شأنها شأن العديد من الدول العربية، تعاني ليبيا من تعقيدات الصراع وعدم الاستقرار، بالرغم من الإمكانات الهائلة التي تتوفر لها لتكون من أكثر الدول استقرار وتقدماً، لما تتمتع به من ثروات نفطية كبيرة، ومساحة جغرافية شاسعة، يسكنها حوالي 7 ملايين نسمة، من بينهم عدد كبير من الكوادر العلمية القادرة على التفكير والتخطيط وابتكار الحلول المناسبة للخروج من مأزق الصراع على السلطة وتعزيز الاستقرار.

ولم تكن الخطة الإستراتيجية العشرية التي وضعتها الإدارة الأميركية لمنع الصراع وتحقيق الاستقرار في ليبيا هي الأولى من نوعها، فقد سبقها العديد من الخطط والجهود الدولية التي تجعل المرء في حيرة من أمره، وهو يحاول فهم أسباب حاجة الليبيين لهذه الخطط، وأسباب عجز الليبيين عن وضع الخطط الوطنية القادرة على منع تجدد الصراع وتحقيق الاستقرار دون حاجة إلى جهود ووساطات خارجية.

عشرات المنظمات الدولية تعمل في ليبيا، وعشرات الخطط الدولية وضعت من أجل معالجة الهشاشة في البلاد، وإيقاف الصراع وتحقيق الاستقرار، تلتقي أحياناً وتفترق أحياناً أخرى مع خطة الإدارة الأميركية الإستراتيجية العشرية الخاصة بليبيا

طابور طويل من المنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية تعمل في ليبيا، منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011. الأمم المتحدة على سبيل المثال لها في ليبيا 20 منظمة تعمل في مختلف التخصصات، من بينها منظمة الأغذية والزراعة، ومنظمة العمل الدولية، والصندوق الدولي للتنمية، والمنظمة الدولية للهجرة، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ومنظمة الأمم المتحدة للمرأة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة، واليونسكو، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية. وكل من هذه المنظمات يعمل وفق خطط مدروسة وأهداف محددة مرتبطة بجداول زمنية معينة، ولها اعتمادات مالية دولية محددة، وهي تجوب البلاد شرقاً وغرباً منذ حوالي 10 سنوات.

سباق الإستراتيجيات في ليبيا

عشرات الخطط الدولية وضعت من أجل معالجة الهشاشة في ليبيا، وإيقاف الصراع وتحقيق الاستقرار، تلتقي أحياناً وتفترق أحياناً أخرى مع خطة الإدارة الأميركية الإستراتيجية العشرية الخاصة بليبيا، فكيف يتم التوفيق بين هذه الخطط؟ ومن الجهات الليبية المسؤولة عن قياس معدلات الأداء في هذه الخطط، ومعرفة ما إذا كانت ليبيا والشعب الليبي مستفيدة منها أم متضررة على المديين القريب والبعيد! والتقدم الذي أحرزته هذه الخطط حتى الآن، مما يجعلنا نثق أو نتشكك في صدقيتها ونزاهتها.

ونستعرض فيما يأتي عدداً من هذه الخطط:

إطار الأمم المتحدة الإستراتيجية الخاصة بليبيا للفترة 2019-2022، وهو امتداد للأطر الإستراتيجية السابقة اعتباراً من 2012. وهو إطار عالي المستوى يعتمد على خطة التنمية المستدامة لعام 2030 (SDGs) كمنطلق إرشادي لهيكل مجموعة النتائج. وترتبط نتائج إطار الأمم المتحدة للأمن الاجتماعي ونتائجها الإستراتيجية بالأهداف المحددة للتنمية المستدامة، مع الأخذ في الاعتبار الأولويات الحكومية المتوسطة إلى طويلة الأجل الناشئة وفقًا لإطار تنسيق التعاون الدولي لليبيا، وتركّز على الهدف 16 الخاص بـ "السلام والعدل والمؤسسات القوية" والهدف 5 الخاص بـ "المساواة بين الجنسين"، ويليهما أهداف التنمية المستدامة 4 "التعليم الجيد"، و8 "العمل اللائق والنمو الاقتصادي"، و1 "القضاء على الفقر"، و17 "الشراكات العالمية". إطار الأمم المتحدة للتعاون من أجل التنمية المستدامة في ليبيا للفترة 2023-2025، وهو إطار الشراكة الشاملة بين الأمم المتحدة والحكومة الليبية لبناء السلام والتنمية المستدامة انطلاقاً من خطة أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. وفي بيانهما المشترك أكد الطرفان على أن هذا الإطار يبشر بمرحلة جديدة من دعم الأمم المتحدة للنهوض بأولويات التنمية في ليبيا وخطة عام 2030، من خلال معالجة جماعية للتحديات الرئيسية التي تواجه البلاد، والشراكة مع الحكومة وأصحاب المصلحة في جميع أنحاء الدولة، بروح الشراكة والاحترام المتبادل، والتعاون لتحقيق الهدف الجماعي المتمثل في تسريع وتيرة التقدم في البلاد نحو أجندة 2030 وأهداف التنمية المستدامة لصالح الشعب الليبي. خطة برنامج الأغذية العالمي (WFP) الخاصة بليبيا للفترة 2023-2025، والتي تم إعدادها أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي يهدف البرنامج من خلالها إلى التصدّي مباشرةً لاحتياجات الأسر والمجتمعات الأكثر ضعفاً وتضرراً من النزاع، عن طريق المساعدة الغذائية الطارئة، وفرص كسب العيش المستدامة، والعمل مع الحكومة في تعزيز النظم الوطنية لتلبية الغذاء، وغيرها من الاحتياجات الأساسية للضعفاء في ليبيا، مما يساهم في تعزيز الاستقرار والسلام. خطة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) الخاصة بليبيا للفترة 2021-2024، والتي تسعى إلى دعم انتقال سياسي فعال في ليبيا، وتوفير التنمية المستهدفة وتحقيق الاستقرار، بالشراكة مع الحكومة الليبية والجهات الفاعلة الدولية الأخرى لدعم انتخابات موثوقة وشفافة، والعمل على تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي والحكم الديمقراطي لجميع الليبيين، وزيادة قدرة الحكومة على تقديم خدمات عامة فعالة، وتحسين مناخ استثمارات القطاع الخاص بما يفيد المصالح التجارية الأميركية والليبية. وتعمل الوكالة بشكل مباشر مع إستراتيجيات الأمن القومي الأميركية ذات الصلة وأولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وتسهم فيها، بما في ذلك التوجيه الإستراتيجي للأمن القومي المؤقت، وإستراتيجية الدولة المتكاملة في ليبيا.

إذا كانت الأمم المتحدة بمنظماتها المختلفة، وعلى رأسها مجلس الأمن، لم تستطع حتى الآن أن تعالج الهشاشة التي تعاني منها الدولة الليبية، ولم تستطع تحقيق الاستقرار الذي يتطلع إليه الشعب الليبي؛ فماذا ينتظر الفرقاء والشركاء الليبيون؟

المذكرة التي قدمتها مجموعة البنك الدولي (WBG) للدولة الليبية في يناير/كانون الثاني الماضي، ومدتها عامان، تغطي الفترة 2023-2024، وشارك فيها كل من البنك العالمي للإنشاء والتنمية (IBCD) ومؤسسة التمويل العالمية (IFC) ووكالة ضمان الاستثمار متعدد الأطراف (MIGA). وتحدد المذكرة مجالات مشاركة مجموعة البنك الدولي في دعم عملية الانتقال الصعبة في ليبيا نحو مستقبل مستدام، بهدف دعم تطوير الرؤية الاجتماعية والاقتصادية على المدى المتوسط إلى الطويل في ليبيا، والمساعدة في تشكيل العمليات التي يقرر الليبيون من خلالها مستقبل مجتمعهم واقتصادهم، ومساعدة ليبيا على مواجهة تحديات الهشاشة والتقدم نحو السلام والتسوية السياسية. الخطة الإستراتيجية للنجاح في ليبيا، التي أعدها مركز "American Enterprise Institute" عام 2017، وهي خطة للنجاح الأميركي في ليبيا، وليس لنجاح ليبيا في تحقيق الاستقرار والتنمية، حيث تعتقد الدراسة أن المصالح الأميركية في ليبيا تتجاوز التهديد السلفي الجهادي، بسبب سعي روسيا إلى توسيع نفوذها في ليبيا للضغط على أوروبا، وتحدي علاقة أميركا بمصر، وإطلاق قوة عسكرية في جنوب البحر الأبيض المتوسط، حيث تعدّ ليبيا أيضاً مسرحاً لمنافسات القوة بين دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، مع حلفاء وشركاء أميركا على كلا الجانبين، وكون ليبيا نقطة عبور رئيسية لتدفقات المهاجرين المزعزعة لاستقرار أوروبا. الدراسة التي أعدّها مركز (DCAF) السويسري عام 2021، تحت عنوان: "الطريق إلى الاستقرار: إعادة التفكير في إصلاح قطاع الأمن في ليبيا ما بعد الصراع"، والتي تهدف إلى دعم الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في ليبيا، وتقديم الخبرة والأفكار حول إصلاح القطاع الأمني هناك، في سياقات الهشاشة والصراع والعنف، وتحديد الحلول لتمكين تطوير خطط إصلاح القطاع الأمني، مع الأخذ في الاعتبار مختلف جوانب التهجين في بيئات النزاع والتواصل بين إصلاح القطاع الأمني ونزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.

إن هذه الخطط بحاجة إلى وقفة طويلة متأنية، لدراستها ومتابعة ما تحقق منها وما لم يتحقق، ومعرفة كيفية سير العمل فيها، ومن يديرها ومن ينفق عليها، فضلاً عن رصد نتائجها على المجتمع الليبي ومكوناته، ومعرفة ما إذا كانت هذه الخطط متعارضة أم يكمّل بعضها بعضاً لتحقيق أهداف أبعد ما تكون عن تطلعات الشعب الليبي. وهذا يدعو الفرقاء والشركاء الليبيين إلى ضرورة الإسراع في الخروج من دوامة الهشاشة التي يمرون بها، ليتمكنوا من وضح الخطة الوطنية الخاصة بهم، والتي تغنيهم عن جميع هذه الخطط، التي لم يثبت نجاحها حتى الآن. فإذا كانت الأمم المتحدة بمنظماتها المختلفة -وعلى رأسها مجلس الأمن- لم تستطع حتى الآن أن تعالج هذه الهشاشة، وتحقق الاستقرار الذي يتطلع إليه الشعب الليبي؛ فماذا تنتظرون؟

(يتبع..)

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: التنمیة المستدامة الأمم المتحدة فی لیبیا حتى الآن

إقرأ أيضاً:

ليبيا: الإقبال على العملية الانتخابية دليل لرغبة الشعب في الاستقرار والأمن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، إن الإقبال من الشعب على العملية الانتخابية يدل على رغبتهم في الاستقرار والأمن والنظام والمشاركة في صنع القرار.


وهنأ صالح، في بيان، وفقا لوكالة الأنباء الليبية"وال"، اليوم /الأحد/ - كل ليبي وليبية، على إيمانهم بالعملية الانتخابية وتوافدهم على صناديق اقتراع انتخابات المجالس البلدية، مما يؤكد بأن الأرض خصبة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي لا يوجد أي مبرر لتأخيرها.
وأكد رئيس مجلس النواب الليبي، أهمية إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة حرة ونزيهة، لأنها تمثل رغبة الشعب الليبي في تقرير مصيره واختيار ممثليه بإرادتهم الحرة دون قيود.
وفي السياق ذاته.. أكد نائب رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي سالم الزادمة "، أن إجراء الانتخابات في ليبيا ليس بالأمر الصعب أو المستحيل في ظل توفر الأمن والتجهيزات الفنية واللوجستية.
وقال الزادمة، في تدوينة نشرها عبر حسابه بمنصة " إكس"،إن نجاح تنظيم إنتخابات البلديات درس مهم يمكن استخلاصه لنجاح الانتخابات في ليبيا ليتمكن الشعب من اختيار ممثلية وقيادته، مشيدا بتنظم اقتراع البلديات التي جرت أمس السبت لاختيار ( 58 ) مجلسا بلديا، داعيا إلى ضرورة إنهاء الأزمة السياسية وتجديد الشرعية من خلال الانتخابات.

مقالات مشابهة

  • الخارجية الإيرانية: الكيان الصهيوني لا يؤمن بمبادئ الأمم المتحدة ولا يليق به التواجد في المحافل الدولية
  • إسرائيل تتعمد سلب الفلسطينيين أساسيات الحياة وتستهدف مؤسسات الإغاثة الدولية
  • السفير علاء حجازي يقدم أوراق اعتماده مندوب مصر لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بجنيف
  • الأمم المتحدة تحيي اليوم العالمي لمنع ممارسات الاستغلال والانتهاك والعنف الجنسي ضد الأطفال
  • مصر أكتوبر: قمة العشرين فرصة لتعزيز الاستقرار المالي الدولي ودعم الشعوب المعدمة
  • الاحتلال والأمم المتحدة.. ما الذي تخسره دولة تطرد من المنظمة الدولية؟
  • وزير الرياضة يبحث سبل الخطط التسويقية والاستثمارية لهيئة إستاد القاهرة الدولي
  • شباب من مختلف أنحاء ليبيا ينضمون إلى بعثة الأمم المتحدة
  • ليبيا: الإقبال على العملية الانتخابية دليل لرغبة الشعب في الاستقرار والأمن
  • السفير السعدي يناقش تعزيز الشراكات الدولية في الأمم المتحدة