د. جمال سالمي *** معظم شباب الجزائر حاليا لا يعرف شيئا عن هذه الحادثة.. بل قد يرفضها رفضا قاطعا.. مهما قرأ أو سمع أو شاهد.. *** ذلك أن المخيال الشعبي الجزائري الحالي مبرمج في عمومه، مع بعض الاستثناءات الإيجابية، سلبيا ضد كل ما هو وطني.. مستلب لكل ما هو غربي.. خاصة منه الفرنسي.. *** سادس اقتصاد في العالم حاليا، ممثلا في فرنسا، كانت على شفا حفرة من مجاعة شاملة لا تبقي ولا تذر.

. *** حدث ذلك مباشرة بعد ثورتها الشعبية ضد ثالوث الشر آنذاك: الملكية.. الكنيسة.. الإقطاع.. *** ثورة انطلقت يوم 14 جويلية 1789 انتصرت بعد تضحيات جسام.. حاصرتها كل الامبراطوريات الأوروبية المحيطة بها.. *** لم يجد الفرنسيون المساكين أي دولة تورد لهم القمح.. *** شهامة الجزائريين دفعتهم لنجدة الفرنسيين.. *** بقيت ديون تلك المعاملات التجارية عالقة حتى اليوم.. لم تسدد فرنسا ما عليها من مستحقات.. بل ردت خير الجزائريين بشر احتلالها لأرضهم يوم 5 جويلية 1830 *** التاريخ الاقتصادي الفرنسي لا يتوقف كثيرا عند هذه الحادثة.. *** لكن بعض مؤرخيهم المنصفين الموضوعيين يصرون على إثبات تلك الواقعة.. خاصة أن موازين القوة كانت آنذاك لصالح الجزائر.. *** إذ أنها احتلت ابتداء من أواخر القرن السادس عشر مكانة دولية مرموقة.. *** ليس فقط بفضل موقعها الجغرافي الهام، كبوابة لإفريقيا.. بل لقوة أسطولها البحري.. *** زرع الجزائريون الرعب في قلوب قراصنة الغرب.. كفاءة وشجاعة بحارتها كانت ملء السمع والبصر.. *** أضف إلى ذلك كثرة ثرواتها.. *** هذه المكانة جعلت معظم الدول تسعى لكسب ودها وصداقتها.. *** كانت فرنسا على رأس تلك الدول.. *** إذ عملت على توطيد علاقتها بالجزائر.. عبر إبرام معاهدات اقتصادية وفتح قنصلية لها في سنة 1581.. *** عم التعاون والوئام بين البلدين خلال القرن 16 والنصف الأول من القرن 17 *** لكن العلاقات الجزائرية الفرنسية ساءت في عهد لويس الرابع عشر.. نتيجة سياسته العدوانية تجاه الجزائر..  *** تحسنت العلاقات بين البلدين بعد قيام الثورة الفرنسية سنة 1789 السبب ليس الثورة فقط.. بل التغيير الذي حدث في مواقف السياسة الفرنسية.. *** حتى عندما سيطر نابليون على الحكم لم يتجه لاحتلال الجزائر.. بل سار شرقا نحو مصر وفلسطين.. *** استفادت فرنسا في بداية القرن التاسع عشر من الثورة الصناعية في تطوير أسلحتها.. *** شكلت بذلك قوة عسكرية.. مكنتها تدريجيا من تهديد الجزائر..  تحالفت مع الدول الأوروبية ضدها.. ساءت العلاقة بين الطرفين إلى حد التأزم.. *** هزيمة الأسطول الجزائري في معركة نافارين سنة 1827 أسال لعاب فرنسا.. قررت احتلال الجزائر.. حدث ذلك بالفعل بعد ثلاث سنوات من تلك المعركة البحرية المشؤومة.. لو كان حكام الجزائر يعلمون الغيب، هل كانوا سيساعدون فرنسا على تجاوز محنتها؟ سؤال افتراضي.. جوابه يختلف حسب طبيعة كل شخص.. *** الجزائريون الطيبون الأبطال سيجيبون حتما بنعم.. *** إذ ليس من المروءة ولا من الأخلاق ولا من الدين ترك شعب كامل يموت جوعا.. بينما ينعم الجزائريون آنذاك في الضفة الجنوبية من المتوسط بعيش رغيد.. *** يتكرر المشهد اليوم بشكل آخر.. تعرف السلطات الجزائرية جيدا أن مؤامرات تقسيم البلاد تطبخ يوميا في مخابر مخابرات فرنسا.. أكثر من بقية الدول الأوروبية.. لكنها لم تقطع عنهم الغاز.. رغم التحالف الاستراتيجي مع روسيا والصين.. بل شكلت صمام أمان لهم في مواجهة التهديد الطاقوي الروسي.. *** هنا يتجلى بُعد أكاديمي هام جدا في التحليل الاقتصادي.. لا يكاد ينتبه له أغلب الباحثين.. إنه البعد الأخلاقي.. *** صحيح أن بعض الاقتصاديين الغربيين حاليا يتجه صوب دراسته.. لكنهم لم يخرجوا من الإطار النظري.. مركزين على المستوى الجزئي: أفراد.. مؤسسات.. مستهلكون.. منتجون.. تجار.. زبائن.. متجنبين قصدا الحديث عنه في نطاق العلاقات الاقتصادية الدولية.. عارهم يمنعهم من كشف غدرهم ببقية الشعوب التي أمدت لهم يد المساعدة في ساعة عسرة.. *** لا تشكل فرنسا استثناء في ذلك.. فما فعلته بريطانيا بالهند ومصر دليل آخر.. بنت اقتصادها من خيراتهما.. وكان الجزاء كالعادة عكسيا: احتلال.. استغلال.. استعباد.. الشر الاقتصادي الذي قابلت به فرنسا خير الجزائر يتواصل حتى اليوم.. *** إنها تخطط ليل نهار لمنع أي استقلال اقتصادي جزائري حقيقي عنها.. لا تراها سوى فردوس مفقود.. تريد بأنانيتها المفرطة الاحتفاظ لوحدها بحق الانتفاع من ثرواتها الباطنية الهائلة.. *** تفعل نفس الشيء مع مالي والنيجر وبوركينا فاسو.. *** لكن روسيا وفاغنر قلصت من نفوذ فرنسا في هذه الدول الإفريقية.. *** الجزائر لا تحتاج لروسيا ولا لفاغنر للتخلص من سيطرة فرنسية اقتصادية دامت 200 سنة.. *** الجيش الجزائري القوي قادر على حماية البلاد عسكريا.. لكن جيشا اقتصاديا مخلصا هو ما تحتاجه البلاد حاليا.. جيش من الاقتصاديين الوطنيين العباقرة.. يرسمون للسلطة استراتيجية واضحة للانعتاق من نير الرأسمالية المتوحشة.. مقدما بديلا محليا قادرا ميدانيا على انتشال الاقتصاد الجزائري من كل كبوة مؤقتة.. *** لقد انطلق القطار يا اقتصاديي فرنسا.. فبينما تحتفلون يوم 14 جويلية بعيد ثورتكم، سبقكم الجزائريون في 5 جويلية بعيد الاستقلال السياسي والعسكري عنكم.. تمهيدا لاستقلال اقتصادي نهائي وجذري.. *** طموح الجزائريين حاليا لم يبق مجرد الخروج من الهيمنة الفرنسية.. بل الدخول في تكتلات اقتصادية عالمية بديلة.. البريكس أولها.. *** الجزائر البترولية الغنية سوف تكون إحدى ركائز النظام الاقتصادي الدولي الجديد.. لا يعتبر ذلك ضربا من الخيال.. بل توقعات لخبراء غربيين يدرسون التغيرات الاقتصادية العالمية لحظة بلحظة.. يرصدون بدقة تغير موازين القوى في كل دولة.. يستشرفون انهيارا أكيدا للمنظومة الرأسمالية المتوحشة: آجلا أو عاجلا.. *** من أجل ذلك، يبادر العسكريون الغربيون كل عشر سنوات بإشعال حروب مدمرة.. لتأخير انهيارهم هم.. مع تشغيل اقتصاد حرب يذر عليهم الملايير.. السودان آخر محطة في هذا السيناريو الرهيب..

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

اطلاق مشروع تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي ودعم صغار مزارعي القمح

أطلقت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، ووزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، والسفارة البريطانية في مصر، مشروع «تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي في مصر من خلال دعم صغار مزارعي القمح»، والذي يُعد أول تنفيذ فعلي لمذكرة التفاهم الموقعة بين مصر والمملكة المتحدة في مجال الأمن الغذائي بهدف إقامة شراكة استراتيجية بين مصر والمملكة المتحدة بشأن الأمن الغذائي المستدام خلال أكتوبر الماضي.

ويستهدف مشروع «تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي في مصر من خلال دعم صغار مزارعي القمح»، الذي سيتم تنفيذه على مدار عامين، تحقيق نتائج إيجابية على عدة مستويات، من خلال تحسين خصوبة التربة لصغار المزارعين في قطاع زراعة القمح حيث يركز المشروع بشكل خاص على تعزيز الإنتاجية الزراعية لصغار مزارعي القمح من خلال تحسين خصوبة التربة الزراعية وزيادة كفاءتها، وفيما يتعلق بمحور تحقيق الاستقرار الاقتصادي يقوم المشروع بدعم مرونة الإنتاج المحلي للقمح لمواجهة تقلبات الأسعار العالمية، كما يستهدف المشروع تعزيز رأس المال البشري وزيادة الإنتاجية الاقتصادية من خلال تحسين التغذية العامة للسكان، مما يعزز من صحة الأفراد ويرفع كفاءة القوى العاملة، وهو ما ينعكس إيجاباً على الإنتاجية الاقتصادية الوطنية ويساهم في تحقيق التنمية الشاملة.

كما يعزز المشروع جهود التخفيف من آثار التغير المناخي والتكيف معها، من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية وتحسين ممارسات خصوبة التربة حيث تساهم الممارسات الزراعية غير الملائمة في زيادة استخدام الأسمدة الكيميائية بشكل مفرط، وسيتم تنفيذ هذا المشروع من خلال شراكات استراتيجية مع الشركات المصنعة للمدخلات الزراعية والشركات التي تشتري المحاصيل (مثل المصدرين والمصنعين)، حيث سيتم تقديم الدعم لهذه الشركات لتوفير المنتجات والخدمات الضرورية لصغار المزارعين. ومن المتوقع أن يؤدي تحسين خصوبة التربة إلى تقليل الحاجة لاستيراد القمح بنسبة تتراوح بين 20% و25%.

وزيرة التخطيط تشارك في إطلاق استراتيجية العمران الأخضر وزيرة التخطيط تُشيد بالشراكة المُثمرة مع UNDP في العديد من المبادرات وبرامج التنمية

وتعليقًا على إطلاق المشروع، أكدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن  الحكومة المصرية تولي أولوية كبيرة لقطاع الأمن الغذائي ، ولذا فإن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، تعمل على حشد الشراكات الدولية والدعم الفني والتمويل من أجل تعزيز تلك الجهود، لتطوير الممارسات الزراعية المستدامة، ودعم حاضنة الأعمال الزراعية للشركات الصغيرة والمتوسطة، ودعم عملية التكيف في إنتاج المحاصيل وإدارتها، بالإضافة إلى تحديث أنظمة الري، والتكيف مع المناخ، بما يدفع جهود التنمية الاقتصادية، لافتة إلى أن الوزارة تعمل على صياغة السياسات الاقتصادية القائمة على الأدلة والبيانات لسد الفجوات في مختلف مجالات التنمية، وحشد التمويلات المحلية والخارجية، وتحفيز استثمارات القطاع الخاص في القطاعات ذات الأولوية.

وقال  علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، إننا نتطلع إلى شراكة استراتيجية مع بريطانيا في مجال الأمن الغذائى المستدام بما في ذلك تبادل الخبرات الفنية والبحث العلمي الزراعي، وكذلك تعزيز الإنتاج المحلى من القمح والزراعة المستدامة في مصر. وأشار فاروق إلى أن مجالات التعاون مع الجانب البريطاني تشمل أيضا التعاون في مجال رفع خصوبة التربة وزيادة إنتاجيتها الزراعية والاستخدام المُرشد للأسمدة خاصة النيتروجينية لدى صغار المزارعين وأصحاب الحيازات الصغيرة وكذلك التعاون في مجال الأمن الغذائي المستدام خاصة في محصول القمح.

من جانبها، قالت كاثرين كار، نائبة السفير البريطاني في القاهرة: "أنا سعيدة بالتعاون بين المملكة المتحدة ومصر في مجال الأمن الغذائي، وهو تحدٍ عالمي بالغ الأهمية. سيعمل برنامج الحبوب المستدامة على الجمع بين التعاون بين القطاعين العام والخاص بهدف زيادة إنتاج القمح المحلي وتقليل متطلبات استيراد القمح بنسبة 20-25٪: وهي نتيجة رائعة للمستهلكين والمزارعين والدولة. لقد شهدنا الكثير من الاستثمارات في البنية التحتية الزراعية، لكن هذه ستكون أول مبادرة مصرية مستهدفة لتوسيع إنتاج القمح. نحن فخورون بالمساعدة في تحقيق ذلك".

الجدير بالذكر، أنه خلال العام الماضي استضافت المملكة المتحدة، القمة العالمية للأمن الغذائي حيث تُمثل دفعة كبيرة لجهود الأمن الغذائي والابتكار في هذا المجال على مستوى العالم. وتتسم العلاقات المصرية البريطانية بتنوعها في العديد من المجالات كما تتواجد العديد من الشركات البريطانية التي تستثمر في مصر. وفي عام 2020 أصدرت وزارة التعاون الدولي ووزارة الدولة البريطانية للتنمية الدولية، بيانًا مشتركًا لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين وذلك ضمن فعاليات قمة الاستثمار البريطانية الأفريقية.

مقالات مشابهة

  • هل تعترف الجزائر قريباً بمغربية الصحراء….النظام الجزائري يستسلم للأمر الواقع ويعيد طواعيةً العلاقات مع إسبانيا
  • كيف تسهم الموانئ الرئيسية في الجزائر: عنابة وجن جن وبجاية في دفع النمو الاقتصادي
  • إطلاق مشروع «تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي في مصر من خلال دعم صغار مزارعي القمح»
  • إطلاق مشروع تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي في مصر
  • اطلاق مشروع تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي ودعم صغار مزارعي القمح
  • شبيبة القبائل واتحاد الجزائر.. قمة جماهيرية
  • عامر منسول: “اللاعب الجزائري لا يصل إلى التنافسية الكاملة”
  • شيخ الأزهر: نعيش حاليا مرحلة الحضارة المادية وازدهار اقتصاديات السلاح
  • فلسطين وسبعينية ثورة التحرير ونحو ألف ناشر في صالون الجزائر الدولي للكتاب
  • حقل المرك الجزائري.. كنر نفطي احتياطياته تتجاوز 1.2 مليار برميل