حرب باردة بين سوريا وإسرائيل على نار هادئة
تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT
على نحو مألوف لم يعد يترقب الشارع الشعبي والسياسي في سوريا أية خطوات رادعة رداً على هجمات إسرائيلية متكررة على مواقع جنوب البلاد ولو بالمدى المنظور، خصوصاً مع تصاعد سلسلة من الغارات المتتالية على المطارات المدنية في دمشق وحلب منذ أكثر من شهر تزامناً مع هجوم "حماس" أخيراً.
وتعيش الجبهة الجنوبية السورية اليوم حالة من التوتر والتصعيد المتزايدين مع استمرار وصول جماعات تتبع لمحور المقاومة المدعومة من إيران، وتواظب على تحويل الحدود مع إسرائيل إلى منصة لإطلاق صواريخ على مواقع ومقرات معادية لها.
ولهذا يمكن القول إن "محور المقاومة" سعى ويسعى إلى تغيير من طريقة تحركه واستخدام تكتيك جديد في حرب اليوم. وفي المقابل فإن التعويل على دخول دمشق الحرب، وفتح جبهتها هو خيار يتلاشى مع الوقت.
ببساطة فإن الجبهة السورية شديدة التعقيد وبمرور الوقت يتأكد محدودية توسيع الحرب في مناطقها، واقتصارها على مناوشات بالقذائف والطائرات المسيرة كرسائل (تنفيس) لما يحدث في غزة، وليس أكثر من ذلك، أي أن الضربات المتبادلة لم تفض إلى تحقيق هدف صعب، أو توقع خسائر بشرية أو مادية، لأنها ليست كمثيلتها في الجنوب اللبناني حيث تندلع معارك ضارية ما تلبث أن تهدأ، وكأن قادة الميدان لا يردونها حرباً واسعة.
في المقابل ولغاية 12 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري قصفت إسرائيل الأراضي السورية 19 مرة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وعدت مصادر ميدانية القصف الأخير هو الأعنف مستهدفة مجموعة تتبع لمحور المقاومة بالقرب من الحدود السورية رداً على إطلاقها طائرات مسيرة قصفت في منطقة إيلات جنوب إسرائيل مستهدفة مدرسة بحسب وسائل إعلام في تل أبيب، قابلها الجيش الإسرائيلي باستهدافه "منظمة" من دون أن يسمها أو يسمي الموقع.
البارود البارد في غضون تلك التطورات المتسارعة تستيقظ الجبهة السورية مجدداً بعد فترة من الحرب الباردة منذ عام 1973 ذكرى خمسينية حرب أكتوبر (تشرين الأول)، حين تمكن الجيشان السوري والمصري من تنفيذ هجوم متزامن استعادت فيه دمشق مدينة القنيطرة التي سيطرت عليها تل أبيب في حرب عام 1967 وما زالت تسيطر على مرتفعات في الجولان، وحولتها مع الزمن إلى أراض لها وسط استنكار عربي ودولي.
ومنذ ذلك عاشت الجبهة السورية- الإسرائيلية حالة ترقب من دون حدوث أي خرق لافت أو مؤثر على خطوط التماس والاشتباك، ووسط وجود قوات أممية لفض الاشتباك منذ حرب 1973، إذ نشرت نقاط لأصحاب القبعات الزرقاء لضمان سلامة تطبيق وقف إطلاق النار لكن ذلك لم يكن يمنع القوات الإسرائيلية من التقدم بجرافات وآليات أو بشن غارات بعدد من المناطق الحدودية بذرائع مختلفة ولكنها تصب بهدف واحد ضرب مواقع للمقاومة.
واستخدمت تل أبيب سلاحها الجوي لتنفيذ ضربات جوية كان أبرزها هجوم 31 يناير (كانون الثاني) عام 2013 حين استهدفت مركبة في منطقة جمرايا شمال غربي العاصمة دمشق كانت تتموضع أمام مركز للبحوث العلمية قالت إنها تحمل أسلحة متطورة ومضادة للطائرات إضافة إلى ضربة ثانية في منطقة دمر استهدفت مركز بحوث وسبقها عملية تدمير ادعت تل أبيب أنه مفاعل نووي غير مكتمل في دير الزور في السادس من سبتمبر (أيلول) عام 2007 وسمت الضربة بعملية البستان. ساحة الحرب ولعل ابتعاد العاصمة السورية عن مجريات "هجوم حماس" أو حرب الساحات، يأتي من يقين ودراسة أن التوقيت الصعب لا سيما انعكاسات ذلك على الجوانب العسكرية والاقتصادية، فعلى رغم الاستقرار النسبي الذي تعيشه عدة مدن سورية لكن النزاع المسلح الدائر منذ عام 2011 ما زال مستمراً وسط مستنقع الدم، وأنين البطون الخاوية نتيجة الحصار، وهذا ما يعطي استحالة التفكير بدخول أتون معركة جديدة.
وفي حين يتفهم أطراف "محور المقاومة" ظروف سوريا فإن حركة فصائل المقاومة على الحدود هي الأقرب، ولهذا يمكن ملاحظة عدم ذكر سوريا في خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني، حسن نصرالله لعدم إحراج دمشق، بينما تتواصل المناكفات الحدودية بدفع من "فصائل الممانعة" وإن كانت تتحرك منفردة لشن هجمات من أراضيها، واستدعاء الآلاف من المقاتلين من دير الزور شرق سوريا ومن البوكمال والميادين الحدوديتين مع دولة العراق للوصول إلى المواقع الجنوبية، في المقابل اعتبر الجيش الإسرائيلي أن دمشق مسؤولة عن أراضيها وما يصدر عنها من هجمات ولن يتوان بالرد مباشرة.
من الصعب معرفة ما يمكن أن تؤول إليه الجبهة السورية الجنوبية في حال تطور المشهد لمزيد من التصعيد من قبل الجماعات المقاتلة خارج منظومة الجيش النظامي، فعلى رغم أنها مجموعات قتالية جاءت لمناصرة دمشق في حربها الداخلية لكن أوساطاً سياسية لا تخفي قلقها من تطور المشهد لمزيد من التصعيد في هذا الوقت الحرج حيث الشمال بشطريه الغربي والشرقي يعيش على صفيح ساخن وما زال خطر تنظيم "داعش" الإرهابي قائماً ولعل آخر هجماته سقوط ما يزيد على 30 شخصاً في البادية.
في التوقيت الصعب ولعل الابتعاد عن فتح ساحة حرب جديدة إضافة للحرب الداخلية ليس العامل المرجح والوحيد للانضمام للمعركة، بل إن دمشق عليها اختيار توقيت حربها مع العدو، وألا تنجر إلى معركة اختارتها حركة "حماس" الفلسطينية، وهذه الرؤية التي يرجح مراقبون أنها جاءت بعد عقد من القطيعة بين العاصمة السورية و"حماس".
وكانت الأخيرة تدرب قوات المعارضة السورية على نصب الأكمنة وحفر الأنفاق لاستهداف الجيش النظامي، بالتالي من الصعب عودة الثقة والتعاون كما في السابق.
ويفسر الشارع السياسي السوري ما حدث من عودة المياه إلى مجاريها في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022 جاء خلال زيارة لوفد من أحزاب فلسطينية إلى العاصمة السورية، وهذا يعطي الاعتقاد الأقرب إلى أنه مسعى من حركة المقاومة بتصفير المشكلات مع دولة طالما كانت داعمة لها قبل النزاع الأهلي الأخير، إذ افتتحت لها مكاتب سياسية وحظيت بحضور طاغٍ ولا سيما في مخيمات الفلسطينيين في حلب ودمشق (النيرب واليرموك)، وسط ترجيحات بدور روسي بالتقارب الذي جاء بعد زيارة لمسؤولين كبار من "حماس" إلى موسكو.
ببساطة فكرة دخول دمشق الحرب وجهاً لوجه أمام تل أبيب تتزايد إلا في حالة واحدة تتلخص في ملاحظة انخفاض عدد الهجمات من الجبهة السورية عن مثيلتها اللبنانية، فضلاً عن أن الضربات الصاروخية تحمل معها رمزية المشاركة وحسب، على رغم ما يشهده الشرق السوري من حرب ضروس مع القواعد الأميركية، وكل ذلك يحدث بالتوازي مع تربص حاملة الطائرات الأميركية والبوارج في البحر المتوسط تحسباً لأي تصعيد خطير، وبات يسود في الشارع الشعبي أمام ظروفهم الصعبة "لا مصلحة لأحد بدخول الحرب".
المصدر: مأرب برس
إقرأ أيضاً:
تقليص الوجود الأمريكي في سوريا.. قراءة في تفاهمات غير معلنة
سوريا – لم يكن قرار واشنطن بتقليص الوجود العسكري الأمريكي في سوريا بعيداً عن مسار الرسائل المتبادلة مع دمشق وانتزاع تفاهمات تسمح بضمان مصالح واشنطن وحلفائها في سوريا والمنطقة.
ورغم أخذ الولايات المتحدة – وخلافاً للاتحاد الأوروبي – مسافة من الحكومة السورية الحالية وإصرارها على عدم الاعتراف الكامل بها، فيما أبقت الباب موارباً على قرار من هذا القبيل لا يزال في رحم الغيب.
فما هي رسائل واشنطن من وراء تقليص وجودها العسكري في بلد لا تزال تطعن بشرعية حكومته؟! وهل كان تقليص عدد القوات الأمريكية وإعادة انتشارها داخل الأراضي السورية ليمر دون التنسيق المباشر أو عبر الحلفاء بين واشنطن ودمشق؟ وإلى أي مدى تعهدت السياسة البراغماتية للحكومة السورية بالحفاظ على المصالح الأمريكية طمعاً في انتزاع ثقة واشنطن وصولاً إلى الاعتراف الكامل بها كحكومة تمثل الشعب السوري بكافة أطيافه؟
هذا مجازكم نحو اعترافنا بكم
يؤكد المحلل السياسي فهد العمري أن إعلان واشنطن عن القيام بعملية إعادة انتشار لجنودها في سوريا والمباشرة بتقليص عددهم هناك لم يكن بعيداً عن سياسة العصا والجزرة التي يبدو أن الرئيس الأمريكي ترامب بصدد تبنيها في هذا البلد، وقد تجلت أحدث إشاراتها في حديث مسؤولين حكوميين أمريكيين لعدد من وسائل الإعلام عن إمكانية الاعتراف الأمريكي الصريح بسيادة سوريا على أراضيها، وإزالة أسماء المسؤولين الحكوميين السوريين عن قوائم الإرهاب، ورفع العقوبات أو تعليقها تمهيداً لوصول المساعدات الإنسانية من كافة دول العالم.
وفي حديثه، أشار العمري إلى أن الشروط الأمريكية المتعلقة بهذا الشأن باتت في جملتها معروفة وتتمثل في إقصاء المتشددين في سوريا عن المناصب الأمنية والسياسية، وعدم السماح بأن تكون الأراضي السورية منصة لأي نشاط سياسي أو ميداني وحتى إعلامي للفصائل الفلسطينية، وتقديم إحاطة كاملة وشفافة بمخزون الأسلحة الكيميائية في البلاد والالتزام بتأمين هذه الأسلحة على نحو علني ومسؤول.
وأضاف بأن الشروط الأمريكية التي لا تقبل المساومة أبداً تتمثل كذلك في محاربة داعش ومنع اشتداد عودها مجدداً، وقطع الطريق على أية عودة محتملة لإيران إلى الساحة السورية، مشيراً إلى أن هذين المطلبين تحديداً يشكلان حجر زاوية المصالح الأمريكية في هذا البلد.
وشدد المحلل السياسي على أن بدء واشنطن بتقليص عدد قواتها في سوريا لم يكن بعيداً عن الإشارات الإيجابية التي التقطتها من الحكومة السورية الجديدة في هذا الشأن، وتحديداً فيما يخص محاربة داعش وإجهاض عدد من مخططاتها الرامية إلى الضرب في عمق الأراضي السورية وتحديداً في دمشق.
ووفقاً للعمري، فإن حكومة دمشق، وإدراكاً منها للحساسية التي عادة ما تبديها الولايات المتحدة لعلاقة الدول مع الفصائل الفلسطينية المناهضة لإسرائيل والتي تصنفها كل من واشنطن وتل أبيب كحركات إرهابية، بادرت إلى استقبال الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي قصد دمشق في زيارة رسمية، استثمرتها حكومة الرئيس الشرعي في طمأنة واشنطن إلى سلوكها الطريق المهادن في العلاقة مع القضية الفلسطينية بما تحمله من رمزية عند السوريين، والذي يمر عبر قيادات فلسطينية ترضى الولايات المتحدة وإسرائيل عن سلوكها، فيما بدا أنه سلوك براغماتي من قبل الحكومة السورية سعت من خلاله إلى تشجيع واشنطن على الاعتراف بها، حيث كان لافتاً أنه وعقب الزيارة مباشرة، قام الأمن السوري باعتقال قياديين فلسطينيين من حركة الجهاد الإسلامي المعروفة بتبنيها للكفاح المسلح ضد إسرائيل وقربها الشديد من إيران.
الانسحاب تعزيز لنفوذ دمشق في وجه “قسد”
وشدد العمري على أن الانسحاب الأمريكي المتدرج من شمال شرق سوريا سيؤثر بلا شك في قدرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” على المناورة السياسية والميدانية تجاه حكومة الرئيس الشرعي، وبالأخص بعد فشل الأكراد في توحيد كلمتهم على خلفية إلغاء المؤتمر الكردي السوري العام الذي كان يهدف إلى استخلاص موقف كردي صلب في مواجهة حكومة دمشق، قبل أن يتبادل الأكراد الاتهامات فيما بينهم بشأن المسؤولية عن فشل انعقاد المؤتمر نتيجة لضغوط خارجية اتهم المجلس الوطني الكردي السوري بالانصياع التام لها.
فشل يرى العمري أن أبرز أسبابه يتمثل في تغير المواقف الدولية تجاه “قسد” التي بدأت تستشعر الضعف عقب بدء المدرعات الأمريكية بمغادرة الأراضي السورية قبل حوالي الشهر من الإعلان الرسمي عن ذلك. وهو ما دفع “قسد” إلى الإعلان عن وقف تام لإطلاق النار في منطقة سد تشرين بريف حلب، والتي بقيت على مدى أشهر مسرحاً لمعارك عنيفة بين “قسد” وقوات من وزارة الدفاع السورية الجديدة.
ويرى المحلل السياسي أن من تداعيات هذا “التراجع” في المواقف السياسية بالنسبة لـ”قسد” هو تسريب مصادر مقربة من دمشق عن قرب الإعلان عن إعادة فتح طريق أم فروخ قرب محافظة الرقة، بعدما أفضت النقاشات المشتركة بين الحكومة السورية و”قسد” إلى قرب تسليم هذه الأخيرة مناطق عين عيسى واللواء 93 إلى قوات وزارة الدفاع في الحكومة السورية الجديدة، مع نشر قوات من الشرطة المدنية بعد السماح بعودة السكان المدنيين إلى منازلهم وقراهم، كما أفضت النقاشات إلى قرب سيطرة القوات الحكومية على المناطق الحدودية، وبالأخص منها الحدود السورية التركية.
وأشارت المصادر المقربة من الحكومة السورية إلى أن واشنطن ستسلم الأراضي التي تسيطر عليها في دير الزور والرقة إلى قوات وزارة الدفاع السورية، مع احتفاظها بقاعدة تنسيق قرب سد تشرين بحيث تشرف على عملية التنسيق بين “قسد” وأنقرة ودمشق التي لا تزال تتمسك بموقفها الداعي إلى انسحاب “قسد” من المناطق ذات الأغلبية العربية في الرقة ودير الزور بناء على رغبة السكان العرب المتواجدين هناك وفقاً للرواية الحكومية.
وهذه كلها، وفق العمري، تنازلات ما كانت لتتم بهذا اليسر لولا الضغوط الأمريكية على “قسد” ودفعها للتعاون مع الحكومة السورية الجديدة، فيما يشكل نوعاً من التوطئة السياسية للاعتراف الأمريكي اللاحق بالحكومة السورية كممثل للشعب على كامل الجغرافيا السورية، وهو ما تمثل في بيان الخارجية الأمريكية الذي أعقب الإعلان عن وقف إطلاق النار في سد تشرين، والذي رحب بالتهدئة ووقف الأعمال العدائية في جميع أنحاء البلاد، كما دعا البيان إلى العمل بمسؤولية من أجل بناء سوريا موحدة ومستقرة وآمنة.
ثمة عوائق
من جانبه، يرى المحلل السياسي أحمد طعمة أنه وعلى الرغم من كل الإشارات التي قد تفتح الباب على تعاون أوسع بين واشنطن ودمشق، فإن ثمة عوائق لا تزال قادرة على كبح أي تطور إيجابي في هذا الشأن.
وفي حديثه لـ”RT”، عدد طعمة أبرز هذه العوائق والتي تتمثل في وجود متشددين إسلاميين في عدد من المفاصل الأمنية والعسكرية والسياسية داخل الحكومة السورية ممن تضعهم واشنطن على قوائم الإرهاب، وتحديداً الأجانب منهم. وهو أمر عزز الانقسام في الموقف الأمريكي الرسمي حيال آلية التعامل مع دمشق، والذي ينتظر وفق طعمة أن يبقى قائماً ضمن قنوات التنسيق الأمني فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، فيما سيبقى رفع العقوبات أو تعليقها مرهوناً بمدى تجاوب دمشق مع المطالب الأمريكية المرتبطة بالدرجة الأولى بأمن إسرائيل، الجارة اللدودة التي لم تأخذ تطمينات الرئيس أحمد الشرع على محمل الجد.
وختم طعمة حديثه لموقعنا بالإشارة إلى الصعوبات التي تعترض طريق الحكومة السورية في مساعيها لنيل الرضا الأمريكي، والتي ستمر حتماً بصدام ما بين الدبلوماسية السورية التي تريد الاستثمار في إنجازات الشهور الخمسة الأولى، والفصائل المتشددة التي لا تزال قادرة على التأثير العميق في المشهد السياسي المحلي وتداعياته الإقليمية رغم انضوائها ضمن القوات الحكومية، ليبقى مستوى العلاقة مع الأمريكيين وفق طعمة مرهوناً بنتائج هذا الصراع الذي لا يزال يدور في الخفاء.
المصدر : RT