قضايانا في القمة السعودية- الأفريقية

عبد الله رزق

لم يكن الجنرال عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة، موفقاً في طرح قضايا السودان في القمة السعودية-الأفريقية، التي استضافتها الرياض، يوم الجمعة الماضي. حيث اهتم بالتركيز على ماهو آني وتكتيكي وعرضي، مما يتصل بالحرب، التي وصفها يوماً بالعبثية، بدلاً من استثمار الفرصة الثمينة المتاحة، لعرض رؤية استراتيجية لشراكة سودانية- سعودية، تاخذ في الحسبان، بجانب وقف الحرب، مستلزمات إعادة البناء والإعمار في مرحلة ما بعد الحرب، والتي قد ترقى لما يكافئ خطة مارشال، بجانب إعادة تأسيس شراكة سودانية- أفريقية، تستند للمعطيات الجيوسياسية، لا تقتصر على “الجسر الرابط بين الجنوب والشمال”، وإنما تتسع لاستيعاب دوائر الانتماء والعلاقات الأفريقية ،مع غرب وشرق أفريقيا، بما في ذلك القرن الأفريقي، خاصة.

فمثلما فعل- دون جدوى، تذكر- في خطابه في الأمم المتحدة، حاول البرهان تعبئة الرأي العام العالمي ضد قوات الدعم السريع، التي وصفها بالمتمردة واتهمها بارتكاب جرائم بحق المدنيين، والتحريض على تصنيفها كقوة إرهابية، وهو مما لا يتناسب مع واقع المفاوضات الجارية بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، في جدة، برعاية إقليمية ودولية.

لقد حان الوقت لتقنين الشراكة بين المملكة السعودية والسودان، وترقيتها، وهي شراكة لا تنهض من فراغ، فلها جذورها في التعاون المتصل بين البلدين في شتى المجالات، وفي مختلف العهود.

فقد اهتمت السياسة السودانية، بالعلاقة الأزلية مع مصر، في مختلف الحقب. وحاولت، في الأزمنة الحديثة، صياغتها في العديد من قوالب الشراكة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بدءاً من وحدة وادي النيل حتى اتفاق الحريات الأربع. وتفسح القمة الأفريقية- السعودية المجال، أمام تأطير العلاقة الأزلية، أيضاً، مع السعودية، وكذلك مع بلدان شرق وغرب أفريقيا.

بهذا التجمع غير المسبوق، عربياً، والذي سبقته ملتقيات مماثلة، نظمتها قوى دولية، منها: فرنسا وروسيا والصين، لغرض تعزيز فرص التعاون مع القارة، تبرز السعودية كقوة إقليمية مؤثرة في منطقة الشرق الأوسط، بجانب تركيا وإيران، وتتطلع للقيام بدور أكبر، لا على مستوى القارة الأفريقية، فحسب، وإنما على الصعيد العالمي، أيضاً.

ومنذ 25 اكتوبر 2021، تلعب السعودية، في إطار تحالف دولي، دوراً متزايداً في مساعي تفكيك الأزمة السودانية الناتجة من الانقلاب، والتي بلغت ذروتها في حرب 15 ابريل 2023. وتستضيف السعودية منبر جدة التفاوضي، كأحد الميسرين بجانب الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد، حيث تتكثف الجهود من أجل إنهاء الحرب. في هذا الإطار، أكد ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان اهتمام بلاده باستقرار وسلام السودان.

يشترك السودان مع العديد من البلدان الأفريقية في معاناة جملة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث ينتظر- في إطار الشراكة مع السعودية، قيد التكوين- إيجاد معالجات جذرية لها.

لقد أصبح السودان، مثل بلدان أخرى في شرق وغرب القارة، بلداً طارداً لأهله، ويكاد لا يصلح للسكنى، بسبب تفشي الفساد والقهر والفقر والعنف الإثني والطائفي. وتمثل تفاقم ظاهرة الانقلابات العسكرية، التي لم ينج منها السودان، أحدث حلقات أزمات التطور السياسي في القارة. وفيما تكابد العديد من دول القارة ،لا سيما دول الساحل، ويلات الإرهاب المموه بالدين، أنجز السودان ثورة عظيمة أطاحت بأهم ركن من أركان الطغيان والاستبداد الديني والسياسي، في العالم، ويسعى السودان بعزم شعبه ودعم أصدقائه للانتقال إلى حكم مدني ديموقراطي، يعزز الاستقرار والسلام والحرية والعدالة. ويشكل مثل هذا الحكم المدني الديموقراطي إطاراً ملائماً للشراكة في التنمية مع السعودية، ومع دول القارة الأفريقية، حيث ينتظر إحداث طفرة كبيرة في التنمية في العديد من المجالات، تمكن من تحقيق الاستقرار وتعزيز السلام، والتغلب على الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، بتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، وتحقيق العدالة الاجتماعية كقاعدة للاستقرار السياسي.

لقد أظهرت الحرب ضعف كيان السودان، وهيأت- بالتالي- المجال لتنامي وتصاعد دعوات التقسيم ونزعات الانفصال. الأمر الذي يحتم على دول الجوار والإقليم ودول العالم كافة، العمل على دعم وحدة السودان وسيادته. يلفت الانتباه في هذا السياق، تصريح ولي العهد السعودي، باعتبار وحدة السودان خطاً أحمر للمملكة. وهو تصريح مهم ويجيئ في وقته تماماً.

الوسومالأمير محمد بن سلمان الجيش الدعم السريع الرياض القرن الأفريقي القمة السعودية الأفريقية شرق أفريقيا عبد الفتاح البرهان عبد الله رزق

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأمير محمد بن سلمان الجيش الدعم السريع الرياض القرن الأفريقي القمة السعودية الأفريقية شرق أفريقيا عبد الفتاح البرهان القمة السعودیة العدید من

إقرأ أيضاً:

خيار الادارة السودانية المؤقتة في المهجر

خيار الادارة السودانية المؤقتة في المهجر
بعد اكتمال كل مؤشرات الفوضي وانهيار الدولة السودانية

محمد فضل علي . كندا

تدخل الجيش السوداني القومي السابق خلال اوقات حرجة اثناء التحولات التي شهدتها البلاد اكثر من مرة بمنتهي المهنية والوعي باهمية الحفاظ علي ارواح الناس والامن الداخلي والقومي للبلاد كانت المرة الاولي قبل الاعلان عن استقلال البلاد اثناء الهجمة العنصرية الهمجية التي شنتها بعض الجيوب الجنوبية المتمردة والمتفلته في مدينة توريت في العام 1955 واغتيال عدد كبير من الموظفين والتجار ورجال الاعمال الشماليين والتنكيل باسرهم وعوائلهم وتركهم في العراء حتي تمكن الجيش من انقاذهم واعادة الاوضاع الي طبيعتها بعد قمع التمرد وهروب قيادات التمرد الي دول الجوار التي لم ترحب بهم وذكرتهم بضرورة مواجهة العدالة وادانة جريمتهم البشعة .
وتدخل الجيش مرة اخري بانحيازة الي الثورة الشعبية ضد الفريق ابراهيم عبود في اكتوبر 1964 وتم اجبار عبود علي التنحي العلني عن السلطة ولم تغفر له انجازته الكبري وبناء مؤسسات دولة وخدمات عصرية علي كل الاصعدة وحفاظه علي اقتصاد وامن البلاد ورفاهية المواطن لقد كان قائدا مهذبا وعفيفا وغادر السلطة وامتثل لقرار الشعب بكل تقدير واحترام ..
ثم تدخل الجيش ايضا لصالح الشعب اثناء انتفاضة ابريل 1985 ضد حكم الرئيس جعفر نميري وان كان تدخل الجيش في ذلك الوقت قد احاطت به تدخلات مضادة قمة في الخبث والمكر من الاجهزة الامنية والعسكرية للاسلاميين التي استغلت طيبة وبساطة القائد العام للجيش انذاك المشير سوار الذهب ودفعته الي اتخاذ قرارات متعجلة باحالة عدد من ضباط الجيش الي الصالح العام اثناء الانتفاضة بتهمة الاتصال بجهات سياسية واعتقال بعضهم بعد ذلك بنفس الاتهامات وحرص الجناح الامني للحركة الاسلامية في الجيش علي احكام الحصار علي قائد الجيش ونائبه اللواء تاج الدين عبد الله فضل وتخويفهم من انقلاب غير حقيقي يدبر له حزب البعث العربي الاشتراكي في السودان بمساعدة مباشرة من نظام الرئيس العراقي الشهيد صدام حسين واحكموا السيطرة العقلية علي سوار الدهب والقيادات العليا من التكنوقراط العسكري التي كانت تخاف علي مناصبها في حالة حدوث انقلاب من حزب عقائدي منظم يتسم افرادة بالولاء المطلق لحزبهم والتقيد بكل مايصدر عنه مهما كانت النتائج .
لقد نجح الكيزان بامتياز فائق في توظيف فوبيا البعث والبعثيين في اختراق قيادة الجيش السوداني ودفع سوار الذهب الي اذاعة بيانه باطاحة حكم نميري علي الرغم من تردده وحديثه المتكرر لكل من التقي به بالتزامه الكامل بما كان يصفه ببيعته للرئيس نميري واشياء من هذا القبيل والحديث عن ملابسات تلك الفترة وتلك الاحداث يحتاج الي مجلدات وتوثيق قانوني واعلامي دقيق لاهميته وصلته المباشرة بكل ماجري في السودان بعد سقوط نميري وحتي اللحظة الراهنة ومرحلة الحرب الدامية التي تشهدها البلاد وهو الامر الذي يمكن اثباته فقط من خلال تحقيقات قانونية دقيقة ينظر في تفاصيلها القضاء السوداني المستقل بعيدا عن الانطباعات الشخصية وماتجود به مجالس الونسة السودانية عن ماجري ومايجري في السودان اليوم .
تشهد البلاد اليوم وفي هذه اللحظات بالذات فراغ سياسي وغياب شبه تام للنخب والاحزاب السياسية السودانية عن الفعل والتعامل المباشر مع مجريات الامور والتطورات المخيفة الجارية في البلاد الا علي صعيد الامنيات و المشاريع والتصورات النظرية لمستقبل الحكم في البلاد مما تسبب بدوره في حالة من البلبلة وغموض الاوضاع الامنية والعسكرية .
وانتشارالتسريبات المشبوهة التي يروج لها بعض الاشخاص المشبوهين والكيانات التي تتخفي وراء مسميات وهمية علي شبكة الانترنت السودانية عن تطورات الحرب السودانية في بلد مجهولة المصير ليس لها اي نصير من الخارج وحتي الداخل مع حالة الخذلان النخبوي الرهيب والتردد والتهرب من القيام باي تضحية مباشرة من اجل انقاذ البلاد التي تراكمت مشكلاتها حتي تحولت تدريجيا الي مقبرة جماعية كبري .
واكتفي البعض بالجدل الانصرافي والغير واقعي المتعدد الاشكال الذي يتناول كل شئ الا كيفية انقاذ البلاد حتي وصلت الامور اليوم وفي هذه اللحظات في اواخر شهر يونيو من العام 2024 الي مرحلة اقرب الي الانهيار التام للدولة السودانية التي اصبح الاعلان الرسمي عنه قضية وقت ليس اقل او اكثر مالم تحدث معجزة بتحرك ومبادرة سودانية تحظي باعتراف المجتمع الدولي عن طريق العمل المباشر مع دول ومنظمات النظام العالمي الراهن المعطوبة والفاقدة للمصداقية الاخلاقية ولكنها امر واقع لابد من التعاون معها من اجل انقاذ البلاد.

يلاحظ تركيز الاشاعات و التسريبات المشار اليها علي الموقف الراهن داخل المتبقي من القوات المسلحة والمؤسسسة العسكرية السودانية التي لاتزال تخضع لسيطرة بعض الشخصيات الاخوانية التي ورثت حطام النظام السابق وتولت اعادة تاهيل اجهزته الامنية والعسكرية التي تخوض بها معركتها الاخيرة في الحرب مع قوات الدعم السريع التي تحقق انتصارات عسكرية متتالية علي الارض بالتزامن مع ادانات واسعة للميليشيا المشار اليها علي الاصعدة الدولية والداخلية من خلال اتهامها بالتورط في عمليات القتل خارج القانون والتطهير العرقي ونهب ممتلكات المواطنين وذلك امر اخر لن يتم الوصول الي حقيقته ونهايته الا عبر تحقيقات قانونية مستقلة ليس علي طريقة لجنة نبيل اديب التي من المتوقع ان يتم صدور قرار بتجميدها مع محكمة الرئيس المعزول الهارب من العدالة عمر البشير ومن معه من قيادات المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية ليتم اعادة التحقيق حول مذبحة القيادة بلجنة اخري باشراف مباشر من النائب العام القادم واعادة محاكمة الرئيس المعزول في محاكمة علنية بعد القيام بتعديلات تضمن سلامة ودقة سير المحاكمة .
السودان يحتاج الان في هذه اللحظات بعد عناية الله الي نفر من الفدائيين المخلصين من العسكريين والمدنيين لكي يتدخلوا بقوة لوقف الحرب وضمان انتقال البلاد الي حكم ديمقراطي منضبط حتي لو وصل الامر الي مرحلة فرض التحول المشار اليه بالقوة ولن يكون ذلك ممكنا في ظل ظروف الحرب والقمع والبطش المتبادل بين قوات البرهان والاسلاميين وقوات الدعم السريع وانعدام الامن وسلامة المجتمع والمواطنين ..
ولتفادي الوقوع بين مرمي نيران تحالف الاسلاميين وبعض العسكر المرعوبين وقوات الدعم السريع يبقي الخيار الامثل في قيام ادارة سودانية مؤقتة في المهجر وليس حكومة منفي كما ذهب البعض نسبة الي التعقيد الذي يحيط بقيام حكومة في المنفي بصورة حرفية مما يمكن ان يتسبب في حرب استنزاف وانتقال الجدل الطويل المدي والصراع علي السلطة الي خارج الحدود .
انقاذ البلاد من الهدم وضياع ملايين الانفس والارواح يتوقف علي مبادرة شجاعة بواسطة اي عدد من الناس المقتدرين والمؤهلين من النخب العسكرية والمدنية السودانية المقيمين بصورة رسمية خارج البلاد باستغلال القدرة علي حرية الحركة وسلامة التحركات للاعلان عن صيغة الادارة السودانية المؤقتة في المنفي التي لن تمارس الحكم ولكنها تنظم علاقة السودان بالمجتمع الدولي من اجل وقف الحرب واعادة الامن والاستقرار الي البلاد حتي تصل الامور الي مرحلة الثبات وتصبح قادرة علي اجراء انتخابات وقيام سلطة مدنية بتمثيل عسكري في الوزرات المعنية بالدفاع عن البلاد وحماية الشعب والامن الداخلي والخضوع التام للسلطة المدنية في تنفيذ المهام الموكولة لها.
ويتوقع ان تحصل صيغة الادارة السودانية المؤقتة في المهجر علي اعتراف مبكر من المجتمع الدولي و الامم المتحدة والاتحاد الاوربي وكل المنظمات الدولية ذات الصلة بالحكم والادارة والعدالة وفي حالة نجاح التجربة والمشروع المشار اليه من المتوقع ان تتخذ شعوب ودول اخري من التي تمر بظروف مشابهة من التجربة السودانية التي من الممكن ان تصبح نموذجا للاخرين بعد ان تتخذ مكانا معتبرا في ارشيف العلاقات الدولية باعتبارها نموذجا في ادارة الازمات بطريقة تعيد السودان الي سابق عهدة في النجاحات الاقليمية والتواصل الايجابي مع المجتمع الدولي .
ويمكن تاجيل كل المشاريع السياسية الاخري حتي مرحلة استقرار البلاد واستغلال الزمن في التدريب وتطوير القدرات استعدادا لممارسة العمل الديمقراطي الحر بعد تنظيف البلاد من الهدم ومحاسبة كل من اجرم في حق الناس والبلاد ويتم انتخاب برلمان سوداني حر ومنتخب .  

مقالات مشابهة

  • منبر جدة.. هل تفلح الضغوط في إحداث اختراق؟
  • الأمم المتحدة تساعد لاجئي السودان في ليبيا وأوغندا
  • نحو ألف سوداني ماتوا جوعًا ومرضًا في شهرٍ واحد
  • وزير الخارجية: مصر تري أهمية تطبيق مبدأ الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية
  • هروب قبائل من الجن بسبب حرب السودان .. إلى أين اتجهوا؟
  • وزير الداخلية الإيطالي: تنمية القارة الإفريقية عنصر حاسم لمنع تدفقات الهجرة غير الشرعية
  • حرب السودان: ثم ماذا بعد سنجة !!
  • التصعيد وتمهيد الطريق إلي جدة
  • تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية في السودان تردّ على دعوة مصرية
  • خيار الادارة السودانية المؤقتة في المهجر