الجزيرة:
2025-03-15@11:07:24 GMT

ارتباك أميركي في السودان

تاريخ النشر: 9th, July 2023 GMT

ارتباك أميركي في السودان

بقدر ما خلفت الحرب الجارية بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم السريع من مآس إنسانية كبيرة للمواطنين فقد كشفت كذلك حجم الارتباك الأميركي في السودان، وأبانت للسودانيين مقدار الضعف والحيرة لدولة طالما تخيلوا مقدرتها على التأثير في قضاياهم والمساهمة في بناء مستقبلهم.

وبما أن الحروب كاشفة فقد تأكد بما لا يدع مجالا للشك أن الولايات المتحدة مرتبكة جدا في تعاملها مع الأزمة السودانية ولا تملك سياسة واضحة يمكن التعويل عليها، ولعل هذا الاكتشاف يسهم في إيقاظ كثيرين ممن لا يزالون يعيشون أحلاما وردية عن امتلاك أميركا زمام الأمور وقدرتها على تحقيق آمالهم، ولعله يشجع طرفي الأزمة السودانية على الاعتماد على إرادتهما الوطنية الخالصة لحل مشاكلهما دون الاعتماد على الآخرين.

سياسات ترامب أدت إلى تراجع حجم التجارة الأميركية إلى 41 مليار دولار فقط في العام 2018 بعدما كانت 100 مليار في العام 2008

ولم يكن الارتباك جديدا في التعامل مع السودان، إذ بدأ مع نهايات عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما عندما انطلق الحوار بين الدولتين بعد عقود من القطيعة والتنافر، فعندما فرضت حقائق الواقع ضرورة التواصل بين البلدين كان صعبا على الأميركيين بعد تلك العقود الانتقال إلى ثقافة التقارب والتعاون.

ورغم أن ذلك الحوار أدى في النهاية إلى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وشطب العقوبات المفروضة عليه بعد التغيير الذي أسقط نظام الرئيس السابق عمر البشير عام 2018 فإن ما تأسس طوال سنوات القطيعة يصعب تفكيكه بين ليلة وضحاها، فظلت بعض مؤسسات الإدارة الأميركية -ولا سيما وزارة الخارجية- تواصل السياسات القديمة ذاتها.

تراجع الدور الأميركي في السودان

المحير حقا في قصة العلاقة بين البلدين أن السودان لا يمثل أهمية إستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية مثل مصر أو المملكة العربية السعودية، ومع ذلك فقد ظلت توليه أهمية كبيرة وتضعه على لائحة أولوياتها حين يتعلق الأمر بالإجراءات التأديبية وفرض العقوبات، وطوال عهد البشير كانت تنظر للسودان كدولة مارقة يجب إعادتها إلى "الحظيرة".

لكن التطور الأبرز الذي حدث بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض وتبنيه سياسة التجاهل العام لأفريقيا هو ظهور لاعبين جدد أكثر تأثيرا في المشهد الأفريقي، حيث استطاعت الصين أن تكون الشريك التجاري الأول لأفريقيا وبلغ حجم تجارتها في العام 2022 حوالي 282 مليار دولار، كما أن روسيا أعادت تخطيط سياستها تجاه أفريقيا وتستثمر حاليا في أكثر من بلد أفريقي، حيث تعمل على توسيع نفوذها على حساب الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا.

أما سياسات ترامب فقد أدت إلى تراجع حجم التجارة الأميركية إلى 41 مليار دولار فقط في العام 2018 بعدما كانت 100 مليار في العام 2008، ومؤخرا أعلن وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن الرقم ارتفع إلى 80 مليار دولار في 2022، أي أنه لا يزال أقل من 2008.

أما الصين فإنها تحتفظ باستثماراتها في النفط السوداني، وتعمل روسيا على زيادة حجم التبادل التجاري مع السودان، وتهمل الولايات المتحدة الأميركية السودان كمجال للتجارة والاستثمار وتركز فقط على الجانب السياسي وفرض العقوبات، فلا توجد حاليا أي اتفاقيات تجارية سارية مع أميركا، وحجم التبادل التجاري ضعيف جدا، في حدود 50 مليون دولار، 80% منه لصالح الولايات المتحدة الأميركية حسب تصريحات وكيل وزارة التجارة السودانية.

عادت إدارة بايدن لتستأنف السياسة الأميركية التقليدية في السودان، ولكنها فوجئت بمتغيرات كبيرة هي سبب هذه الربكة في نظرنا، فإلى جانب التمدد الروسي الهادئ في السودان طوال سنوات حكم ترامب برزت قضية التطبيع مع إسرائيل كعامل مهم في توجيه السياسة الأميركية إزاء السودان، فبينما يميل الإسرائيليون بصورة براغماتية إلى العسكر الذين قادوا عملية التطبيع وينشطون عمليا معهم تسعى بعض الدوائر المؤثرة  في البيروقراطية الأميركية إلى التحالف مع المدنيين من قوى الحرية والتغيير حيث ترى فيهم أملا لتنفيذ أجندتها المتعلقة بدعم التحول الديمقراطي وتمكين الأقليات في العالم العربي، وتتركز هذه الدوائر في وزارة الخارجية والكونغرس، فيما تتعامل وزارة الدفاع والـ"سي آي إيه" (CIA) والبيت الأبيض بصورة أكثر واقعية مع الملف السوداني والمكون العسكري.

كان أمل شريحة كبيرة من السودانيين -وفي مقدمتهم تحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)- أن تضطلع الولايات المتحدة الأميركية بدور كبير بعد سقوط النظام السابق، ولكن سرعان ما خاب أملهم

هذا التنازع هو الذي أدى إلى تأرجح الموقف الأميركي منذ سقوط النظام السابق في أبريل/نيسان 2019، وظهر بصورة أكثر وضوحا بعد قرارات 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 التي أصدرها قائد الجيش ضد المكون المدني، فيما طائرة المبعوث الأميركي جيفري فيلتمان لم تغادر بعد الأجواء السودانية إثر زيارة وصفت وقتها بأنها تهدف لدفع عجلة التحول الديمقراطي.

ترددت الحكومة الأميركية كثيرا في وصف ما جرى بالانقلاب العسكري، وهو ما حدا بالسفيرة ميشيل غافين إلى انتقاد موقف الإدارة الأميركية، معتبرة أن "رد فعل الولايات المتحدة كان مثبطا للآمال وأكثر إرباكا"، فيما جاء مقال روبي غريمر مراسل شؤون الدبلوماسية والأمن القومي لمجلة "فورين بوليسي" (Foreign Policy) المؤثرة أكثر وضوحا في التعبير عن التنازع بين المؤسسات الأميركية، فقد تحدث عن "ردة فعل سلبية وغضب بين الدبلوماسيين والمسؤولين في واشنطن الذين شعروا أن الإدارة الأميركية قوَّت الجنرالات وسط الأزمة الحالية، وفاقمت التوترات وهي تدفع باتجاه حل سياسي، وتجاهلت القوى المدنية الراغبة في التحول الديمقراطي".

السبب الآخر للارتباك الأميركي هو تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة العربية لصالح دول إقليمية استثمرت في السودان في السنوات الأخيرة، وباتت الولايات المتحدة الأميركية لا تستطيع اتخاذ أي قرار حاسم في المسألة السودانية بمعزل عن حلفائها الإقليميين، سواء بعض دول الخليج أو مصر، وسعيها إلى إنتاج حلول توفيقية تجمع مصالح حلفاء قد تكون بينهم بعض التباينات، وهو ما يظهر الموقف الأميركي في النهاية مرتبكا وغير متماسك.

ماذا تريد أميركا من السودان؟!

كان أمل شريحة كبيرة من السودانيين -وفي مقدمتهم تحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)- أن تضطلع الولايات المتحدة الأميركية بدور كبير بعد سقوط النظام السابق، ولكن سرعان ما خاب أملهم حين رأوا السياسات القديمة ذاتها تطبق على السودان، فقد تأخرت تسمية سفير في السودان لمدة 3 سنوات بعد سقوط نظام البشير، ولم تكن الصدمة الكبرى في عدم مد يد العون الاقتصادي لحكومة حمدوك وهي تترنح تحت تأثير الفشل جراء سياساتها الاقتصادية القاسية، ولكن جاءت الطامة الكبرى حين أصرت الولايات المتحدة على أخذ أكثر من 300 مليون دولار من الخزينة السودانية الخاوية ثمنا لرفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

هنا تيقن قطاع عريض من السودانيين أن أولويات الحكومة الأميركية لا تعبر عنها الشعارات المعلنة، إذ ظلت تعلن الموقف وضده في أكثر من قضية، فبينما كانت تصر على دعم عملية الانتقال الديمقراطي وقوى الحرية والتغيير كانت قيادة "الأفريكوم" تطور علاقاتها مع الجيش وتصرح برغبتها في توسيع التعاون العسكري، وفي الوقت الذي نشط فيه سفيرها في الخرطوم تحت ذريعة دعم الديمقراطية والقوى المدنية أكد السفير ذاته رفض تنظيم أي انتخابات في الوقت الحالي "لأنها ستعيد الإسلاميين".

وحتى بعد اندلاع الحرب الحالية لم تغير الحكومة الأميركية هذه السياسة المربكة والمرتبكة، حيث كان جل اهتمامها في الأسابيع الأولى للمعارك هو محاصرة الوجود الروسي في المنطقة، الأمر الذي فهم منه أنها لا تهتم بالمأساة الجارية إلا في حدود خدمة مصالحها، خاصة بعد أن سحبت بعثتها الدبلوماسية من الخرطوم، وانخرطت بعد ذلك مع المملكة العربية السعودية في الوساطة بين الطرفين، لكنها وبدلا من التركيز على الحوافز قامت بفرض عقوبات على الطرفين في أغرب مقاربة لأي عملية وساطة بين أطراف متنازعة، وعلى كل فهذا ليس نهجا جديدا في تعامل واشنطن مع الخرطوم، فقد فعلت السلوك ذاته في مفاوضات نيفاشا 2005 ومفاوضات أبوجا بخصوص دارفور بعد ذلك.

إن العبرة التي يمكن استخلاصها من الانخراط الأميركي الطويل في القضايا السودانية هي أنها لا تريد أن تبني هذه العلاقات على قاعدة المصالح المشتركة للعلاقات الثنائية، ولكنها تريد أن تكون في وضع من يفرض الشروط على الجانب السوداني في قضاياه الداخلية، مثل قضايا السلام والأقليات الدينية والحريات العامة، كما أنها -ولتقديرات تخصها- تريد إبقاء حالة النزاع في البلاد أطول فترة ممكنة، ولذلك فمن المستبعد جدا أن تكون للتدخل الأميركي نتيجة إيجابية لصالح الحلول المستدامة في السودان.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمیرکیة ملیار دولار الأمیرکی فی فی السودان من السودان فی العام

إقرأ أيضاً:

علم إسرائيل وحمامة بيضاء.. نبوءة القنصل الأميركي في القدس

منذ القرن التاسع عشر، لعبت الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا في دعم المشروع الصهيوني، سواء على المستوى الديني أو السياسي. تجسد ذلك من خلال شخصيات مثل وارد كريسون، الذي كان من أوائل الأميركيين الداعمين لفكرة تشجيع الاستيطان الصهيوني في فلسطين، وصولًا إلى دونالد ترامب، الذي تبنى سياسات تسعى إلى إعادة تشكيل مستقبل غزة بما يخدم المصالح الصهيونية.

ترامب وغزة.. رؤية اقتصادية أم تهجير قسري؟

منذ أن عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المشهد السياسي كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، تصاعدت تصريحاته المثيرة للجدل بشأن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وخاصة فيما يتعلق بقطاع غزة.

وسط حرب الإبادة المستمرة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، طرح ترامب عدة أفكار تتعلق بمستقبل القطاع وسكانه، من بينها فرض السيطرة الأميركية على غزة، وإعادة توطين السكان الفلسطينيين في دول أخرى، وإلغاء حق العودة، ثم قال ما قد يفيد بغير ذلك لاحقاً.

قال ترامب أن الولايات المتحدة يجب أن تتولى السيطرة على قطاع غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية بين إسرائيل وحركة حماس.

ويعتقد أن هذا الإجراء سيسهم في إعادة إعمار غزة وتحويلها إلى مركز اقتصادي وسياحي، مشيرًا إلى أن الأوضاع الحالية تجعل القطاع غير صالح للعيش. برر ترامب هذه الفكرة بضرورة إيجاد حل شامل يعيد تشكيل مستقبل غزة بما يتماشى مع الاستقرار الإقليمي.

إعلان

لذلك اقترح ترامب في يناير/ كانون الثاني 2025 إعادة توطين سكان غزة في دول أخرى، مثل الأردن ومصر، مع تقديم حوافز مالية لهذه الدول لاستيعاب الفلسطينيين النازحين. ويعتقد أن هذا الخيار سيمنح سكان غزة فرصة لحياة أفضل بعيدًا عن الظروف المعيشية القاسية داخل القطاع، معتبرًا أن غزة لم تعد مؤهلة للسكن بعد الدمار الواسع الذي شهدته.

وأكد ترامب أن الفلسطينيين الذين يغادرون غزة لن يكون لهم حق العودة، معتبرًا أن المنطقة لم تعد مناسبة لإعادة توطين السكان بعد الأضرار الهائلة التي لحقت بالبنية التحتية. ويرى أن هذا الإجراء ضروري لإيجاد واقع ديمغرافي جديد يمنع العودة الجماعية ويؤسس لمرحلة مختلفة في التعامل مع مستقبل القطاع.

في أعقاب تصريحات ترامب، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي توجيهات بإعداد خطط تتيح للفلسطينيين الراغبين في مغادرة غزة الخروج إلى دول أخرى، ورغم عدم وضوح آلية تنفيذ هذا المخطط، فإنه يتماشى مع بعض الأطروحات التي قدمها ترامب بشأن مستقبل القطاع.

عند كوشنر الخبر اليقين!

بحسب تقرير نشر في موقع "زمان يسرائيل" العبري التابع لـ "تايمز أوف إسرائيل"، فإن الخطوط العريضة للخطة نشأت لدى جوزيف بيلزمان، وهو أستاذ في جامعة جورج واشنطن، الذي نشر مقالًا في يوليو/ تموز 2024 بعنوان "خطة اقتصادية لإعادة بناء غزة".

يحدد الاقتراح خطة للدول والشخصيات الخارجية "للاستثمار" في إعادة بناء غزة بموجب عقد إيجار مدته 50 عامًا، وبعد ذلك سيتم تناول مسألة منح "السيادة" للسكان. ووفقًا للخطة، فإن التركيز الأساسي لإعادة الإعمار سيكون على قطاع السياحة، بما في ذلك بناء الفنادق على شاطئ البحر.

ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن ترامب أخبر نتنياهو في مكالمة هاتفية في أواخر صيف 2024 أن غزة "قطعة عقارية رئيسية"، وأنها قد تكون موقعًا مثاليًا لبناء الفنادق.

إعلان

وقال بيلزمان في بودكاست في أغسطس/ آب إن مقاله "ذهب إلى مؤيدي ترامب، لأنهم كانوا أول من اهتم بها، وليس لمؤيدي بايدن". وأضاف أن صهر ترامب، جاريد كوشنر، "يريد استثمار أمواله فيها… يسيل لعابهم للدخول".

وقال بيلزمان إنه بموجب اقتراحه، سيتم "إخلاء قطاع غزة بالكامل"، مشيرًا إلى أن "الولايات المتحدة يمكن أن تضغط على مصر" لقبول اللاجئين من غزة، لأن "مصر دولة مفلسة" عليها ديون كبيرة للولايات المتحدة.

وسبق أن وصف كوشنر الصراع العربي الإسرائيلي بأكمله بأنه "ليس أكثر من نزاع عقاري بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، بحسب تعبيره. وقال في فعالية في هارفارد في  فبراير/ شباط 2024 "العقارات على الواجهة البحرية لغزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة، إذا ما ركز الناس على توفير سبل العيش".

الجذور الأولى للفكر الاستيطاني الأميركي

أعادت تصريحات ترامب إلى الأذهان أفكارًا تاريخية مشابهة طرحها وارد كريسون (Warder Cresson) في القرن التاسع عشر. كريسون، الذي كان أوّل قنصلٍ أميركيٍّ في القدس، وداعيةٍ مبكرٍ لفكرة إعادة اليهود إلى فلسطين، تحوّل من المسيحية إلى اليهودية وغير اسمه إلى ميخائيل بوعاز إسرائيل.

كان من أبرز دعاة فكرة توطين اليهود في فلسطين، مؤمنًا بأن الله خلق الولايات المتحدة لدعم اليهود، وأن النسر الأميركي سيحقق نبوءة أليشع بتغطية الأرض بجناحيه. أعلن كريسون أن "لا خلاص لليهود إلا بقدومهم إلى إسرائيل"، وكرس حياته لتحقيق هذه الرؤية.

في 22 يونيو/ حزيران 1844، رحل كريسون إلى فلسطين حاملًا علمًا أميركيًا وحمامة بيضاء كان ينوي إطلاقها عند وصوله. وعندما وصل كريسون إلى فلسطين، واستقر في القدس، أسس "ختمًا قنصليًا" ومد حماية أميركية على يهود المدينة، الذين كان العديد منهم فقراء يعتمدون على المساعدات الخارجية.

في عام 1852، أسس مستعمرة زراعية يهودية لتدريب المهاجرين على الزراعة، وحاول إنشاء مستوطنة في وادي رفائيم بمساعدة موسى مونتفيوري، لكن جهوده فشلت.

إعلان

ومع ذلك، فإن أفكاره ألهمت آخرين، مثل كلوريندا ماينور (Clorinda Minor)، التي أسست مدرسة الزراعة للأعمال اليدوية لليهود في الأرض المقدسة بالقرب من قرية أرطاس، بالقرب من بيت لحم. وقامت بتأسيس مستوطنة "جبل الأمل" بالقرب من يافا، الذي اشتراها كريسون، باعتبارها "مزرعة أميركية نموذجية" لتعليم اليهود كيفية زراعة الأناناس والموز والليمون.

هندسة جغرافية فلسطين

ما يجمع بين كريسون وترامب هو الإيمان بإعادة تشكيل الواقع الديمغرافي والسياسي لفلسطين لصالح المشروع الصهيوني. فبينما سعى كريسون إلى إعادة توطين اليهود في فلسطين عبر إنشاء مستوطنات زراعية، يسعى ترامب إلى إعادة هندسة الواقع الحالي عبر سياسات التهجير القسري، وإعادة الإعمار تحت السيطرة الأميركية.

مع استمرار هذا النهج عبر التاريخ، تعكس تصريحات ترامب بشأن غزة امتدادًا للفكر الاستيطاني الأميركي الذي بدأ مع وارد كريسون في القرن التاسع عشر. فكما سعى كريسون إلى الاستيلاء على فلسطين عبر الاستيطان، تأتي أطروحات ترامب وكوشنر بواجهة اقتصادية، لكنها في جوهرها تستند إلى نفس الهدف: تفريغ الأرض وإعادة تشكيلها بما يخدم المشروع الصهيوني.

وبينما تغيّرت الأساليب والخطابات، يبقى النهج ثابتًا؛ إعادة هندسة الواقع الفلسطيني وفق مصالح القوى المهيمنة، في استمرارية تعكس كيف يعيد التاريخ نفسه من كريسون إلى ترامب، كل مرة بأسلوب جديد لكن بروح استعمارية واحدة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • “السودان والصومال” ترامب لم يتراجع.. الولايات المتحدة تقترح تهجير سكان غزة إلى أفريقيا
  • الحكومة السودانية تسمى ملحقين إعلاميين بمصر وإثيوبيا
  • الاعيسر يبحث مع اليونسكو التعاون في استعادة وترميم الآثار السودانية
  • الولايات المتحدة وإسرائيل تتطلعان إلى توطين الفلسطينيين المهجرين من غزة في دول إفريقية
  • علم إسرائيل وحمامة بيضاء.. نبوءة القنصل الأميركي في القدس
  • ???? درع السودان اربك الجميع وخلط الاوراق واختصر علي الدولة السودانية ثلاثين عاما قادمة من الابتزاز بالسلاح
  • الموانئ السودانية بين مطامع الاستثمار الأجنبي ومحاولات تشويه صورة البجا لإفشال الإدارة المحلية
  • البطل المنقذ وبداية الانهيار الأميركي
  • الإمارات ترحب باستضافة السعودية محادثاتٍ بين الولايات المتحدة الأميركية وأوكرانيا
  • كاتب أميركي: ترامب زلزل العالم في 50 يوما