فاخلع نعليك، تجريد الذهن من قيود المألوف!!
تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT
في مساء هذا اليوم، وبينما السماء مكتنزة بالسُحُب، تذكرت فصل الخريف. بدا لي وكأنني أرى حواء بت علي وهي تجتمع مع رفيقاتها أم ضيفان وعرجون وأخريات، متوجهات نحو (الرهد) المحل الذي يجنين منه أوراق نبات الكول. من بين رفيقاتها جميعاً تألقت حواء بت علي في اجادة الشغل، حيث يتم حجز ما ابدعته من الكول مسبقا، بينما بضاعة رفيقاتها في السوق قد تبور، وربما تبقى بلا مشترٍ.
ثمة أفكار تسببت في غياب الوعى، واضحت جداراً حصينا في معظم العقول، ومصدراً للشلل الفكري الذي لا يمكن تجاوزه في عقول الكثيرين، لأن الناس يخشون من تعبير بآرائهم أو طرح أسئلتهم بسبب مخاوف من ردود الأفعال السلبية. على الرغم من أن العديد يحملون ملاحظات حول الواقع الذي نعيشه اليوم، لكن التحدي هو السكوت خوفاً أو طمعاً. ان الأزمة التي نعيشها اليوم ليست وليدة ١٥ أبريل( نيسان)، وإنما هي رسالة في بريد الأزمات ربما من قبل خروج المستعمر، فإذا لم نفهم مغازي ومعاني الرسالة ستظل هكذا تدور وكل يوم تنتج المزيد من الازمات، ووقتها لا يفيد البكاء ولا العويل، أن الحروب لا تنتهي ب(سلام مناصب) دون مخاطبة جذور الأزمة. ومتى ما وجدت الجهل والفقر والامية والرعى الجائر ستظل البيئة صالحة لإنتاج أناس لا يعرفون سوى القتل والنهب والسلب والتشريد.. كثيرون كانوا يعتبرون (الجنجويد) هم أفضل ما جادت به القبائل العربية لمناهضة المتمردين، وكانوا لا يخفون فخرهم بهم، لكن أول ما دخل الجنجويد الحزام المحرم بدأ الصراخ والعويل، المبادي لا تتجزأ. هم اليوم نسخة معدلة ومنقحة بمثابة (iPhone 15 Pro Max). غضون عشرين سنة دخلوا المدينة وسافروا إلى الخارج وعرفوا أبواب المسرح والسينما ودخلوا القصر الجمهوري ودواوين الحكومة وما زادهم كل ذلك إلا خبالا، فما بالكم بالنسخة الاولى. ما لم نستوعب الرسالة لا يمكن للحروب أن تتوقف، ولا للمعاناة أن تختفي من فضائنا. ثمة رسائل هامة يحملها الواقع الذي نعيش في طياته، رسائل تفتأ تذكرنا بأهمية رفع مستوى الوعي وصيانة كرامة الإنسان. وإذا لم نكن قادرين على فهمها والعمل بحكمة على تطبيقها، فستأتي لنا رسائل أخرى، ربما تكون أشد قسوة وصرامة من سابقاتها، لقد حان الوقت لنستمع لها، لإن الاستجابة هي الخطوة الأولى نحو بناء مستقبل أفضل والتحول نحو عالم يسوده التسامح.
أن مشكلة الحروب اصبحت متراكمة ومتضخمة في العقلية الذهنية والنفسية لمجتمعنا وكأننا مخدرين نترنح متأثرين بحبوب الهلوسة الكلامية فارغة المضمون والمعنى. والاسف لم نتعلم كيف ندير أزماتنا ولم نطور قدراتنا على اخذ الدروس والعبر من أمم حولنا.. أمم كانت تعاني من أزمات مماثلة أو اكثر تعقيداً، لكنها استطاعت الخروج من الحطام من خلال عبقرية إدارة الازمة، فالصين شكلت مثالاً رائعاً على كيفية التعامل مع التحديات بشكل مستدام وبعيداً عن العسكرة. تبنت استراتيجية تركز على تعزيز العقل والعلم والاصرار والعزيمة، وركزت على تطوير المجتمع ورفع مستوى الوعي فيه بدلاً من اللجوء إلى الصراعات العسكرية. فنجحت بشكل مبهر في تحقيق تقدم اقتصادي وتجاري وتكنولوجي، ومن دون ضجيج وأصبحت تصنع لكل العالم.
دولة اليابان بعد الأحداث المأساوية في هيروشيما وناجازاكي، اتخذت خطوات حكيمة من خلال التوقيع على شروط الاستسلام. وبدلاً من الانغماس في العنف والصراع، ركزت على تحقيق التقدم وإعادة بناء المجتمع، وعملت على صناعة الانسان بالاستثمار في التعليم والابتكار، واقامت اقتصادا قويا يعتمد على الاقتراحات والابتكارات. وبفضل هذا النهج، أضحت قوة اقتصادية من دون حاجة إلى استخدام العنف والصراعات المسلحة. والمهاتما غاندي كان قائداً رائعاً استخدم سياسة اللاعنف والمقاومة السلمية لتحرير الهند من الاستعمار البريطاني. كانت هذه الاستراتيجية فعالة في تحقيق الاستقلال. كذلك الثورة التي أسقطت أقوى حكومة دكتاتورية في السودان باستخدام شعار السلمية تعكس قوة اللاعنف الذي لا يعني الضعف، وأنما يظهر كيف يمكن للشعوب تحقيق التغيير دون اللجوء إلى العنف وكيف يمكن للصوت السلمي أن يكون أقوى من الصوت العدواني في بناء مستقبل أفضل.
إننا بحاجة إلى ثورة في عالم العقول، ثورة تلعب دوراً حاسماً في تغيير وتحسين الواقع. تهدف وتعمل على استخدام أقصى إمكانيات العقل لننتزع المستقبل من قيود الماضي ونفتح أبواب الإبداع والتقدم، ونستمد إلهاماً من الأفكار نحو مستقبل أفضل للجميع ونبتعد عن عصر السامري الذي أصبح جزء لا يتجزأ من حياتنا.. فمن يفتتح روضة لابد أن يضع عليها اثر قبضة الرسول.. روضة اطفال ضحى (الإسلامية) أو مخبز عوض (الإسلامي) وهو يمارس كل ما يخالف نهج القرآن وسلوك الرسول صلى الله عليه وسلم، كما تجد الكمساري والسمسار وغيرهما اكثر من يقولون (صل على النبي) وهم اكثر الناس مخالفة لسلوك النبي. ان أي نبي مرسل كان يمثل ضميرا للامة ويحاول اصلاح ما أفسده الدهر، فطرة الله التي فطر الناس عليها، وعندما يموت يترك ضميرا حيا في كل أنسان، فصلاتك على النبي تعني أن تصلح ضميرك وتتحلى بأخلاق نبيك، فالنبي ليس مجرد رسول يمثل زمانا مضى، بل هو رمز للضمير الإنساني الحي الذي يسعى لإصلاح ما أفسده الزمن. (إن الله وملائكته يصلون على النبي)، كل شروق يوم جديد يرسل الله لنا رسائل تحديث لضمائرنا. مثلنا مثل الهاتف الذكي الذي يرسل لك تحديثات دورية لتحسين أدائه ومتابعة التطورات، والمستجدات، وكذلك هي ضمائرنا ايضا بحاجة للتجديد والتحسين المستمر ولكن هيهات.. الضمير يذكرك بصوت داخلي يمنعك من الشر ويوجهك نحو الخير. لكننا قتلنا ضمائرنا بعدم الصلاة عليه، نضرب الأمثال للناس لعلهم يعقلون.. عندما تركب السيارة ينبهك صوت ربط الحزام، فكثير منا لكي لا يسمع صوت المنبه يربط الحزام وراء ظهره فيكون بذلك قتل الضمير. ان من يريد الصلاة على النبي عليه أن يتسلح بأخلاق النبي ليُحسن سلوكه وأخلاقه ليكون على منهاج النبي الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق. فصلاتنا على النبي أصبحت مجرد كلمات ينطق بها اللسان دون تأثير.. فالأزمة في جوهرها (أزمة ضمير) .
abudafair@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: على النبی
إقرأ أيضاً:
سلاح الجو النوعي الذي أرعب الحركة الإسلامية
لأول مرة يرتعب جنرالات الحركة الإسلامية سافكو دم شعبهم، بعد أن علموا بأن الله قد منّ على المستهدفين بالبراميل المتفجرة الساقطة على رؤوسهم، بسلاح نوعي يحميهم، جعل القلوب الخافقة تهدأ والنفوس الوجلة تستقر، فالرب قد استجاب لتلك المرأة المسكينة، التي رفعت كفيها بالدعاء على من أحرق زرعها وضرعها وبيتها، بأن يحرقه، وهي امرأة وحيدة وضعيفة ومسكينة على أعتاب التسعين، أبرها الله الذي وصفته بأنه (ليس ابن عم أحد)، في تضرع صادق خارج من صميم قلب مكلوم مهيض الجناح لا يلوي على شيء، هذه الحرب أدخلت مجرمي الإسلام السياسي في جحر ضب خرب، وكشفت عن بشاعة النفس التي بين جنبيهم، وأبانت كيف أن النشأة الأولى لم تكن على أساس ديني قويم، وإنّما كانت بناء على انحراف خلقي واخلاقي، وإلّا لما جاءت النتيجة بعد ثلاثين عاماً من تجربة الحكم استهدافاً قاسياً للمسلمين الفقراء الكادحين الذين لا حول لهم ولا قوة، جرمهم الوحيد أنهم يسكنون هذه الأرض، وما يزال القاتل الأكبر يتربص بهم كيف أنهم أنجبوا هؤلاء الرجال الأشداء المقاتلين من أجل الحق؟، الذي استمات الحركيون الإسلاميون في تمييعه، بين نفاق الإعلام الكذوب وإفك فقهاء الجنرال الظلوم الجهول "مدّعي الربوبية"، الذي ذُعِر أيما ذُعر وهو يتحدث عن حصول (الرجال) على السلاح النوعي، المانع لآلته المجرمة والقاتلة من أداء مهمتها الجبانة والقذرة، ألم يتلو آيات الذكر الحكيم القائلة أن الباطل لابد وأن يزهق، كيف بربك يتلوها وهو القاتل الغاصب الفاسق الرعديد؟.
من ظن أن السودانيين سيواصلون صمتهم الخجول الممتد لسبعة عقود، عن المجازر المخطط لها بعناية ودقة فائقة وممنهجة من زمان "حسن بشير نصر" و"أبو كدوك" إلى زمان المختبئين وراء المليشيات الإرهابية، يكون غائب عن الوعي وغير مدرك لحتميات حركة التاريخ، وكما في حياتنا الرعوية مقولة "قصعة الجرّة"، التي تعني اجترار الحيوان لكل ما التهمه من عشب النهار ليلاً، بدأ مجرمو مؤسسة الموت والهلاك والدمار يطرشون ما اختزنوه من خطيئة سفك دماء الأبرياء، فجميع من ترونهم من لواءات وعمداء وعقداء يسقطون من السماء على الأرض، ويرقص حول جثثهم المحترقة الأحرار في حفلات شواء ناقمة، ما هي إلّا عملية استفراغ لما ارتكبوه من جرم بشع وعمل شنيع لا يشبه فعل إبليس. على المستوى الشخصي حينما سمعت خبر مقتل العقيد وليد ابن اخت الجنرال الهارب، أيقنت أن القصاص لن يترك فرداً ولا جماعة ولغت في دم عشيرة الغبراء التي أقسمت على الله فأبرها، هذا "الوليد" هو مهندس مجازر الجنينة كما كان (خاله) وجده "اللواء الدابي"، هل تعلمون أن الملازم وليد في تسعينيات القرن المنصرم ارتكب مجزرة بحق سكان قرية بدارفور، شهودها جنود في "جيش (العشب) الواحد"؟، روى تفاصيل الجريمة النكراء "رقيب معاش" ما زال حياً، وأنا على يقين من أنه قد رفع كفيه للسماء بعد أن علم بالخبر وقال "الحمد لله"، إنّ جند الجيش "الكتشنري" سوف يتذوقون ذات طعم الحنظل الذي أذاقوه للسودانيين ما دامت الأكف مرفوعة بالدعاء.
يقول المثل "المصيبة ليست في ظلم الأشرار ولكن في صمت الأخيار"، وانا أقول "المصيبة ليست في صمت الأخيار ولكن في عدم وجود (أخيار) من الأساس"، لأن الرجل الخيّر لن يصمت عن قول الحق، ولن يتسامح مع المجرمين والمنافقين والمدلسين والمزورين والكذابين والأفّاكين، وطالما أن هنالك بيننا من يعتقد في أن الجنود السودانيين الذين يعملون تحت راية (القوات المسلحة)، والمرسلين لليمن من معسكر "سركاب" أنهم "متمردين"، ويتجاهل كونهم نائمين على أسرة (معسكر الجيش) وهم منزوعي السلاح، داخل بيت ضيافة (القوات المسلحة)، تأكد من حقيقة واحدة لا ثاني لها، هي حتمية انتصار كل من رفع البندقية في وجه هذا (الجيش)، الذي فقد الزخم المصطنع الذي عاشه السودانيون مائة عام، إذ كيف لجيش عمره قرن يورث الناس الحرب والدمار والخراب؟، لماذا لم يؤد دوره الوطني المنوط به؟، لقد أعاد "جيشنا جيش الهنا" الخرطوم للعهد الذي بدأ بدخول "كتشنر" حيث عربة "الكارو" الناقلة لماء الشرب، التي يسحبها حمار لتقوم بمهمة سقيا الناس قبل قرن وربع القرن، إنّه (فرض عين) على الشعب السوداني أن يثور ثورته الأخيرة القاضية، ليقضي على العصابة المنحرفة المتواجدة في بورتسودان، وإلّا ستشهد بورتسودان نفسها ما شهدته "نيالا" و"الفاشر"، على أهل الشرق أن يكونوا كما قال المثل " السعيد يشوف في أخوه"، إنّ شر الإخوان قد أوصل مصر لدرك سحيق خلال حقبة حكم لم تتجاوز السنة الواحدة، أما الشعب السوداني فليس في مقدوره إخراج (الأذى) إلّا بعد أن يستعين بصديق، فإن لم يفعل ولن يفعل، فليبشر بطول أمد المعركة الدائرة الآن بين حق السودانيين في الحياة الكريمة، وباطل الحركة الإسلامية (الإخوان) في استعباد السودانيين.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com