اعتبر تحليل نشره مركز تشاتام هاوس للأبحاث في لندن أن حرب غزة تخدم بشكل واسع المصالح الروسية على جميع الأصعدة إلا فيما يتعلق بعلاقاتها مع دول الاحتلال الإسرائيلي.

وأوضح التحليل أن حرب غزة بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية تجذب انتباه السياسيين ووسائل الإعلام والجمهور في الولايات المتحدة بعيداً عن خصمها اللدود أوكرانيا.

كما تخيم الحرب بظلالها على أنشطة روسيا الخبيثة، فعلي سبيل المثال حظي انسحاب موسكو من التصديق على معاهدة حظر التجارب النووية، وتخريب خط أنابيب الاتصال ببحر البلطيق، بقدر تدقيق أقل مما كان يمكن أن يكون عليه الحال خلال الشهر الماضي.

وإضافة لذلك، تخدم حرب غزة بشكل تام حاليا؛ ما يردّده الكرملين على نطاق واسع من أنه يعمل كحصن في مواجهة التوسع العدواني الأمريكي.

ولا تتمتع روسيا بنفس الولاءات مثلما هو حال الولايات المتحدة مع إسرائيل؛ وهو ما يتيح لها فرصة التعبير عن التعاطف بالنسبة لإسرائيل وفلسطين على السواء بطرق لا يمكن لكثير من الدول الغربية، وخاصة أمريكا القيام بمثلها.

كما استغل الكرملين الفرصة وأعاد التأكيد عن اعتقاده (المبرر) بأن الولايات المتحدة لطالما قوّضت باستمرار الجهود الدولية لحلّ القضية الفلسطينية، بل أنه زعم أن الولايات المتحدة مسؤولة عن كل من هجوم حماس، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وردّ الفعل الإسرائيلي الذي استتبع ذلك.

وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك باتهام أوكرانيا ببيع أسلحة لحركة حماس على أمل أن تخلق شقاقاً بين إسرائيل وأوكرانيا.

 خسارة إسرائيل

لكن في المقابل فإن الحرب وضعت حداً أيضاً لسياسة موسكو القائمة منذ فترة طويلة على موازنة علاقاتها في الشرق الأوسط بين إسرائيل وجيرانها.

فبعد أن دفعت الحرب مع أوكرانيا روسيا إلى المزيد من الارتماء في أحضان إيران، تنظر تل أبيب الآن إلى الكرملين باعتباره وسيطاً مشكوكاً فيه في أحسن الأحوال، أو حليفاً لحماس في أسوأ الأحوال.

وذكر التحليل أن روسيا لم تحظ مطلقاً بالثقة من جانب الإسرائيليين أو الفلسطينيين، لكن روسيا استغلت في الماضي التناقضات وأقامت علاقات عمل مع الجانبين عبر السنين.

اقرأ أيضاً

بعد حرب غزة.. روسيا تنفي وجود تغيير في علاقتها مع إسرائيل

وكان البعض يرون أن روسيا يمكن أن تكون وسيطاً محتملاً بين إسرائيل والفلسطينيين، وحتى وقت قريب، حاولت روسيا تطوير علاقات جيدة مع تل أبيب، واعتبرتها شريكاً صامتاً في المنطقة، متجاهلة الهجمات الإسرائيلية ضد من يعملون بالوكالة لحساب إيران في سوريا.

لكن على أي حال فإن من المرجح أن تعني حرب غزة نهاية سياسة روسيا القائمة منذ عقود، المتمثلة في تحقيق التوازن بين مختلف الأطراف في الشرق الأوسط.

وفي ضوء ترحيب روسيا بوفد فلسطيني، في موسكو الشهر الماضي، ورفضها إدانة هجوم “حماس” على إسرائيل، وتحالفها الوثيق مع إيران، لم تعد تل أبيب تعتبر روسيا حليفاً، ومن المرجح أن ترفض أن تكون وسيطاً.

ويتحدث خبراء إسرائيليون صراحة عن احتمال أن تكون روسيا قد علمت مسبقاً بهجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين أول، وحتى احتمال مشاركتها غير المباشرة في الإعداد له.

لكن حتى الشكوك الإسرائيلية المحتملة تخدم المصالح الروسية أيضا، اذ أن الحديث عن دعم موسكو لهجوم حماس بأي شكل من شأنه كسب روسيا تدريجياً لقلوب وعقول العرب في الجزء العربي من الشرق الأوسط، حيث لم تكن علاقاتها القوية مع حماس غائبة عن الأنظار.

وفي المقابل يساعد الجنوب العالمي، وخاصة الشرق الأوسط، روسيا على مواجهة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الصراع مع الغرب، وجذب موسكو إلى الوقوف إلى جانب حماس أكثر من وقوفها إلى جانب إسرائيل.

ويعني هذا أيضاً توافقاً مع الصين، التي يعتبر موقفها على نطاق واسع موالياً للفلسطينيين، وعاملَ توازن في مواجهة موقف الغرب.

وفي جميع الأحوال، يشعر الشارع العربي بالارتياح لاستغلال موسكو الموقف لصالحها، طالما أن ذلك يجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لأنصار إسرائيل ويوجد بدائل في المسرح الدولي.

اقرأ أيضاً

معادلة روسيا وإسرائيل.. غزة توتِّر علاقتهما وإيران تمنع انهيارها

المصدر | تشاتام هاوس- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: تشاتام هاوس حرب غزة الولایات المتحدة الشرق الأوسط بین إسرائیل حرب غزة

إقرأ أيضاً:

طوفان تغيير المعادلات والموازين

 

د. قاسم بن محمد الصالحي

تتداخل الأحداث في المنطقة، جريمة الإبادة مُستمرة في غزة، وبدأ "طوفان الأقصى" في استعادة مظهر عنصر استرجاع القضية الفلسطينية على خريطة الساحات الإقليمية والدولية، ليذكر العالم الغني بالأحداث، بأنَّ الشعب الفلسطيني ينشد حريته، والقضية في يده، ليس عند سواه، وطوفان مُقاومته يُؤسس لحركة تحرر تستبدل فصائل المقاومة المتعددة، والنتائج المترتبة تهيئ الظروف من الناحية السياسية، إلى جانب نمو قطب المُقاومة حول التحرر.

والأقصى بالنسبة للشعب الفلسطيني والشعوب الحرة، هو الخط الأحمر، ومدينة القدس هي مفتاح السلام والأمن الدوليين، لما كان من المستحيل أن يكون هناك مكان أكثر أهمية للعالمين الإسلامي والمسيحي من بيت المقدس... لا بد لنا أن نقف على مدلولات "عملية طوفان الأقصى" لربط مضمون العملية بالمشاعر، إن كانت سلبية أم إيجابية... لا بد أن حدثًا ما أو أشياء أدت إلى العمل العسكري المقاوم. المعاناة آلت إلى ما توصلت إليه وحدة المقاومة، تحولت إلى جيش تحرير شعبي، تجاوزت مفهوم فصائل منفردة. هناك نقطة أخرى لا بد من لفت النظر إليها، أن "العملية" قد نجحت في كسب معركة الوعي، عرفت بالقضية، المقاومة هي درجة طوفانها، باعتبار أن طوفان الأقصى عتبة التحرير.

وإذا نظرنا إلى "طوفان الأقصى" من الناحية العملياتية، نجده عبارة عن فعل عسكري مقاوم للاحتلال، مطالب بالتحرير... وهنا لا بُد لنا أن نقف أيضاً على مدلول العملية، لنلاحظ أن قادة المقاومة اختاروا لها اسمًا مرتبطًا مع مضمون المعاناة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بدءا من الأمواج العاتية للمشاعر، التي هي عبارة عن نتيجة لما قبل عملية طوفان الأقصى. وهذا ما كشفته وتكشفه جريمة الإبادة الجارية في غزة؛ فالدلالة بارزة، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمكان الذي احتله الكيان الغاصب، وبمشاعر سابقة أدت إلى طوفانها.

لقد عانى الفلسطينيون معاناة في صميم حياتهم الدينية والدنيوية، آلت بهم هذه المعاناة إلى عملية عسكرية لم تكن نكرة، بل نتيجة لما أظهره الكيان الغاصب من عجرفة وتغول في العديد من الأمور، قتل وتهجير، وممارسة عنصرية، وتدنيس للمقدسات... من هنا تجدر الإشارة إلى أن قادة المقاومة قد أحسنوا الاختيار من حيث الشعور والحس، ومعنى "طوفان الأقصى"، كونه مجموعة أمواج عاتية من القهر والتنكيل، أدت إلى فوران كبير بحجم الشعور اتجاه القدس والأقصى.

وبعيدًا عن العاطفة أو التحامل... بعيدا عن هذا وغيره، قريبًا من القضية الفلسطينية وقدسيتها، بعقيدة المسلم والمسيحي... تضع الأحرار أمام مرايا إنسانية متعددة، ليرى العالم الصورة كما ينبغي، كما رآها قادة المقاومة... "طوفانا" إنسانيا بحد ذاته، وحركة تغييرية، تحمل معادلات وموازين توبيخ من لا قلب له ولا إحساس... طوفان برداء الدم الزكي الحر، يُواسي الإنسانية المعذبة، يصطحب الضمير الحر لنصرة المظلوم، بأمواج جبهات المقاومة التحررية، باتحاد يصطدم بصخور الظلم، بمعادلة جديدة تستنزف الداخل في الكيان المحتل... بهذا يضع العالم كله أمام موقف، ومشهد متجه نحو خارطة التغيير، يكسر المشروع الذي أريد للمنطقة... انفجر الطوفان، صب أمواج انفجاره في نهر "المعاناة"... كان اصطدامه مأساوياً، لكن ليس فيه تشاؤم في مجرى سفينة المقاومة... الاهتزاز طبيعي لأوضاع انفجاره، ليخرج منه الحزن وقهر الاحتلال...

إنَّ العمل المقاوم يرتبط بأحداث سابقة لجريمة الإبادة في غزة، كانت ترتطم أمواجها بصخور الضعف العربي، وشواطئ العالم المغلوب على أمره، ما إن علت أمواج الطوفان إلّا واشتعلت شرارة التغيير، انطلقت من جنوب لبنان، واليمن، والعراق، وإيران، وكأن قادة المقاومة أرادوا بهذا أن يحمل طوفانهم معادلات إقليمية بجبهات مقاومة متحدة، فيها دفع للأثمان والاستحقاقات، وتفاوضات حول البديل المتعذر والبديل غير المقبول..

في المجمل إن طوفان الأقصى أعلى من صرخات المظلومين وغيَّر المعادلات والموازين.

مقالات مشابهة

  • يوم جديد من عملية طوفان الأقصى.. أبرز التطورات
  • السفارة الروسية بلندن: اتهام موسكو بالتدخل في الانتخابات البريطانية عار عن الصحة
  • السفارة الروسية في لندن تعلق على اتهام موسكو بالتدخل في الانتخابات البريطانية
  • طوفان تغيير المعادلات والموازين
  • موسكو: وحدات روسية تسيطر على معقل كبير للقوات الأوكرانية في كيروف
  • شاهد: سلسلة بشرية في كييف بمناسبة يوم الوحدة الأوكراني وسط تصاعد التهديدات الروسية
  • زيلينسكي: لا نستبعد إجراء مفاوضات مع روسيا عبر وسطاء
  • نتنياهو: لن ننهي الحرب في غزة حتى نحقق كل أهدافنا
  • نتنياهو: ملتزمون بالقتال حتى القضاء على حماس وعودة جميع المحتجزين في غزة
  • موسكو تسقط 36 مسيّرة أوكرانية وكييف تعلن عن مقتل 11 شخصا