د. صالح الشقباوي الذي جرى في جنين حالة غير مسبوقة تنذر وتدفع الصهاينة للتأهب للخطر المقبل وتجبر اسرائيل في ترتيب حساباتها داخل جغرافية الضفة باعتبارها الخط الاتي والمهم والذي يهدد الامن القومي الاسرائيلي بشكل كبير فقد شهدت الضفة تحولا استراتيجيا في انتشار ديالكتيك الوعي المقاوم وانتشارها في مختلف عقول الجيل المقاوم الثالث الذي قالت عنه غولدمائير انه سينسى، فالحالة الادراكية لعلم النفس المقاوم تؤكد ان آليات الدفاع الفلسطينية قد وظفت بمنطق وطني يخدم رغبته في الحرية وعدم الخضوع لارادة المتحل الصهيوني ورفض استعباده من جديد، فالكينونة الفلسطينية منذ مئة سنة تعيش فعلا مقاوما للتفكيك المجتمعي وللانساق الوطنية التي مارسها المحتل الصهيوني من خلال عنفه ومجازره .

خاصة ونحن ندرك أن تطور المجتمع الفلسطيني لا يجعلك تتمكن من النزول الى مخيم جنين مرتين لأن هناك تغيير بنيوي وفكري بين المرة والاخرى وهذا ما نادى به الفيلسوف هيرقليطس في جدله المتنامي المتصاعد نحو الحقيقة لذا اسقطت مقولته حول مخيم جنين الذي يعيش حالة من الديناميكية المقاومة المتصاعدة خاصة ان علمنا ان المخيم ليس حالة ساكنة عن محيطها فمعظم الدراسات الاجتماعية والانثربولوجية تؤكد ان المجتمع الفلسطيني في حالة تغيير وعيي مستمر أكثر ديناميكية وحيوية بالتالي أكثر استجابة للتطورات والتحولات السياسية للحالة العدائية الصهيونية كونه اكثر اكتواءا بنار الاحتلال وبطشه . لذا نجد هذا الشعب يصادق ويتكئ على جدل التغيير في منظوماته الرديكالية المتحولة التي تساهم في جعل جدل الوعي يساهم في خلق حالة التطور والارتقاء للفعل المقاوم داخل انساقه الاجتماعية فلا مقاومة بلا فكر ولا فكر بدون مقاومة وبالتالي اقول ان المقاومة الواعية هي التي تدرك وعي المقاومة بمفهومها الوطني خاصة واننا في الفلسفة الفلسطينية ندرك ان وعينا الفلسطيني بكل صوره وتجلياته هو انعكاس حقيقي لجدل وتاثير الواقع بكل تناقاضاته ومختلف صوره السياسية الاجتماعية الثقافيةالمادية وهذا ما يجعلني اطرح سؤالا كبيرا لماذا كان التنامي في المقاومة في مخيم جنين الآن وفي هذا الوقت بالتحديد؟ الجواب هو أن الفعل الفلسطيني المقاوم سار في سيرورة مختلفة من اللحظات التاريخية ولم يولد فجأة بل هو ايضا نتيجة لمسار تراكمي أُخضع لقانون التحول من التراكم الكمي الى التراكم الكيفي (ثلاثمائة عنصر) من عناصر النخبة الفلسطينية المقاومة في جنين قاومت الاف  جنود النخبة-جولاني-المظليين-المستعربين-قوات ردع تفوق الوصف وهزمتهم وهذا ما اكده تامير هايمن رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية السابق الذي اكد فشل العملية العسكرية الاسرائيلية على مخيم جنين في استئصال القوى العسكرية المقاتلة في فلسطين التي بنتها كتيبة جنين وأن هذه المقاومة البطولية فرضت على الجيش الاسرائيلي نظرية جديدة في الحرب من خلال اخراجها للقوات البرية خارج الخدمة والاعتماد على القوة الجوية وعدم النزول على الارض وهذا ما جعل من مخيم جنين ينجح في تغيير المعادلات العسكرية التقليدية في المواجهة حيث اكدت المقاومة قدرتها على الصمود واستيعاب الهجوم والقيام بهجمات مضادة تكلف العدو وتشل قدرة القوات العسكرية الاسرائيلية للعمل داخل مخيمات ومدن فلسطينية كما اكدت على وحدة الساحات والتنسيق العالي بينها وترابطها البنيوي والمصيري مما سيجعل اسرائيل ترضخ للحق الفلسطيني عاجلا ام اجلا . ان هذا النوع في التحول الكيفي في المواجهة يساعد ويقنع الكثير من الاخوة العرب وخاصة الجزائر في رفع وتيرة مساعدتها بكل اشكالها وصورها والايمان بأن هذه المساعدات لا تذهب هباءا بل تساهم في دحر المشروع الصهيوني التفكيكي وهي من ستفتح المجال لتحولات نضالية ارقى واكثر شمولية واتساعا على كل المستويات الفلسطينية ارتباطا بديناميات الصراع المفتوح مع الصهاينة فشكرا لك يا جزائر وشكرا لشهدائك الابطال الذين ضحوا بأنفسهم وارواحهم في سبيل انتصار الجزائر ووقوفها مع العدل الانساني أينما كان خاصة وان بيان اول نوفمبر يؤمن بأن العدل الانساني ليس له هوية . الاستشهاد ونظرية الدم الفلسطيني المقدس للدم الفلسطيني دورا هاما في صناعة الوعي والحقيقة وطرد الوهم الصهيوني فهو مقدس وطني يقود الروح ويعمق مشاعرها بالانتماء داخل الجسد الفلسطيني الذي يعيش فوق المكان، نعم انه الروح المنتمية للوطن والقضية، ولعل الخروج في وداع جثامين الشهداء بهذا الكم الهائل من المودعين لهو دليل انطولوجي كبير على رفع قيمة الاستشهاد في سبيل الوطن وتقديس الدم الذي لم يوقف حركة سيره ورفضه للوطن والحق الفلسطيني فهو وقود استمرار المقاومة في مواجهة الاحتلال بأشكال مختلفة وهو المشترك الوطني الكلي المعبر عن وعي مجتمعي آخذ في النمو لجهة الحرية والاستقلال ودحر الاحتلال خاصة وأن خيار المقاومة هو الخيار الاكثر منطقية في الاستجابة لتطلعات الشعب الفلسطيني بأكمله وهو القاسم المشترك الاعظم بين افراده في غزة والضفة والقدس وال48 والشتات ، فالشعب يشترك مع الشعب في الفعل المقاوم الذي هو سيرورة متجددة يحكمها قانون الارتقاء والسير الى الامام لكي تستطيع الاجيال الصاعدة حمل مشعله وتبديد الظلام الصهيوني خلاصة : الفعل المقاوم لا يخضع لقرار بل هو نتيجة قناعات راسخة ومتجذرة في الكيانية الوطنية الفلسطينية فهو الذي يحكم معادلة التفاعل الداخلية لبنيات المجتمع الفلسطيني المختلف والمتواجدة في اماكن جغرافية مختلفة وعليه فإن العدو لن يستطيع هزيمة سسيولوجية الوعي الفلسطيني المقاوم وفعلها المؤثر داخل بنية الذات التي ادعوها الى تنظيم نفسها وتطوير بنيتها امام انعكاسات الفعل المقاوم والجرأة والاقدام في مواجهة الاحتلال التي ساهمت الى حد كبير في تغيير وقلب كل معادلات الصراع ،ورفع وتيرة اليقين الجمعي الفلسطيني لتحقيق النصر الذي اصبح قريب المسافات بكلام اكثر دقة وفلسفة اقول ان المقاومة كمنهج ورؤية هي ملكية سيكولوجية واعية يتوارثها الاجيال الذين يسطرون في جنين معادلة الصراع ويسيطرون على اتجاهاتها ومساراتها التاريخية القادمة وسيورثوها لما بعدهم من أجيال لذا اعتقد وأؤمن حتميا وتاريخيا وفلسفيا أن المقاومة ستستمر وتتطور وتقوى وتفرض معادلاتها على الصهاينة وستنتصر فالمجتمع الفلسطيني اصبح يمتلك اليات من الوعي السسيولوجي وعوالمه الداخلية المقاومة والتي تأبي الانكسار وهي كما تشير المعطيات الميدانية قد هزمت نظرية الامن الاسرائيلي بعد ان عجزت عن منع المقاومة عن اخذ دورها الحقيقي في عقول وارواح واجساد وأخيلة ابناء الشعب الفلسطيني خاصة الجيل الثالص الذي وصفته (غولدامائير) بأنه سينسى . فلا نسيان ولا تجاوز بل هناك حركة تدفق ديالكتيكي صاعدة الى الاعلى تشبه نبع يوسف في بيتا.. استاذ محاضر في جامعة بوزريعة وجامعة بودواو للحقوق والعلوم السياسية

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: مخیم جنین فی جنین

إقرأ أيضاً:

الخيارات العربية فى غزة ولبنان!

ما بين قمم جماعية وأخرى ثنائية، وما بين نداءات بوقف النار ومفاوضات متواصلة لا تنتهى تبدو الدول العربية فى حالة تثير التساؤل بشأن قدرتها على التأثير على مجريات الحرب الدائرة على غزة ومن بعدها لبنان منذ أكثر من عام. طبعا المسألة ليست بالبساطة التى قد يتصورها البعض ولكن الكثيرين كانوا ينتظرون أن يكون للثقل العربى دوره على الأقل فى التخفيف من حجم البربرية الإسرائيلية مقابل ما اعتبرته بعض الدول العربية بربرية فلسطينية عبرت عنها وفق هذه الدول عملية طوفان الأقصى.

غير أنه فى مواجهة حالة جلد الذات بشأن ما يجب أن يتم عربيا لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وما بين الشعور بغياب ضرورة القيام بأى فعل انطلاقا من منظور البعض بأن العرب لا ناقة لهم ولا جمل فى هذه الحرب، وبين التصور الأقرب للرسمى بالعجز عن الفعل يقرر الواقع أن هناك ما يمكن القيام به ولو من منطلق أضعف الإيمان.

فى هذا المجال يجب التمييز بين شقين هما: القدرة على الفعل، وإرادة الفعل. فغير صحيح أن الدول العربية لا تملك ما يمكن أن تقوم به للتأثير على مجريات الأوضاع فى غزة، ولكن من الصحيح أنها لا تود أن تستخدم ما تملكه على خلفية رؤية خاصة بكل دولة ما يعنى فى النهاية أن الأزمة ناتجة عن غياب إرادة الفعل وليس القدرة عليه.

والحقيقة دون تهور أو إغراق فى خيالات لا صلة لها بالواقع، فإن خيار المساندة العسكرية ربما يجب استبعاده تماما ليس لأنه الخيار الخاطئ وإنما لأنه الخيار غير المطروح على طاولة الجانب العربى.. وحين نتحدث عن الجانب العربى فإننا لا نفترض أنه كتلة واحدة وإنما دول متعددة ولكن كل دولة على حدة تكاد تكون استقرت على هذا الأمر لأسبابها الخاصة.

ربما يطفو على السطح هنا خيار آخر له وجاهته ومنطقة وهو تسليح المقاومة الفلسطينية باعتبارها تقاوم إحتلال وهى مقاومة مشروعة بمقتضى القانون الدولى، وهو أمر يجد نظيرا له فى السياسة الدولية الحالية ممثلة فى حالة مساندة الغرب لأوكرانيا بالسلاح فى مواجهة ما يراه الغرب من اعتداء روسى على سيادة أوكرانيا والعمل على احتلال أراضيها.

لكن هذا الخيار قد يدخل فى دائرة المحظورات أو يمكن اعتباره المحظور الثانى بعد المواجهة العسكرية فى ضوء تعقد المواقف من حركات المقاومة ودمغها دوليا بأنها إرهابية رغم زيف هذا الاتهام، على نحو قد يضع الدول العربية فى عداد مساندة الإرهاب فى منظور الغرب بشكل أساسى وبشكل قد يتم معه تكتيل موقف دولى مناهض يستدعى مشكلات لا ترغب الدول العربية فى الدخول فيها.

كل هذا بعيداً عن السبب الذى يلوح به البعض دون أن نجزم به أو نؤيده وإن كنا نعتبر أنه سبب قائم ألا وهو الموقف السلبى لبعض الأنظمة العربية من حركات المقاومة والتى تتخذ طابعا إسلاميا وهو أمر يبعد عن تناولنا فى هذه السطور.

يبدو فى حدود الرؤية العامة أن الخيارات تضيق بشكل قد تصبح معه ليس هناك خيارات، وهو أمر غير صحيح، حيث يبرز ما نسميه الخيارات السلمية التى لا تأخذ شكلا صداميا ويمكن أن تؤتى أكلها. وعلى ذلك قد تكون العودة بالعلاقات العربية مع إسرائيل إلى المربع صفر نقطة بداية لمجموعة من الإجراءات التى قد تجبر إسرائيل على وقف الحرب. ويشمل ذلك إحياء المقاطعة واتخاذ إجراءات نحو وقف مسيرة دمج أو إدماج إسرائيل فى المنطقة. مجرد أفكار لكن ينقصها الرغبة فى التنفيذ ليس إلا!

[email protected]

مقالات مشابهة

  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • مدحت العدل: مساندة المقاومة الفلسطينية واجب أخلاقي وديني.. ولهذا السبب مصر مستهدفة
  • السيسي يشيد بموقف إسبانيا العادل إزاء القضية الفلسطينية
  • مدير هيئة حقوق الإنسان الفلسطينية: دور مصر قوي وداعم للقضية وللشعب الفلسطيني
  • اشتباكات عنيفة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال خلال اقتحام مخيم العين غرب مدينة نابلس
  • مفتي عُمان: مغاوير اليمن يتصدرون الإنجازات في خدمة القضية الفلسطينية
  • الخيارات العربية فى غزة ولبنان!
  • الهلال الأحمر الفلسطيني: قوات الاحتلال تحتجز سيارة إسعاف ببلدة كفردان غرب جنين
  • الهلال الأحمر الفلسطيني: قوات الاحتلال تحتجز سيارة إسعاف غربي جنين بالضفة الغربية
  • بالفيديو.. جنود الاحتلال يفرّون أمام مقاتلي المقاومة الفلسطينية في شمال غزة