النص: أدرك أن عظم الجرح وعمقه يدفع الكثيرين للمضي فى مشوار الانتقام، خصوصاً إذا بانت أن هنالك قدرة لبلوغه، حينها يرغب البعض فى شنق آخر جنجويدي بامعاء آخر متعاون. ولكن رجل الدولة لا يصح أن تتحكم في قراراته الأهواء ولا العواطف، هو طبيب الأمة وظيفته ضمان الشفاء الكامل للجسد العليل بأقل قدر من الكلفة ومراعاة مصلحة المريض كأولوية قصوي (لا يؤمن الكاتب بقدرة الدعم السريع علي تأسيس دولة لذلك يستبعد مستحقات ذلك الاحتمال).


لذلك ومع التحولات التى طالت الحرب وحقيقة أنها حشرت المجتمعات العربية بدارفور وكردفان ورغماً عن إرادة الكثير منهم فى صراع وجود ووضعتهم في مواجهة آنية ومستقبلية مع الأعراق الأخري فى دارفور ومواجهة حتمية مستقبلية مع بعضهم البعض.
حقيقة هذا الصراع الدارفوري-دارفوري علي الخط العربى-الأفريقي (إذا جاز التعبير) او العربي-العربي هو صراع صلب حول الحياة والوجود جوهره الأرض والموارد وتؤثر عليه عوامل الطبيعة وتغيرات المناخ والنظم التاريخية لملكية الأرض القبلية (الحواكير) وحقوق الرعي ومسارات المراحيل وتمدد الزراعة والقرارات السياسية المتعلقة بالحدود الإدارية و التغييرات فى خرائط الإدارة الأهلية وهجرة المجموعات السكانية عبر الحدود الدولية والإدارية نتيجة للصراعات المسلحة او لقسوة الطبيعة ومخاوف المجموعات صاحبة الأرض وحقوق الرعي التاريخية من الوافدين الجدد او من طموحات التوسع للمجموعات الأخري وفوق ذلك رواسب ومرارات سنوات طويلة من الصراع حول تلك الأسباب.
كل ذلك وفوقه النظرة البراغماتية للسلطة المركزية وتحديدا منذ الديمقراطية الثالثة وتولت كبره الإنقاذ، تلك النظرة التى لم تجعل الدولة تسعى فى معالجة اسباب التوتر وخلق مناخ للتنمية فى الإقليم والاستغلال الأمثل للموارد ووضع الخطط التى تضمن تكامل أنماط الحياة بين الراعى والمزارع لا تناحرها وفتح سبل عيش جديدة قوامها الصناعة والزراعة التجارية وتوظيف عوائد التعدين لخدمة المجتمعات لا الأفراد، بدلاً عن ذلك سعت السلطة المركزية في استغلال تلك التوترات سياسياً بتوظيف المجتمعات العربية تحديدا في صراعاتها السياسية المدنية والمسلحة بداية من تمرد الجنوب ولاحقاً تمرد الحركات الدارفورية أفريقية القالب وحتى فى تحييد المجموعات العربية المارقة. هذا التوظيف والوعي اللاحق للمجموعات العربية بإمكان استغلاله لتحقيق مطامع فى الأرض والسلطة السياسية المرتبطة بها أسهم بشكل كبير في عسكرة المجموعات العربية كما أن وعيها المتزايد بأنها ليست مكان اهتمام حقيقي من السلطة المركزية وأنها لا تعدو أن تكون فى نظرها بندقية تفتك بها ولا تمانع إن فتكت هى ببعضها البعض خلق عندها وعى بضرورة الوحدة ومراعاة مصالحها ككيان له مطالب سياسية واقتصادية.
لذلك استراتيجية المعالجة الصحيحة وبجانب أهمية المواجهة العسكرية للطموحات غير المشروعة في الحكم وفرض واقع سياسي وديمغرافى واقتصادي بالقوة يجب أن تصاحبه حوارات وخطط لمعالجة ما اصطلح علي تسميته بجذور الأزمة، التى ظلت دائما تحت السطح لا تمس، يجب علي مقاربة الحل أن تكون شاملة سياسية وتنموية وتطرح حوار حول ملف الأرض والهجرة عبر الحدود وتهتم بخلق فرص للحياة، ربما يسهم ذلك في إصلاح مقاربة الإنقاذ التى وفرت التعليم (تعليم عاجز عن إعداد جيل قادر علي صناعة وإدارة الأعمال) فخلقت وعي متسع بالحقوق فى ظل غياب للفرص.

ibnouf77@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

تشريح المثقف- بين شجرة النيم وظل الأيديولوجيا- هلوسا

تشريح المثقفين للمختلف معهم في الرأي تحت شجرة النيم وحديث من يتبول في الشارع وهو يرتدي بدلة من أشهر المحلات الباريسية وحقيقة هذا حالهم ولا أبالغ في الامر
يبدو أن البعض قد نذر نفسه لحراسة القوالب الجاهزة، فإذا خرج أحدهم عن خطّ مستقيم رسموه، سارعوا إلى تشريحه فكريًا ووضعه على مائدة التقييم القاسي، متناسين أن الفكر ليس سجنًا، وأن الكتابة ليست بيانًا حزبيًا يُقرُّ ولا يُراجع. فهل يُفترض بمن يكتب أن يكون ثابتًا كالصخر؟ ألا يُتاح له حق إعادة النظر، أو مراجعة القناعات، أو حتى التحليق فوق المقولات الجاهزة دون أن يُتهم بالتلون أو النفاق؟
ولأنني لم أدّعِ يومًا أنني حكيم المعرة ولا أيس الكوفة الهَمْداني، فأنا أمارس الحياة كما يحلو لي، أتنقل بين قراءاتي وأفكاري، وأحاول أن أفهم المشهد السياسي كما هو، لا كما يريده المتحمسون لتصنيفي وفق مقولاتهم الجاهزة. أجل، انتقدتُ العسكر وعسكرة الدولة، وسأظل أنتقد كل هيمنة تُضيّق على الناس مساحة الحرية، فهل المطلوب أن أكون تابعًا أعمى كي يرضى عني حراس الأيديولوجيات؟
من القباب إلى الحداثة مسيرة لا تستحق السجن في قوالبكم
لم أولد وفي يدي بيان ماركسي أو خطاب ليبرالي، بل كانت طفولتي محاطة بالقباب، حيث تعلمتُ القرآن كغيري من أبناء ذلك الجيل، قبل أن تأخذني رياح الأسئلة الكبرى إلى ماركس، فوجدتُ في طرحه نقدًا عميقًا للبنى التقليدية، لكنني لم أكتفِ به، فالعالم أرحب من أن يُرى بعين واحدة. انفتح فضائي الفكري على الحداثة وما بعدها، لا لأهرب من الأسئلة، بل لأعمّقها، ولأختبر الأجوبة خارج إطارات الصراع الإيديولوجي الضيق. فهل يُعد ذلك خيانة فكرية أم بحثًا عن المعنى؟
عناوين جذابة أم مضامين سطحية؟ السفسطة ليست مشكلتي
اتهمني البعض بأنني أجيد العناوين الجذابة، لكن مضموني فارغ أو معقد، كأنما المطلوب مني أن أختصر السياسة في هتافات الشوارع. حسنًا، لن أدافع عن نفسي في هذا، فالقارئ الذي يقرأ لي بعين مُنصفة سيعرف أنني لا أمارس الكتابة كحرفة ميكانيكية، بل كبحث مستمر عن الفهم. وإن كانت بعض كتاباتي تستفز البعض، فلأنها تخرج من المساحات الرتيبة إلى أسئلة أكثر عمقًا. ومن لا يريد الغوص، فالبحيرات الضحلة متاحة للجميع.
بين هذا وذاك لا تضيقوا واسعًا، فالكتابة بحرٌ أوسع من صدوركم الضيقة
لستُ مثاليًا، ولا أملك مشروعًا فكريًا عظيمًا يستحق القراءة العميقة، ولستُ تاجر أفكار يُسوّق نفسه باعتباره المُخلّص الفكري لهذا الزمان. أكتب لأنني أريد أن أفهم، ولأنني لا أطيق اختزال الواقع في ثنائية قاتلة بين الأبيض والأسود. لا يزعجني النقد، لكنه يُضحكني حين يأتي من مثقف يرتدي بدلة اشتراها من أشهر محلات باريس، ثم يتحدث عن النقاء الثوري وهو يتبول في الشارع أمام الجميع.
أيها المتحمسون لجلدي فكريًا، تحيَّ شجرة النيم التي ظللتني ذات يوم، تحيَّ رياح الأسئلة التي لم تتوقف عن ملاحقتي، وتحيا الكتابة كمساحة رحبة لا تُختزل في تقييماتكم الضيقة.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • استقلال الصحافة ترحب بإعلان عبدالمحسن سلامة عن زيادة بدل البطالة
  • هذه مواعيد مباراتي الجيش الملكي ونهضة بركان في ربع نهائي دوري الأبطال وكأس الكونفدرالية
  • في حال توقف الإمدادات من الأرض.. «ماسك» يضع خططاً بديلة في الفضاء
  • رمضان فرصة للعيش إلى جانب بعض
  • التشكيل المتوقع للزمالك أمام الجونة فى كأس عاصمة مصر
  • طريقك للخروج من مصيدة ديون بطاقات الائتمان
  • الهاتف المحمول: وسيلة تواصل أم إدمان خفي؟
  • مبعوث أوكرانيا يشيد بجهود دول الخليج العربية في دعم بلاده
  • لمواجهة التصعيد الأمريكي..استعدادات في العاصمة صنعاء والمحافظات للخروج في مسيرات مليونية
  • تشريح المثقف- بين شجرة النيم وظل الأيديولوجيا- هلوسا