كثيرة هي المقاربات التي تحاول تفسير الحرب على غزة ومستقبلها، وأي السيناريوهات يمكن أن تأخذه، لكن قلما يتم الالتفات إلى البعد الفكري والنظري في الموضوع، والقواعد التي تؤطر العقل الصهيوني والغربي عمومًا في تعاطيه مع حماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية.

منذ سنة 2005، أي سنة تصدر حماس نتائج الانتخابات في قطاع غزة، وإمساكها بدواليب السلطة فيها، أنتج العقل الصهيوني والأميركي مقاربة واحدة، لا تزال إلى الآن، الجواب المتكرر في التعاطي مع قطاع غزة ومقاومتها: الحصار.

خلافًا للاستشرافات الأميركية حول أشكال استجابة المواطن الفلسطيني للحصار على غزة، أثبتت الوقائع، أن فصائل المقاومة الفلسطينية باتت تتمتع بشرعية أكبر، وأن هناك معادلة متلازمة، تربط بين استهداف الحاجيات الأساسية للمواطن الفلسطيني، وازدياد نسبة الدعم للمقاومة الفلسطينية

انطلقت الأطروحة من تصور بنيوي وظيفي، يقوم على فكرة أن دعم المواطن الغزي للمقاومة الفلسطينية لن يستمر إذا ما فقد الحاجيات الأساسية للحياة، وأن سؤالًا سينقدح في ذهنه، ويستبد به كلما شعر أنه يفقد كل متطلبات العيش، فيكبر التناقض في تصوره بين الحاجة إلى الحياة، والحاجة إلى دعم المقاومة، حتى ينتهي إلى نتيجة مصيرية، مفادها أن الاستمرار في الحياة، يتطلب فك الارتباط بفصائل المقاومة، بل خوض معركة ضدها، باعتبارها مسؤولة عن المعاناة التي لحقت بالمواطنين الفلسطينيين.

لم تؤتِ هذه الأطروحة نتائجها في العدوان على غزة سنة 2014، وتحولت إلى أطروحة تهجير، إذ اتجه العدوان الإسرائيلي إلى منحى استهداف المدنيين بدرجة أولى؛ لإلجائهم إلى الهجرة، فتحول المنظور من حصار بالمنع من الحاجيات الأساسية، إلى تهديد بالموت والقتل.

العقل البحثي الغربي- الذي يؤطر مختلف حقول المعرفة الاجتماعية- كان دائمًا يتأرجح بين أطروحتين: "أطروحة البنية"، و"أطروحة الفعل الاجتماعي"، لكن، أغلب التقليعات النظرية والمنهجية- لاسيما في مجال العلوم الاجتماعية- تنتصر أكثر لأطروحة "البنية" أكثر من انتصارها لفكرة "الفعل الاجتماعي"، وهو ما نرى انعكاسه على قواعد تفكير العقل السياسي الأميركي والصهيوني على حد سواء.

تنطلق أطروحة البنية، من فكرة أن القضاء على حماس وبنيتها العسكرية وتولي الكيان الصهيوني المسؤولية الأمنية للقطاع، أمر ممكن، فإسرائيل بدعم أميركي، تمتلك التكنولوجيا العسكرية المتطورة التي تسمح لها بالقيام بهذا الإنجاز، وتملك الحشد الدولي القادر على تغطية جرائمها، وتملك القدرة على تحييد كل جبهات القتال الأخرى بدعم أميركي، وتملك جعل فاعلية الدول العربية خارج دائرة التأثير، وفوق هذا وذاك، تملك القدرة على تعبئة داخلها، ورصّ الجبهة الداخلية، وتملك الخيارات التي تعزل فصائل المقاومة الفلسطينية عن حاضنتها الشعبية، وتملك أن تدير المعركة بالشكل الذي تريد، وفي الزمان الذي تختاره، والمكان الذي تحدده.

في الواقع، ثمة إشكالان عريضان يواجهان العقل البنيوي الوظيفي الصهيوني وكذلك الأميركي:

يتعلق الأول باختلاف المعادلة الاجتماعية، فالإسرائيليون- ومعهم الأميركان والأوروبيون- يعتقدون أن المواطن الفلسطيني مثله مثل المواطن الإسرائيلي أو المواطن الأميركي أو الأوروبي، وأنه مسيج ببنية، يستجيب لتحدياتها، وينضبط لروادعها، وأن المس بحاجيات الحياة الأساسية، يدفعه دفعًا إلى التفكير العقلاني البراغماتي على شاكلة ما يفعل الإنسان الأميركي أو الأوروبي أو حتى الإسرائيلي، حينما يضطر للتنازل عن طوباويته وأحلامه في مقابل لوازم الحياة ومصالحها المادية.

التجربة أثبتت العكس، فخلافًا للاستشرافات الأميركية التي أنتجتها مختلف أدوات الصناعة البحثية حول أشكال استجابة المواطن الفلسطيني للحصار على غزة، أثبتت الوقائع، أن فصائل المقاومة الفلسطينية باتت تتمتع بشرعية أكبر، وأن هناك معادلة متلازمة، تربط بين استهداف الحاجيات الأساسية للمواطن الفلسطيني، وازدياد نسبة الدعم للمقاومة الفلسطينية.

الإشكال الثاني، يرتبط بالقواعد نفسها التي تنظم عمل البنية، ومخرجات الفاعلين ضمنها، وطبيعة التفاعلات التي تحكم دينامياتهم، ومدى القدرة في التحكم فيها، أو توجيه مخرجاتها بالشكل الذي يخدم الأهداف الصهيونية والأميركية.

تتبّع التطورات الجارية، أثبت أن القدرة على التحكم في مخرجات هذه البنية صار ممتنعًا، وأن الإدارة الأميركية اضطرت إلى أن تلعب أكثر من دور لتأمين عنصر التوازن، وحتى لا تسير الديناميات في مسار معاكس للإرادة الإسرائيلية.

تفكيك هذه الديناميات، يكشف تبلور تناقضات مفصلية يصعب معها التوفيق بين مخرجات الفاعلين وضبطها، وهو الأمر الذي سيقود حتمًا إلى تفجير النسق (البنية) ومنعه من تحقيق أهدافه.

يتطلب اشتغال البنية بشكل متوازن وفعال أن يتم تأمين الحشد الدولي، وضمان مساندة إسرائيل في "دفاعها عن النفس" ضد "الإرهاب" الذي تشكله حركة حماس.

ويتطلب من جانب ثانٍ، تحييد جبهات الحرب، بالشكل الذي يتم فيه التركيز على هدف القضاء على حماس، وتأمين شروط حصوله.

ويتطلب من جهة ثالثة، تحييد الدور العربي، حتى وإن كان الهدف الإستراتيجي يمس المصالح الأمنية الإستراتيجية لكل من مصر والأردن في البدء، ومختلف الدول العربية في النهاية.

ويتطلب من جهة رابعة، أن يتم التحكم في المنتظم الدولي ومنعه من تحويل الوحشية الإسرائيلية اتجاه المدنيين إلى موضوع إنساني يحشد المجتمع الدولي ضد جرائم الحرب الإسرائيلية.

ويتطلب من جهة خامسة، أن يتم تأمين الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وضمان دعمها وتأييدها المطلق للحرب على غزة، وعدم تحولها إلى معيق للفعل العسكري.

ويتطلب من جهة سادسة، إسكات صواريخ حماس، وإبطال قدرتها الدفاعية داخل غزة، وإضعاف أدائها الإعلامي حتى لا تتأثر الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

ويتطلب من جهة سابعة، أن تكون مدة الحرب محدودة، حتى تضمن استمرار تماسك الجبهة الداخلية وثقتها في فاعلية التدخل العسكري، وألا تـتأثر المؤشرات الاقتصادية، ولا يكون لها انعكاس على معاش الإسرائيليين، بالشكل الذي يؤدي وظيفة معاكسة لمتطلبات الحرب.

ويتطلب الأمر من جهة ثامنة، أن تكون نتائج العملية العسكرية ملموسة، يرى فيها المواطن الإسرائيلي تحقق الأهداف بشكل مقنع.

من الواضح تمامًا أن الاختلال في عناصر البنية، دفع بها إلى فقدان التوازن بشكل كلي، فعلى الرغم من الدور الأميركي- الذي برز في شكل زيارات متكررة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لدول المنطقة لضبط الإيقاع- فإن ذلك لم يحقق إلا نتائج جد محدودة.

فعلى الرغم من عدم خروج المناوشات بين حزب الله والكيان الصهيوني عن قواعد الاشتباك، وعلى الرغم من أن الديناميات العربية المتفاوتة، لم تشكل تهديدًا لقواعد البنية، فإن أطروحة التهجير، وضعت العالم العربي- وبشكل خاص مصر والأردن- ضمن منظور مختلف، فقد أضحت الدول العربية، ترى في تحقيق إسرائيل نصرًا على حماس بمثابة تهديد جدي لأمنها القومي، ومن ثمة، كان لتحركها من زاوية إدانة استهداف المدنيين وتجويعهم ومنعهم من الحاجيات الأساسية للحياة- فضلًا عن استهداف المؤسسات الخدمية الاستشفائية والتعليمية وأماكن العبادة، ومحاولة إبادة الشعب الفلسطيني- دور مهم في سحب الغطاء والشرعية عن الحرب الإسرائيلية على غزة، وتحويل الموقف الدولي من موقف داعم لحق إسرائيل في "الدفاع عن نفسها" إلى إدانة جرائم الحرب التي ترتكبها ضد الفلسطينيين.

من الواضح أن الشجب الدولي، وعدم تمكن إسرائيل من تأمين غطاء أممي أو دولي، حفزا الولايات المتحدة الأميركية إلى تغيير مواقفها وتغيير بعض وظائفها، من التبني والاحتضان والدعم العسكري إلى البحث عن خيارات لإسكات الغضب الدولي عبر البحث عن هدن إنسانية مؤقتة، إلى محاولة إقناع القيادة الإسرائيلية، بتحويل الهدف إلى وقف الحرب والاكتفاء بإجراء صفقة أسرى، تكسب منها إسرائيل عودة جنودها ومحتجزيها المدنيين.

البعد الآخر المنفلت من قواعد اشتغال البنية، هو الداخل الإسرائيلي،  وذلك على مستوى عمودي وأفقي، فالثابت أن الصراع الذي يخترق القيادة السياسية من جهة، والعلاقات بين الجهاز الحكومي والجهاز العسكري والأمني، فضلًا عن تفكك الجبهة الداخلية، وتباين وجهات النظر التي تعبر عنها، بشأن أهداف الحرب ومدى قدرة آلة الحرب الإسرائيلية على تحقيقها، وسير المعارك على الأرض، ومدى جدية الأهداف التي يتم الإقناع بتحققها، وقدرة الجيش الإسرائيلي على استنقاذ الأسرى والمحتجزين، وتأمين المدن والمستوطنات الإسرائيلية، إضافة إلى التناقض الذي حصل في هذه القضايا، والديناميات الداخلية التي تحركت على خلفيتها، كل ذلك يشير إلى أن عطبًا كبيرًا أصاب قواعد اشتغال البنية ومنعها من تأمين كفاءتها.

لكن، يبقى العنصر الأكثر انفلاتًا من قواعد اشتغال البنية، هو شكل الاستجابة الذي تبديه المقاومة الفلسطينية، وذلك على ثلاثة مستويات أساسية:

المستوى العسكري، من خلال تحقيق أهداف مؤكدة ملموسة لا مجال للشك فيها (موثقة بالصوت والصورة)، بل وزرع الشك في قدرة التطور التكنولوجي على حسم المعركة (إعطاب الدبابات وناقلة الجند النمر المتطورة تكنولوجيا). المستوى الإعلامي، سواء من خلال تصوير عمليات إصابة الأهداف من "المنطقة صفر" وعبر الاشتباك المباشر مع آليات العدو، أو من خلال اختيار المادة الإعلامية التي تؤثر في الداخل الإسرائيلي، وتحور وظيفته داخل البنية من عامل رص للجبهة إلى عامل تفكيك لها، أو من خلال تحويل المعاناة الفلسطينية- لاسيما معاناة الأطفال والنساء، واستهداف المؤسسات الخدمية- إلى عامل استقطاب للدعم الدولي من خلفية إنسانية وحقوقية. ثم المستوى السياسي، وذلك من خلال إدارة سياسية منسقة للمعركة، تنسف أطروحة العدو الصهيوني، ولا تدخل في أي مناكفات مع محاور المقاومة على خلفية ضعف إسنادها، ولا تستعدي الدول العربية، وتركز بشكل كبير على مظلومية الشعب الفلسطيني، والأهداف البعيدة للإستراتيجية الإسرائيلية- الأميركية، ووحشية وجرائم العدو الصهيوني، وتفتح أفقها للانفتاح على فاعلين آخرين، كانوا بالأمس القريب بعيدين عن ساحة التضامن مع القضية الفلسطينية.

الحاصل من ذلك كله، أن المواطن الإسرائيلي بات مقتنعًا أن الآلة الحربية الإسرائيلية – بعد مرور أكثر من شهر على العدوان على غزة- لم تحقق أيًا من أهدافها، وأن القيادة الإسرائيلية أضحت مرتبكة مترددة تغير أهدافها كل مرة، من القضاء على حماس، إلى القضاء على بنيتها العسكرية، إلى القضاء على عقلها المدبر يحيى السنوار، وأنها لم تنجح إلى الآن في استنقاذ أي من جنودها الأسرى أو مواطنيها المحتجزين لدى حماس والقوى الفلسطينية، رغم استعانتها بخبرة الطائرات المسيرة الأميركية في الاستطلاع الاستخباراتي الدقيق.

كما لم تنجح في إيقاف صواريخ حماس، ولا في إبطاء فاعلية بنيتها العسكرية الدفاعية على أرض غزة،  وأن النجاح النسبي الذي حققته على مستوى تحييد جبهات الصراع المفتوحة، أو تسقيف الدور العربي، لم يحُل دون أن يتحول الموقف الدولي إلى  مدين  للهمجية الإسرائيلية ولجرائم الحرب التي ترتكبها ضد الفلسطينيين.

ولهذا الغرض تسارع الولايات المتحدة الأميركية لإقناع القيادة الإسرائيلية بأنها لن تستمر إلى الأبد في لعب دور الإطفائي الذي يكثر من التدخل حتى يؤمن شروط توازن اشتغال البنية، وأن الوقت لم يعد في صالح إسرائيل ولا  أميركا، وأن الخيار الذي تبقى هو أن تحقق إسرائيل أهدافها بسرعة مكوكية، أو أن تضطر واشنطن إلى أن تسحب ثقتها في القيادة الحالية، وتحملها  مسؤولية السابع من أكتوبر بكل تداعياتها، بما في ذلك فشل إسرائيل في حماية مواطنيها وتحقيق انتصار في المعركة ضد حماس، وتشتغل على سيناريو قيادة إسرائيلية جديدة.

بالجملة، تثبت الوقائع، أن "أطروحة البنية" انهزمت بشكل كامل أمام "أطروحة الفعل الاجتماعي"، التي يمثلها أداء المقاومة البطولي وشكل استجابة الشعب الفلسطيني، وتمثلها أيضًا مختلف الديناميات التي تحول دون أن تشتغل قواعد البنية الصهيونية والأميركية بكفاءتها، كما كان  المفترض منها لحظة التنظير.

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فصائل المقاومة الفلسطینیة الجبهة الداخلیة الدول العربیة بالشکل الذی القضاء على على حماس من خلال على غزة

إقرأ أيضاً:

أحمد ياسر يكتب: فشلت خطة الجنرالات الإسرائيلية باعتراف مؤسسها

مشروع "جيورا ايلاند"، والتي عُرفت أيضاً باسم خطة الجنرالات"الإسرائيلية، نُشرت خطتها  في مُنتدى عسكري في وقت سابق.. ينتقد أفعال كيان الاحتلال ضد فلسطين … ولكن .. لماذا تم مناقشتها خلال الفترة الماضية؟

في أبسط صورها، تتضمن  اقتراحات الخطة التي قدمتها مجموعة من كبار جنود الاحتياط، "التطهير العرقي" لشمال قطاع غزة ؛ ثم محاصرة المنطقة، بما في ذلك وقف دخول الإمدادات الإنسانية، لتجويع أي شخص متبق، بما في ذلك المقاتلين الفلسطينيين.

تم نشر الخطة في أواخر سبتمبر 2024 من قبل منتدى القادة والجنود في الاحتياط، وهي منظمة غير حكومية إسرائيلية تعرف نفسها بأنها هيئة مهنية تضم أكثر من 1500 ضابط في الجيش.

1- من هو جيورا إيلاند؟

الشخصية المركزية وراء الخطة هو جيورا إيلاند، وهو لواء احتياطي متقاعد، كان رئيسًا لفرق العمليات والتخطيط في الجيش، ثم ترأس مجلس الأمن القومي فيما بعد .

أحمد ياسر يكتب: الذكاء الاصطناعي .. سلاح تدمير غزةأحمد ياسر يكتب: الملك الأمريكي.. يرسم العالم من جديد!

يعتبر آيلاند، الذي شارك في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، وغزو لبنان عام 1982، وعملية عنتيبي عام 1976، من يسار الوسط في إسرائيل… وفي عام 2023، دعم جنود الاحتياط الذين رفضوا الالتحاق بالخدمة أثناء أزمة الإصلاح القضائي في إسرائيل.

خلال الحرب الحالية، تصدر عناوين الأخبار عدة مرات لدعوته الجيش إلى اتخاذ إجراءات قد تشكل جريمة حرب.

في مقابلة أجريت معه في 29 أكتوبر 2023، بعد أسابيع فقط من بدء الحرب، قال "آيلاند" إن إسرائيل بحاجة إلى ممارسة ضغوط أقوى بكثير...  

وأضاف: "إن حقيقة انهيارنا في مواجهة المساعدات الإنسانية لغزة خطأ فادح... يجب تدمير غزة بالكامل: فوضى رهيبة، وأزمة إنسانية حادة، وصراخ إلى السماء..."

وفي ديسمبر 2023، اقترح أنه إذا لم تكن حماس على استعداد لمناقشة الرهائن الإسرائيليين، فيجب قطع المساعدات الإنسانية على أمل عزل قيادة حماس في نهاية المطاف.

"إن غزة بأكملها سوف تموت جوعاً"، "وعندما تموت غزة جوعاً، فإن مئات الآلاف من الفلسطينيين سوف يغضبون ويشعرون بالانزعاج"… والجوعى هم الذين سوف يحدثون انقلاباً ضد [يحيى] السنوار، وهذا هو الشيء الوحيد الذي يزعجه".. هكذا استنتج آيلاند.

واعتقد "آيلاند" أيضاً أن التهديدات الأخرى لرفاهية الفلسطينيين يجب تجاهلها، مثل احتمال انتشار وباء… "إذا كان مثل هذا الوضع موجوداً، فإنه سوف يكسر روح حماس القتالية ويقصر القتال".

وبالمثل، ليس لديه وقت كبير للضعفاء. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قال آيلاند إن إسرائيل لا ينبغي لها أن تقدم أي مساعدات إنسانية إلى غزة لأن "من هم النساء المسنات في غزة - بعد كل شيء - هن نفس الأمهات والجدات لمقاتلي حماس الذين ارتكبوا الجرائم الرهيبة في السابع من أكتوبر".. علي حد وصفه أيضا ً.

2- ما هو التفكير وراء خطة الجنرالات؟

لقد زعمت الاستراتيجية الإسرائيلية أن الضغط العسكري وحده هو الذي سيحقق النتائج المرجوة... واليوم، بعد عام و أكثر منذ السابع من أكتوبر 2023، يمكننا أن نقول بأمان إن هذه الاستراتيجية قد أثبتت "فشلها" بجدارة.

ويعزون ذلك إلى فشل الجيش في تنفيذ العديد من الإجراءات بما في ذلك "تطويق مناطق القتال، وإخلاء السكان بالكامل من تلك المناطق عبر المعابر [و] خلق بديل لتوزيع المساعدات الإنسانية".

وهذا يعني أنه في حين تكبدت حماس خسائر فادحة عندما تعرضت للهجوم، فإنها لا تزال قادرة على التعافي بمجرد مغادرة الجيش الإسرائيلي للمنطقة.

لذلك، تقول الخطة، "إن الطريقة الوحيدة لإلحاق الضرر بقدرة حماس على إعادة تأهيل نفسها هي الإضرار بعنصر أو أكثر من العناصر الأربعة (المال، والقدرة على تجنيد المقاتلين، والإمدادات، والدافع) التي تمكنها من البقاء على قيد الحياة بمرور الوقت".

3- ما هي المرحلة الأولى من خطة الجنرالات؟
يتلخص جوهر الخطة في وقف وصول المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة؛ واستخدام المجاعة كوسيلة ضغط… وهي تتألف من مرحلتين:

(أ) هي "إخلاء السكان من شمال قطاع غزة"... وقد كان هذا جزءًا من تفكير الجيش الإسرائيلي حتى قبل خطة الجنرالات… وفي نوفمبر 2023، أعلن الجيش أن 95% من سكان شمال غزة انتقلوا إلى الجنوب ولا يتوقع أن يعودوا.

(ب) تقسيم شمال غزة إلى أحياء منفصلة وإعلان كل قسم منطقة حرب وإجبار المدنيين على المغادرة أو أن يصبحوا أهدافًا عسكرية مشروعة.

ولكن .. في مقال رأي كتبه  الجنرال المتقاعد ومؤسس الخطة "جيورا إيلاند" في موقع يديعوت أحرونوت خلال الأيام القليلة الماضية، اعترف فيه بأن ما يسمى "خطة الجنرالات" لكيان الإحتلال لإخلاء شمال غزة  في الحرب التي استمرت 16 شهرًا في القطاع المُحاصر بأنها "فشل مطلق".

"وأن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها .. قائلاً: "لقد فشلت إسرائيل في تحقيق ثلاثة ونصف من الأهداف الأربعة للحرب: لم ندمر القوة العسكرية لحماس؛ ولم نسقط حكم حماس؛ ولم نتمكن من إعادة السكان... إلى ديارهم بأمان [في إسرائيل]، وفيما يتعلق بإعادة المختطفين، فقد نجحنا جزئياً في تحقيق الهدف الرابع".

ويعترف إيلاند بأن حماس لم تمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها فحسب، بل إنها نجحت أيضاً في تأمين أهدافها الخاصة…كما أكد أن "حركة حماس"، على العكس من ذلك، "حققت بعض أهدافها.

لقد اعتبرت جماعات حقوق الإنسان الخطة الأصلية جزءاً من مشروع طويل الأمد للتطهير العرقي من شأنه أن يؤدي إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في قطاع غزة… لقد كان من الواضح أن خطة النظام للجزء الشمالي من قطاع غزة، والتي سعى من خلالها إلى تجويع المنطقة المستهدفة لتحقيق أهدافه الحربية، "محكوم عليها بالفشل".

وللحديث بقية… الرجاء قراءة التاريخ…

مقالات مشابهة

  • الخارجية الإسرائيلية بعد إرسال جثة مجهولة الهوية: حماس تخدعنا
  • وزير الأشغال والإسكان الفلسطيني لـ«الاتحاد»: الحرب دمرت البنية التحتية و60 مليار دولار تكلفة الإعمار
  • البنك الدولي : خسائر لبنان من الحرب الإسرائيلية 26 مليار دولار
  • الصليب الأحمر ينهي عملية تسلم الجثث الإسرائيلية الـ 4
  • ترامب جونيور لزيلينسكي: عليك أن تنتصر في الحرب دون أموالنا
  • شاهد ماذا قالت المذيعة الشهيرة تسابيح خاطر عقب الهجوم الذي تعرضت له مع زوجها من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بعد مشاركتهما في تشكيل الحكومة الموازية
  • الرئاسة الفلسطينية: ندين الحرب الإسرائيلية الشاملة على شمال الضفة وغزة
  • تماطل وتحاول فرض شروطها.. من الذي تريده إسرائيل لإدارة غزة؟
  • مقترح مصري بانشاء مناطق آمنة واعادة تأهيل البنية الأساسية
  • أحمد ياسر يكتب: فشلت خطة الجنرالات الإسرائيلية باعتراف مؤسسها