لا أحد يعرف كيف ستنتهي الحرب في غزة؟ لكنها سوف تفعل ذلك في مرحلة ما… عندها سوف يلقي المجتمع الدولي نظرة حقيقية على ما فعلته آلة الحرب الإسرائيلية…. سيكون الموتى بعشرات الآلاف، وسيكون عدد المشوهين والجرحى مروعا... وسيشبه مستوى الدمار المدن الألمانية واليابانية بعد الحرب العالمية الثانية... وستتحول الكارثة الإنسانية إلى كابوس عالمي لسنوات عديدة قادمة.*

يستخدم نتنياهو وشركاؤه هجوم 7 أكتوبر الذي شنته حماس كشيك على بياض لشن حرب إبادة... ولا يوجد تناسب أو ضبط النفس أو التزام بالقانون الإنساني الدولي وقواعد الحرب.

بالنسبة للمؤسسة السياسية الإسرائيلية… فحين يلجأ نتنياهو إلى ترديد آيات تلمودية لا يمكن تفسيرها إلا على أنها دعوات للإبادة الجماعية، يستشعر المرء ما يفعله جنوده... فحين يقول الساسة الأميركيون إن هذه حرب دينية، لا يملك المرء إلا أن يشعر بمزيج من الاشمئزاز والخوف إزاء ما ترغب إسرائيل ومؤيدوها المتعصبون في السماح بحدوثه لمئات الآلاف من المدنيين الأبرياء.

*ولقد رأينا أكثر مما يمكن أن تتحمله بطوننا…. لذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف سيكون شكل اليوم التالي؟ لقد شكلت الحرب على غزة اختبارًا "للنظام العالمي الجديد" الذي مضى عليه أكثر من 30 عامًا والذي وصفه جورج بوش الأب بأنه "نظام عالمي جديد".... وأعلن بوش ذلك بعد انهيار الاتحاد السوفييتي… في ذلك الوقت، برزت الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم، ووعدت بشيء مختلف عن سنوات الحرب الباردة.*

لكن العالم عانى في ظل حكمها…. شنت الولايات المتحدة حربين ضد الدول العربية الإسلامية – في الغالب تحت ذرائع كاذبة…. لقد قتل مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء وجعل الشرق الأوسط أقل أمنا وأكثر استقطابا… فقد أطلقت سياساتها العنان لحروب طائفية وعرقية، وشجعت المتطرفين، وتركت المنطقة تعاني من ندوب عميقة ومنقسمة… ولا يمكن وصف إرثها في المنطقة إلا بأنه سام.

*لقد طارد مستنقع اليأس الفلسطينيين لعقود من الزمن… وسمحت الولايات المتحدة لنتنياهو بمواصلة مخططه المدمر لقتل الأمل الأخير المتبقي: وهو حل الدولتين.*

إن الإفلات من العقاب الممنوح لنتنياهو أصبح لعنة ليس للفلسطينيين فحسب، بل للإسرائيليين أيضا.

ولا يمكن للمنطقة والعالم أن يستمرا في العمل كالمعتاد في أعقاب الحرب على غزة ونتائجها الشنيعة... ويقول الغرب إنه بمجرد انتهاء الحرب، فإنه سيدفع باتجاه حل الدولتين وإقامة دولة للفلسطينيين.

وهذا اعتراف كاذب وفارغ من الصحة، ومن يقول هذا إما مخادع أو ساذج، أو كليهما.. وتعارض الزمرة السياسية الإسرائيلية بشدة وأيديولوجيا مثل هذا الاقتراح… لقد انتهى خيار الدولتين منذ فترة طويلة.

إن النظام القائم على القواعد ــ ذلك النظام الذي بشر به الغرب لفترة طويلة ــ يواجه مأزقا شديدا… فكيف للغرب أن يتحدث عن حقوق الإنسان والقانون الدولي في حين لا تلقى الأصوات المطالبة بإجراء تحقيقات محايدة في ما فعلته إسرائيل في غزة آذانًا صاغية؟، فهل تسمح الولايات المتحدة وحلفاؤها للمحكمة الجنائية الدولية بإصدار أوامر اعتقال ضد الإسرائيليين وغيرهم ممن يشتبه في ارتكابهم جرائم حرب أو دعموا وسهلوا مثل هذه الجرائم، سواء سياسيا أو ماديا؟

*فهل سيسمح العالم الغربي بسماع شهادات عشرات الآلاف من سكان غزة في محكمة دولية؟ فهل يُسمح للطفل الفلسطيني الثكلى، الذي فقد عائلته بأكملها في الغارات الإسرائيلية، بالإدلاء بشهادته في الكونجرس الأمريكي؟*

ربما تكون الإجابة، وفي معظم الحالات بشكل قاطع، لا وبالتالي فإن النظام العالمي المتعدد الأقطاب الحالي سوف يتوقف عن الوجود.

إن الأمر يتطلب عالمًا متعدد الأقطاب من أجل إنقاذ الأمم المتحدة العاجزة والبنية الأساسية القانونية والإنسانية بالكامل في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.. وهذا يعني أن الجنوب العالمي يجب أن يكون له رأي في كيفية إدارة العالم.

  ويعني ذلك أيضًا أن روسيا والصين يجب أن تصبحا مشاركين نشطين في النظام العالمي الجديد… ولكن الأهم من ذلك، أنه يعني أن دول الشرق الأوسط، مثل المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران، سيتعين عليها المساهمة في سلامة المنطقة واستقرارها.

ومن المحزن أن تكتفي كل من الصين وروسيا بالتشدق بالكلام حول المحنة الفلسطينية في حين كان بوسعهما فعل المزيد... ولم نشهد بعد إرسال قوافل الإغاثة الروسية والصينية لمساعدة سكان غزة.

ويضيع البلدان فرصة نادرة لمواجهة الخطاب الغربي المؤيد لإسرائيل وانحياز الغرب لإسرائيل من خلال دعم المواقف العربية والإسلامية، كما ورد في قمة الرياض 11/11/2023 الموافق يوم السبت..

لقد أصبحت الحرب على غزة بمثابة دعوة للحشد ضد كل ما هو غير عادل؛ ومن العولمة إلى النخبة السياسية الغربية الفاسدة التي تهيمن عليها الصهيونية… ولا ينبغي تجاهل هذا الزخم الشعبي أو تهميشه… وينبغي أن تتطور إلى دعوة جماعية لنظام عالمي جديد، حيث يتم تطبيق القانون والذنب على الجميع.

ويبدو البديل مخيفا: عالم لا يلتزم فيه أحد بالقانون بسبب السابقة الإسرائيلية والإفلات من العقاب منذ فترة طويلة… ويجب ألا يسمح أبدا بحدوث مثل هذا السيناريو.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: احمد ياسر غزة فلسطين اخبار فلسطين الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الاحتلال الاسرائيلي نتنياهو حماس طوفان الاقصي واشنطن مجلس الأمن الأمم المتحدة الولایات المتحدة لا یمکن فی غزة

إقرأ أيضاً:

«المشاط»: توحيد جهود الدول الأفريقية ضرورة لإعادة هيكلة النظام المالي العالمي

عقدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، عددًا من اللقاءات مع مسؤولي حكومة جنوب أفريقيا والحكومة الباكستانية، وذلك خلال مشاركتها بأعمال المنتدى الاقتصادي العالمي 2025، والمنعقد بمدينة دافوس السويسرية، تحت شعار التعاون من أجل العصر الذكي خلال الفترة من 20 حتى 24 يناير الجاري، بمشاركة واسعة من رؤساء الدول والحكومات، وصناع القرار، وممثلي المنظمات الدولية.

تعزيز سبل التعاون المُشترك

وشهد اللقاء مباحثات حول تعزيز سبل التعاون المُشترك بين البلدين في ظل مكانتهما المحورية بقارة أفريقيا، ودورهما في دعم جهود التنمية في القارة خاصة في ظل التحديات التنموية والأزمات الاقتصادية المتتالية منذ عام 2020 والتي أثرت على مكتسبات التنمية في الدول الأفريقية.

كما شهد اللقاء مناقشة استعدادات دولة جنوب أفريقيا لرئاسة مجموعة العشرين خلال العام الجاري، وفي هذا الصدد أوضحت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن الموضوعات المطروحة على أجندة مجموعة العشرين خلال العام الجاري تمثل أهمية قصوى لمناقشة تسريع وتيرة التنمية العالمية، ولفت انتباه العالم لضرورة تعزيز جهود التنمية في قارة افريقيا، فضلًا عن مناقشة جهود تعزيز التنمية الاقتصادية والتمويل من أجل التنمية.

ونوهت «المشاط»، بأن العام الجاري سيشهد العديد من المؤتمرات والمحافل الدولية، على رأسها المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية بإسبانيا، والذي يستمر فيه العالم في مناقشة جهود إصلاح البنية المالية الدولية، وإعادة تشكيل أجندة التنمية العالمية مع بقاء أقل من عقد على عام 2030، مع تراجع مكتسبات التنمية العالمية في ظل الأزمات المتشابكة التي يواجهها العالم.

وبحثت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أهمية التعاون بين دول الجنوب العالمي، وتعزيز الشراكة مع دولة جنوب أفريقيا خاصة بعد عضوية مصر في مجموعة البريكس وبنك التنمية الجديد؛ كما أكدت ضرورة توحيد جهود الدول الأفريقية للدفع نحو إعادة هيكلة النظام المالي العالمي والتكامل لتحقيق التنمية.

وعقدت الدكتورة رانيا المشاط، اجتماعًا مع محمد أورنجزيب، وزير المالية الباكستاني، وناقش الوزيران البرامج والمشروعات المشتركة بين جمهورية مصر العربية ودولة باكستان، كما أكدا على أهمية استمرار المناقشات لفتح آفاق التعاون بين البلدين. كما شهد الاجتماع مناقشة مخرجات القمة الحادية عشرة لمنظمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي، التي استضافتها جمهورية مصر العربية نهاية العام الماضي.

تطوير البنية التحتية

وأكدت الدكتورة رانيا المشاط، عمق العلاقات التاريخية بين مصر وباكستان، مشيرة إلى الاحتفال هذا العام بالذكرى الـ77 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مؤكدة اهتمام الدولة المصرية بتعزيز العلاقات الثنائية مع باكستان في إطار التعاون الاقتصادي بين دول الجنوب.

وفي ذات السياق، أكدت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي؛ التزام مصر بتعزيز التعاون بين دول الجنوب والتعاون الثلاثي، وهو ما يستند إلى الإيمان بأن الدول ذات الظروف الاقتصادية والاجتماعية المماثلة هي الأفضل وضعًا لتعزيز التعاون بينها، موضحة أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال مشاركة السياسات الناجحة وأفضل الممارسات التي أثبتت فعاليتها في سياقاتها الخاصة.

جهود مصر لتعزيز النمو الشامل

واستعرضت المشاط خلال الاجتماع جهود مصر لتعزيز النمو الشامل، مشيرة إلى أن مصر تعمل حاليًا على تنفيذ إصلاحات اقتصادية كبرى تشمل مجموعة واسعة من المجالات، بالإضافة إلى التركيز على تطوير البنية التحتية، موضحةً أنه على الرغم من وجود فجوات تنموية في بعض المجالات، إلا أن هذه الفجوات توفر فرصًا استثمارية كبيرة يمكن الاستفادة منها لتعزيز مشاركة القطاع الخاص وجذب التمويل من أجل التنمية.

مقالات مشابهة

  • إبراهيم النجار يكتب: إسرائيل.. ومرحلة تصفية الحسابات السياسية
  • د. محمد بشاري يكتب: غزة: معركة البقاء والصمود أمام مأساة متجددة
  • «المشاط»: توحيد جهود الدول الأفريقية ضرورة لإعادة هيكلة النظام المالي العالمي
  • المشاط: توحيد جهود الدول الأفريقية للدفع نحو إعادة هيكلة النظام المالي العالمي
  • بالفيديو .. الإعلام العبري يتساءل غاضباً: لقد توقفت الحرب على غزة لماذا لا تتوقف المظاهرات ضد إسرائيل؟
  • عادل الباز يكتب: حرب الكرامة .. “أكل الحساء باستخدام السكين” (1)
  • هل يستطيع ترامب إعادة تشكيل النظام العالمي؟
  • خطة ترامب لإعادة تشكيل النظام العالمي في أول 100 يوم
  • الشرع مهنئا ترامب: نثق أنه القائد الذي سيجلب السلام للشرق الأوسط
  • علماء عرب عبر التاريخ.. ابن زهر الذي غيَّر مسار الطب العالمي