إستراتيجية أميركا لمنع الصراع ودعم الاستقرار (10) | ليبيا ودوامة العمل الدولي
تاريخ النشر: 9th, July 2023 GMT
شأنها شأن العديد من الدول العربية، تعاني ليبيا من تعقيدات الصراع وعدم الاستقرار، بالرغم من الإمكانات الهائلة التي تتوفر لها لتكون من أكثر الدول استقرار وتقدماً، لما تتمتع به من ثروات نفطية كبيرة، ومساحة جغرافية شاسعة، يسكنها حوالي 7 ملايين نسمة، من بينهم عدد كبير من الكوادر العلمية القادرة على التفكير والتخطيط وابتكار الحلول المناسبة للخروج من مأزق الصراع على السلطة وتعزيز الاستقرار.
ولم تكن الخطة الإستراتيجية العشرية التي وضعتها الإدارة الأميركية لمنع الصراع وتحقيق الاستقرار في ليبيا هي الأولى من نوعها، فقد سبقها العديد من الخطط والجهود الدولية التي تجعل المرء في حيرة من أمره، وهو يحاول فهم أسباب حاجة الليبيين لهذه الخطط، وأسباب عجز الليبيين عن وضع الخطط الوطنية القادرة على منع تجدد الصراع وتحقيق الاستقرار دون حاجة إلى جهود ووساطات خارجية.
عشرات المنظمات الدولية تعمل في ليبيا، وعشرات الخطط الدولية وضعت من أجل معالجة الهشاشة في البلاد، وإيقاف الصراع وتحقيق الاستقرار، تلتقي أحياناً وتفترق أحياناً أخرى مع خطة الإدارة الأميركية الإستراتيجية العشرية الخاصة بليبيا
طابور طويل من المنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية تعمل في ليبيا، منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011. الأمم المتحدة على سبيل المثال لها في ليبيا 20 منظمة تعمل في مختلف التخصصات، من بينها منظمة الأغذية والزراعة، ومنظمة العمل الدولية، والصندوق الدولي للتنمية، والمنظمة الدولية للهجرة، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ومنظمة الأمم المتحدة للمرأة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة، واليونسكو، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية. وكل من هذه المنظمات يعمل وفق خطط مدروسة وأهداف محددة مرتبطة بجداول زمنية معينة، ولها اعتمادات مالية دولية محددة، وهي تجوب البلاد شرقاً وغرباً منذ حوالي 10 سنوات.
سباق الإستراتيجيات في ليبياعشرات الخطط الدولية وضعت من أجل معالجة الهشاشة في ليبيا، وإيقاف الصراع وتحقيق الاستقرار، تلتقي أحياناً وتفترق أحياناً أخرى مع خطة الإدارة الأميركية الإستراتيجية العشرية الخاصة بليبيا، فكيف يتم التوفيق بين هذه الخطط؟ ومن الجهات الليبية المسؤولة عن قياس معدلات الأداء في هذه الخطط، ومعرفة ما إذا كانت ليبيا والشعب الليبي مستفيدة منها أم متضررة على المديين القريب والبعيد! والتقدم الذي أحرزته هذه الخطط حتى الآن، مما يجعلنا نثق أو نتشكك في صدقيتها ونزاهتها.
ونستعرض فيما يأتي عدداً من هذه الخطط:
إطار الأمم المتحدة الإستراتيجية الخاصة بليبيا للفترة 2019-2022، وهو امتداد للأطر الإستراتيجية السابقة اعتباراً من 2012. وهو إطار عالي المستوى يعتمد على خطة التنمية المستدامة لعام 2030 (SDGs) كمنطلق إرشادي لهيكل مجموعة النتائج. وترتبط نتائج إطار الأمم المتحدة للأمن الاجتماعي ونتائجها الإستراتيجية بالأهداف المحددة للتنمية المستدامة، مع الأخذ في الاعتبار الأولويات الحكومية المتوسطة إلى طويلة الأجل الناشئة وفقًا لإطار تنسيق التعاون الدولي لليبيا، وتركّز على الهدف 16 الخاص بـ "السلام والعدل والمؤسسات القوية" والهدف 5 الخاص بـ "المساواة بين الجنسين"، ويليهما أهداف التنمية المستدامة 4 "التعليم الجيد"، و8 "العمل اللائق والنمو الاقتصادي"، و1 "القضاء على الفقر"، و17 "الشراكات العالمية". إطار الأمم المتحدة للتعاون من أجل التنمية المستدامة في ليبيا للفترة 2023-2025، وهو إطار الشراكة الشاملة بين الأمم المتحدة والحكومة الليبية لبناء السلام والتنمية المستدامة انطلاقاً من خطة أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. وفي بيانهما المشترك أكد الطرفان على أن هذا الإطار يبشر بمرحلة جديدة من دعم الأمم المتحدة للنهوض بأولويات التنمية في ليبيا وخطة عام 2030، من خلال معالجة جماعية للتحديات الرئيسية التي تواجه البلاد، والشراكة مع الحكومة وأصحاب المصلحة في جميع أنحاء الدولة، بروح الشراكة والاحترام المتبادل، والتعاون لتحقيق الهدف الجماعي المتمثل في تسريع وتيرة التقدم في البلاد نحو أجندة 2030 وأهداف التنمية المستدامة لصالح الشعب الليبي. خطة برنامج الأغذية العالمي (WFP) الخاصة بليبيا للفترة 2023-2025، والتي تم إعدادها أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي يهدف البرنامج من خلالها إلى التصدّي مباشرةً لاحتياجات الأسر والمجتمعات الأكثر ضعفاً وتضرراً من النزاع، عن طريق المساعدة الغذائية الطارئة، وفرص كسب العيش المستدامة، والعمل مع الحكومة في تعزيز النظم الوطنية لتلبية الغذاء، وغيرها من الاحتياجات الأساسية للضعفاء في ليبيا، مما يساهم في تعزيز الاستقرار والسلام. خطة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) الخاصة بليبيا للفترة 2021-2024، والتي تسعى إلى دعم انتقال سياسي فعال في ليبيا، وتوفير التنمية المستهدفة وتحقيق الاستقرار، بالشراكة مع الحكومة الليبية والجهات الفاعلة الدولية الأخرى لدعم انتخابات موثوقة وشفافة، والعمل على تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي والحكم الديمقراطي لجميع الليبيين، وزيادة قدرة الحكومة على تقديم خدمات عامة فعالة، وتحسين مناخ استثمارات القطاع الخاص بما يفيد المصالح التجارية الأميركية والليبية. وتعمل الوكالة بشكل مباشر مع إستراتيجيات الأمن القومي الأميركية ذات الصلة وأولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وتسهم فيها، بما في ذلك التوجيه الإستراتيجي للأمن القومي المؤقت، وإستراتيجية الدولة المتكاملة في ليبيا.إذا كانت الأمم المتحدة بمنظماتها المختلفة، وعلى رأسها مجلس الأمن، لم تستطع حتى الآن أن تعالج الهشاشة التي تعاني منها الدولة الليبية، ولم تستطع تحقيق الاستقرار الذي يتطلع إليه الشعب الليبي؛ فماذا ينتظر الفرقاء والشركاء الليبيون؟
المذكرة التي قدمتها مجموعة البنك الدولي (WBG) للدولة الليبية في يناير/كانون الثاني الماضي، ومدتها عامان، تغطي الفترة 2023-2024، وشارك فيها كل من البنك العالمي للإنشاء والتنمية (IBCD) ومؤسسة التمويل العالمية (IFC) ووكالة ضمان الاستثمار متعدد الأطراف (MIGA). وتحدد المذكرة مجالات مشاركة مجموعة البنك الدولي في دعم عملية الانتقال الصعبة في ليبيا نحو مستقبل مستدام، بهدف دعم تطوير الرؤية الاجتماعية والاقتصادية على المدى المتوسط إلى الطويل في ليبيا، والمساعدة في تشكيل العمليات التي يقرر الليبيون من خلالها مستقبل مجتمعهم واقتصادهم، ومساعدة ليبيا على مواجهة تحديات الهشاشة والتقدم نحو السلام والتسوية السياسية. الخطة الإستراتيجية للنجاح في ليبيا، التي أعدها مركز "American Enterprise Institute" عام 2017، وهي خطة للنجاح الأميركي في ليبيا، وليس لنجاح ليبيا في تحقيق الاستقرار والتنمية، حيث تعتقد الدراسة أن المصالح الأميركية في ليبيا تتجاوز التهديد السلفي الجهادي، بسبب سعي روسيا إلى توسيع نفوذها في ليبيا للضغط على أوروبا، وتحدي علاقة أميركا بمصر، وإطلاق قوة عسكرية في جنوب البحر الأبيض المتوسط، حيث تعدّ ليبيا أيضاً مسرحاً لمنافسات القوة بين دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، مع حلفاء وشركاء أميركا على كلا الجانبين، وكون ليبيا نقطة عبور رئيسية لتدفقات المهاجرين المزعزعة لاستقرار أوروبا. الدراسة التي أعدّها مركز (DCAF) السويسري عام 2021، تحت عنوان: "الطريق إلى الاستقرار: إعادة التفكير في إصلاح قطاع الأمن في ليبيا ما بعد الصراع"، والتي تهدف إلى دعم الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في ليبيا، وتقديم الخبرة والأفكار حول إصلاح القطاع الأمني هناك، في سياقات الهشاشة والصراع والعنف، وتحديد الحلول لتمكين تطوير خطط إصلاح القطاع الأمني، مع الأخذ في الاعتبار مختلف جوانب التهجين في بيئات النزاع والتواصل بين إصلاح القطاع الأمني ونزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.إن هذه الخطط بحاجة إلى وقفة طويلة متأنية، لدراستها ومتابعة ما تحقق منها وما لم يتحقق، ومعرفة كيفية سير العمل فيها، ومن يديرها ومن ينفق عليها، فضلاً عن رصد نتائجها على المجتمع الليبي ومكوناته، ومعرفة ما إذا كانت هذه الخطط متعارضة أم يكمّل بعضها بعضاً لتحقيق أهداف أبعد ما تكون عن تطلعات الشعب الليبي. وهذا يدعو الفرقاء والشركاء الليبيين إلى ضرورة الإسراع في الخروج من دوامة الهشاشة التي يمرون بها، ليتمكنوا من وضح الخطة الوطنية الخاصة بهم، والتي تغنيهم عن جميع هذه الخطط، التي لم يثبت نجاحها حتى الآن. فإذا كانت الأمم المتحدة بمنظماتها المختلفة -وعلى رأسها مجلس الأمن- لم تستطع حتى الآن أن تعالج هذه الهشاشة، وتحقق الاستقرار الذي يتطلع إليه الشعب الليبي؛ فماذا تنتظرون؟
(يتبع..)
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: التنمیة المستدامة الأمم المتحدة فی لیبیا حتى الآن
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة تطلب رأي العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل تجاه فلسطين
صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة الخميس، على مشروع قرار لطلب رأي محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل بتسهيل المساعدات المقدمة للفلسطينيين من دول ومنظمات دولية بما في ذلك الأمم المتحدة.
وصوتت الجمعية العامة، بأغلبية 137 من أصل 193 دولة، لصالح القرار الذي صاغته النرويج. وصوتت إسرائيل والولايات المتحدة وعشر دول أخرى ضده، بينما امتنعت 22 دولة عن التصويت.
وجاءت هذه الخطوة رداً على قرار إسرائيل حظر عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) اعتباراً من أواخر يناير، فضلاً عن عقبات إضافية واجهتها وكالات الأمم المتحدة الأخرى في عملها الإغاثي في غزة على مدى العام الماضي.
ومحكمة العدل الدولية هي أعلى محكمة في الأمم المتحدة، وتحمل آراؤها الاستشارية ثقلاً قانونياً وسياسياً رغم أنها غير مُلزِمة. ولا تتمتع المحكمة التي يقع مقرها في لاهاي بسلطات إنفاذ إذا تعرضت آراؤها للتجاهل.
ويعبر القرار الذي أُقر الخميس، عن "القلق البالغ إزاء الوضع الإنساني المزري في الأراضي الفلسطينية المحتلة" و"يدعو إسرائيل إلى الوفاء بالتزاماتها بعدم منع الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير".
وتنظر الأمم المتحدة إلى غزة والضفة الغربية على أنها أرض محتلة من قبل إسرائيل. ويتطلب القانون الإنساني الدولي من قوة الاحتلال الموافقة على برامج الإغاثة للأشخاص المحتاجين وتسهيلها "بكل الوسائل المتاحة لها" وضمان وصول الغذاء والحصول على الرعاية الطبية والحفاظ على معايير النظافة والصحة العامة.
ولا يحظر القانون الإسرائيلي الجديد بشكل مباشر عمليات الأونروا في الضفة الغربية وغزة. ومع ذلك، فإنه سيؤثر بشدة على قدرة الأونروا على العمل. ويصف كبار المسؤولين في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الأونروا بأنها حجر زاوية بالنسبة للمساعدات في قطاع غزة.