د. عبد الحميد فجر سلوم ** يبدو أن الوضع في أوكرانيا في طريقهِ إلى مزيدٍ من التصعيد.. والمواجهة الأمريكية الروسية تتّسع رقعتها إلى خارج أوكرانيا.. وهذا ما ينعكس بشكل مباشر على الحالة السورية.. اليوم العالم أمام حرب عالمية ثالثة غير مُعلَنة.. ولكن طرَفا الحرب هُما: الولايات المتحدة وكافة حلفاؤها في حلف الناتو(وبلغت 31 دولة) فضلا عن الدول التي تدور في الفلك الأمريكي، كما أوستراليا وكوريا الجنوبية واليابان ونيوزيلندا.
. ومن الطرف الآخر هناك روسيا فقط (ومعها بيلاروسيا) وهناك دولا تتعاطف مع روسيا ضد الناتو، وتميلُ إليها، ولكن ليس لدرجةِ التحالُف، كما هو حال دول الناتو.. فحتى الدول المتعاطفِة مع روسيا، تحرص بأن تؤكِّد دوما أنها مُحايدة، وأنها لا تدعم روسيا في الحرب.. ** وهناك أربع دول تسعى جاهدة للإنضمام للناتو وهي: السويد، جورجيا، أوكرانيا، البوسنة والهرسك.. وقد أيّدَ الرئيس التركي أردوغان انضمام أوكرانيا، خلال لقائهِ رئيسها يوم الجمعة 7 تموز/ يوليو، حينما صرّحَ أن أوكرانيا تستحق الإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي.. وكان في وقتٍ سابقٍ قد أيّدَ امتداد
الناتو شرقا.. كما أنه أغضبَ موسكو حينما سلّم الرئيس الأوكراني الضبّاط الأوكران المعروفين بقادة كتيبة آزوف، الذين سلّمتهم موسكو إلى أنقرة في صفقة تبادُل أسرى، كانت وسيطة بها، وكان الشرط أن يبقوا في تركيا حتى نهاية الحرب.. هذا مع أنه تربطهُ بالرئيس بوتين علاقات متينة، ولكنه بذلك يبعثُ برسائل، مفادها، إن لم تُراعُوا مصالحنا في سورية دوما، فنحن جاهزون للإنقلاب على موقفنا في أية لحظة.. ** والغريب أن كافة الدول التي كانت أعضاء في حلف وارسو، انضمّت إلى حلف الناتو.. وحتى جمهوريات البلطيق الثلاث (أستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا) التي كانت جزءا من الاتحاد السوفييتي، انضمّت لهُ أيضا، بدل أن ينأى كل أولئك بأنفسهم عن سياسة الأحلاف التي لا تجلب للعالم إلا المزيد من التوترات والحروب وبعد أن جرّبوها خلال كل زمن الحرب الباردة.. وكذلك جمهوريات يوغسلافيا السابقة، انضمّت لهذا الحلف.. ** معلومٌ أن حلف الناتو واسمهُ الرسمي (منظمة معاهدة شمال الأطلسي) كان يهدف في زمن الحرب الباردة لمواجهة الإتحاد السوفييتي، وحلف وارسو، ولكن انهار الإتحاد السوفييتي، وانتهى حلف وارسو، فلماذا حلف الناتو يحرص على أن يبقى ويقوى ويتوسّع ويتمدّد؟. طبعا هُم يُبرِّرون ذلك بالقول أن بقاء الحلف هو لضمان الأمن والسلام والاستقرار الدولي، في أوروبا وخارجها، وللحفاظ على القيم المشتركة لدول الغرب.. أي بكلام آخر هُم يعتقدون أن استمرار الهيمنة الغربية، هو ضمان للاستقرار العالمي.. وهنا تكمن المشكلة.. إنها في هذا التفكير الغربي.. فكان الأجدى بهم، على الصعيد الأوروبي: أولا، تعزيز دور منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (مقرها فيينا) وهذه تضمُّ 57 دولة، وبينها الولايات المتحدة، وكندا.. ولها مؤسساتها الخاصّة، ومنها جمعية برلمانية.. وقد انبثقت عن مؤتمر هلسنكي بين الشرق والغرب عام 1975 ، واعتمَدَت جميعها ما يُعرف بوثيقة هلسنكي المهمة جدا.. ثانيا، تعزيز دور (مجلس أوروبا) الذي يضمُّ 47 دولة أوروبية ، وتأسّس منذ عام 1949 ، وله مؤسساته الخاصة أيضا، ومنها: الجمعية البرلمانية، والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.. بعد أن وقّعت كافة أعضائهِ على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.. وعلى الصعيد العالمي، كان الأجدى، تعزيز دور الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، والالتزام بميثاقها.. وكافة تلك المؤسسات، تهدف إلى تعزيز السِلم والأمن والاستقرار، في أوروبا والعالَم.. إذا لماذا حلف الناتو، بعد انتهاء حلف وارسو؟. أليس بِهدف الهيمنة الأمريكية؟. ** المسألة المثيرة للاهتمام، أن الدول التي كانت سابقا جزءا من المنظومة السوفييتية الشرقية، هي من اندفعت بقوة وبحماس للانضمام إلى هذا الناتو.. وهي من ذهبت لهذا الناتو بدفعٍ من شعوبها وبرغبةٍ وإرادةٍ جماعية.. فهذه الشعوب ترى نفسها جزءا من الثقافة والقيم الغربية، ولذلك كانت الرغبة عارمة للانضمام للناتو، وللإتحاد الأوروبي، وكأنها ردّة فعل على تاريخها السابق.. ** حينما تحدّثتُ عام 1992 في مبنى الأمم المتحدة في جنيف، مع دبلوماسي هنغاري وقلتُ له، أنا خدمتُ في سفارة بلادي في بودابست أواسط الثمانينيات، وأحببتُ هنغاريا وشعبها، وأشعرُ اليوم بالحُزنِ عليها، لِما أسمعهُ من مشاكل وصعوبات معيشية، وغلاء، وانتشار الفقر والبطالة، بعد انهيار النظام الإشتراكي، نظرَ إليّ بدهشةٍ قائلا: لا تنسى أصبح اليوم لدينا ديمقراطية وحرية.. ومن ثمّ انضمّت هنغاريا للناتو عام 1999، وللإتحاد الأوروبي عام 2004 ، وأحسَبُ أنها كانت فرحة كبيرة لدى شعب المَجر، لأنني كنتُ أرى من خلال احتكاكي وعلاقاتي، كم هُم متشوِّقون للغرب، ويتطلعون ليكونوا جزءا من هذا الغرب.. وخاصّة جيل الشباب المأخوذين بشكل كبير بالدعايات الغربية لطبيعة النظام الغربي.. ولم يكُن رئيس وزراء المجر الحالي، فيكتور أوربان، القومي اليميني المتطرِّف، إزاء المهاجرين، إلا واحدا من شباب ذاك الجيل.. وما اكتساح حزبهِ للغالبية في البرلمان، ووجودهِ كرئيس وزراء منذ 2010 إلا انعكاسا لعقلية ذاك الجيل.. ** كلام الدبلوماسي المجري يُلخِّص كل رؤية شعوب الدول التي كانت بالماضي جزءا من المنظومة الشيوعية الشرقية.. لستُ بصدد التحليل إن كان هذا صحيح أم خطأ .. ولكنّي بصدد توضيحِ وفهمِ تفكير هذه الشعوب وتوجهاتها، حتى نكون على دراية بها، وهذا ضروري لِكيفية التعامُل مع بُلدانها.. مع قناعتي أن الفقراء في كل تلك البُلدان هُم من دفعوا ثمن انهيار النظام الإشتراكي، إذ كانت الحياة سهلة جدا، وتكاليف المعيشة رخيصة جدا، ولم تكُن هناك فوارق طبقية مُثيرة.. ولمستُ ذلك عن قرب نتيجة زياراتي، أو مروري، بكل دول أوروبا الشرقية.. والمفارقة أن القيادات الشيوعية (في جمهوريات الإتحاد السوفييتي)هي من استولت على السُلطة بعد انهيار الشيوعية، وأصبحت قيادات للنظام الرأسمالي الجديد، وهُم من تملّكوا شركات ومعامل ومصانع الدولة، بعد تخصيصها، أو بيعها، وبدل أن كانوا بعيدين عن الدِّين، وخصوما لهُ، أصبحوا من أكبر المتمسكِّين بالدِّين، ومن أكبر المُزايدين بالالتزام الديني.. واستمرَّ الكثير منهم في السلطة منذ ذاك الزمن.. ويُعيدون إنتاج أنفسهم.. ** أعود بعد هذا الاستطراد للحديث عن التصعيد في أوكرانيا.. فهذا التصعيد أخذَ مؤخّرا عدة أوجُه، أبرزها: 1ــ قرار بريطانيا بتزويد أوكرانيا بذخائر تحتوي على اليورانيوم المُنَضّب(أو المُستنفَد).. وهذا تصعيد خطير واستدعى التهديد من الرئيس بوتين.. إذ ستضطر روسيا لاستخدام ذات السلاح.. وقد استخدمت الولايات المتحدة هذا السلاح في عدوانها، على أبواب بغداد عام 2003 فكانت الدبّابة تنصهر كاملا.. 2ــ قرار الولايات المتحدة بتزويد أوكرانيا بالقنابل، أو الذخائر العنقودية، المُحرّمة دوليا، لخطورتها على المدنيين.. وهذا الأمر أثار حفيظة الدول المناهضة للذخائر العنقودية، بما فيها حلفاء أمريكا في الناتو.. وهو انتهاك صارخ لاتفاقية أوسلو بشأن الذخائر العنقودية المُوقّعة عام 2008 ، والتي لاتقلُّ خطرا عن أسلحة الدمار الشامل الكيماوية.. لأن هذه عبارة عن عبوات تحوي كلٍّ منها مئات القنابل الصغيرة، وحينما تُرمى، لا تنفجر جميعها، فتبقى أخطارها قائمة على المدنيين إلى أن تتمّ إزالتها.. فالولايات المتحدة لا تلتزم بأي اتفاقات دولية، وأي قانون دولي، في حروبها.. المهم أن تكسب أخيرا.. 3ـــ قرار البرلمان الأوروبي يوم الجمعة 7 تموز/ يوليو، والدول الأعضاء، بإنتاج ذخيرة بقيمة نصف مليار يورو، لتعزيز ترسانات الدول الأوروبية، وترسانة أوكرانيا.. 4 ــ قرار الولايات المتحدة مُجدّدا تقديم مساعدات عسكرية بقيمة 500 مليون دولار، تُسحَبُ مُباشرة من مخزون وزارة الدفاع.. وتشمل دبابات ومنظومات دفاع جوي، وغيرها.. 5 ــ موافقة واشنطن على تزويد أوكرانيا بطائرات إف 16، ولكن من الموجودة لدى حلفائها الأوروبيين، وليس منها مباشرةَ.. 6 ــ موافقة الإتحاد الأوروبي مؤخّرا على حزمة عقوبات جديدة ضد روسيا، الحزمة رقم 11 .. كل هذا، لا يُمكن أن ينظَر له سوى تصعيدا للحرب.. ** ولكن ما انعكاس ذلك على الحالة في سورية؟ هذا الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا في أوكرانيا، طبيعي أن ينعكس في كل مكان.. لاسيما في سورية، حيثُ قوات الطرفين موجودة، وقواعد الطرفين العسكرية موجودة، وطائرات الطرفين تحلِّق في السماء السورية.. ولذلك سمعنا مؤخّرا عن شكاوى أمريكية من اقتراب المقاتلات الروسية من قاعدة التّنف، واعتراض المقاتلات الروسية لطائرات أمريكية بدون طيار، وعلى مسافة قريبة، الأمر الذي اعتبرهُ قائد القوات الجوية في القيادة المركزية الأمريكية، أليكس غرينكويتش، أمرا غير مهني، وغير آمن، ويهدد سلامة قوات التحالف والقوات الروسية.. فضلا عن اعتراض طائرات فرنسية للتحالف قرب الحدود السورية العراقية.. وكانت القيادة الأمريكية قد صرّحت في وقتٍ سابق، أن الطيارين الروس يحاولون استفزاز المقاتلات الأمريكية، لكنهم لا يبدو أنهم يريدون إسقاطها، أو أنهم يريدون جرّنا إلى اشتباكات ووقوع حادث دولي.. ** من جهتها اتّهمت القوات الروسية في سورية الطيارين الأمريكان، بارتكاب انتهاكات جسيمة للاتفاقات الهادفة إلى تجَنُّب الصدام بين القوتين العظميين.. وقال الأدميرال أوليغ غورينوف، أن الطيارين الأمريكان فعّلوا أنظمة اسلحتهم أثناء اقترابهم من الطائرات الروسية فوق شرق البلاد.. وأنّ هناك اتفاقا بين الطرفين على مناطق خاصّة يمكن للتحالف العمل فيها، لكن تمّ رصد قوات أمريكية خارج هذه المناطق.. وكان غورينوف قد أحتجّ سابقا على أعمال استفزازية قامت بها القوات الأمريكية في سورية.. ** وكانت واشنطن قد صرّحت على لسان جون كيربي، منسّق الإتصالات بمجلس الأمن القومي قبل أسابيع: (أن القوات الأمريكية لن تنسحب من الأراضي السورية، والولايات المتحدة مستعدة لحمايتها من أي هجمات مُحتَملة، كما فعلت سابقا).. والذريعة طبعا محاربة داعش.. ولتأكيد ذلك، قام الجبش الأمريكي بتزويد قوات (قسد) بمنظومة صواريخ (هيمارس) المتطورة.. إضافة إلى تجهيزات عسكرية جديدة، ومصفحّات أمريكية، ومواد لوجستية.. ** كل ذلك هو انعكاس للتوتر بين الولايات المتحدة وروسيا في أوكرانيا.. وكل شيء مُرجّح للتصعيد فوق الأراضي السورية.. وهذا يعني إطالة زمن الحالة السورية الراهنة، ومزيدٍ من الصعوبات الإقتصادية والمعيشية.. وربّما الخطوات التي اتّخذها الجانب الأمريكي مؤخّرا، فيما يتعلّق بسورية، كما (المساعي لِوقفِ تطبيع العرب مع دمشق، والاستراتيجية التي وضعتها الخارجية الأمريكية لمكافحة تجارة الكبتاغون في المنطقة، وجهود واشنطن في استصدار قرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لإنشاء مؤسسة دولية لمعرفة مصير المفقودين) وكل هذه الخطوات المُوجّهة أساسا ضد سورية، ما هي إلّا انعكاس للتوتُّر بين واشنطن وموسكو، وسورية تدفعُ ثمنا، بشكلٍ أو بآخر.. وواشنطن لن تنسى التأييد السوري للرئيس بوتين في أوكرانيا، حتى ولو كان إعلاميا وخطابيا.. ** الخروج الأمريكي من سورية، يحتاج إلى مقاومة شديدة، ودائمة، وفاعلة، تُكبِّدهم الخسائر البشرية والمادّية، وليس فقط اعتراض دوريات، ورميها بالحجارة، أو إطلاق قذيفة بين الفينة والأخرى، أو إرسال طائرة مُسيّرة.. هذا لا يُفضي إلى نتيجة.. حينما تتكبّد الولايات المتحدة الخسائر، حينها فقط ستُدرِك أن بقائها في سورية مُكلِفٌ جدا، ولا مصلحة لها بالبقاء.. فهل سيحصل ذلك؟. كاتب سوري وزير مفوض دبلوماسي سابق
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
الولایات المتحدة
فی أوکرانیا
حلف الناتو
الدول التی
التی کانت
جزءا من
إقرأ أيضاً:
«سندفنهم كما دفنّا جنود نابليون».. هل يقود التصعيد الروسي الفرنسي لحرب أوروبية واسعة؟.. باريس ترسل جنودها للقتال في أوكرانيا.. وموسكو تتوعدهم بهزيمة قاسية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بيان شديد اللهجة أصدرته السفارة الروسية في القاهرة اليوم الجمعة، ردًا على ما تردد حول مشاركة جنود فرنسيين في القتال المحتدم في أوكرانيا، وتوعد الروس القوات الفرنسية بهزيمة قاسية على غرار تلك التي منى بها الزعيم التاريخي لفرنسا نابليون في روسيا في الحرب التي اندلعت بين البلدين في 1812.
التصعيد
الفرنسي - الروسي.. إلى أين؟
وكانت فرنسا قد أعلنت إكمال تدريب لواء من الجنود الأوكرانيين للمشاركة في الحرب ضد روسيا، مع احتمال مشاركة ضباط فرنسيين في القتال، لترد موسكو ببيان شديد اللهجة حيث قالت "سنواجه هذا التحرك بالنار، وندفنهم إلى الأبد في الأراضي الروسية كما دفنّا جنود نابليون".
وأضاف البيان الصادر عن السفارة الروسية بالقاهرة أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يحاول محاكاة نابليون، نسي أن غزوات الأخير انتهت بهزيمة قاسية وعودة الجيش الروسي إلى باريس، معتبرة أن هذا التصعيد الفرنسي يعيد أحلامًا قديمة محكومة بالفشل، مؤكدة أن روسيا ستدافع عن أراضيها بكل حزم وقوة.
موسكو توعد الفرنسيين؟
وفي وقت سابق، توعد نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف بأن تلقى القوات الفرنسية مصير قوات كييف في أوكرانيا، وأن تتحول إلى أهداف أولوية في حرب مجيدة جديدة للجيش الروسي ضد فرنسا.
وكتب مدفيديف: "قد يكون من المفيد أن يرسل الفرنسيون المضطربون بضعة أفواج من قواتهم إلى أوكرانيا النازية، فإخفاء هذا العدد من العسكريين لن يكون سهلا، وبالتالي فإن مسألة القضاء عليهم ستكون سهلة، ومهمة للغاية".
وأضاف ميدفيديف: "من المفيد إرسالهم إلى أوكرانيا إذ سيستحيل بعدها إخفاء الأعداد الكبيرة من توابيت الجنود الفرنسيين المحترفين القادمة من دولة أجنبية، وسيتعذر على باريس حينها الكذب والادعاء بأنهم مرتزقة اتخذوا قرار موتهم بأنفسهم" أما بالنسبة للديوك من القيادة الفرنسية فسيكون ذلك بمثابة المقصلة لهم، إذ سيقطعهم إربا أقارب القتلى الذي سيطالبون بتفسير مصير أبنائهم، كما ستفضح هذه الخطوة باريس أمام المعارضة التي قيل لها إن فرنسا ليست في حالة حرب مع روسيا، كما ستكون هذه الخطوة عبرة لباقي الأغبياء في أوروبا".
وأعلنت روسيا أن باريس تحشد ألفي جندي لإرسالهم إلى أوديسا جنوب غرب أوكرانيا على البحر الأسود، وأن هذه القوات ستصبح "هدفا أولويا للجيش الروسي فور وصولها"، محذرة ماكرون وباريس من عواقب ذلك.
خطط ماكرون الطامحة لقيادة أوروبا.. وسط رفض "الناتو" لدعواته
وكثيرا ما كرر الرئيس الفرنسي إيمانول ماكرون، دعوته لحشد قوات أوروبية تابعة لحلف شمال الأطلسي "الناتو" للمشاركة في الحرب الأوكرانية لمنع انتصار القوات الروسية في المعارك المستمرة منذ ما يقرب الثلاث سنوات، إلا أن هناك رفض أوروبي لفكرة ماكرون.
وبحجسب محللين فأن هناك رفض كامل من العديد من الدول الأوروبية لإرسال جنودها إلى أوكرانيا، حيث انتقدت العديد من الدول المؤثرة في أوروبا خطط ماكرون، كما أن هناك معارضة داخلية من قبل القوى السياسية في فرنسا والتي انتقدت دعوة ماكرون أيضًا، ودعت إلى رفض إرسال أي قوات إلى أوكرانيا خشية من التصعيد.
وعلى صعيد متصل، كان الأمين العام لحلف "الناتو" ينس ستولتنبرغ، قد أعلن في مارس 2024، أنه لا يؤيد تصريح الرئيس الفرنسي حول إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا.
فرنسا وروسيا.. صراع تاريخي هزيمة نابليون في روسيا
وبعد تلويح السفارة الروسية بالقاهرة بالهزيمة الفرنسية بقيادة نابليون في روسيا، نسلط الضوء على الصراع التاريخي بين الطموح الفرنسي في غزو بلاد الثلج، والعناد الروسي الذي أصر على إلحاق هزيمة مذلة بفرنسا.
وفي 13 يونيو 1812، كانت فرنسا على موعد مع واقعة تارخية مؤلمة عندما مني نابليون بونابرت وجيشه الكبير - الذي تجاوز قوامه 680 ألف جندي - بهزيمه تاريخية بعد أن لقي أكثر من 400 ألف جندي فرنسي حتفهم داخل الأراضي الروسية، حيث ضربتهم الثلوج والجوع أثناء الغزو الفرنسي لروسيا، تلك الواقعة التي أدت في النهاية إلى انهيار الإمبراطورية الفرنسية التي قادت القارة الأوروبية لسنوات طويلة.
البداية، عندما عندما أُعلنت فرنسا إمبراطورية في شهر مايو 1804 كانت تشمل فرنسا وإيطاليا وأجزاء من ألمانيا والنمسا وبلجيكا وتمتد حتى روسيا، وفي ديسمبر من عام 1804 تم تتويج نابليون إمبراطورا فبات يحكم أجزاء واسعة من أوروبا، وقد واصل حملاته العسكرية وفي عام 1805 انتصر في معركة أوسترليتز على القوات الروسية والنمساوية، وأخضع الحلفاء باستثناء بريطانيا، وفرض الحماية على إسبانيا.
ومن أجل السيطرة على أوروبا بالكامل، أراد نابليون أن يكون صاحب اليد العليا في أوروبا بفرض حصار على بريطانيا، حيث أعلن في عام 1806 مرسوما إمبراطوريا يقضي بحصار الإمبراطورية البريطانية ومنع التعامل معها وإغلاق الموانئ الأوروبية أمام تجارتها.
وفي هذا الإطار، تم التفاوض على المعاهدة التي وقعها نابليون مع ألكسندر الأول، قيصر روسيا، في تيلسيت عام 1807 وهي المعاهدة التي فرض شروطها الإمبراطور الفرنسي، ونصت تلك المعاهدة على تحالف روسيا وفرنسا، وبالتالي مشاركة الروس في الحصار القاري الذي فرضه نابليون على بريطانيا، وفي 25 أكتوبر من عام 1807، وقع ألكسندر الأول مرسوما يحظر التجارة مع بريطانيا.
وكانت بريطانيا الشريك الاقتصادي الرئيسي لروسيا، وانخفض حجم التجارة الخارجية بين روسيا وفرنسا على الفور من 120 إلى 83 مليون روبل، وكانت أبرز آثار مشاركة روسيا في الحصار القاري هي زيادة التضخم، وبات العجز هائلا في ميزانية عام 1810 حيث كانت الإيرادات 125 مليون روبل والنفقات 230 مليون روبل، ومن ثم فضل الروس مواصلة التجارة مع البريطانيين وتجاهل حصار نابليون.
وفي يونيو 1812، قام الجيش الفرنسي الكبير البالغ قوامه 680 ألف جندي بقيادة نابليون بغزو روسيا، في الوقت الذي كانت القوات الروسية تقريبًا 200 ألف جندي، وتبنت القوات الروسية سياسة التراجع الاستراتيجي إلا أن ذلك قاد نابليون لعدة انتصارات متتالية وبعد أسبوع واحد دخل نابليون موسكو، وانتظر هناك لسفارة السلام التي افترض أنها ستأتي من القيصر.
وبعد مرور شهر، ومع اندلاع الحرائق في جميع أنحاء المدينة وتزايد الجوع وعدم السيطرة على قواته، أمر نابليون بالانسحاب وعندما اجتاحت العاصفة الثلجية الأولى الجيش، وأعقبها ذوبان الجليد والصقيع حدثت الغالبية العظمى من خسائر نابليون، وتشير التقديرات إلى أنه من بين 612 ألف مقاتل دخلوا روسيا عاد 112 ألف فقط إلى الحدود، ومن بين الضحايا، يُعتقد أن 100 ألف قتلوا في المعركة، و 200 ألف لقوا حتفهم لأسباب أخرى، و 50 ألف جندي ماتوا في المستشفيات، و 50 ألفا فروا من الجيش، و 100 ألف أُخذوا كأسرى حرب.