من تحت الأنقاض وحتى القبور.. كيف تواجه غزة مأساة القتلى؟
تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT
منذ انتشال الطفل حمزة ملكة البالغ من العمر عامين، من تحت الأنقاض، قبل أربعة أسابيع، لا يزال بعض أفراد عائلته المكونة من 26 شخصا، التي قضى أفرادها جميعها، تحت الركام في انتظار انتشال جثثهم.
وعقب غارة إسرائيلية قصف خلالها منزل متعدد الطوابق في حي الزيتون بمدينة غزة، فقد قضي على أجيال العائلة من مسنين إلى سيدة حامل وأطفال صغار، بات ملكة الناجي الوحيد من عائلته، وانضم إلى الأطفال الجرحى الذين ليس لديهم عائلة على قيد الحياة، بحسب تقرير لشبكة "أن بي سي نيوز".
وتشير الشبكة إلى أن بقاء الجثث تحت أنقاض الركام طوال هذه المدة، أمر يتنافى مع الطريقة التي عادة ما يتم التعامل بها مع الموتى في مجتمع ذي أغلبية مسلمة، "ولكنه واقع متزايد في جميع أنحاء غزة".
ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن ما يقدر بنحو 2700 شخص، من بينهم 1500 طفل، اعتبروا في عداد المفقودين، ويعتقد أنهم محاصرون أو ماتوا تحت الأنقاض.
وقال محمد ملكة، وهو قريب للعائلة يعيش في ولاية كاليفورنيا الأميركية، إنه لا يزال غير متأكد من العدد الإجمالي للذين تم دفنهم بالفعل: "إنهم ما زالوا يحاولون إخراج الجثث من تحت الأنقاض"، مضيفا "رغم أنهم ماتوا، لكن عليك الانتظار لعدة أيام للحصول على تلك الأدوات اللازمة لإخراجهم ودفنهم بشكل لائق"، واصفا الوضع بـ"المروع".
وفي أعقاب هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر، أدى القصف العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة، ليس فقط إلى تراكم الجثث، بل وأيضا انعدام كرامة واحترام الموتى.
فبدلا من أن تكون عملية الدفن مناسبة اجتماعية يساند فيها المجتمع عائلة الميت، قلبت الحرب حياة الناس وسلبت الموتى طقوس الجنازة التقليدية.
وفي أوقات غير الحرب، كان الآلاف يشاركون في مواكب الجنازة وطقوس الحداد في غزة. وعادة ما يتجمع المشيعون حول الجثة في المسجد للصلاة على الميت، يليها موكب كبير من المسجد إلى القبر لدفنه، ومن ثم تقوم الأسرة المكلومة بعد ذلك باستضافة أفراد المجتمع في منزلهم لتقديم التعازي لمدة ثلاثة أيام.
لكن الآن، فإن التدفق الهائل للجثث غير كل شيء. فبمجرد إعلان الوفاة من قبل الطبيب الشرعي، يقوم موظفو المستشفى بسرعة بلف الجثة بقطعة قماش، ونقلها من المشرحة إلى ساحة المستشفى الخارجية، وفقا لما ذكره سعيد الشوربجي، أحد العاملين في مستشفى ناصر بخانيونس.
View this post on InstagramA post shared by Motaz Azaiza مُعْتَز عزايزة ⚡️ (@motaz_azaiza)
بعد ذلك، يقوم الطاقم الطبي بتشجيع أي فرد من أفراد الأسرة على نقله مباشرة إلى موقع الدفن مع "الحد الأدنى من الأشخاص"، في ظل مشاهد مؤلمة تهز القلب.
ويوضح الشوربجي أنه في ظل الوضع الحالي "لا يوجد وقت للصلاة أو إعادة الجثمان إلى المنزل لتوديع الميت كما كان يحدث من قبل".
فمع تدمير العديد من المساجد أو تعرضها للتهديد بالهجوم، تقام صلاة الجنازة المرتجلة في باحات المستشفيات أو في الشوارع، قبل أن تتم عملية الدفن بسرعة، مع عدم وجود وقت للحزن على القتلى.
صلوات الجنازة أصبحت تقام في ساحات المستشفيات أو الشوارع في غزةومع كثرة القتلى في كل أنحاء قطاع غزة، فإن الكثيرين لم يحضروا دفن أقاربهم بسبب القصف العنيف.
وفي بعض الحالات، قد يستغرق الأمر عدة أيام قبل أن يتمكن أحد أفراد الأسرة من التعرف على الجثة لأن معظم القتلى يعانون من تشوه في الأطراف وبتر أيدي وأرجل.
وقال الشوربجي إن "أدلة مثل وحمة محددة على الوجوه، أو الملابس التي كانوا يرتدونها، ساعدت بعض العائلات في التعرف على أحبائهم المفقودين".
وفي أحيان أخرى، كانت الجثة عبارة عن ثلاثة كيلو غرامات من العظام أو اللحم المفتت لم يتم التعرف عليها، مشيرا إلى أنه "في تلك الحالات، تم تجميعهم مع جثث أخرى لأفراد عائلات معروفين ولم يتم دفنهم بشكل فردي".
ولجأت بعض العائلات إلى كتابة أسماء أبنائها بأقلام حبر على أجسامهم وأطرافهم، بهدف التعرف عليهم في حال مقتلهم.
كتابة أسماء أطفال في غزة على سيقانهم وأجسادهم "الناس هنا مرعوبون للغاية، أصبحوا يكتبون أسماء أطفالهم على أجزاء مختلفة من أجسادهم وهم أحياء"، يكشف مدير مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة، أحمد الكحلوت، لموقع "الحرة" طرقا جديدة يسلكها الأهالي " ليتعرفوا على أبنائهم في حالة استشهادهم".وبجانب مشكلة تحديد هوية القتلى، فإن هناك مشكلة كبيرة أخرى تتمثل في إيجاد مساحة لدفن الجثث.
وقال جهاد الشمالي، وهو حفار قبور في مقابر عدة على طول قطاع غزة، إنه عمل في الأسابيع الأخيرة على مقابر تحمل أرقاما وليس أسماء عائلات.
وقال الشمالي: "بصراحة، الوضع مأساوي للغاية"، مضيفا أنه دفن في بعض الأحيان ما يصل إلى 15 شخصا في مقبرة واحدة.
وقال إن كمية الصواريخ التي تطلق على غزة جعلته يشعر بالخوف الشديد، لدرجة أنه يسمح في بعض الأحيان للعائلات "بالمخاطرة بحياتها" لدفن أفرادها بدونه.
وأشار إلى أن نقص الوقود والمياه والموارد القادمة إلى غزة بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل أدى إلى نقص كبير في مواد الدفن اللازمة مثل الأسمنت والبلاط والطوب، "لا يمكننا حتى العثور على الماء لخلط الطين لصنع غطاء للقبر".
وبالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون في الخارج، مثل محمد ملكة، فإن النافذة الوحيدة المتاحة له لمعرفة أخبار عائلته، هي تحديثات فيديو مجزأة على مواقع التواصل.
وأظهر مقطع فيديو حديث على فيسبوك أن بعض أفراد عائلته قد تم دفنهم أخيرا، لكنه اكتشف، عبر تغريدة على موقع أكس، أن المزيد من أفراد عائلته أصيبوا وقتلوا في غارة جوية لاحقة.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: تحت الأنقاض
إقرأ أيضاً:
مجزرة مروعة في حي الشيخ رضوان.. 15 شهداء والعشرات تحت الأنقاض (شاهد)
استُشهد 15 فلسطينيا بينهم أطفال ونساء وأصيب آخرون، في قصف استهدف منزلين في مدينة غزة.
وقال الدفاع المدني بغزة في بيان إن "طواقمه انتشلت 13 شهيدا جراء قصف إسرائيلي لمنزل عائلة هتهت في حي الشيخ رضوان، والذي يؤوي نازحين من عائلتي حلاوة وريحان".
عاجل مجزرة مروعة
عشرات الشهداء والجرحى والمفقودين، معظمهم أطفال، جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلًا يأوي نازحين من عائلتي حلاوة وريحان في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة. pic.twitter.com/BH09Im4PE2 — أنس الشريف Anas Al-Sharif (@AnasAlSharif0) December 26, 2024
102 ثانية .. فيها بعض ما نعيشه يوميا ..
وداع صعب .. دعاء بصمت .. غضب وقهر .. حزن وتسليم .. وكف طفلة لم ترى من الدنيا إلا بشاعتها .. pic.twitter.com/nQUdLj5Icu — Islam bader (@islambader_1988) December 26, 2024
وأضاف أن قرابة 40 شخصا ما زالوا مفقودين تحت الأنقاض، وتحاول الطواقم إنقاذهم، مبينا أن فلسطينيين استُشهدا وأصيب أكثر من 20 آخرين في قصف للاحتلال استهدف منزلا لعائلة اسليم في حي الصبرة جنوبي مدينة غزة.
وأكد الدفاع المدني أن سبعة فلسطينيين ما زالوا في عداد المفقودين جراء الهجوم في حي الصبرة.
وفي وقت سابق، أفاد مصدر طبي بارتفاع عدد شهداء قصف إسرائيل منزلا شرق الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، إلى تسعة فلسطينيين، بينهم نساء وأطفال.
صور تظهر شن قوات الاحتلال غارات على محيط مستشفى كمال عدوان شمالي قطاع غزة، وتصاعد الدخان بكثافة نتيجة حرقها عشرات المنازل في محيط المستشفى#حرب_غزة #الأخبار pic.twitter.com/jcLYjNhw0x — الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) December 26, 2024
كما أصيب مدير مستشفى العودة محمد صالحة وستة من أفراد الطاقم الطبي، الخميس، جراء تفجير جيش الاحتلال الإسرائيلي عدة روبوتات مفخخة بمحيط المستشفى في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة.
وقال مصدر طبي إن جيش الاحتلال الإسرائيلي نفذ عمليات تفجير لعدد من الروبوتات المفخخة في محيط مستشفى العودة الواقع في حي تل الزعتر.
وأضاف أن التفجيرات تسببت بإصابة مدير المستشفى محمد صالحة و6 من أفراد الطاقم الطبي، إضافة إلى تضرر بعض المرافق والأقسام بشكل كبير.
وتابع أن عمليات التفجير كانت قريبة وعنيفة، وسببت حالة من الذعر والهلع بين الكوادر الطبية والمرضى والجرحى داخل المستشفى.
وقال مدير المستشفى حسام أبو صفية، إن خمسة من الكوادر الطبية والفنية استشهدوا في غارات إسرائيلية على محيط المشفى.
وأوضح أبو صفية أن الشهداء طبيب أطفال، ومسعفان، وفني صيانة، وفنية مختبرات.
وفي وقت سابق الخميس، قال المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يرتكب جرائم حرب مكتملة الأركان عبر توظيف تقنيات عسكرية متطورة، من بينها روبوتات متفجرة، لاستهداف المدنيين والمرافق الحيوية، ضمن عملياته المستمرة لإبادة قطاع غزة.
وأوضح المكتب في بيان أنه منذ قرابة 15 شهرا من حربه ضد المدنيين والمرافق الحيوية في قطاع غزة، لم يدّخر جيش الاحتلال الإسرائيلي “جهدا ولا آلية من آليات وطرق الفتك والقتل والتدمير في جرائم القتل الجماعي والتطهير العرقي إلا واستخدمها بكل إجرام ووحشية.
وأضاف، أن "من أخطر الآليات والأدوات التي لايزال يستخدمها الاحتلال في القتل والإبادة والتدمير هي توظيف روبوتات تحمل متفجرات لاستهداف القطاعات الحيوية وقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين باستهدافهم مباشرة أو تدمير مربعات سكنية فوق رؤوسهم بما في ذلك المستشفيات".
وأردف، "هذا السلوك الإجرامي يعد انتهاكا للقانون الدولي وتصعيدا خطيرا يعكس إصرار الاحتلال على تدمير البنية التحتية وقتل المدنيين".