كان رجل الأعمال السوداني الهولندي، يسلِم (49 عاما)، محتجزا لدى مقاتلي مليشيات الدعم السريع السودانية في الخرطوم. يوم عيد الفطر حوالي الساعة الثالثة مساء سمع أحدهم يقول: "فريق الاغتيال وصل".

تعرض يسلِم الطيب (هذا اسمه وليس صفة له) لفظائع شهدها في الأسر رواها لموقع ميدل إيست آي (Middle East Eye) البريطاني بعد أن فُك أسره ووصل إلى برمنغهام مع الجالية البريطانية التي تم إجلاؤها من السودان بعد نشوب الحرب بين مليشيا الدعم السريع وقوات الجيش السوداني في 15 أبريل/نيسان الماضي.

وكان يسلم، الذي يحمل الجنسيتين السودانية والهولندية محتجزا من قبل المليشيا في قاعدة عسكرية بالخرطوم.

يقول إنه كان محتجزا في غرفة واحدة مع رجل متحفظ إلى أبعد الحدود يعرفه فقط باسم "الدكتور" نظرا لحصوله على درجة الدكتوراه في العلوم المالية ويعمل في أحد البنوك البارزة، لكن لا شيء آخر. وكلما حاول يسلم التحدث إليه، يطلب الدكتور منه أن يصمت.

عمائم وبنادق ومسدسات وسكاكين

في أحد الأيام دخل 4 رجال من المليشيا يرتدون عمائم ويحملون بنادق AK47، بالإضافة إلى مسدسات على أوراكهم وسكاكين، "كانوا مخيفين حقا".

استدار أحدهم إلى الدكتور داعيا إياه: "حاتم، تعال، حان وقتك". كان ذلك آخر عهده بالدكتور زميله في الزنزانة.

عندما اقتيد حاتم بعيدا، التفت الرجل إلى يسلم وقال "انظر هناك، هناك القرآن. ابدأ بالقراءة. عندما ننتهي من هذا الرجل، سنأتي إليك". وسمع يسلم كلمات ساخنة في الفناء خارج غرفته.

قالوا لحاتم "كان يجب أن تتحدث بالأمس، كان يجب أن تعطينا المعلومات". وكان هناك القليل من الصمت ثم صوت إطلاق نار. وبعد ذلك أحضروا شخصا آخر. ومرة أخرى، سمع يسلم جدالا، ومرة ​​أخرى سمع إطلاق نار.


جثة تحت ملاءة وبالقرب منها بركة من الدم

في الحمام المشترك رأى يسلم شخصا ميتا تحت ملاءة وبالقرب منه بركة من الدم الأحمر الداكن.

على مدى الأسبوعين التاليين لمقتل الدكتور حاتم، شاهد يسلم مجموعة من المعتقلين يتم إحضارهم إلى مبناه. يتم الاحتفاظ بالبعض منهم، ويُقتل آخرون بالرصاص في الفناء المغطى، ويمكن رؤيتهم من باب زنزانة يسلم المفتوح.

بعد أكثر من شهرين بقليل، يسلم موجود في لندن، بعيدا عن آسريه، لكن ذكريات الـ15 يوما التي قضاها في الأسر ظلت تقفز إلى ذهنه كل مرة، مدفوعة بالرغبة في الكشف عن الفظائع التي تعرض لها هو وبلده.

كان رجل أعمال ناجحا

يسلم رجل أعمال ناجح، لديه شركات في كل شيء من البناء إلى اللحوم بالجملة، ويقع منزله في حي الرياض بالخرطوم، وهي منطقة مرغوبة وراقية في شرق العاصمة السودانية. وكان يقطن على مرمى حجر من مكتب الملحق العسكري السعودي، وبجوارهما أيضا منزل عبد الرحيم حمدان دقلو، شقيق الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع.

ومن شرفة منزله بالطابق الرابع صباح يوم السبت، الذي اعتقل فيه، كان كل ما يمكن أن يراه يسلم هو مقاتلات قوات الدعم السريع، وشاحنات صغيرة مزودة بمدافع مضادة للطائرات مثبتة في الخلف، وشاحنات مليئة بالذخيرة، ومعدات عسكرية.

في وقت من الأوقات، تعرض المبنى للقصف حيث أطلق المقاتلون النار على طائرة ميغ عابرة، مما أدى إلى قطع إمدادات المياه. ونفد الطعام القليل الذي كان بحوزته، وهو مريض بالسكر، وبدأ يشعر بتوعك خطير. غادر المنزل. وفي الخارج، واجهه مقاتلو قوات الدعم السريع بأسئلة استقصائية ومذعورة.

هل أنت جاسوس؟

أمره مقاتل شاب، يقول يسلم إنه لا يمكن أن يكون أكبر من 15 عاما، بأن يفرغ جيوبه. أخرج جواز سفر أحمر. بالنسبة للجندي المراهق، كان جواز السفر الهولندي مريبا للغاية. "هل أنت دبلوماسي؟ هل أنت جاسوس؟".

رد يسلم بأنه عمل مع قوات الدعم السريع قبل الحرب، حيث تعاقدت شركته لتوسيع العديد من القواعد العسكرية لقوات الدعم السريع، بما في ذلك معسكر طيبة، جنوب الخرطوم.

بعد وقت قصير من استجواب الجندي الشاب، بدأ ضابط بالاطلاع على الرسائل الهاتفية الأخيرة ليسلم؛ أظهرت إحداها إرسال شائعات عن مقتل حميدتي في غارة جوية، وتضمنت أخرى، تواصلا مع وزارة الخارجية الهولندية تسأل فيها عن مكان إقامته، لأغراض أمنية. وأظهرت المكالمات الأخيرة أنه كان على اتصال بصديق ضابط مخابرات سابق وقائد كبير جدا في الجيش.

بعد قصف جوي خلال اشتباكات بين قوات الدعم السريع شبه العسكرية والجيش بالخرطوم بحري، في الأول من مايو/أيار الماضي (رويترز) أنت لست مسلما.. أنت خائن

وكان ذلك كافيا لنقل يسلم إلى منزل عبد الرحيم دقلو الذي بدا أنه تحول إلى مركز عمليات. وفجأة تعرض للكم في مؤخرة رأسه. وصرخ الضابط في وجهه "أنت لست مسلما، أنت خائن، أنت مقرف". وانتزع مسبحة يسلم من جيبه وبدأ بضربه بها قبل أن يأمر أحد المقاتلين "بإخراجه".

يقول يسلم "في تلك اللحظة، كنت متأكدا بنسبة 110% بأنني انتهيت"، لكنه نُقل إلى مبنى كان في وسطه فناء مغطى بسقف معدني. على الجانب الغربي كانت هناك غرفتان، يفصل بينهما حمام. وغرفتان أخريان على الجانب الشرقي بينهما غرفة تخزين. وعلى الجانب الجنوبي كانت هناك حاوية بنزين يخشى يسلِم أن تتعرض للقصف خلال الضربات الجوية ضد قوات الدعم السريع.

وكان الباب المجاور عبارة عن مستودع "هانغر" يُستخدم لاعتقال حوالي 200 مدني، غالبيتهم تم القبض عليهم من شوارع الرياض. وكانت هناك أيضا ثكنة كان يحتجز فيها أفراد من الجيش السوداني.

وبدا أن يسلم الآن موجود في مكان ما جلبوا فيه أسرى بارزين، أو على الأقل لم يكونوا متأكدين مما يجب عليهم فعله بهم.

قتله لأنه أزعجه بالكلام

يقول يسلم إن مقاتلين أحضرا ذات مرة رجلا متهما بأنه لص. جعلوه يجلس في مواجهة الحائط. من حين لآخر، حاول المعتقل أن يدير رأسه نحو آسره ويخبره بشيء. في المرة الرابعة، أطلق أحد المقاتلين النار على رأسه وسقط اللص ميتا، وبعد ذلك واصل المقاتلان الحديث وكأن شيئا لم يحدث، "لم يصدمني القتل. لقد صدمني برود الرجلين وهما يقتلان". فبعد أن انتهيا من الحديث، توجه أحدهما إلى الرجل، وأخذ البندقية وأفرغها على الجثة.

كان العديد من الرجال الذين تم إحضارهم إلى أحد المباني التي كان يسلم معتقلا بها ضباطا متقاعدين في الجيش، أو أفرادا في الجيش يحملون رتبا لكنهم يؤدون خدمات مدنية، مثل الأطباء أو المهندسين أو المهندسين المعماريين.

يقول يسلم إن قوات الدعم السريع تجبرهم على ارتداء الزي العسكري والتقاط صورهم، ثم تعلن فيما بعد عن اعتقالهم كأعضاء ذوي رتب عالية في القوات المسلحة.

نعم.. إنه حميدتي

في وقت من الأوقات، تحدث يسلم إلى شخص كان يعمل طبيبا في مستشفى شرق النيل، أحد أكبر المستشفيات في الخرطوم. أخبره بأن قوات الدعم السريع أغلقت الطوابق العليا من المستشفى ونقلت أفضل الجراحين والأطباء في العاصمة إلى هناك لعمل عاجل مع قائد كبير.

يقول يسلم "لاحقا، أخبرني أحد الضباط، نعم، إنه حميدتي".

وفي أحد الأيام أحضر يسلم إلى مكتب أحد الضباط الذي قال له "تذكر لقد أخبرتك أن مصيرك ليس في يدي؟ حسنا، لدينا الآن كلمة من مكتب القائد. أنت ذاهب إلى المنزل. لكننا لن نفرج عنك. علينا تسليمك إلى سفارتك".

اعتذروا له!

ثم تم تسليمه هاتفا. أول شخص تحدث إليه كان المستشار القانوني لحميدتي. قال "نحن آسفون، هذا سوء تفاهم. لكن الهولنديين والبريطانيين تواصلوا معنا، ونحن نسمح لكم بالرحيل".

ثم اتصل فارس النور مستشار حميدتي الإعلامي، واعتذر هو الآخر.

ثم تحدث يسلم مع شخص ثالث استقبله بالهولندية. كان وزير الخارجية الهولندي. كانت هناك طائرة تنتظر نقل يسلِم إلى هولندا. تم إنزاله في السفارة الأميركية، ثم إلى بورتسودان قبل أن يصطحبه البريطانيون إلى قبرص وأخيرا برمنغهام.

ويقول يسلم "بحلول الوقت الذي هبطت فيه الطائرة، بدأتُ في البكاء. كانت الدموع تنهمر على وجهي".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

هجوم بطائرات مسيرة للدعم السريع نُعطل الكهرباء عن مناطق عديدة في السودان

انقطعت شبكة الكهرباء عن معظم المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوداني، جراء هجمات بطائرات مسيرة شنتها قوات الدعم السريع على محطات لتوليد الكهرباء، حسبما نقلت وكالة "رويترز".

 

السودان.. قصف يودي بحياة 120 شخصًا في أم درمان البرهان: هناك أطراف تسعى لتأجيج الحرب داخل السودان

 

وقال مسؤولون وسكان، إن نطاق انقطاع الكهرباء اتسع اليوم السبت بعد هجوم بالأمس الجمعة على محطة كهرباء الشوك في شرق البلاد ليشمل ولايات القضارف وكسلا وسنار.

 

وتمثل الولايات المتضررة بانقطاع الكهرباء غالبية المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الذي يخوض حربا منذ ما يقرب من عامين مع قوات الدعم السريع، في المقابل تعطل توليد الكهرباء في معظم المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع بسبب القتال.

 

جنوب السودان يفرض حظرا للتجول بعد أعمال نهب في جوبا


قال المفتش العام للشرطة الوطنية في جنوب السودان أبراهام مانوات، اليوم الجمعة، إنه تم فرض حظر تجوال ليلي في البلاد بعد وقوع أعمال نهب للمحلات التجارية المملوكة للسودانيين في العاصمة جوبا أمس الخميس، حسبما أورد "راديو فرنسا الدولي".

وقال مكتب الرئيس سلفا كير ميارديت في بيان "أدعوكم جميعا إلى ضبط النفس والسماح لحكومتي جنوب السودان والسودان بحل هذه القضية".

وأضاف البيان "يجب ألا نسمح للغضب أن يعكر صفو حكمنا، كما أن الأفراد الفارين من العنف يستحقون الحماية".


 

كيكل يبلغ البرهان بالسيطرة الكاملة على محلية ود مدني


 أكد قائد قوات درع السودان، أبوعاقلة كيكل، اليوم السبت، لقائد الجيش عبدالفتاح البرهان بكامل السيطرة على محلية مدينة ود مدني.

 

 وظهر قائد قوات درع السودان أبوعاقلة كيكل، المنشق سابقًا عن قوات الدعم السريع، بعد السيطرة على حاضرة الجزيرة من أمام مقر محلية ود مدني الكبرى.

 وتمكن الجيش السوداني، السبت، من تحقيق أكبر نصر له منذ انطلاق الحرب في أبريل 2023، بدخوله مدينة ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة (وسط)، ثاني أكبر مدن السودان، وعبرت قواته القادمة من عدة محاور إلى وسط المدينة، دون خوض أي معارك مع «قوات الدعم السريع» التي تسيطر على المدينة منذ ديسمبر  2023.

 وكانت قوات «درع السودان» التي تقاتل إلى جانب الجيش، ويقودها القائد المنشق من «الدعم السريع»، أبو عاقلة كيكل، شنت الجمعة، هجومًا مباغتًا، استطاعت على أثره استعادة بلدات مهمة في الطريق إلى ود مدني أهمها بلدة «أم القرى» شرق ود مدني، بعد انسحاب «قوات الدعم السريع» منها. 

 

 

مقالات مشابهة

  • الخارجية السودانية تعلن مقتل اكثر من 150 مدنيًا في هجمات لقوات الدعم السريع واستهداف محطات كهرباء ومياه
  • إصابة (5) أشخاص جراء قصف الدعم السريع مدينة أم درمان
  • هجوم بطائرات مسيرة للدعم السريع نُعطل الكهرباء عن مناطق عديدة في السودان
  • انقطاع الكهرباء عن 3 ولايات بعد قصف للدعم السريع شرق السودان
  • انقطاع الكهرباء عن شرق السودان بعد قصف من الدعم السريع
  • قوات الدعم السريع تهاجم بالمسيّرات مدنا شرقي السودان
  • لماذا السودان؟.. كتاب يناقش سيناريوهات مصير الحرب ومستقبل الصراع مع مليشيا الدعم السريع
  • مناوي يكشف عن مدد عسكري ضخم لقوات الدعم السريع قادم من ليبيا
  • القوة المحايدة لحماية المدنيين: قوتنا تعرضت لكمين من قوات الدعم السريع بتخوم محلية كبكابية
  • مناوي: مليشيا الدعم السريع تدمر قصر السلطان علي دينار في الفاشر