"ألوان الذاكرة" للسورية نادين باخص تحتفي بفيروز وزياد والجد الغائب
تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT
وقّعت الكاتبة السورية نادين باخص مؤخراً في معرض الشارقة الدولي للكتاب سلسلة قصص متميزة للأطفال، حملت عنوان "ألوان الذاكرة"، وتضم "في رأسي نغم"، و"طاحونة جدّي"، و"ناي جبران"، و"أقرب إلى السماء"، وتحمل الرسوم توقيع الفنانة التشكيلية ضحى الخطيب، وصدرت السلسلة عن "شركة المطبوعات للتوزيع والنشر" في بيروت.
تستلهم نادين قصة "طاحونة جدي" من المشهد الأخير من مسرحية الأخوين رحباني الشهيرة "لولو"، من دون أن يكون هناك أي تشابه مباشر، مازجة احتفاء لولو -التي تؤدي دورها فيروز- بجدّها، باحتفائها هي نفسها بجدها الذي كان له أثر كبير في تكوين شخصيتها، ولا تزال ذكرياتها معه حية على الرغم من مرور سنين عديدة على رحيله.
وهي بذلك تتناول موضوعاً يمس كل طفل يعيش دفء العلاقة مع جده، ولكن في وقت تكاد علاقة الطفل تكون منقطعة بهذه المنطقة من التراث الموسيقي الغنائي المتواجد بكثافة في جيل الكاتبة وحياته اليومية، فيما ينحو جيل الهواتف المحمولة و"التابليت"، إلى مكان مختلف تماماً.
وتستلهم باخص في قصة "في رأسي نغم" من طفولة زياد الرحباني ملتقطة فكرة الأرق الذي يقول في إحدى حواراته بأنه كان يعيشه، حيث كان يشعر بأن نغمات تدندن في رأسه وتريد أن تخرج، وتدمج الكاتبة هذا الموضوع بالأرق الذي لطالما عاشته في طفولتها، لأن رأسها كان مترعاً بالأفكار التي تريد الانسكاب على الورق، وهي هنا تطرح موضوع أرق الإبداع عند الطفل، متناولة منطقة غير مطروقة في أدب الطفل، إذ لطالما حملت كتب الأطفال كمية من الوعظ، والتعليم، والوصاية ما لا طاقة لطفل مبدع بتحمّله، بعكس ما جرت عليه العادة من توصية الأهل للطفل بالنوم باكراً، وفي هذه القصة تناص مع أغنية "عودك رنان" وهي من أولى ألحان زياد التي غنتها فيروز لاحقاً.
وتمزج باخص في "ناي جبران" عشقها لأغنية "أعطني الناي وغنِّ" لجبران خليل جبران، لتضيء على حب طفلة تحمل اسم ناي لأغنيات فيروز، والتي يستغرب أصدقاؤها محبتها لهذه المغنية التي تغني للكبار على حد قولهم، إلا أنها تستعين بشادي، ويارا، وريما، أسماء أصدقائها الذين تغني لهم فيروز في أغنياتها، لتدحض مزاعمهم تبني الكاتبة من خلال هذه القصة جسراً يصل بين جيل محدود بالاختباء خلف الشاشة فقط، فيما لو قدّر له أن يكون مرتبطاً بإبداع مثل إبداع الأخوين رحباني، وفيروز وجبران خليل جبران، فلا بدّ أنّه سيثمر بما يُدهش.
وعن العلاقة بالمكان كتبت قصّتها "أقرب إلى السماء"، وكيف للطابق الثلاثين الذي تعيش فيه بطلة القصّة أن يكون ذا تأثير ساحر على ذاكرتها البصرية، بعيداً عن ضيق أفق ما تبثه الشاشات، وضعف البصر الذي يسببه الالتصاق الطويل بها، تلك الفتاة التي تحاول أمها إقناعها بأنها (جارة القمر) لذا فيجب عليها الاستفادة من هذا القرب والنظر إلى السماء لتمنح عينيها قسطاً من الراحة.
الكتابة للطفل ليست جديدة على باخص فقد صدرت لها قصّتان من قبل وهما"لستُ بيضةُ مسلوقة" عن دار أصالة ببيروت2017، و"عقلي يقول لي" عن دار سما بالإمارات 2018، في حين أنّها بدأت حياتها الأدبية كاتبة للرواية والشعر والنقد ولها كتب عدّة منشورة كان أولها رواية "وانتهت بنقطة" صادرة عن دار الآداب ببيروت عام 2009، وآخرها مجموعة "بالإذن من أمي" المجموعة الشعرية التي صدرت عن دار نينوى (2017)، وبينهما كتابا شعر هما (أخفي الأنوثة) و(حمص ويستمرّ)، ودراسة نقدية بعنوان (الدوائر المتحدة المركز).
لقد حوّلت الكاتبة تفاعلات الأمومة مع طفليها اللذين تستلهم منهما الكثير من الأفكار، من كاتبة لا تخلو كتابتها من السوداوية أحياناً فيما قدمت من كتب للبالغين، إلى راوية حكايات تضجّ بالألوان، نادين باخص كاتبة تبدع بوعي وجمالية، مستندة إلى لغة راقية وأسلوب مشوق، وقد استطاعت بما تقدمه من أعمال أدبية جميلة أن تنال مكانة رفيعة لدى القراء.
يذكر أن سلسلة (ألوان الذاكرة) ليست جديدة كلياً، فقد صدرت على دفعتين عام 2022، لكن الجديد هو لقاء الكاتبة بها وتوقيعها لها بعد أن كانت قد صدرت أثناء إقامتها في كندا، علماً أن نادين باخص، تحمل شهادة ماجستير في النقد الأدبي، وتُرجمت بعضُ أعمالِها من قصائدَ ودراسات إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الشارقة الدولي للكتاب سوريا عن دار
إقرأ أيضاً:
الإخوان المسلمون.. إشكالية الذاكرة المثقوبة!
قبل أيام نشر الزميل العزيز، قطب العربي، مقالا في موقع "عربي21"، بعنوان "نهايات المئوية الأولى للإخوان.. تحديات البقاء".
ولست معنيا هنا بمناقشة فكرة بقاء الجماعة من عدمه، بقدر اهتمامي ببحث قدرتها على اصطناع روايات تاريخية غير صحيحة، لاستخدامها في تبرير أخطائها، حيث تم تمرير بعض المرويات غير الصحيحة مثل أنه "أصبحت الجماعة جزءا أساسيا من حركة وطنية واسعة ضده، وهو ما لم يحتمله الملك، فسعى إلى شيطنة الجماعة، واتهامها بكل نقيصة"، أو أن علاقتها بضباط يوليو/ تموز 1952 تغيرت حين "طالب الإخوان بعودة الديمقراطية، وتسليم الحكم للمدنيين، مع عودة الضباط إلى ثكناتهم".
وسأعود إلى هاتين الواقعتين لاحقا، لكن لا بد من الإشارة هنا إلى الدراسة المهمة التي نشرها الباحث حسام تمام -رحمه الله- عام 2003 بعنوان "لماذا لا يكتب الإخوان تاريخهم"، حيث حث تمام في الدراسة جماعة الإخوان المسلمين، على ضرورة الإسراع بكتابة تاريخهم، خاصة ما يتعلق منه بعلاقتهم بتنظيم الضباط الأحرار، والكشف عن دور الجماعة في الإطاحة بالملك فاروق، وما تلاها من أحداث غيرت وجه الحياة في مصر والمنطقة بأسرها.
الجماعة لا تتعامل مع تاريخها بوصفها مؤسسة بحثية، بل باعتبارها طرفا مشاركا وصانعا له، وفي ظل الصراع السياسي والأيديولوجي الذي تخوضه الجماعة، فمن غير المتوقع أن ننتظر الحقيقة كاملة، إضافة إلى أن إخراج الجماعة لرواية تاريخية معتمدة، سيوقع الباحثين في العنت والمشقة للخروج من أسر الرواية الرسمية، أو تنقية ما ورد فيها من مرويات تخالف روايات أخرى أشد موثوقية
الباحث الراحل (ت: 2011) تساءل قبل 22 عاما قائلا: "فهل ينطق الإخوان ويكشفون تاريخهم الحقيقي والمسكوت عنه مع ثورة يوليو أم يظل قرار الفرار إلى الصمت؟".
لكن وبعد هذه المدة ورحيل جميع شهود تلك المرحلة تقريبا، اتضح للجميع أن الجماعة اختارت اللوذ بالصمت، وهو ذات الخيار الذي تتبناه حاليا، والأغلب مستقبلا، بشأن أسرار ما حدث منذ 25 كانون الثاني/ يناير 2011 وحتى الآن.
فالجماعة لا تتعامل مع تاريخها بوصفها مؤسسة بحثية، بل باعتبارها طرفا مشاركا وصانعا له، وفي ظل الصراع السياسي والأيديولوجي الذي تخوضه الجماعة، فمن غير المتوقع أن ننتظر الحقيقة كاملة، إضافة إلى أن إخراج الجماعة لرواية تاريخية معتمدة، سيوقع الباحثين في العنت والمشقة للخروج من أسر الرواية الرسمية، أو تنقية ما ورد فيها من مرويات تخالف روايات أخرى أشد موثوقية.
لذا، فرغم أن مطالبة "تمام" حينها كانت وجيهة وطبيعية، وتحمس لها البعض من داخل الجماعة وخارجها، لكني اليوم أقول إن قرار "الفرار إلى الصمت" الذي اختاره التنظيم، كان هو الأشد إفادة والأنفع للتاريخ، ولصيانة الذاكرة الوطنية.
لكن عدم وجود تأريخ رسمي ومعتمد للجماعة جعل الباحثين أمام روايتين للأحداث، إحداهما شعبوية مصنوعة بعنابة موجهة لأبناء التنظيم، عبر الخطب والمؤتمرات وفي ثنايا المقالات التربوية والدعوية، أما الرواية الثانية، وهي الأقرب إلى الصواب، إن لم تكن الأصوب على الإطلاق، فيجب البحث عنها بعناية في مرويات ومذكرات شهود عيان، خاصة قادة الجماعة، وما كتبه آخرون من خارجها في مذكراتهم أو أعمالهم البحثية ذات الصلة، مع ملاحظة أن الرواية الشعبوية تظل لها قوة تأثير هائلة على وعي أبناء التنظيم، وليس من السهل زحزحة تلك القناعات حتى بروايات أخرى لقادة الجماعة وليس لخصومها.
الروايتان الشعبوية والحقيقية
في الدراسة المشار إليها، قلل تمام من أهمية ما تركه قادة الجماعة من مذكرات وشهادات بشأن ما حدث في تموز/ يوليو 1952، واعتبر أنها "أقرب للاجتهادات الشخصية التي تأخذ -في الغالب- طابع المذكرات وربما المقتطفات والذكريات والخواطر الذاتية منها إلى الكتابة التاريخية المعتمدة". لكن هذا التقليل لم يكن دقيقا، فمذكرات هؤلاء القادة تعد رافدا مهمّا يمكن من خلاله تصويب الروايات الشعبوية الرائجة بشأن أحداث مفصلية، ومن ثم الوصول إلى التفسير الصحيح لسلوك الفاعلين في تلك الحقب الزمنية.
فمثلا، تردّ الرواية الشعبوية الصِدام بين الجماعة ورئيس الوزراء الراحل محمود فهمي النقراشي؛ إلى اشتراك الجماعة في حرب فلسطين 1948، وتحرك النقراشي ضد الجماعة بناء على أوامر بريطانية صهيونية. لكن شهادة محمود الصباغ في كتابه "حقيقة التنظيم الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين"، الذي قدم له المرشد الخامس الأستاذ مصطفى مشهور، تقدم لنا رواية أخرى لعلاقة تحالف وطيدة بين الإخوان والنقراشي.
فالصباغ يقرر أن الجماعة رأت أن "تأييد النقراشي باشا إذا ما سلك أسلوبا جديدا في مواجهة الإنجليز أجدى وأنفع من دخول البلاد في اضطرابات داخلية جديدة". وأرسل البنا رسالة باسم الإخوان إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، للتصدي لاتهام زعيم حزب الوفد مصطفى النحاس باشا؛ للنقراشي بالديكتاتورية.
ويكمل الصباغ شهادته على تلك العلاقة، وانعكاسها على الحرب في فلسطين فيقول: "كان من نتائج سياسية تعاون الإخوان المسلمين مع حكومة النقراشي باشا الثانية، فور إعلانها أنها عزمت على قطع المفاوضات ومنابذة الإنجليز في هيئة الأمم المتحدة، أن سهّلت للإخوان المسلمين رسالتها في تسليح الفلسطينيين".
بل يمضي الشوط إلى نهايته، فالنقراشي كان يتابع وصول أفواج الإخوان إلى فلسطين بسلام، وتذليل العقبات أمامها. والمفاجأة أنه وحسب تأكيد الصباغ، الذي كان مسجونا على ذمة قضية "السيارة الجيب" الشهيرة، لم يكن في السجون من أعضاء الجماعة حتى مقتل النقراشي إلا المتهمون في تلك القضية فقط!
إذن، فنحن هنا أمام رواية مكتوبة تناقض السردية الشعبوية، عن اعتقال النقراشي لمجاهدي الجماعة عقب عودتهم قسريا من فلسطين، والزج بهم في السجون.
الإخوان والملك فاروق
وهذا مثال ثانٍ، ورد في مقال الزميل قطب العربي، عن "شيطنة الملك للجماعة" لكونها كانت جزءا من حركة وطنية واسعة ضده.
لكن الثابت تاريخيا أنه عقب انتهاء أزمة اغتيال النقراشي، ومقتل الأستاذ حسن البنا، تم إلغاء الحظر عام 1951، وتم اختيار الأستاذ حسن الهضيبي مرشدا خلفا للبنا، وبعيدا عن جدل كيفية الاختيار، فالثابت أنه لاقى قبولا لدى القصر الملكي، حيث وافق الملك على لقائه، وتحدث معه عن ضرورة مواجهة الشيوعية، عقب خروج القوات البريطانية المرتقب من مصر. وخرج بعدها الهضيبي ليصف اللقاء للصحافة بقوله: "دعوة كريمة من ملك كريم". وفي التفاصيل الكثير مما يمكن أن يقال.
الإخوان وعبد الناصر
المثال الثالث يخص علاقة عبد الناصر بالإخوان المسلمين، فالرواية المكتوبة تدحض السردية الشعبوية، من أن العلاقة كانت عابرة أو محض تعاون مؤقت.
أهم تحديات بقاء الجماعة هو قدرتها على قراءة تاريخها قراءة صحيحة، من واقع شهادات قادتها وغيرهم، ثم الاعتراف بما فيه من أخطاء وضمان عدم تكرارها
فالمرشد الرابع الأستاذ محمد حامد أبو النصر، يذكر في كتابه "حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمين وعبد الناصر" بالتفصيل بيعة عبد الناصر عام 1945 تقريبا، للأستاذ صالح عشماوي في منزله بالقاهرة، نيابة عن المرشد العام. ولم يكن عبد الناصر بمفرده بل كان معه أسماء عسكرية مشهورة، مثل عبد الحكيم عامر، وكمال الدين حسين، وخالد محيي الدين، وآخرين بايعوا في وقت لاحق.
وهذا يفسر لنا سبب انحياز أطياف من الجماعة، ومن التنظيم السري بشكل خاص، لعبد الناصر في مواجهة الهضيبي، فهو الأقدم بيعة ووجودا داخل الجماعة، وكان محل ثقة أيضا.
ورغم تذبذب العلاقة بين الجماعة وعبد الناصر صعودا وهبوطا في الفترة من بين 1952 إلى 1954، إلا أن التواصل بينهما لم ينقطع، ووافقه الإخوان على إجراءات حل الأحزاب. بل ودعموه في أشد حالات ضعفه، عقب بيان 25 آذار/ مارس 1954، الذي التزم فيه بعودة الأحزاب، وإلغاء الحظر السياسي، وتسليم السلطة للمدنيين. لكنه التف على البيان بالتواصل مع الإخوان رغم أن العلاقة بينهما حينها كانت سيئة للغاية، وتعهد لهم بعودة الجماعة مرة أخرى عقب قرار حلها في كانون الثاني/ يناير من نفس العام.
وبالفعل أعلن الإخوان على لسان الهضيبي رفض بيان آذار/ مارس، فكانوا -مع آخرين- معينا لعبد الناصر على التنصل من البيان الذي كان يمكن أن يغير تاريخ مصر السياسي إذا ما عاد الجيش إلى ثكناته، وتم استئناف الحياة النيابية.
الخلاصة
كانت تلك مجرد أمثلة، فالذاكرة المثقوبة للجماعة ألحقت ضررا بالغا بها، إذ حجبتها عن رؤية أخطائها، ومن ثم العمل على تقويمها وعدم تكرارها، فالأخطاء الكارثية التي ارتكبتها ما بين عامي 1952 إلى 1954 كررتها مرة أخرى في الفترة من 2011 إلى 2013، ومن الطبيعي أن تكون النتائج متشابهة إن لم تتطابق.
من هنا أظن أن أهم تحديات بقاء الجماعة هو قدرتها على قراءة تاريخها قراءة صحيحة، من واقع شهادات قادتها وغيرهم، ثم الاعتراف بما فيه من أخطاء وضمان عدم تكرارها.