أشهر مدينة هجرين الحضارم بوابة اليمن التاريخية تنتظر تقدير الحاضر ..ماذا تعرف عنها وأين موقعها؟
تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT
في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2006، زار رئيس الحكومة اليمنية الراحل عبدالقادر باجمال ومعه المدير العام لمنظمة "اليونيسكو" كوشيرو ماتسورا، مدينة "الهجرين" التاريخية بوادي حضرموت الكبير بجنوب شرقي اليمن، ضمن الخطوات الهادفة إلى إعلانها محمية تاريخية عالمية.
وأتت تلك الزيارة بعد أسبوع فقط من إعلان الحكومة اليمنية "الهجرين" محمية ثقافية تاريخية على المستوى الوطني.
وبعد نحو عقدين من ذلك التاريخ، لم تبارح تلك المدينة التاريخية مكانها، ولم يتحقق شيء من قرار الحكومة اليمنية ومنظمة "اليونيسكو" بإعلانها محمية تاريخية عالمية. الوادي الخصيب و"الهجرين" في منطقة مديرية دوعن التابعة لمحافظة حضرموت، تتخللها أودية وجبال ضخمة، وتعد المدينة واحدة من أعرق مدن حضرموت التاريخية والثقافية.
ويعتبر وادي دوعن من أهم أودية حضرموت، بل من أوديتها الرئيسة، ويعد أحد أكبر الأودية الجنوبية التي تصب شمالاً إلى وادي حضرموت الخصيب، ويشكل الوادي مساحة واسعة حيث ينقسم إلى الواديين الأيمن والأيسر، ويضم على جانبيه عديداً من المدن والقرى. ويمتاز الوادي بطبيعة آسرة خلابة، فالقرى والمدن تنام في أحضان الجبال، وتحيط بها أعداد كثيرة من أشجار النخيل ومساحات زراعية واسعة خضراء، إضافة إلى عديد من أشجار السدر وغيرها من الأشجار المتنوعة، فتظهر للناظر من الأعلى كأنها لوحة فنية رسمت ببراعة، كما ينعم الوادي ببيئته الزاهية النقية، وبمصادره المائية الطبيعية المتنوعة كمياه الآبار والعيون والغيول مما يضيف جمالاً أخاذاً.
تناشد مكتب الثقافة سرعة التدخل الحكومي للحفاظ على هوية "الهجرين" من خلال تشريع قرار بمنع البناء الأسمنتي الذي يعتبر بناء مدمراً ومشوهاً لفن العمارة الطينية التراثية في هذه المدينة التاريخية بوابة الدخول
ويشير د. محمد بن هاوي باوزير أستاذ التاريخ القديم بجامعة "عدن" إلى أن "الهجرين" أهم المناطق والمواقع الأثرية بوادي دوعن حيث ينتشر، أيضاً، كثير من المناطق التاريخية والمواقع الأثرية، ومنها حريضة والقره والمشهد وواحة ريبون وصيلع، وكلها مناطق وقرى ومواقع متقاربة.
ويضيف في حديثه أن "الهجرين" بوابة الدخول إلى أعلى وادي دوعن الأيمن والأيسر وهي بوابة الخروج منه أيضاً، على رغم وجود منافذ أخرى للدخول والخروج منه، وتعتبر "الهجرين" من أجمل مدن الوادي، بل هي من أقدم مدن حضرموت المشهورة بأنماطها المعمارية الطينية التقليدية ومساكنها وقلاعها السكنية المحصنة بحصونها الدفاعية لأغراض الحراسة والسكن الموقت.
حضور في الشعر الجاهلي ويتابع أستاذ التاريخ "الهجرين في نطق الحضارمة كانت هجرن أو هجر، والهجر في لغة النقوش المسندية الجنوبية، جنوب شبه الجزيرة العربية، اسم مدينة أو قرية، ولأنها منطقة أثرية تاريخية، تسعى الجهات المعنية بحضرموت إلى إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي مثل ما سبق أن حدث لمدينة شبام حضرموت وجزيرة سقطرى، وكان لوادي دوعن حضور في الشعر الجاهلي، وذلك من خلال ذكر بعض القرى مثل دمون والهجرين وصيلع الهجرين، ومن ذلك قول الشاعر الشهير امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، وهو المنتمي لدمون الهجرين: "تطاول الليل علينا دمون دمون إنا معشر يمانون وإننا لأهلنا محبون".
ويوضح بن هاوي، "وتعني يمانون في قول امرؤ القيس أي الجهة الجغرافية في جنوب شبه الجزيرة العربية، وهو قادم إليها من شمال أو أواسط الجزيرة العربية، أما دمون فأرض زراعية خصبة، وهي البوابة والواجهة لوادي دوعن الشهير بإنتاج العسل".
ويضيف "من أقوال الشاعر نفسه امرؤ القيس: كأني لم ألهُ بدمون ليلة... ولم أشهد الغارات يوماً بعندل".
وعندل بلدة تاريخية قديمة على مدخل وادي عمد أحد أودية حضرموت الشهيرة التي لا تزال عامرة إلى اليوم، أما "صيلع الهجرين" فهي قرية صغيرة تقع بمحاذاة "الهجرين" جنوباً، وبنيت على قمة جبل "صيلع" الذي ورد ذكره في سيرة امرؤ القيس التاريخية، حين أتاه بنبأ وفاة أبيه إذ قال "ضيعني صغيراً وحملني دمه كبيراً لا صحو اليوم ولا شرب غداً اليوم خمر وغداً أمر".
وخلص بن هاوي إلى القول إن النقوش والمخربشات القديمة اكتشفت في ضواحي "الهجرين"، داعياً إلى البحث والتنقيب في وسطها نفسها حيث لا يستبعد وجود مخلفات أثرية من نقوشات قديمة. التاريخ الإسلامي وتطرق بن هاوي إلى مكانة "الهجرين" العلمية في فترة ما بعد الإسلام قائلاً "الهجرين في فترة ما بعد ظهور الإسلام كانت عامرة بالعلماء والمشايخ والنبغاء، وكان يسكنها مشايخ آل عفيف المنتسبون إلى عفيف الكندي الذي وفد إلى رسول الله واسمه شرحبيل الملقب بعفيف الكندي عم الأشعث الكندي، كما سكن الهجرين آل محفوظ الكنديون، ومنها وائل بن حجر الصحابي الجليل، وإلى وائل بن حجر الذي انتسب العلامة المؤرخ ابن خلدون صاحب التاريخ المشهور والمقدمة العظيمة المعروفة بمقدمة ابن خلدون، ومن الذين ذاع وشاع ذكرهم وشعرهم في الآفاق من شعراء الهجرين الشاعر عمر بن عبدالله بن مخرمة الجوهي السيباني، الذي تغنى كثيراً بدوعن ومدنها وقراها ووديانها، بخاصة مسقط رأسه الهجرين، وبن مخرمة من بيئة علم وفقه وقضاء وأدب وشعر في حضرموت، وله من الأبناء عبدالله الملقب بالشافعي الصغير، لأنه كان نابغة في الفقه الشافعي في عصره. وكانت الهجرين ودوعن بشكل عام أرضاً وإنساناً وطبيعة وحياة بكل صفاتها ونقائها وتاريخها العتيق الممتد في عمق الزمن شاهداً، وفي سفر التاريخ ماض، وفي تألق الحاضر تخلقاً ونماء بكل ما تحمله الكلمة من معنى".
السلطة المحلية اعدت ملف خاص عن الهجرين لتقديمه إلى منظمة اليونسكو (1).jpg يعتبر وادي دوعن من أهم أودية حضرموت، بل من أوديتها الرئيسة، ويعد أحد أكبر الأودية الجنوبية التي تصب شمالاً إلى وادي حضرموت الخصيب
قرار لم ينفذ واستمرت السلطات المحلية المتعاقبة في مديرية دوعن بمتابعة تفعيل وتنفيذ قرار مجلس الوزراء الصادر، عام 2006، الذي أقر إعلان مدينة "الهجرين" التاريخية محمية تاريخية وثقافية. وبحسب مدير مكتب الثقافة في المديرية محمد بن صويلح "جرى تشكيل لجنة متابعة برئاسة محافظ المحافظة للحفاظ على الموروث الثقافي لهذه المدينة والتماشي مع قرار اعتمادها ضمن قائمة المدن التاريخية على المستوى الوطني ومرشحة وطنية لتسجيلها ضمن قائمة سجل مدن التراث العالمي"، وأسف صويلح لعدم تنفيذ قرار إعلان "الهجرين" محمية تاريخية عالمية، وتجاهل تاريخها ومكانتها القديمة كمسقط للشاعر الجاهلي امرؤ القيس الكندي، وموطن قوم عاد ووجود مستوطنة ريبون الأثرية التي تعود إلى ما قبل التاريخ، لافتاً إلى أن قرار مجلس الوزراء و"اليونيسكو" بإعلان "الهجرين" مدينة تاريخية لم يحظ بأي اهتمام مركزي على رغم مرور أكثر من عقدين من الزمن.
إجراءات محلية وكشف مدير مكتب الثقافة عن حزمة إجراءات عملت عليها السلطة المحلية ومكتب الثقافة، منذ عام 2006، بإعداد ملف خاص عن "الهجرين" لتقديمه إلى منظمة "اليونيسكو"، كما رفع مقترح للمحافظ لتشكيل لجنة من المحافظة والمدير العام للمديرية والمدير العام للهيئة العامة للمتاحف بساحل محافظة حضرموت لتحريك ملف إدراج المدينة ومتابعته مع الحكومة ووزارة الثقافة والإعلام والسياحة، وحل ومعالجة الإشكاليات والمعوقات التي كانت تواجه ملف إدراجها ضمن المدن التاريخية العالمية، كما يتمثل الدور الآن في تنظيم حملة إعلامية كبيرة بالتنسيق مع وسائل إعلام محلية وعالمية بما من شأنه تفعيل الملف للوصول نحو إلحاق المدينة بقائمة التراث العالمي.
جرس الإنذار وحذر ابن صويلح من تعرض المدينة لتشويه وتدمير بعض معالمها الحضارية وعمارتها الطينية الأصيلة، منوهاً بأن رئيس الوزراء الراحل باجمال والوفد المرافق له في زيارته، عام 2006، اطلعوا على الطابع المعماري التاريخي السائد في هذه المدينة، وقد انتقد رئيس الوزراء بعض الإضافات التي تجري في بعض المنازل، التي تسهم في تغيير الملامح والواجهات التاريخية للمدينة، وبعض الأعمال التي تشوه طابعها المعماري.
وناشد مدير مكتب الثقافة سرعة التدخل الحكومي للحفاظ على هوية "الهجرين" من خلال العمل على سن وتشريع قرار بمنع البناء الأسمنتي الذي يعتبر بناء مدمراً ومشوهاً لفن العمارة الطينية التراثية في هذه المدينة التاريخية، والحفاظ على ما تبقى من نمط البناء القديم لمساجد المدينة، بعد أن شهدت المساجد القديمة، في السنوات القليلة الماضية، توسعة مدنية أدت إلى اختفاء النمط التقليدي للعمارة الإسلامية، إضافة إلى شق طريق للمدينة يكون أكثر سهولة عند الصعود إليها، حيث تشكل العقبة الحالية، وخصوصاً الشرقية، خطورة من حيث شدة انحدارها، مع ضرورة شق طريق للوصول إلى المعالم والآثار المتبقية فوق جبل المنيصور لسهولة زيارتها من قبل السياح الأجانب والمحليين، والتعرف على معالم وآثار هذه المدينة، وتسوير تلك الآثار للحفاظ عليها وحمايتها من الاندثار، كما لا بد من الاهتمام بمباني المدينة الطينية بالصيانة الدورية بتجديد جدرانها وسطوحها بمادة الطين والنورة لحمايتها من الأمطار التي تهطل على الوادي خلال السنة، وترميم البيوت القديمة لحمايتها من السقوط
المصدر: مأرب برس
إقرأ أيضاً:
جمعة رجب.. ذكرى الدمار والمؤامرة التي هزّت اليمن والعالم
تحلّ علينا ذكرى جمعة رجب، التي ارتبطت بأحد أكثر الأحداث دموية في تاريخ اليمن الحديث، تفجير جامع الرئاسة في 3 يونيو 2011. هذا الحادث الذي هزّ وجدان اليمنيين استهدف الرئيس اليمني الأسبق الزعيم علي عبدالله صالح وكبار قيادات الدولة أثناء أدائهم صلاة الجمعة، في جريمة وصفها العالم حينها بأنها عمل إرهابي استهدف استقرار الدولة وأمنها.
في يوم التفجير، تحوّل جامع الرئاسة إلى مسرح للدماء والألم، حيث أودى الانفجار بحياة العديد من المصلين من كبار قيادات الدولة على رأسهم الدكتور عبدالعزيز عبدالغني رئيس مجلس الشورى، وإصابة أكثر من 200 مدني وعسكري على رأسهم الزعيم علي عبدالله صالح تعرض لجروح بليغة، لكنه نجا بأعجوبة، مما أثار تساؤلات حول الجهات التي وقفت خلف هذه الجريمة.
وأشارت أصابع الاتهام إلى تنظيمات متشددة، وتكشّفت لاحقًا معطيات خطيرة تُظهر أن جماعة الإخوان المسلمين في اليمن ومليشيا الحوثي المدعومة إيرانياً وبعض القوى السياسية المتحالفة معها قد لعبت دوراً بارزاً في التخطيط والتنفيذ، في محاولة لإضعاف القيادة الشرعية وإحداث فراغ سياسي يخدم أجندتها، ويسهل لها تنفيذ انقلاب.
في سياق الأحداث اللاحقة، أطلقت مليشيا الحوثي عقب سيطرتها على السلطة إثر انقلابها في سبتمبر 2014، سراح مجموعة من المساجين على ذمة قضية جريمة التفجير، وذلك ضمن صفقة تبادل أسرى مع حزب الإصلاح في محافظة مأرب. هذه الصفقة أثارت الكثير من التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين الحوثيين والإصلاح، وسط اتهامات بالتخادم السياسي والعسكري بين الجانبين.
وفي أكتوبر 2019، تمت صفقة تبادل الأسرى في محافظة الجوف المحاذية لمحافظة مأرب شرقي صنعاء، بوساطة قبلية في أجواء سرية حيث أفرجت المليشيا الحوثية عن خمسة من الضالعين في جريمة التفجير مقابل إطلاق حزب الإصلاح أربعة عشر أسيرا حوثيا من بينهم قيادات بارزة في المليشيا.
تحالفات مبطنة
هذه الصفقة لم تكن مجرد إفراج عن أسرى، بل كانت إشارة واضحة إلى التحالفات المبطنة التي استغلت الأزمة السياسية في اليمن لتحقيق مكاسب على حساب الشعب وأمنه. فقد بدا أن التخادم بين الطرفين يسعى لتقاسم النفوذ في ظل الفوضى التي عمّت البلاد.
جمعة رجب ليست مجرد ذكرى أليمة، بل تذكير صارخ بالمؤامرات التي طالت اليمن ومؤسساته القيادية. هذا اليوم المشؤوم يمثل بداية فصل من الصراع المعقد الذي لا يزال اليمن يعاني من تبعاته حتى اليوم، ويؤكد الحاجة إلى تحقيق شفاف يكشف الحقائق ويعيد للضحايا حقوقهم.
ويجمع الكثير من المراقبين، على أن الفلتان الأمني والانقسامات التي تشهدها البلاد وتنوع التشكيلات العسكرية جاء مخاض عملية التفجير الإجرامية التي دأبت الجماعات المتطرفة والعميلة لقوى خارجة على تنفيذ أجندة دولية، دون أدنى حسابات وطنية.
وأشارت إلى أن الزعيم علي عبدالله صالح حذر مراراً من مغبة الفوضى التي خططت لها القوى الدولية واستخدمت لها أذرعها العميلة في الداخل، غير أن العمالة التي تشربتها هذه الجماعات أعمت بصيرتها واستمرت بتسويق الشعارات الزائفة للشعب اليمني حتى قصت على معظم مقدراته ومنجزاته، ليصبح اليوم فاقداً لأبسط حقوقه وهي الرواتب والخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والكهرباء والطرقات... وغيرها.
ورغم المؤامرات الخارجية والداخلية، لم يتخلَ الزعيم علي عبدالله صالح عن شعبه ووطنه، وبقي وفياً مخلصاً له، ومدافعاً عن حقوقه في وجه الجماعات الدينية والطائفية حتى ارتقى شهيداً في الرابع من ديسمبر 2017، بعد أن قاد انتفاضة شعبية ضد مليشيا الحوثي الإرهابية دفاعاً عن الثورة والجمهورية ومنجزاتها وحقوق الشعب المنهوبة من عصابة سلالية استولت على السلطة والثروة في سبتمبر 2014، وادعت الحق الإلهي في كل ذلك.