عندما أنقذ القمح الجزائري فرنسا من الجوع بعد ثورة 14 جويلية 1789
تاريخ النشر: 9th, July 2023 GMT
د. جمال سالمي *** معظم شباب الجزائر حاليا لا يعرف شيئا عن هذه الحادثة.. بل قد يرفضها رفضا قاطعا.. مهما قرأ أو سمع أو شاهد.. *** ذلك أن المخيال الشعبي الجزائري الحالي مبرمج في عمومه، مع بعض الاستثناءات الإيجابية، سلبيا ضد كل ما هو وطني.. مستلب لكل ما هو غربي.. خاصة منه الفرنسي.. *** سادس اقتصاد في العالم حاليا، ممثلا في فرنسا، كانت على شفا حفرة من مجاعة شاملة لا تبقي ولا تذر.
. *** حدث ذلك مباشرة بعد ثورتها الشعبية ضد ثالوث الشر آنذاك: الملكية.. الكنيسة.. الإقطاع.. *** ثورة انطلقت يوم 14 جويلية 1789 انتصرت بعد تضحيات جسام.. حاصرتها كل الامبراطوريات الأوروبية المحيطة بها.. *** لم يجد الفرنسيون المساكين أي دولة تورد لهم القمح.. *** شهامة الجزائريين دفعتهم لنجدة الفرنسيين.. *** بقيت ديون تلك المعاملات التجارية عالقة حتى اليوم.. لم تسدد فرنسا ما عليها من مستحقات.. بل ردت خير الجزائريين بشر احتلالها لأرضهم يوم 5 جويلية 1830 *** التاريخ الاقتصادي الفرنسي لا يتوقف كثيرا عند هذه الحادثة.. *** لكن بعض مؤرخيهم المنصفين الموضوعيين يصرون على إثبات تلك الواقعة.. خاصة أن موازين القوة كانت آنذاك لصالح الجزائر.. *** إذ أنها احتلت ابتداء من أواخر القرن السادس عشر مكانة دولية مرموقة.. *** ليس فقط بفضل موقعها الجغرافي الهام، كبوابة لإفريقيا.. بل لقوة أسطولها البحري.. *** زرع الجزائريون الرعب في قلوب قراصنة الغرب.. كفاءة وشجاعة بحارتها كانت ملء السمع والبصر.. *** أضف إلى ذلك كثرة ثرواتها.. *** هذه المكانة جعلت معظم الدول تسعى لكسب ودها وصداقتها.. *** كانت فرنسا على رأس تلك الدول.. *** إذ عملت على توطيد علاقتها بالجزائر.. عبر إبرام معاهدات اقتصادية وفتح قنصلية لها في سنة 1581.. *** عم التعاون والوئام بين البلدين خلال القرن 16 والنصف الأول من القرن 17 *** لكن العلاقات الجزائرية الفرنسية ساءت في عهد لويس الرابع عشر.. نتيجة سياسته العدوانية تجاه الجزائر.. *** تحسنت العلاقات بين البلدين بعد قيام الثورة الفرنسية سنة 1789 السبب ليس الثورة فقط.. بل التغيير الذي حدث في مواقف السياسة الفرنسية.. *** حتى عندما سيطر نابليون على الحكم لم يتجه لاحتلال الجزائر.. بل سار شرقا نحو مصر وفلسطين.. *** استفادت فرنسا في بداية القرن التاسع عشر من الثورة الصناعية في تطوير أسلحتها.. *** شكلت بذلك قوة عسكرية.. مكنتها تدريجيا من تهديد الجزائر.. تحالفت مع الدول الأوروبية ضدها.. ساءت العلاقة بين الطرفين إلى حد التأزم.. *** هزيمة الأسطول الجزائري في معركة نافارين سنة 1827 أسال لعاب فرنسا.. قررت احتلال الجزائر.. حدث ذلك بالفعل بعد ثلاث سنوات من تلك المعركة البحرية المشؤومة.. لو كان حكام الجزائر يعلمون الغيب، هل كانوا سيساعدون فرنسا على تجاوز محنتها؟ سؤال افتراضي.. جوابه يختلف حسب طبيعة كل شخص.. *** الجزائريون الطيبون الأبطال سيجيبون حتما بنعم.. *** إذ ليس من المروءة ولا من الأخلاق ولا من الدين ترك شعب كامل يموت جوعا.. بينما ينعم الجزائريون آنذاك في الضفة الجنوبية من المتوسط بعيش رغيد.. *** يتكرر المشهد اليوم بشكل آخر.. تعرف السلطات الجزائرية جيدا أن مؤامرات تقسيم البلاد تطبخ يوميا في مخابر مخابرات فرنسا.. أكثر من بقية الدول الأوروبية.. لكنها لم تقطع عنهم الغاز.. رغم التحالف الاستراتيجي مع روسيا والصين.. بل شكلت صمام أمان لهم في مواجهة التهديد الطاقوي الروسي.. *** هنا يتجلى بُعد أكاديمي هام جدا في التحليل الاقتصادي.. لا يكاد ينتبه له أغلب الباحثين.. إنه البعد الأخلاقي.. *** صحيح أن بعض الاقتصاديين الغربيين حاليا يتجه صوب دراسته.. لكنهم لم يخرجوا من الإطار النظري.. مركزين على المستوى الجزئي: أفراد.. مؤسسات.. مستهلكون.. منتجون.. تجار.. زبائن.. متجنبين قصدا الحديث عنه في نطاق العلاقات الاقتصادية الدولية.. عارهم يمنعهم من كشف غدرهم ببقية الشعوب التي أمدت لهم يد المساعدة في ساعة عسرة.. *** لا تشكل فرنسا استثناء في ذلك.. فما فعلته بريطانيا بالهند ومصر دليل آخر.. بنت اقتصادها من خيراتهما.. وكان الجزاء كالعادة عكسيا: احتلال.. استغلال.. استعباد.. الشر الاقتصادي الذي قابلت به فرنسا خير الجزائر يتواصل حتى اليوم.. *** إنها تخطط ليل نهار لمنع أي استقلال اقتصادي جزائري حقيقي عنها.. لا تراها سوى فردوس مفقود.. تريد بأنانيتها المفرطة الاحتفاظ لوحدها بحق الانتفاع من ثرواتها الباطنية الهائلة.. *** تفعل نفس الشيء مع مالي والنيجر وبوركينا فاسو.. *** لكن روسيا وفاغنر قلصت من نفوذ فرنسا في هذه الدول الإفريقية.. *** الجزائر لا تحتاج لروسيا ولا لفاغنر للتخلص من سيطرة فرنسية اقتصادية دامت 200 سنة.. *** الجيش الجزائري القوي قادر على حماية البلاد عسكريا.. لكن جيشا اقتصاديا مخلصا هو ما تحتاجه البلاد حاليا.. جيش من الاقتصاديين الوطنيين العباقرة.. يرسمون للسلطة استراتيجية واضحة للانعتاق من نير الرأسمالية المتوحشة.. مقدما بديلا محليا قادرا ميدانيا على انتشال الاقتصاد الجزائري من كل كبوة مؤقتة.. *** لقد انطلق القطار يا اقتصاديي فرنسا.. فبينما تحتفلون يوم 14 جويلية بعيد ثورتكم، سبقكم الجزائريون في 5 جويلية بعيد الاستقلال السياسي والعسكري عنكم.. تمهيدا لاستقلال اقتصادي نهائي وجذري.. *** طموح الجزائريين حاليا لم يبق مجرد الخروج من الهيمنة الفرنسية.. بل الدخول في تكتلات اقتصادية عالمية بديلة.. البريكس أولها.. *** الجزائر البترولية الغنية سوف تكون إحدى ركائز النظام الاقتصادي الدولي الجديد.. لا يعتبر ذلك ضربا من الخيال.. بل توقعات لخبراء غربيين يدرسون التغيرات الاقتصادية العالمية لحظة بلحظة.. يرصدون بدقة تغير موازين القوى في كل دولة.. يستشرفون انهيارا أكيدا للمنظومة الرأسمالية المتوحشة: آجلا أو عاجلا.. *** من أجل ذلك، يبادر العسكريون الغربيون كل عشر سنوات بإشعال حروب مدمرة.. لتأخير انهيارهم هم.. مع تشغيل اقتصاد حرب يذر عليهم الملايير.. السودان آخر محطة في هذا السيناريو الرهيب..
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
وزيرة البيئة: نبحث مع أستراليا وبريطانيا سبل زيادة التمويل الاقتصادي لملف المناخ
عقدت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، لقاءا ثنائيا مع إيد ميليباند وزير الدولة البريطاني لأمن الطاقة وصافي الانبعاثات الصفرية والوفد المرافق له، وذلك على هامش مشاركتها في الشق الوزاري لمؤتمر المناخ COP29 بباكو بأذربيجان.
وقد ثمن الوفد البريطاني في بداية اللقاء جهود الدكتورة ياسمين فؤاد في قيادة مشاورات الهدف الجديد لتمويل المناخ مع شريكها الأسترالي، والحرص على الوصول لمنطقة وسط تحقق توازن لمختلف الاراء.
مؤتمر المناخ COP29وأشارت وزيرة البيئة إلى أنها سلمت وشريكها الأسترالي إلى رئاسة مؤتمر المناخ COP29 نتائج قيادتهما لمشاورات الهدف الجمعي الجديد للتمويل على مدار الفترة السابقة، وتطلعها للخروج بقرار في هذا الشأن يسهل على جميع الأطراف المضي قدما في عملية المناخ، خاصة مع اهتمام الدول المتقدمة بتحديد قاعدة المساهمين.
الوصول إلى رقم أكثر قوة لتمويل ملف المناخومن جانبه، أضاف ايد ميليباند وزير الدولة البريطاني لأمن الطاقة، إلى حرص بلاده على الوصول إلى رقم أكثر قوة لتمويل المناخ، والطرق الواقعية لزيادة هذا الرقم، والوصول لاتفاق حول قاعدة المساهمين، في ظل تفهم الرؤى المختلفة للدول، مع العمل على بناء الثقة في إمكانية الوصول إليه، إلى جانب حشد المساهمات الطوعية وتشجيع القطاع الخاص على المشاركة لتخطي فجوة التمويل ، مع الاهتمام بالموضوعات الخاصة بقدرة الدول على الوصول للتمويل، وتمويل التكيف، والمساواة، والديون.
كما ناقش الجانبان الوضع الراهن لجهود التخفيف والحفاظ على هدف 1.5درجة ارتفاع في حرارة الكوكب، واهمية تقديم كافة الدول لخطط مساهماتها الوطنية لتقييم الجهد العالمي للتخفيف، حيث شددت وزيرة البيئة على ان مصر رغم التزامها بتقديم خطط مساهمات وطنية طموحة وتحديثها، إلا أنها تدافع عن حق الدول النامية في اختيار التزاماتها الطوعية وفق مساراتها وظروفها الوطنية.