الجزيرة:
2024-11-24@03:54:01 GMT

بماذا تنبئ ملامح نتنياهو؟ خبير بلغة الجسم يجيب

تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT

بماذا تنبئ ملامح نتنياهو؟ خبير بلغة الجسم يجيب

مع اشتداد وطيس المعركة على أرض غزة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال، فثمة معركة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى؛ إنها معركة الصورة التي وإن كانت تُصنع صناعة في أغلب الأحيان لإيصال رسالة محددة، إلا أن هناك رسائل تصل على خلاف ما يريد أصحابها.

ومنذ بدء عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية -وفي مقدمتها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- قبل أكثر من شهر، كثر الظهور الإعلامي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وقد حرص نتنياهو وفريقه الإعلامي على رسم صورة له خلال ظهوره المتكرر، لكن هناك ما لا يمكن التحكم فيه، فـ"لغة الجسم" تخبرنا -في كثير من الأحيان- بما لا يُعبّر عنه اللسان.

الجزيرة نت استطلعت رأي الاستشاري الإعلامي والخبير في لغة الجسم حسام شاكر حول ما تُنبئ به ملامح نتنياهو، خاصة خلال ظهوره في مؤتمره الصحفي السبت الماضي، بمشاركة وزير الدفاع يوآف غالانت وعضو مجلس الحرب بيني غانتس.

ويُذكّر حسام -ابتداء- بأن نتنياهو عُرف بمهاراته الاستعراضية وارتدائه "أقنعة الافتعال"؛ فهو يحاول دائما أن يُوظّف لغة جسمه بشكل يُوصل رسائل تُوحي بالثقة والاقتدار والبراعة في الأداء وارتفاع الروح المعنوية.

 

حسام شاكر: نتنياهو لم يكن قادرا على رفع رأسه إلى الأعلى والتعبير بثقة عن نفسه (الجزيرة)

ولكن حسام يستدرك قائلا، إن نتنياهو ظهر في هذا المؤتمر وفي مناسبات أخرى خلال الحرب الحالية على هيئة من الضعف والانكسار والجزع ويعجز عن إظهار هذه المهارة، الأمر الذي يؤكد أنه يعيش أزمة من نوع ما.

ويضيف أنه "عندما نرى نتنياهو عاجزا عن التصرف بجسمه وإظهار ثقته والتعبير عن اقتداره وروحه المعنوية العالية من خلال تعبيرات وجهه وحركات جسمه، خاصة يديه وذراعيه، فإننا ندرك بوضوح أنه في أزمة عميقة تعطل هذه المهارة التي عُرف بها لدرجة التمثيل والافتعال الباهر كما كان يُشاهد -مثلا- عند إلقائه خطابات على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك خطاباته في الحياة السياسية داخل إسرائيل، أو في لقاءاته مع قادة العالم".

إذا أردت أن تعرف كيف تسير المعارك في غزة، فانظر إلى وجه نتيناهو. تحليل لغة الجسد أهم كثيرا من كلام ينطقه لسان اعتاد كذب ومراوغة.
قارن بين وجهه اليوم وذلك الذي كان عليه يوم 6 أكتوبر، وقارن الاثنين بما كان عليه يوم 7 أكتوبر، حين أعلن الحرب.
بيبي: لماذا لا تعاود زيارة طبيبك النفسي؟!

— عمار علي حسن Ammar Ali Hassan (@ammaralihassan) November 11, 2023

إنهاك وانكسار

ويؤكد حسام أن نتنياهو -في هذه الإطلالة بشكل خاص- بدا مُنهكا بوضوح، حتى إنه لم يكن قادرا على تحريك ذراعيه أو الإشارة بكفه بعيدا، وإنما بقي ثابتا في موقعه دون القدرة على التحرك الكبير.

كما أنه لم يكن قادرا على رفع رأسه إلى الأعلى والتعبير بثقة عن نفسه، وكانت ملامح وجهه منكسرة، ونلاحظ مثلا أن عينيه كانتا خفيضتين، وكانت نظراته للأسفل دائما، وهذا الإنهاك -في جانب منه- بدني بسبب قلة النوم، وقد ذكر أنه لا ينام إلا ساعات قليلة.

ويتابع الخبير بلغة الجسم مؤكدا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "منهك معنويا" كذلك ويشعر بحرج بالغ، وبدا ذلك من عينيه اللتين كانتا شاردتين بشكل واضح أثناء حديثه، ولم تكونا موجهتين للجالسين أمامه، وكان ينظر بعينين زائغتين إلى أطراف القاعة، هربا من النظر المباشر للحضور.

كما كانت ملامح الأسى ظاهرة على وجه نتنياهو في النصف الأسفل من الوجه، وهو الجزء الذي يمكن التحكم به عادة، حتى بدا عاجزا عن رسم أي صورة تفاؤل على صفحة وجهه.

إضافة إلى ذلك، فقد كانت رأس نتنياهو في حالة إمالة إلى المنصة التي يقف أمامها، ويبدو كما لو كان يقرأ من ورقة أمامه، رغم أن حديثه كان مرتجلا، الأمر الذي يُعبّر عن انكسار لدرجة عدم القدرة على رفع رأسه ومخاطبة الحضور بشكل مباشر، وقد كانت جبهته هي المواجهة للحضور وليس وجهه، فقد كان "مطأطأ الرأس".

وربما لم يُشاهد نتنياهو على هذا النحو من قبل، فرأسه المنخفضة ومواجهة الجمهور بجبينه، تشير -بحسب حسام- إلى أنه "في حالة هزيمة واعتذار وحرج وانكسار"، ورغم أنه لم يقصد ذلك بطبيعة الحال، فإن لغة جسمه عبّرت بجلاء عن حالته الوجدانية الداخلية.

وكان واضحا -أيضا- عدم حديث نتنياهو في هذا المؤتمر الصحفي عن "شجاعة القادة والجنود في الميدان" كما اعتاد أن يفعل في كثير من الأحيان، فقد انصب حديثه عن الضحايا بلغة "عزائية جنائزية".

الايماءات والسيماءات والاشارات الجسدية وحركة العيون ولله الحمد لمن يفهم لغة الجسد هذا وجه المهزوم والمنهزم وليس المنتصر وكأنه شخص ينتظر الطلقة الأخيرة pic.twitter.com/Kcul430eZ6

— Mahfood (@mahfood00) November 12, 2023

ملابس سوداء

وقد تجلّت هذه الروح -كذلك- في ارتداء قادة الاحتلال ملابس سوداء منذ بداية الحرب، بما ينسجم مع "الضربة العسكرية الكبيرة التي تلقتها إسرائيل في هجوم طوفان الأقصى، ولاحقا مع المعطيات الميدانية التي تأتي عن تساقط أعداد كبيرة من جنود الاحتلال في شوارع غزة".

وإذا كان الأصل أن يحرص القادة -خاصة في وقت الحروب- على إظهار القوة والجاهزية والإقدام، فقد غاب كل ذلك عن نتنياهو وغالانت وغانتس، وعكست وجوههم حالة من الانفعال والغضب المكتوم.

ومن الملاحظ -كذلك- أن نتنياهو اضطر إلى شرب الماء أكثر من مرة في هذا المؤتمر الصحفي، وهو أمر يشير إلى كم المرارة التي يشعر بها رئيس الوزراء الإسرائيلي.

ومما زاد الضغوط على نتنياهو في ذلك المؤتمر الصحفي، سؤال الصحفيين له: أين ابنك يائير من حرب غزة؟

ويرى حسام أن نتنياهو قدّم رواية تبدو مثيرة للتهكم عندما قال، إن ابنه في مهمة لجمع التبرعات للجيش الإسرائيلي، وهي نقطة أخرى تشكل حرجا بالغا له؛ ففي الوقت الذي يتحدث عن المعركة واستعداد الإسرائيليين للموت في الميدان، يحاول أن يسوغ وجود ابنه خارج البلاد، مضيفا طابعا بطوليا له بأنه يجمع أموالا للجيش، رغم تأكده من أن الجميع يعلمون حقيقة الأمر.


ملامح فريق الحرب

ولم تكن ملامح نتنياهو فقط هي التي تعكس مشاعر الحرج والانكسار والإنهاك، فالأمر نفسه ينطبق على ملامح غالانت وغانتس اللذين شاركاه الطاولة.

ويضيف الخبير بلغة الجسم، أن ملامح الثلاثة تشير إلى أنهم جميعا في حالة أزمة وإحباط وانكسار، كما أن وجوههم متجهمة للغاية، ومن الناحية العملية فهم في حالة شرود ذهني، ولديهم ما يخفونه عن جمهورهم.

ويؤكد حسام أن قادة الحرب الإسرائيلية على غزة يكتمون انفعالات داخلية انعكست على ملامحهم وأحاديثهم وسلوكهم؛ فقد تعاملوا -مثلا- بشدة مع الانتقادات التي وجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لاستهداف المدنيين في غزة، وهي انتقادات ملطفة للغاية، وتحدثوا بلغة مليئة بالغطرسة والاستعلاء على العالم أجمع، فضلا عن تمجيد جيشهم ووصفه بأنه الجيش الأكثر أخلاقية، وأنهم لا يتلقون أي مواعظ أخلاقية من أحد.. وهذه اللغة المتغطرسة تشير إلى حالة من الأزمة والتوتر والخشية من فقدان الجبهة الغربية الداعمة لهذه الحرب.

عندما يقال لن تنهزم مقاومة حروفها أسود فصدق ما تسمع لأن المقاومة فكرة و الفكرة لا تموت .
● لست ضالع في علم النفس و قراءة لغة الجسد و لكن
– هل هذه وجوه المنتصرين ????؟
– هل المنتصرون يبدون هكذا ????؟
– هل تبدو علامات الخوف و القلق على المنتصر ؟
????????????????????#ابو_عبيدة #غزه pic.twitter.com/ZPhOBjirnh

— yara ???????? (@yara_lubnan) November 13, 2023

لكن من أكثر ما أثار الانتباه في ختام هذا المؤتمر الصحفي؛ هو وقوف غالانت وغانتس معا وتجاهل نتنياهو الذي بدأ يلملم أوراقه منفردا، ويغادر دون أن يحظى بتحية أو إطلالة من قائدي الحرب.

ومن المفترض أن يكون هناك تشابها في انفعالات المشاركين في المؤتمرات الصحفية إذا كانوا من جبهة واحدة، ما يوحي بالتماسك.

لكن هذا المؤتمر الصحفي أظهر بوضوح أن ثمة أزمة حقيقة بين نتنياهو وقادة جيش الاحتلال والقادة العسكريين في مجلس الحرب.

لغة الجسد تتکلم عندما یکون الصمت استراتیجیة عسکریة pic.twitter.com/IylAcamYuF

— غزة الکرامة (@AlAlwasan7) November 5, 2023

ويخلص الخبير بلغة الجسم حسام شاكر إلى أن نتنياهو في أزمة حقيقة؛ فالصورة التي ظهر بها ليست صورة قائد منتصر، وليست صورة قائد يريد أن يُبشّر جمهوره بأنباء سارة من الميدان، وإنما صورة قائد يحاول أن يغطي على هزائم معنوية ومادية ميدانية صعبة، ولديه ما يخفيه ويتستر عليه.

وهي -أيضا- صورة قائد يخشى على مصيره السياسي؛ فقد بدا كمن يلقي بيان استقالته، "ولذا فنحن هنا لا نتحدث عن قائد يدير حربا يرقبها العالم، وإنما عن قائد مهزوم بكل معنى الكلمة.. قائد منهك محبط منكسر غير قادر على إظهار أي انفعالات إيجابية في أدائه حتى عندما يستخدم التعبيرات اللفظية التي يراد منها أن ترفع المعنويات، إذ بنا نجده في حالة انعدام التوافق التعبيري في بدنه، ومن الواضح أننا إزاء مشهد لم يسبق أن عهدنا نتنياهو به من قبل".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: هذا المؤتمر الصحفی أن نتنیاهو نتنیاهو فی لغة الجسد صورة قائد فی حالة الذی ی

إقرأ أيضاً:

العقبات التي تواجه اعتقال نتنياهو وغالانت

في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، متهمة إياهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الفترة من 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حتى 20 مايو/ أيار 2024.

تشمل التهم الموجهة إليهما استخدام التجويع كوسيلة حرب، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، مثل: القتل والاضطهاد وأعمال غير إنسانية أخرى، بالإضافة إلى توجيه هجمات ضد المدنيين.

أولًا: خلفية القضية

جاءت هذه الخطوة بعد تحقيقات مكثفة أجرتها المحكمة، حيث وجدت أدلة كافية تشير إلى مسؤولية نتنياهو وغالانت عن هذه الجرائم. ورغم أن إسرائيل ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، فإن المحكمة استندت إلى عضوية فلسطين في نظام روما الأساسي لممارسة اختصاصها الجغرافي والموضوعي.

تعود الولاية القضائية للمحكمة على فلسطين إلى العام 2014، وقد زار مدعي عام المحكمة كريم خان معبر رفح قبل نحو خمسة أشهر، مما يعكس جدية التحقيقات.

ثانيًا: ردود الفعل على مذكرات الاعتقال

انتقدت إسرائيل بشدة هذه المذكرات، حيث وصف وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر المحكمة بأنها "فقدت كل مشروعيتها". في المقابل، رحَّبت حركة حماس بهذه الخطوة، داعية المحكمة إلى توسيع دائرة المحاسبة لتشمل جميع قادة الاحتلال الإسرائيلي. كما عقد نتنياهو اجتماعات طارئة مع وزراء ومستشارين؛ لبحث تبعات هذا القرار، وطلب من ألمانيا، وفرنسا التدخل للضغط على المحكمة لعدم إصدار المذكرات.

أثار قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت ردود فعل دولية متباينة. أعربت الولايات المتحدة عن رفضها الشديد للقرار، وأبدت قلقها بشأن سرعة إصداره، بينما دعا الاتحاد الأوروبي ودول مثل هولندا، وأيرلندا إلى احترام استقلال المحكمة وتنفيذ قراراتها. من جانبها، أبدت فرنسا وإيطاليا تحفظات قانونية وأكدتا دراسة الموقف بالتنسيق مع الحلفاء. أما أيرلندا، فقد اعتبرت الخطوة مهمة، ودعت إلى دعم المحكمة في تحقيق العدالة.

ثالثًا: التداعيات على إسرائيل وقادتها

إذا صدرت هذه المذكرات، فإنها ستشكل إدانة معنوية كبيرة لأولئك الذين تشملهم. ستصبح إسرائيل في قفص الاتهام مرة أخرى، مما سيؤثر على صورتها الدولية ويجعل قادتها غير قادرين على السفر بحرية. كما ستؤثر هذه المذكرات على الاقتصاد الإسرائيلي، خاصة في مجالات الطيران والسياحة والاستثمار في التكنولوجيا العالية وتجارة الأسلحة.

رغم أنه قد لا يكون من السهل رؤية هؤلاء القادة المتهمين في قفص الاتهام قريبًا، فإن إدانتهم كمطلوبين دوليًا تحمل أثرًا كبيرًا. سيتحول خوف القادة المتهمين إلى رفيق دائم يحاصرهم في كل خطوة، ولن يتمكنوا من السفر بحرية سوى إلى عدد محدود من العواصم التي ترفض التعاون مع الإرادة الدولية الحرة.

أما دولة الاحتلال، فقد وُصمت اليوم بالإرهاب والإبادة الجماعية في نظر الشعوب ومعظم دول العالم. كما أن احترام الدول الأوروبية الرسمية لقرار المحكمة، كونها إحدى المؤسسات القضائية التي ساهمت أوروبا في إنشائها، يُعدّ مؤشرًا على قبول هذا التطور القانوني.

رابعًا: الجنائية الدولية بين الشكوك والمصداقية

تعرضت المحكمة الجنائية الدولية لانتقادات حادة؛ بسبب تأخرها في فتح تحقيقات فعالة وإصدار مذكرات اعتقال بحق قادة متهمين بارتكاب جرائم حرب. ومع ذلك، فإن إصدار مذكرات اعتقال بحق قادة إسرائيليين سيكون خطوة مهمة نحو تعزيز مصداقية المحكمة وإثبات جديتها في محاسبة المسؤولين عن الجرائم الدولية بغض النظر عن جنسياتهم أو مناصبهم.

يُعد إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت تطورًا مهمًا في مسار العدالة الدولية، ويعكس التزام المحكمة بمحاسبة المسؤولين عن الجرائم الخطيرة. إن نجاح المحكمة في إصدار هذه المذكرات، سيعزز من موقفها كهيئة قضائية دولية محترمة، وسترسل رسالة قوية بأنه لا أحد فوق القانون.

على الرغم من التباطؤ الذي شاب عمل المحكمة سابقًا، والاستهداف المباشر الذي واجهته عبر العقوبات والتهديدات، كما حدث في فترة المدعية العامة السابقة فاتو بنسودة، فإن المحكمة أقدمت على هذه الخطوة الجريئة. ورغم الصعوبات، أثبتت المحكمة اليوم قدرتها على اتخاذ قرارات تاريخية تعيد لها مصداقيتها ودورها المبرر كجهة قضائية دولية محايدة.

لقد حاولت بعض القوى الغربية، منذ نشأة المحكمة، توجيهها لتكون أداة لمعاقبة أفراد من دول العالم الثالث أو خصوم سياسيين، مثل: القادة الأفارقة، أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما وصفها دبلوماسي أوروبي في حديث مع المدعي العام. ومع ذلك، يعد إدراج قادة الاحتلال في قائمة المطلوبين بمثابة خطوة مفصلية تُظهر إمكانية المحكمة في تجاوز التسييس والانتصار للعدالة الدولية.

خامسًا: خطوات وتحديات تنفيذ مذكرات الاعتقال

تشكل مذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت اختبارًا حقيقيًا لالتزام العالم بالعدالة الدولية، حيث تُلزم المادة 89 من نظام روما الأساسي الدول الأطراف بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في تنفيذ أوامر الاعتقال.

هذا الإجراء ليس فقط انتصارًا للعدالة، بل أيضًا رسالة حاسمة لإنهاء الإفلات من العقاب، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني. العدالة ليست شعارات تُرفع، بل هي أفعال تتطلب التزامًا حقيقيًا من المجتمع الدولي.

بعد إصدار المذكرات، تُحال إلى الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، البالغ عددها 124 دولة، لتنفيذها. يتطلب ذلك اعتقال الأشخاص المطلوبين حال وجودهم على أراضيها وتسليمهم إلى المحكمة.

يبدأ بعدها مسار الإجراءات القانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية لضمان محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة. هذه الخطوات تمثل مرحلة حاسمة نحو تحقيق العدالة الدولية. ويعتمد تنفيذ هذه الخطوات بشكل كبير على تعاون الدول الأطراف والتزامها بالعدالة الدولية.

سادسًا: دروس من أفغانستان

شهدت المحكمة الجنائية الدولية في تحقيقها المتعلق بالجرائم المرتكبة في أفغانستان ضغوطًا أميركية مكثفة، تجلّت في عدة أشكال أثّرت على مسار التحقيقات، وأبرزت التحديات التي تواجهها المحكمة في تحقيق العدالة الدولية. ومن الممكن أن تنطبق هذه السيناريوهات على أي تحقيقات مشابهة تشمل قادة إسرائيليين.

الضغوط السياسية والدبلوماسية: مارست الولايات المتحدة، خاصة خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب، ضغوطًا سياسية ودبلوماسية كبيرة على المحكمة الجنائية الدولية لثنيها عن التحقيق في الجرائم التي ارتكبتها القوات الأميركية ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA) في أفغانستان. تضمنت هذه الضغوط تهديدات مباشرة بفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة إذا استمروا في التحقيقات، مما عكس تصميمًا على حماية مصالحها وقادتها من أي ملاحقة قانونية دولية. العقوبات الاقتصادية: في سابقة خطيرة، فرضت إدارة ترامب عقوبات اقتصادية على المدعية العامة السابقة للمحكمة، فاتو بنسودة، ومسؤولين آخرين في المحكمة. تضمنت العقوبات تجميد أصولهم وحظر سفرهم إلى الولايات المتحدة. هذا التصعيد أثار انتقادات دولية واسعة لكونه استهدافًا لهيئة قضائية دولية مستقلة، وشكّل ضغطًا يهدف إلى ترهيب مسؤولي المحكمة ومنعهم من متابعة التحقيقات. تضييق نطاق التحقيق: في تحول لافت، قرر المدعي العام الحالي للمحكمة، كريم خان، تضييق نطاق التحقيق في الجرائم المرتكبة بأفغانستان ليشمل فقط تلك التي ارتكبتها حركة طالبان وتنظيم الدولة الإسلامية، مستبعدًا بذلك الجرائم التي ارتكبتها القوات الأميركية. أثار هذا القرار استياءً واسعًا من منظمات حقوق الإنسان، التي اعتبرت الخطوة بمثابة محاولة لإفلات الولايات المتحدة من المساءلة.

إن الضغوط التي مورست على المحكمة في ملف أفغانستان تقدم نموذجًا لما قد يحدث في حال استهدفت المحكمة قادة إسرائيليين بمذكرات اعتقال. من المحتمل أن تستخدم الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل الكبرى، الأدوات نفسها التي استخدمتها في الماضي، مثل: تهديد مسؤولي المحكمة بعقوبات مشابهة، وإجراءات دبلوماسية تهدف إلى تحييد أو تعطيل عمل المحكمة، والتأثير على نطاق التحقيقات لتجنب استهداف قادة إسرائيليين.

تثير هذه الممارسات تساؤلات حول قدرة المحكمة الجنائية الدولية على الحفاظ على استقلاليتها وتحقيق العدالة بشكل حيادي. كما أنها تسلط الضوء على التحدي الكبير الذي تواجهه المحكمة عندما يتعلق الأمر بمساءلة قادة الدول الكبرى أو حلفائها. ومع ذلك، فإن نجاح المحكمة في تجاوز هذه الضغوط، قد يعيد الثقة الدولية في فاعليتها كمؤسسة عدلية عالمية قادرة على تطبيق مبدأ "لا أحد فوق القانون".

التجربة مع ملف أفغانستان تُظهر بوضوح أن الطريق إلى العدالة الدولية مليء بالعقبات السياسية.

سابعًا: خطوة تاريخية نحو العدالة الدولية

صدور القرار اليوم يعتبر تحولًا تاريخيًا في عمل المحكمة الجنائية الدولية، ويمثل نقطة تحول غير مسبوقة في مسار العدالة الدولية. أن يكون قادة الاحتلال، الذين لطالما تمتعت أفعالهم بحصانة غير معلنة ودعم سياسي وعسكري وإعلامي دولي، في موقع المتهمين المطلوبين للمساءلة أمام القضاء الدولي، يعدّ إنجازًا كبيرًا ومؤشرًا على بداية محاسبة المسؤولين عن الجرائم الخطيرة.

هذا القرار يمثل الخطوة الأولى في طريق طويل يتطلب عملًا مشتركًا مع جميع القوى الحرة حول العالم لتحقيق العدالة الكاملة لضحايا الشعب الفلسطيني. لا يزال هناك الكثير من العمل لضمان مثول جميع المسؤولين عن الجرائم، من القادة السياسيين والعسكريين والأمنيين، أمام العدالة الدولية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • والي الخرطوم يتفقد الدفاعات الأمامية في أمبدة وغربي كرري ويقف على عودة الحياة في المناطق التي تطهيرها من التمرد
  • خبير علاقات دولية: قرار اعتقال نتنياهو يعكس القناعة الدولية بارتكاب الاحتلال لجرائم الحرب
  • شمعون: قائد الجيش برهن أنه جدي ولا مانع من انتخابه رئيسا
  • العقبات التي تواجه اعتقال نتنياهو وغالانت
  • هل كَسر القَسَم بالله بـ«العودة للتدخين» يعد معصية؟.. الدكتور حسام موافي يجيب
  • خبير قانون دولي: قرار اعتقال نتنياهو وجالانت انتصار لفلسطين.. ولا يسقط بالتقادم
  • هل مواقع التواصل الاجتماعي تُنهي مشاهدة التليفزيون؟.. خبير إعلامي يجيب
  • مدير تعليم الفيوم يكرم الطالبة هنا إبراهيم على أدائها المميز في الإذاعة المدرسية بلغة الإشارة
  • خبير قانون دولي: مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وجالانت أداة ضغط لوقف الحرب
  • قائد الثورة: الأمريكي شريك أساسي مع العدو الإسرائيلي في كل جرائمه التي يرتكبها على مدى عقود من الزمن