منذ انتشال الطفل حمزة ملكة البالغ من العمر عامين، من تحت الأنقاض، قبل أربعة أسابيع، لا يزال بعض أفراد عائلته المكونة من 26 شخصا، التي قضى أفرادها جميعها، تحت الركام في انتظار انتشال جثثهم.

وعقب غارة إسرائيلية قصف خلالها منزل متعدد الطوابق في حي الزيتون بمدينة غزة، فقد قضي على أجيال العائلة من مسنين إلى سيدة حامل وأطفال صغار، بات ملكة الناجي الوحيد من عائلته، وانضم إلى الأطفال الجرحى الذين ليس لديهم عائلة على قيد الحياة، بحسب تقرير لشبكة "أن بي سي نيوز".

 

وتشير الشبكة إلى أن بقاء الجثث تحت أنقاض الركام طوال هذه المدة، أمر يتنافى مع الطريقة التي عادة ما يتم التعامل بها مع الموتى في مجتمع ذي أغلبية مسلمة، "ولكنه واقع متزايد في جميع أنحاء غزة".

ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن ما يقدر بنحو 2700 شخص، من بينهم 1500 طفل، اعتبروا في عداد المفقودين، ويعتقد أنهم محاصرون أو ماتوا تحت الأنقاض.

وقال محمد ملكة، وهو قريب للعائلة يعيش في ولاية كاليفورنيا الأميركية، إنه لا يزال غير متأكد من العدد الإجمالي للذين تم دفنهم بالفعل: "إنهم ما زالوا يحاولون إخراج الجثث من تحت الأنقاض"، مضيفا "رغم أنهم ماتوا، لكن عليك الانتظار لعدة أيام للحصول على تلك الأدوات اللازمة لإخراجهم ودفنهم بشكل لائق"، واصفا الوضع بـ"المروع". 

وفي أعقاب هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر، أدى القصف العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة، ليس فقط إلى تراكم الجثث، بل وأيضا انعدام كرامة واحترام الموتى. 

فبدلا من أن تكون عملية الدفن مناسبة اجتماعية يساند فيها المجتمع عائلة الميت، قلبت الحرب حياة الناس وسلبت الموتى طقوس الجنازة التقليدية.

وفي أوقات غير الحرب، كان الآلاف يشاركون في مواكب الجنازة وطقوس الحداد في غزة. وعادة ما يتجمع المشيعون حول الجثة في المسجد للصلاة على الميت، يليها موكب كبير من المسجد إلى القبر لدفنه، ومن ثم تقوم الأسرة المكلومة بعد ذلك باستضافة أفراد المجتمع في منزلهم لتقديم التعازي لمدة ثلاثة أيام. 

لكن الآن، فإن التدفق الهائل للجثث غير كل شيء. فبمجرد إعلان الوفاة من قبل الطبيب الشرعي، يقوم موظفو المستشفى بسرعة بلف الجثة بقطعة قماش، ونقلها من المشرحة إلى ساحة المستشفى الخارجية، وفقا لما ذكره سعيد الشوربجي، أحد العاملين في مستشفى ناصر بخانيونس.

        View this post on Instagram                      

A post shared by Motaz Azaiza مُعْتَز عزايزة ⚡️ (@motaz_azaiza)

بعد ذلك، يقوم الطاقم الطبي بتشجيع أي فرد من أفراد الأسرة على نقله مباشرة إلى موقع الدفن مع "الحد الأدنى من الأشخاص"، في ظل مشاهد مؤلمة تهز القلب. 

ويوضح الشوربجي أنه في ظل الوضع الحالي "لا يوجد وقت للصلاة أو إعادة الجثمان إلى المنزل لتوديع الميت كما كان يحدث من قبل". 

فمع تدمير العديد من المساجد أو تعرضها للتهديد بالهجوم، تقام صلاة الجنازة المرتجلة في باحات المستشفيات أو في الشوارع، قبل أن تتم عملية الدفن بسرعة، مع عدم وجود وقت للحزن على القتلى.

صلوات الجنازة أصبحت تقام في ساحات المستشفيات أو الشوارع في غزة

ومع كثرة القتلى في كل أنحاء قطاع غزة، فإن الكثيرين لم يحضروا دفن أقاربهم بسبب القصف العنيف. 

وفي بعض الحالات، قد يستغرق الأمر عدة أيام قبل أن يتمكن أحد أفراد الأسرة من التعرف على الجثة لأن معظم القتلى يعانون من تشوه في الأطراف وبتر أيدي وأرجل. 

وقال الشوربجي إن "أدلة مثل وحمة محددة على الوجوه، أو الملابس التي كانوا يرتدونها، ساعدت بعض العائلات في التعرف على أحبائهم المفقودين". 

وفي أحيان أخرى، كانت الجثة عبارة عن ثلاثة كيلو غرامات من العظام أو اللحم المفتت لم يتم التعرف عليها، مشيرا إلى أنه "في تلك الحالات، تم تجميعهم مع جثث أخرى لأفراد عائلات معروفين ولم يتم دفنهم بشكل فردي". 

ولجأت بعض العائلات إلى كتابة أسماء أبنائها بأقلام حبر على أجسامهم وأطرافهم، بهدف التعرف عليهم في حال مقتلهم. 

كتابة أسماء أطفال في غزة على سيقانهم وأجسادهم "الناس هنا مرعوبون للغاية، أصبحوا يكتبون أسماء أطفالهم على أجزاء مختلفة من أجسادهم وهم أحياء"، يكشف مدير مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة، أحمد الكحلوت، لموقع "الحرة" طرقا جديدة يسلكها الأهالي " ليتعرفوا على أبنائهم في حالة استشهادهم". 

وبجانب مشكلة تحديد هوية القتلى، فإن هناك مشكلة كبيرة أخرى تتمثل في إيجاد مساحة لدفن الجثث. 

وقال جهاد الشمالي، وهو حفار قبور في مقابر عدة على طول قطاع غزة، إنه عمل في الأسابيع الأخيرة على مقابر تحمل أرقاما وليس أسماء عائلات.

وقال الشمالي: "بصراحة، الوضع مأساوي للغاية"، مضيفا أنه دفن في بعض الأحيان ما يصل إلى 15 شخصا في مقبرة واحدة.

وقال إن كمية الصواريخ التي تطلق على غزة جعلته يشعر بالخوف الشديد، لدرجة أنه يسمح في بعض الأحيان للعائلات "بالمخاطرة بحياتها" لدفن أفرادها بدونه.

وأشار إلى أن نقص الوقود والمياه والموارد القادمة إلى غزة بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل أدى إلى نقص كبير في مواد الدفن اللازمة مثل الأسمنت والبلاط والطوب، "لا يمكننا حتى العثور على الماء لخلط الطين لصنع غطاء للقبر". 

وبالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون في الخارج، مثل محمد ملكة، فإن النافذة الوحيدة المتاحة له لمعرفة أخبار عائلته، هي تحديثات فيديو مجزأة على مواقع التواصل. 

وأظهر مقطع فيديو حديث على فيسبوك أن بعض أفراد عائلته قد تم دفنهم أخيرا، لكنه اكتشف، عبر تغريدة على موقع أكس، أن المزيد من أفراد عائلته أصيبوا وقتلوا في غارة جوية لاحقة.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: تحت الأنقاض

إقرأ أيضاً:

صرخات خلف القضبان: مأساة السجون العراقية تتفاقم

1 يوليو، 2024

بغداد/المسلة الحدث: الأوضاع المأساوية التي يعيشها السجناء في العراق تتفاقم بشكل مستمر، حيث أكد وزير العدل العراقي خالد شواني أن تضخم الطاقة الاستيعابية في السجون وصل إلى 300%.

ووزارة الداخلية كشفت عن خطة تشمل استحداث مدن إصلاحية متكاملة، إلا أن الاكتظاظ في السجون العراقية ازداد بسبب ارتفاع عدد المتورطين في قضايا المخدرات، مما أدى إلى دخول نحو أربعة آلاف نزيل جديد.

ومن بين الحلول المطروحة، يسعى العراق إلى توسيع قضية الإفراج الشرطي وإصدار قانون العفو وفقاً للصيغة المصدق عليها في ائتلاف إدارة الدولة والحكومة، دون التوسع أو التضييق فيها. كما تشمل الحلول إنشاء بنى تحتية جديدة وسجون جديدة، إلا أن توسعة السجون ودوائرها الإصلاحية لا تمثل حلاً جذرياً لمشكلة الاكتظاظ.

وتجدر الإشارة إلى أن أعداداً كبيرة من السجناء محتجزون دون أي تهمة، وبعضهم قضى محكوميته وما زال مسجوناً. وقانون العفو العام قد يكون حلاً، لكنه قد يولد مشكلات اجتماعية وصحية جديدة.

وقانون العفو يمكن أن يكون جزءاً من الحل لمشكلة الاكتظاظ في السجون، لكنه ليس حلاً شاملاً، فالإفراج عن السجناء بموجب قانون العفو قد يخفف من الضغط على السجون بشكل مؤقت، لكنه قد يخلق تحديات اجتماعية وصحية جديدة، مثل إعادة دمج السجناء في المجتمع وضمان عدم عودتهم إلى الجريمة.

ويقول المحامي علي عبيد، ان من المهم أيضاً معالجة الأسباب الجذرية للاكتظاظ، مثل تحسين النظام القضائي، وتسريع المحاكمات، وتوفير برامج إعادة التأهيل. بالإضافة إلى ذلك، يجب النظر في بدائل للسجن مثل العقوبات المجتمعية والإفراج المشروط.

وتواجه السجون العراقية مشكلة اكتظاظ كبيرة تتطلب حلولاً متعددة الأبعاد. من بين الحلول المقترحة لتخفيف هذا الاكتظاظ هو توسيع نطاق الإفراج الشرطي، حيث يمكن أن يساعد في تقليل عدد السجناء من خلال إطلاق سراح الذين أظهروا سلوكاً جيداً وقضوا جزءاً من عقوبتهم.

وإنشاء بنى تحتية جديدة وبناء سجون جديدة وتحسين البنية التحتية للسجون الحالية يمكن أن يساعد في توفير مساحات أكبر وتحسين ظروف الإيواء.

كما ان توسيع نطاق العقوبات البديلة مثل العمل المجتمعي والغرامات بدلاً من السجن يمكن أن يقلل من عدد السجناء.

وبرامج إعادة التأهيل تلعب دوراً مهماً في توفير تأهيل للسجناء يساعدهم على الاندماج في المجتمع بعد الإفراج عنهم، مما يقلل من احتمالية عودتهم إلى الجريمة.

ويقول عضو اللجنة القانونية في البرلمان محمد عنوز، أنّ “المشكلات السياسية وعدم الاتّفاق على قانون العفو العام يحولان دون التقدّم في مناقشته، وأنّ لمشكلة اكتظاظ سجون العراق أسباباً عديدة، لكن من الممكن حلّها كلّها عبر إجراءات واقعية، لمنع الانتهاكات وتفشّي الأمراض ومواجهة حالات انتزاع الاعترافات”.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

مقالات مشابهة

  • المظاهرات الدامية في كينيا تخلف عشرات القتلى
  • الانتخابات التشريعية مأساة فرنسية.. صحف تندب حظ البلاد
  • غزة.. ارتفاع حصيلة القتلى في القطاع إلى 37900 منذ بدء الحرب
  • صرخات خلف القضبان: مأساة السجون العراقية تتفاقم
  • مأساة على طريق رأس سدر.. 6 ضحايا و22 مصابًا في تصادم ميكروباصين
  • ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 37877 منذ بدء الحرب
  • حسني بي: مأساة الدعم السعري للوقود والطاقة تسبب في إفقار 80% من الليبيين 
  • موقف صادم.. فلسطيني أفرج عنه الاحتلال يتفاجأ باستشهاد 24 من أفراد عائلته (شاهد)
  • وادي قدرون أو وادي جهنم في القدس.. هنا يلتقي الموت والحياة
  • حكم زيارة النساء للمقابر: الشيخ محمد أبوبكر يوضح