3 مسارات لإنهاء الصراع.. هل تستسلم حركة حماس وتسلم أسلحتها؟
تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT
دخلت الحرب بين حماس وإسرائيل شهرها الثاني وذلك بعد أن شنت حركة حماس هجوماً على اسرائيل في 7 أكتوبر 2023 في عملية أسمتها بــ"طوفان الاقصى" وهو ما ردت عليه اسرائيل بعملية “السيوف الحديدية”، وكانت قد اعلنت الولايات المتحدة أمس الثلاثاء، سلسلة عقوبات جديدة، فرضتها بالتنسيق مع بريطانيا، على مسؤولين في حركة حماس وأفراد مرتبطين بهم، وخصوصا مسؤولا في حركة الجهاد، حيث تشارك حركة الجهاد إلى جانب حماس في المعارك في قطاع غزة، ضد الجيش الإسرائيلي.
وتعتبر هذه ثالث حزمة من العقوبات الأميركية على حماس منذ بدء الحرب مع إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، وأورد بيان لوزارة الخزانة الأميركية، أن هذه العقوبات تستهدف "المسؤولين الرئيسيين في حماس والآليات التي تعتمدها إيران لدعم حركتي حماس والجهاد".
مصير حركة حماسقال الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية، ورئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، إن "حماس" تسعى في الوقت الراهن إلى البقاء في صدارة المشهد على اعتبار أن ما تحقق في السابع من أكتوبر الماضي كان مرحلة مختلفة تماماً عما قبلها من تغيير قواعد الاشتباك مع إسرائيل وبناء نظرية ردع في مقابل ما تطرحه تل أبيب، لكن بعد أسابيع عدة من المواجهة الأولى اكتشفت "حماس" أن التقييمات السياسية والاستراتيجية تحتاج إلى مراجعة في ظل ما يجري من تحديات حقيقية أدت إلى تدمير مواقعها ومخزون سلاحها إضافة إلى تدمير البنية الأساس، وإن ظلت الحركة تناور وتؤكد تدمير 10 في المئة فقط من بنيتها الأساس، وإن لوحظ أن مستوى استهداف الحركة قد جرى في سياق محدد حيث خف تماماً إطلاق الصواريخ من القطاع إلى المدن الإسرائيلية.
وأضاف خلال مقال له نشر عبر “إندبندنت عربية" ستظل "حماس" ممسكة بأوراق ضاغطة وعلى رأسها ورقة الرهائن والأسرى مما سيطيل التعامل معها كطرف رئيس في المشهد الفلسطيني من خلال قدرة الحركة، من واقع الخبرات المتراكمة، على المرونة والتلون وفق حساباتها وقدراتها، مما جعلها تصدر وثيقة لتعديل مسارها التاريخي والأيديولوجي مع استقوائها، وبخاصة المكتب السياسي في الجانب المصري في ظل التباين اللافت في المواقف بين الجناح العسكري والمكتب السياسي في الداخل والخارج (الموقف من إيران والموقف من حزب الله)، إضافة إلى الجانب القطري، وستقوم "حماس" بتقييم لمساحات التعامل المحتملة مرحلياً مع إسرائيل وحاجتها الماسة إلى طرف موثوق فيه لتمرير الرسائل والمواقف والاتجاهات، وهو ما ينطبق على الجانب المصري، وتتخوف "حماس" من تقليص مساحة القطاع وسيطرة إسرائيل على مساحة محددة منه، مما سيتطلب الاستمرار في المواجهة حتى لو جرى وقف إطلاق النار أو القبول بخيارات سلمية والاعتراف بحدود الخامس من يونيو (حزيران) 1967 مما يقرب رؤيتها من مقاربة حركة "فتح".
واستكمل: وفي ظل هده الأجواء تتحرك "حماس" في ثلاث مسارات، الأول الاستمرار في المقاومة ومحاولة نقل رسالة إلى الجمهور الفلسطيني سعياً إلى تغيير قواعد الاشتباك بصورة كبيرة على رغم الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها الحركة، ومن ثم فإن خط الاستمرار سيكون مكلفاً وبخاصة أن المستوى العسكري يريد أن ينقل رسالة مباشرة بأن الحركة متماسكة وليس لديها أية إشكالات في الاستمرار مع إطالة أمد المواجهة، وهو أمر قد يذهب بالحركة في ظل استمرار توجيه الضربات المباشرة وتعرضها لخسائر كبيرة.
وتابع: وعلى رغم ذلك فإن كلفة الاستمرار في المشهد الراهن يعني انتحار الحركة سياسياً وعسكرياً، بخاصة وأن هذا المسار سيعني أن الحركة قد تواجه الخيار الصفري في المواجهة الراهنة، بل وإمكان إنهاء حكمها فعلياً والتحول إلى جيوب في كل الأحوال داخل القطاع إذا كان التصميم على الذهاب إلى مواجهة مفتوحة.
واردف : أما المسار الثاني فهو الدخول مباشرة والنفاذ إلى خط المواجهة من خلال اتباع استراتيجية حقيقية للتعامل، ومنها الذهاب إلى التفاوض المرحلي مع الإعلان عن القبول بكل الأطروحات في دائرة من السرية من خلال الوسطاء مثل مصر وقطر، مما يعني الاستمرار في التفاوض مع الإمساك مجدداً بورقة الأسرى العسكريين مع عدم الممانعة في تسليم الرهائن المدنيين شرط الاستمرار في الحكم أو في الأقل وفي أسوأ الخيارات الذهاب إلى شراكة مع السلطة أو التحول إلى حزب سياسي، مما يعني أن الحركة ستعمد إلى تنفيذ مخطط مرحلي من التفاوض إلى المقاومة المتقطعة مع إطالة أمد المواجهة لإيقاع خسائر أخرى اقتصادياً لإسرائيل، والعزف هنا على دور الجمهور الإسرائيلي واستمرار التظاهرات في بعض العواصم الأوروبية مع التأكيد على الخيار الأخير، وهو التحول إلى السياسة والإعلان تدريجياً قبولها بالخيارات العامة، ومن ذلك إقدام المكتب السياسي للحركة على تنازله رسمياً عن فكرة فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر والقبول بمبدأ الخامس من يونيو على حدود 1967، وهنا تكون اقتربت من أفكار ومبادئ حركة "فتح" لتكون شريكاً في الحكم في أي توقيت، مع الالتزام بمبدأ محدد ووفق أسس منظمة التحرير الفلسطينية من دون تحديد أنصبة مقترحة على عكس ما كان مطروحاً، خصوصاً أن "حماس" ستحتاج إلى مراجعة في إطار ترميم النظام السياسي الفلسطيني بأكمله، مما يضعها في مرحلة جديدة من دون خسائر كاملة أو تنازلات مؤلمة أو حتى الاعتراف بإسرائيل أو نبذ العنف والتحول إلى السياسة، وهنا قد ستكون تجربة "حزب الله" ماثلة في الأذهان وقابلة للتكرار في الداخل الفلسطيني، لكن الإشكال سيكون مرتبطاً بما يمكن أن يطرح في المقابل، بخاصة مع عدم تحقيق المصالحة الفلسطينية حتى الآن واستمرار الانقسام السياسي بين حركتي "فتح" و"حماس".
وأكد: أما المسار الثالث فسيكون الذهاب إلى المواجهة الأخيرة الصفرية مع اعتماد استراتيجية عدم الممانعة في التفاوض حول أسرى الحرب الراهنة، مع الاتجاه قدماً إلى تحقيق مكاسب سياسية أو معنوية لرفع أسهم الحركة في الساحة الفلسطينية، ومحاولة تحويل الخسائر إلى مكاسب ولو شكلياً، مما يؤدي إلى إعادة تعويم دور الحركة في محيطها الفلسطيني والعربي ويعطي دلالات معينة مرتبطة بالذهاب إلى المواقف والاتجاهات السياسية الراهنة، بخاصة أن التحول يحتاج إلى مراجعات حقيقية وإقدام على استراتيجية مخالفة لما هو قادم مع التوقع بوجود خسائر حقيقية إن استمرت في اتباع هذا المسار واحتمال إقدام الأطراف الوسيطة على العمل في اتجاهات منضبطة ترفض سياستها وتذهب إلى استراتيجية بديلة تضع الأولويات الفلسطينية والعربية على أي اعتبار آخر في التوقيت الراهن، حتى مع احتمال القبول بدور للحركة ولو على الهامش مع التسليم بأن الحركة نجحت في تغيير شكلي للمقاومة وفقاً لمنظورها.
وأشار: القبول بنزع سلاح المقاومة سواء بقرار من الحركة أو من خلال السلطة الفلسطينية لن يكون سهلاً وسيحتاج إلى مراجعات من مستويات مختلفة في إطار معادلة ردع مقابلة يمكن أن تؤدي إلى مزيد من المواجهات المحتملة من قبل كل الأطراف في ظل رفض المستوى العسكري للحركة هذا المسار لأنه سيؤدي إلى ذهاب "حماس" في غزة حال تصميم إسرائيل على الوجود لبعض الوقت داخل القطاع والعمل من الداخل مع سلطة فلسطينية، ومراقبة دولية وبخاصة من الـ "ناتو"، مما يؤكد أن الحركة يمكن أن تواجه خيارات صعبة حقيقية وغير نمطية، وسيظل الدور الإسرائيلي في مرحلة ما بعد الحرب ماضياً في مسار تشكيل حكومة عسكرية إسرائيلية موقتة تشرف على قطاع غزة بالكامل، من خلال ضمان توفير الأمن والدعم الدولي لإعادة تأهيل غزة إلى أن يحظى حل إقليمي بدعم دولي شامل مع السعي نحو دمج القوى العسكرية المحلية والإقليمية، بما في ذلك القوات الإسرائيلية والفلسطينية والمصرية والإقليمية في قوة واحدة تحكم القطاع، على أن يلعب جيش الدفاع الإسرائيلي دوراً رئيساً في هذه القوة متعددة الجنسيات.
هل ستستسلم حماس؟في هذا الصدد قال الدكتور خالد شنيكات رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، إن الحرب لازالت مستمرة في قطاع غزة بين فصائل المقاومة الفلسطينية من جهة والجيش الاسرائيلي من جهة اخرى، و حتى اليوم من الصعب التكهن بنهاية الحرب، لكن واضح الذي ينهي الحرب هو امرين، الامر الاول هو تكلف اسرائيل خسائر كبيرة خاصة انها لا زالت في الشمال ولم تسيطر عليه بعد، و اذا دفعت اسرائيل تكاليف كبيرة قد تعيد النظر بسياسة الحرب بخيار الحرب وتبحث بحلول سياسية، ولكن الخيار صراحة ليس سهلا، أما عن الخيار الثاني وهو احتلالها لقطاع غزة والقضاء على حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، و لا يوجد حلول سياسية حتى هذه اللحظة موجودة على الطاولة لدفع بتسوية سياسية، حيث إن الاسرائيليين ذاهبين للحرب حتى النهاية وحماس ستقاوم حتى النهاية وهم جماعة يؤمنون بالاستشهاد والقتال حتى اخر لحظة.
وأضاف الدكتور خالد شنيكات خلال تصريحات لــ"صدى البلد" لا زال الفلسطينيون ملتفين حول حركة حماس، و لا يوجد مظاهرات في غزة ضد حماس او فصائل المقاومة ، أما عن مصير غزة عقب انتهاء هذه الحرب مرتبط بكيفية سير الامور على ارض المعركة، فهل سنشهد تراجعاً للجيش الاسرائيلي مما يعني ضمن انتصار فصائل المقاومة الفلسطينية، أما انتصار للجيش الاسرائيلي و اعادة السيطرة على النواحي الامنية لاسرائيل في قطاع غزة بشكل كلي وتنصيب سلطة هامشية ضعيفة، وربما يتم استدعاء السلطة الوطنية الفلسطينية مرة اخرى الى قطاع غزة لادارته، ولكن تبقى السيطرة الامنية لكافة اركان القطاع بيد الجيش الاسرائيلي.
واستكمل: الحرب ستنتهي باستسلام احد الطرفين، و حتى هذه اللحظة فإن حماس بحكم التركيب الايديولوجي والعقائدي لها ستقاتل حتى الاخر هي وكافة الفصائل الفلسطينية، و بالنسبة لاسرائيل فسوف تقاتل حتى تقف عند حد معين من الخسائر، فان لم تستطع تحمل هذه الخسائر ستعود للحديث عن وسائل سياسية.
بيان عاجل من حماس بعد قرار دولة بليز تعليق علاقتها الدبلوماسية مع إسرائيل الرئيس الفلسطيني: ما يجري في غزة وصمة عار على جبين داعمي الإحتلالالمصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: حماس إسرائيل تل أبيب ايران حزب الله الاستمرار فی مع إسرائیل الذهاب إلى أن الحرکة حرکة حماس قطاع غزة من خلال
إقرأ أيضاً:
هل سويسرا محايدة حقا تجاه القضية الفلسطينية؟
في أعقاب الحروب النابليونية التي عصفت بأوروبا، اجتمع القادة الأوروبيون في مؤتمر كبير في فيينا عام 1815، وتقرر جعل سويسرا منطقة محايدة عازلة بين النمسا وفرنسا، ومن حينها عرفت البلد بحيادها تجاه القضايا الخارجية.
وحافظت سويسرا إلى حد كبير على سياسة الحياد خلال الكثير من الأحداث العالمية المعاصرة وخصوصا الحربين العالميتين بل دفعها حيادها إلى عدم الانخراط في التكتلات الأوروبية، فهي ليست حتى الساعة عضوا في الاتحاد الأوروبي ولا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ولم تنضم للأمم المتحدة إلا في عام 2002.
لكن حياد سويسرا يتعرض دائما لاختبار حقيقي عندما يتعلق الأمر بإسرائيل والقضية الفلسطينية، بل إن هذا الحياد يكاد يصبح من الماضي إزاء الحرب العدوانية التي يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة.
فقد ارتبط اسم البلد مبكرا بالصراع في الشرق الأوسط، حيث احتضنت المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بازل في أغسطس/آب 1897 والذي مثل النواة الأولى لعمليات تهجير اليهود إلى فلسطين تمهيدا لإقامة الكيان الإسرائيلي.
وبعد أسبوع من انعقاد ذلك المؤتمر، كتب صاحب مبادرة إنشاء المنظمة الصهيونية العالمية ورئيس المؤتمر ثيودور هرتزل "في بازل أسّستُ الدولة اليهودية".
لكن سويسرا، بحسب دراسة للباحثين إيف شتاينر وساشا زالا بعنوان "سويسرا والصراع العربي الإسرائيلي"، ظلت تعلن على مدى تاريخ هذا الصراع تمسكها بسياسة متوازنة تجمع بين الحياد والالتزام الإنساني ودعم قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط. فهل كانت حقا محايدة تجاه القضية الفلسطينية؟
محطات تاريخية في علاقة سويسرا بالقضية الفلسطينية: في عام 1927 أنشأت سويسرا قنصلية لها في يافا التي كانت آنذاك مدينة فلسطينية ذات أغلبية عربية. بعد الحرب العالمية الثانية، ازدهرت العلاقات الاقتصادية والقنصلية بين سويسرا وفلسطين تحت الانتداب البريطاني مع إنشاء غرفة التجارة السويسرية الفلسطينية. بعد قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين وإعلان قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948 أرجأت الحكومة الفدرالية السويسرية اعترافها بالكيان الجديد، تجنّبا -حسب الدراسة المذكورة أعلاه- لتصنيفها منحازة إلى أحد طرفي الصراع. بعد توقيع اتفاقيات الهدنة التي أوقفت حرب 48 بين العرب والإسرائيليين، منحت سويسرا كلا من إسرائيل والأردن اعترافها الرسمي في يناير/كانون الثاني 1949. في عام 1956، تولت سويسرا نقل قوات حفظ السلام بواسطة الخطوط الجوية السويسرية إلى مصر وتحديدا منطقة قناة السويس وشبه جزيرة سيناء وقطاع غزة. في عام 1964، وقعت سويسرا وإسرائيل اتفاقية إلغاء التأشيرة وهذا مكّن من زيارة العديد من الشخصيات الإسرائيلية إلى سويسرا، وتطوير العلاقات التجارية بين الطرفين. بعد حرب 1967 دعمت سويسرا بعثة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة "إينيتسو"، فوفرت طائرات وساهمت في الإشراف على تبادل أسرى الحرب. بعد حرب 1973 تعرض حياد سويسرا لاختبار جديد حيث أبدت تعاطفها مع إسرائيل، وأوقفت دعمها المالي لليونسكو في أعقاب قرارات لتلك المنظمة الدولية أزعجت إسرائيل، لكن صحيفة تايم لاين السويسرية أرجعت ذلك الموقف إلى تأثر سويسرا حينها بهجمات نفذها مسلحون فلسطينيون على الأراضي السويسرية ضد أهداف إسرائيلية. ياسر عرفات أثناء مبادرة جنيف في سويسرا 2012 (الفرنسية) في نفس الفترة تحدثت مصادر صحيفة عن اتفاق سري بين سويسرا ومنظمة التحرير الفلسطينية وقعه بيير غرابر وفاروق القدومي يقضي بتقديم سويسرا الدعم الدبلوماسي للمنظمة مقابل ضمانات بعدم شنّ هجمات فلسطينية ضد المصالح الإسرائيلية على الأراضي السويسرية. في عام 1975، كان افتتاح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في جنيف. في عام 1979 دعمت سويسرا قرارات الأمم المتحدة التي تعتبر أن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية ليست لها أي شرعية قانونية. تزامنا مع مفاوضات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، كونت سويسرا مجموعة من الدبلوماسيين مختصة في الصراع في الشرق الأوسط. في أكتوبر/تشرين الثاني 2003 أطلقت سويسرا "مبادرة جنيف" التي أشرف عليها الدبلوماسي السويسري ألكسيس كيلر وتضمنت مقترح اتفاق سلام يتناول قضايا الصراع الرئيسة (القدس، واللاجئون الفلسطينيون، وترسيم الحدود)، وتم التوقيع عليه من قبل شخصيات أكاديمية إسرائيلية وفلسطينية لكنها لا تمثل الجهات الرسمية، ورغم الدعم الدولي، ظلت تلك المبادرة تراوح مكانها من دون أن تحقق خرقا في مواقف الأطراف. بعد فوز حماس بالانتخابات البرلمانية الفلسطينية في 2006، ظلت سويسرا على تواصل معها، حتى إن وفدا من حماس زار سويسرا عام 2012 لحضور جلسة للاتحاد البرلماني الدولي، ومقرّه جنيف، كما حضر الوفد مؤتمرا جامعيا حول غزة بعنوان "غزّة.. حتى لا ننسى". خلال الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة من 2008 إلى 2021، كان موقف سويسرا هو تقديم المساعدات الإنسانية والدعوة إلى وقف إطلاق النار، وامتنعت سويسرا تاريخيا عن تصنيف حماس منظمةً إرهابية. مشير المصري ترأس وفد حركة حماس الذي زار سويسرا 2012 لحضور جلسة للاتحاد البرلماني الدولي (الأناضول – أرشيف) 7 أكتوبر والتخلي عن الحياديعتبر الباحث فيليب بوجلين -في مقال في صحيفة "لي تامب" السويسرية- أن سويسرا تخلت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الثاني 2023 عن حيادها وتقاليدها الإنسانية، إذ أعلنت نيتها حظر حماس وحجبت التمويل عن وكالة اللاجئين الفلسطينية (الأونروا).
ويرى الباحث أنه إن كان حصل شبه إجماع من الأطراف السياسية على إدانة هجوم حماس على إسرائيل والذي أسفر عن مقتل حوالي 1200 إسرائيلي من بينهم اثنان يحملان الجنسية السويسرية، إلا أن هذا الإجماع النسبي تحطم بسرعة بسبب الرد الإسرائيلي الوحشي في غزة، والذي أسفر عن استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين معظمهم من الأطفال والنساء.
وفي صحيفة سلات الفرنسية يتساءل الباحث ليو بيير هل ما زالت سويسرا محايدة حقا على الساحة الدولية؟ إذ يعتبر أن البلد تمكنت بحيادها من لعب دور رائد في العديد من قضايا العالم، مثل دورها في توقيع اتفاقيات إيفيان بين فرنسا والجزائر عام 1962، وفي عملية إطلاق سراح الرهائن الذين احتجزتهم القوات الثورية الكولومبية (فارك)، وفي الوساطة بين تركيا وأرمينيا، إلا أن حياد سويسرا فضحه الصراع الروسي الأوكراني وفضحه بشكل أكبر الصراع في الشرق الأوسط.
ففي الحرب الإسرائيلية على غزة، لم تستطع سويسرا الخروج عن المواقف الغربية المشتركة مثل تعليق المساعدات للأونروا، وعدم الاعتراف بفلسطين؛ فعندما أتيحت فرصة التصويت لصالح انضمام فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة في العاشر من مايو/أيار 2024، فضلت سويسرا الامتناع عن التصويت.
وفي وقت تتزايد فيه الدعوات لوقف تزويد إسرائيل بالأسلحة يستمر التعاون العسكري بين سويسرا وإسرائيل وتتبادلان بيع المعدات العسكرية بعضهما البعض، حسب الباحث لييو بيير.
وفي ذات السياق، يرى أستاذ القانون الدولي الإنساني السويسري إيف ساندوز في مقال له أنه يجب على سويسرا إعادة التوازن إلى موقفها تجاه الصراع في الشرق الأوسط وأن تتصرف بموضوعية ونزاهة في الدفاع عن حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وأن تعمل على وقف الأعمال العدائية الجارية في غزة التي تسببت في معاناة لا توصف للسكان وانتهاك صارخ للقانون الدولي.
وأضاف ساندوز، أنه لا مراء في أن الهجوم الإسرائيلي على غزة يأتي في أعقاب هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الذي وصفه بـ"المدان"، لكن أستاذ القانون الدولي الإنساني يرى أنه من الخطأ النظر إلى العدوان الإسرائيلي من زاوية الدفاع عن النفس، بل يجب اعتباره حلقة دموية من صراع لم يتوقف قط، وإنما ينفجر بوحشية على فترات منتظمة مثل بركان خامد.
ويخلص ساندوز أنه حتى لو نظرنا من زاوية الدفاع عن النفس، فإن الهجوم الإسرائيلي الحالي على غزة يتجاوز كل الحدود التي وضعها القانون الدولي.
قانون حظر حماسفي سبتمبر/أيلول 2024، أقرت الحكومة السويسرية مشروع قانون يقضي بحظر حركة حماس ويعتبرها منظمة إرهابية، كما يحظر القانون كل المنظمات والجماعات التي تعمل نيابة عن حماس أو باسمها.
ويأتي إقرار القانون استجابة لعريضة وقعها برلمانيون ورؤساء أحزاب ومنظمات سويسرية موالية لإسرائيل تطالب بتصنيف حماس منظمة إرهابية، وتعتبر أن احتفاظ سويسرا باتصالات مع منظمة تهدف إلى تدمير "دولة ذات سيادة" أمر مزعج إلى أقصى حد ويضر بالسياسة الخارجية لسويسرا.
ورأت هذه الشخصيات السويسرية أن إلقاء نظرة على ميثاق حماس يكفي للتأكيد على أن أهدافها تتطابق من حيث المبدأ مع أهداف تنظيم الدولة الإسلامية "الله مرتكزها، والنبي قدوتها، والقرآن دستورها، والجهاد سبيلها والموت في سبيل الله أغلى أمانيها".
وتضيف هذه الشخصيات أن حماس صنفها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى -بما فيها حتى دول عربية وإسلامية- على أنها "جماعة إرهابية، فكيف لا تفعلها سويسرا؟".
ووفقا للقانون الجديد الذي نشرت الصحف السويسرية بعض فقراته، فإن حركة حماس هي منظمة فلسطينية إسلامية تتألف من جناح سياسي وجناح مسلح تأسست بعد اندلاع الانتفاضة عام 1987 على يد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وحصلت حماس على أغلبية أصوات الفلسطينيين في الانتخابات التي أجريت في مناطق الحكم الذاتي عام 2006.
وفسر القانون ذلك النجاح بتنامي "التطرف" نتيجة استمرار الصراع في الشرق الأوسط لعقود من الزمن من دون حل، إضافة إلى ما وصفه بالالتزام الاجتماعي الذي ميز حماس في مقابل الفساد المستشري في حركة فتح.
وزعم القانون الجديد أن الميثاق التأسيسي لحركة حماس يدعو إلى قتل اليهود وتدمير دولة إسرائيل، كما ترفض حماس اتفاقات أوسلو وتعتبرها خيانة.
وإن كان القانون أشار إلى أن حماس عدلت ميثاقها عام 2017 بأن خففت موقفها تجاه إسرائيل، وتحدثت عن قبولها فكرة إقامة الدولة الفلسطينية في حدود 1967، إلا أنه أوضح أن حماس ما تزال ترفض الاعتراف بإسرائيل وما زال قادتها يدعون إلى تدمير دولة إسرائيل.
والغريب أن القانون الذي يحظر حماس يؤكد أنه لا يحتمل في الوقت الحالي القيام بأي عمل إرهابي مخطط له من قبل حماس في سويسرا، وأنه ليس لدى جهاز المخابرات الفدرالية السويسرية أي معلومات تشير إلى أن حماس تمتلك الوسائل العملياتية لتنفيذ هجمات في سويسرا ولا في أوروبا كلها.
لكنه يضيف أن الوضع قد يتطور اعتمادا على الصراع، كما أن نقل أحداث الحرب الجارية عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في سويسرا، قد يؤدي إلى ما وصفه القانون بزيادة الأعمال المعادية للسامية في البلاد.
وكانت وزيرة العدل السويسرية إليزابيت شنايدر أوضحت في تصريح سابق أن إقرار قانون حظر أنشطة حركة حماس من شأنه أن يسهّل طرد من وصفتهم بالأشخاص "الخطرين" ويسرع الإجراءات الجنائية ضد "الإرهابيين المحتملين".
كاسيس أثار غضب الفلسطينيين عام 2018 بإعلانه أن وكالة الأونروا تشكل عقبة أمام السلام في الشرق الأوسط (غيتي)وأضافت شنايدر أن الحكومة السويسرية تدرك أن حظر حركة ما يشكل اعتداء كبيرا على الحقوق الأساسية ويمكن أن يؤثر على مجال المناورة المتاح لسويسرا في السياسة الخارجية، غير أن الحكومة تعتبر مصالح الأمن الداخلي وضرورة مكافحة "تمويل الإرهاب" تعلو فوق الاعتبارات الأخرى.
اعتبر باحثون سويسريون أن حظر حماس خطأ كبير فهي لا تخضع لعقوبات من مجلس الأمن الدولي يمكن لسويسرا أن تستند إليها كما هو الحال مع تنظيمي القاعدة و"داعش".
ونقلت صحيفة "لا ليبرتي" السويسرية عن البروفيسور في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنموية في جنيف والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط ريكاردو بوكو أن سويسرا ترتكب "خطأ كبيرا وفادحا" بتصنيفها حركة حماس كمنظمة إرهابية، مضيفا أن مثل هذا الحظر سيقطع الحوار مع الفلسطينيين.
واعتبر بوكو أنه لا يفهم سبب رغبة سويسرا في اتخاذ موقف لصالح إسرائيل بعد أن كانت سويسرا الدولة المحايدة التي تعمل من أجل السلام في أحلك الظروف، مثلها في ذلك مثل النرويج التي ما تزال ترفض تصنيف حماس على قائمة الإرهاب.
ونقلت الصحيفة عن محللين سويسريين آخرين انتقادهم لسياسات وزير الخارجية الحالي إينياتسيو كاسيس، الذي يعتبرونه جزءا من مجموعة مؤثرة مؤيدة لإسرائيل، ويذكرون أنه كان قد أثار غضب الفلسطينيين عام 2018 بإعلانه أن وكالة الأونروا تشكل عقبة أمام السلام في الشرق الأوسط.
أخيرا يتفق أغلب الباحثين أن المواقف الجديدة لسويسرا المنحازة لإسرائيل مدفوعة بالتأثير المتنامي للاتجاه اليميني في البلاد، وأن هذه المواقف ستؤدي إلى تآكل القوة الناعمة لسويسرا في المنطقة والعالم ككل، تلك القوة التي كانت تعتمد على سياسة الحياد وتمكنت من خلالها من لعب أدوار مختلفة على الساحة الدولية.