المدعي العام بالجنائية الدولية: لنضع حدا لوباء الوحشية
تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT
نشهد حاليا لحظة من المعاناة العميقة على نطاق عالمي، في دارفور وأوكرانيا وأفغانستان حيث تنتهك حقوق النساء والفتيات، وفي ميانمار حيث يحيط الصمت المطبق بمحنة اللاجئين الروهينغيا، واليوم في إسرائيل ودولة فلسطين تنتهك حقوق الإنسان، في مأساة لا نهاية لها، حيث ينتشر وباء من الوحشية، يثبت أن حالات الطوارئ المتعلقة بحقوق الإنسان مترابطة، والقاسم المشترك بينها هو أنها ناتجة عن عدم قدرتنا على منح أدنى قيمة لحياة إخواننا من بني البشر.
إلى جانب هذه المقدمة، قالت صحيفة لوموند، إن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، أوضح أن على جميع أطراف النزاع في غزة والضفة الغربية الالتزام بالقانون الإنساني الدولي، مشيرا إلى أن فلسطين انضمت إلى المعاهدة التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية المعروفة باسم نظام روما الأساسي في 2015، ومن ثم لا يمكننا أن نبقى غير مبالين، ولا بد أن نتذكر أن هؤلاء الأشخاص الذين ينتشلون من تحت الأنقاض، وأولئك الذين ينتظرون أخبارا عن أقاربهم، كلهم إخواننا في الإنسانية.
وفي مثل هذه الأوقات –يقول كريم خان الذي انتخب مدعيا عاما للمحكمة الجنائية الدولية في 2021- نحتاج إلى القانون أكثر من أي وقت مضى، خاصة القانون الذي يوفر حماية ملموسة، وقد "كنت عند معبر رفح يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لأنقل رسالة تقول، إن القانون الإنساني الدولي أنشئ للاستجابة للأوضاع التي نواجهها اليوم، وفي خضم العنف والغضب، تنطبق قواعد الإنسانية التي لا يمكن انتهاكها، وحتى الحروب لها قواعد، وتقع على عاتق المحكمة الجنائية الدولية مسؤولية ضمان الامتثال لهذه القواعد".
سلطة قضائية
وأدان المدعي العام أحداث يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الفائت، قائلا، إنه أصيب بالرعب لما سمع عن العديد من المدنيين الإسرائيليين الذين دمرت حياتهم، مؤكدا أن احتجاز الرهائن انتهاك خطير لاتفاقيات جنيف ويعده نظام روما الأساسي جريمة حرب، يجب التحقيق فيها، ولا يمكن أن تمر دون عقاب.
وأضاف خان أنه يفترض أن يلتقي بأولئك الذين يعانون معاناة هائلة وأن يستمع إلى شهاداتهم مباشرة، وأن يعِدهم ويعطيهم الضمانات بأن لهم الحق في العدالة، خاصة أن هناك فلسطينيين لا يريدون المشاركة في هذا الصراع، ولكنهم يجدون أنفسهم محاصرين وسط الأعمال العدائية، وقد أُبلغ عن كثير من الوفيات والإصابات.
وأضاف أنه من غير المقبول رؤية جثث الأطفال الصغار وهي تُسحب وسط الغبار ويُنقلون بسرعة إلى المرافق الطبية التي قد لا تتوفر لديها وسائل علاجهم، ومن غير المقبول أن يبقى هؤلاء المدنيون محاصرين في حرب لا يستطيعون الفرار منها.
وذكر المدعي العام بأن مكتبه يتمتع بالسلطة القضائية على جميع الجرائم المرتكبة داخل أراضي دولة فلسطين من قبل أي من الطرفين، بما في ذلك الأحداث الجارية حاليا في غزة والضفة الغربية، وأن إسرائيل تتحمل التزامات أخلاقية والتزامات قانونية كذلك، ناشئة عن قانون الصراع المسلح، عُرّفت بوضوح في نظام روما الأساسي واتفاقيات جنيف.
وفيما يتعلق بإطلاق الصواريخ، أود أن أوضح 3 نقاط –كما يقول المدعي العام- أولا: أن كل منزل سكني وكل مدرسة وكل مستشفى وكل كنيسة وكل مسجد، تعد أماكن محمية، إلا إذا فقدت صفة الممتلكات المحمية بسبب استخدامها لأغراض عسكرية، وثانيا: إذا كان هناك شك في فقد المكان حالته المحمية، يجب على المهاجم أن يفترض أنه يظل محميا، وثالثا: يقع عبء إثبات أن وضع الملكية المحمية لم يعد قابلا للتطبيق على عاتق مرتكبي إطلاق النار.
منع وصول المساعدات جريمة حرب
وحول الحصول على المساعدات الإنسانية، فإن الوضع حرج والقانون واضح، وقد أبلغت الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر عن الوضع الإنساني السيئ في غزة.
ويقول خان، إنه أكد مرارا وتكرارا، أن من الضروري تزويد المدنيين بإمكانية الوصول إلى الغذاء والماء، وتنظيم الإمدادات الصحية التي هم في أمسّ الحاجة إليها، و"مع ذلك نسمع عن عمليات جراحية تتم دون أدوية أساسية، وكأننا في العصور الوسطى"، حسب قوله.
وفي معبر رفح، -يضيف خان- رأيت شاحنات مليئة بالبضائع والمساعدات الإنسانية عالقة وكأن لا أحد يحتاج إليها، ويجب أن يكون من الممكن إيصال هذه المساعدات دون تأخير إلى المدنيين في غزة، لأن عرقلة إيصال الإغاثة، بموجب أحكام اتفاقيات جنيف، قد تشكل جريمة حرب.
وأكد المدعي العام أنه لا شيء يسوغ الهجمات على العاملين في المجال الإنساني، كما أبدى قلقه البالغ من الزيادة الكبيرة في الهجمات التي ينفذها المستوطنون الإسرائيليون بحق المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية، معربا عن شعوره بالحزن والغضب وهو يشاهد القصص والصور المروعة القادمة من إسرائيل وفلسطين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الجنائیة الدولیة المدعی العام فی غزة
إقرأ أيضاً:
كيف عرّى قرار الجنائية الدولية بايدن أخلاقيا؟
واشنطن – قبل 4 سنوات، تعهد الرئيس الجديد آنذاك، جو بايدن، بالابتعاد عن السياسيات الخاطئة التي اتبعها الرئيس دونالد ترامب خلال فترة حكمه الأولى، خاصة فيما يتعلق باحترام قواعد واتفاقيات وتقاليد النظام الدولي الذي أسست له الولايات المتحدة نفسها عقب انتهاء الحرب العالية الثانية عام 1945.
وبالفعل، وفي اليوم الأول من رئاسته في 20 يناير/كانون الثاني 2021، أعاد بايدن بلاده إلى اتفاقية باريس للمناخ التي انسحب منها سلفه، ورفع العقوبات التي فرضها ترامب على المحكمة الجنائية الدولية، وعلى رئيسة المحكمة السابقة فاتو بنسودا.
ومع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تغير موقف إدارة بايدن بصوة كاملة بعد دعمها إسرائيل التي انتهك جيشها القوانيين الأميركية والدولية في القطاع، في وقت لا يتوقف بايدن وكبار مساعديه عن الادعاء باحترام واشنطن قواعد القانون الدولي.
صفعة "الجنائية الدولية"
وضع إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت -على خلفية وجود "أسباب منطقية" للاعتقاد بأنهما ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة- إدارة بايدن في موقف أخلاقي صعب.
ومنذ صدور مذكرة الاعتقال كرر البيت الأبيض رفضه لقرار المحكمة، وقال "ترفض الولايات المتحدة بشكل أساسي قرار المحكمة بإصدار أوامر اعتقال بحق كبار المسؤولين الإسرائيليين. ما زلنا نشعر بقلق عميق إزاء اندفاع المدعي العام طلب أوامر الاعتقال".
ولا تعتد إدارة بايدن بما تؤكده تقارير منظمات دولية وحقوقية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، أن إسرائيل لم تترك أي ملاذ آمن لأكثر من 1.8 مليون فلسطيني نزحوا في مختلف مناطق قطاع غزة خلال الأشهر الـ14 الأخيرة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع.
وكرر بايدن أن "المحكمة الجنائية الدولية شيء لا نعترف به"، ويمثل هذا التصريح موقفا منفصلا بشكل كامل عن موقفه السابق الذي أيّد فيه كل ما قامت به المحكمة في سعيها لفرض عقوبات ومحاكمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد شنّه الحرب على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
وعلى النقيض وصف بايدن قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت بالأمر الشائن.
في الوقت ذاته، يخطط السيناتوران الجمهوريان ليندسي غراهام وتوم كوتون للضغط على السيناتور تشك شومر، زعيم الأغلبية الديمقراطية، لإجراء تصويت على مشروع قانون أقره قبل شهور مجلس النواب لفرض عقوبات على المحكمة.
ويقول الجمهوريون إنهم سيضغطون لفرض عقوبات على الجماعات والدول التي تساعد وتحرض أولئك الذين يضرون بأمن الولايات المتحدة مثل الجنائية الدولية.
وعبر البروفيسور كريغ مارتن، من كلية واشبورن للقانون بجامعة ولاية كانساس، عن رفضه التهديدات الأميركية، وطالب إدارة بايدن بعدم اتخاذ أي إجراء لتقويض سلطة المحكمة الجنائية الدولية وشرعيتها.
وأوضح مارتن للجزيرة نت أن المحكمة "مؤسسة رئيسية في النظام القانوني الدولي، وهو نظام لعبت الولايات المتحدة دورا مركزيا في بنائه. وبقدر ما تريد الولايات المتحدة الترويج لسيادة هذا النظام والاعتماد عليه لتقييد تصرفات دول مثل روسيا والصين، يجب أن تفكر مليا في حكمة مهاجمة المؤسسات الأساسية التي تجعل ذلك ممكنا".
التضحية بمكانة أميركا
وفي شرحه للموقف الأميركي إزاء قرارات المحكمة الدولية، يعتقد تاريتا بارسي، نائب رئيس معهد كوينسي بالعاصمة واشنطن، أن قرار المحكمة الجنائية الدولية "يُظهر مرة أخرى عدم اتساق سياسة إدارة جو بايدن مع القانون الأميركي والقوانين الدولية. لقد ضحى بايدن بمكانة أميركا الدولية لتسليح وحماية القادة الذين أصدرت المحاكم الدولية مذكرات توقيف في حقهم بسبب ارتكاب جرائم حرب".
من جانبها، ذكرت هايدي ماثيوز أستاذة القانون الدولي بكلية الحقوق في جامعة يورك في كندا، التي سبق لها العمل مع محكمة العدل الدولية بالمحاكمة الخاصة بسيراليون، أن إدارة بايدن تنسق مع إسرائيل للرد على المحكمة.
ورجحت ماثيوز أن يستمر دعم بايدن لإسرائيل، وقالت للجزيرة نت إن موقف بايدن يتعارض بشكل أساسي مع النتائج التي توصلت إليها الجنائية الدولية بأن إسرائيل تحرم عمدا السكان المدنيين في غزة من مقومات الحياة من غذاء وماء وأدوية ولوازم طبية ووقود وكهرباء.
وفي ختام حديثها، قالت أستاذة القانون "سيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما إذا كان بايدن سيتبنى إجراءات عقابية، ضد المحكمة ومسؤوليها، كما فعل ترامب خلال فترة ولايته الأولى".
ويرجع بعض المعلقين موقف بايدن إلى انتمائه للمدرسة الأميركية التي لا ترى ضرورة للضغط الجاد لإحداث تغيير حقيقي في المواقف الإسرائيلية. وهو ما يعكس نهج بايدن كسياسي عجوز يتباهى في كل مناسبة بأنه قابل رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير عام 1972 مما أثر فيه أيديولوجيا ليصبح باعترافه صهيوني الهوى.