حكم مهنة العلاج الطبيعي.. ضوابط المساج والتدليك
تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (نرجو منكم بيان الحكم الشرعي في مزاولة مهنة التدليك الطبي (العلاج الطبيعي) وضوابط ذلك، فهناك صديق لي يعمل في أحد مراكز التدليك، ويقوم بعمل جلسات تدليك بصفة دورية؛ للوقاية من الإصابات العضلية المختلفة، فنهاه أحد أصدقائه عن ذلك معلِّلًا ذلك بأنَّ التدليك يترتَّب عليه كشف العورات، كما أنَّه قد يكون ذريعة لأمور محرَّمة؛ فما حكم عمله في مراكز التدليك لهذا الغرض؟
وأجابت دار الإفتاء، على السؤال، بأن الصورة المسؤول عنها نوعٌ مِن أنواع العلاج الوقائي تدخل في معنى التداوي الجائز شرعًا؛ لما فيها من حفاظ على الجسد، فعن أسامة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنَزِّلْ دَاءً، إِلَّا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً، إِلَّا الْمَوْتَ، وَالْهَرَمَ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند".
وذكرت أن الحماية من الأمراض إمَّا أن تكون بالوقاية أو بالعلاج؛ فسبل الوقاية سابقة، ووسائل العلاج لاحقة؛ وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي في "الموافقات" (2/ 260): [المؤذيات والمؤلِـمَات خلقها الله تعالى ابتلاءً للعباد وتمحيصًا.. وفُهِمَ من مجموع الشريعة الإذنُ في دفعها على الإطلاق؛ رفعًا للمشقة اللاحقة، وحفظًا على الحظوظ التي أذِنَ لهم فيها، بل أذن في التحرز منها عند تَوَقُّعِها وإن لم تَقَعْ؛ تكملةً لمقصود العبد، وتوسعةً عليه، وحفظًا على تكميل الخلوص في التوجه إليه والقيام بشكر النعم، فمن ذلك: الإذنُ في دفعِ ألم الجوع والعطش والحر والبرد، وفي التداوي عند وقوع الأمراض، وفي التَّوَقِّي من كلِّ مؤذٍ، آدميًّا كان أو غيرَه، والتحرُّزِ من المتوقَّعات حتى يُقدِّم العُدَّة لها، وهكذا سائر ما يقوم به عيشُه في هذه الدار من درء المفاسد وجلب المصالح.. وكونُ هذا مأذونًا فيه معلومٌ من الدين ضرورة] اهـ.
وأوضحت، أن الأصل في الوقاية أنَّها مرحلة استباقية تحفُّظية لمنع وصول الداء إلى الجسد في الابتداء، فهي خط الدفاع الأول ضد المرض، فإذا وصل الداء للجسد كان العلاج هو خط الدفاع الثاني؛ ولذلك كانت الوقاية مقدَّمةً على العلاج؛ لأنها آمَنُ منه خطرًا، وأيسرُ تبعةً، وأقلُّ تكلِفةً، فتحفظ بذلك على الإنسان جهده وصحته وماله، وتحفظ على المجتمع ما يمكن أن يتحمَّله من تبعات المرض وآثار تطبيبه وتكاليف علاجه.
أمَّا العلاج فيأتي عقب الإصابة، وغرضُه رفع المرض من الجسم أو تقليل أثره، وقد يتعسَّر إذا أُهمِلَ المريض وتُرِكَ فيه الداءُ، بل قد يتعذر إذا تمكن منه ضررُه، واستحكم فيه أثرُه، ومن هنا قال الحكماء: "الوقايةُ خيرٌ مِن العلاج"، أو كما قيل: "درهمُ وقايةٍ خيرٌ مِن قنطارِ علاجٍ"، وهذا ما عناه الفقهاء بقولهم: "الدَّفْع أسهل من الرفع"؛ فالمراد بالدفع: الاحتياطُ للأمر وتَوَقِّيه، والعملُ على تجنُّبِه وتَلَافيه، وأما الرفع: فهو إزالتُه بعد نزوله، ومحوُه بعد حلوله، فدفع الشيء يكون قبل ثبوته ابتداءً، والرفع يأتي بعد وجوده انتهاءً، فالوقاية خير من العلاج؛ لأنَّ الوقاية دفعٌ والعلاج رفعٌ؛ أي: أنَّ الأخذ بأسباب الوقاية من المرض قبل حصوله، خير وأولى من البحث عن طرق العلاج منه بعد نزوله.
وأشارت إلى أن عنايةُ الشريعة بالوقاية من الضرر المحتمَل تتجلَّى في الأمر بأخذ الإنسان بأساليب الوقاية بقدر الإمكان؛ ليكون في دائرة الأمان؛ حيث يقول تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195].
فإذا توصَّلت الجهات الطبية المختصة إلى أنَّ ممارسة نشاطٍ ما يقي من الإصابة بمرضٍ ما أو يقلل من احتمالية الإصابة به، ولم يكن من ورائه مضاعفات أو أخطار، فتُشرَع المبادرة لأخذه؛ لما في ذلك من حفظ النفس ووقايتها من الأسقام، وقد تقرَّر في قواعد الفقه أنَّ للوسائل حكم المقاصد؛ يقول العلامة شهاب الدين القَرافي في "الفروق" (2/ 33، ط. عالم الكتب): [كما أَنَّ وسيلة المحرَّم محرمة، فوسيلة الواجب واجبة؛ كالسعي للجمعة والحج. وموارد الأحكام على قسمين: مقاصد: وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها، ووسائل: وهي الطرق المُفضِية إليها، وحكمها حكم ما أفْضَتْ إليه من تحريم وتحليل، غير أنها أخفض رتبة من المقاصد في حكمها، والوسيلة إلى أفضلِ المقاصد أفضلُ الوسائل، وإلى أقبحِ المقاصد أقبحُ الوسائل، وإلى ما يتوسط متوسطة] اهـ.
فإذا ما أفاد الأطباء المتخصصون أنَّ التدليك الطبي يدفع أمراضًا يغلب على الظن وقوعها كان التدليك الطبي حينئذٍ داخلًا في إطار الحاجة الطبية التي تنزل منزلة الضرورة.
قال ابن سينا في "القانون في الطب" (1/ 247، ط. دار الكتب العلمية): [أما الواقعون فِي ذَلِك مِن غبار أَو قُوَّة دَلْكٍ فهم إِلَى الاستحمام أحْوج مِنْهُم إِلَى التمريخ بالأدهان، وليتدلكوا تدليكًا لينًا قبل الحمام وَبعده. وَقد يعرض عُقيب الإفراط فِي الرياضة مَعَ قلَّة الدَّلْك ضعف مع التخلخل، وَقد يعرض من الْجِمَاع المفرط أَيْضًا، ومن الحمام الْمُتَوَاتر، فَيَنْبَغِي أَن يعالجوا برياضة الِاسْتِرْدَاد، وبدلك يَابِس إِلَى الصلابة مَعَ دهن قَابض، ويتناولوا أغذية مرطبة قَليلَة الكمية معتدلة فِي الْحر وَالْبرد أَو إِلَى الْحر مَا هِيَ قَلِيلًا. وَكَذَلِكَ يصنعون إِن عرض ضعف أَو سهر أَو غم أَو عرض يبس من الْغَضَب، فَإِن عرض لهَؤُلَاء سوء استمراء -لم يجده مقبولًا مستساغًا- لم يوافقهم رياضة الِاسْتِرْدَاد، وَلَا شَيْء من الرياضات الْبَتَّةَ] اهـ.
ودلت البحوث الحديثة على جدوى التدليك وكفاءته، إذ تقدم على العلاجات الكهربائية مثل التحفيز تحت الجلد في معالجة الآلام وخاصة الألم الناتج عن التليف العضلي، وفي معالجة الأرق والقلق والكآبة وفي خفض إنتاج الكولسترول] اهـ.
لكن ينبغي عند ممارسة التدليك الطبي ستر العورة؛ فلا يجوز كشف ما زاد عن حدِّ الحاجة من العورة عند القيام بالتدليك، وإذا أمكن القيام به عن طريقِ حائلٍ لم يُلجَأْ إلى مباشرة اللمس؛ فلا يُطَّلَعُ على ما لا يُحتاج إليه، ولا يُلمَس ما لا يحتاج إلى لمسه؛ لما تقرَّر في قواعد الفقه أنَّ "ما ثبت للضرورة يُقدر بقدرها"، وأن "الميسور لا يسقط بالمعسور"؛ ينظر: "أصول السَّرَخْسي" (1/ 248، ط. دار المعرفة)، و"المستصفى" للغَزَالي (ص: 220)، و"قواعد الأحكام في مصالح الأنام" لسلطان العلماء العز ابن عبد السلام (107/1).
فإذا كان المقصود من التدليك الوقاية من الأمراض، وتحقق في طريقة القيام به وفيمن يقوم به ما سبق ذكره من الضوابط الشرعية، فلا حرج حينئذٍ في القيام به، وبشرط أن يكون تحت إشراف المتخصصين.
وأضافت دار الإفتاء، أن ممارسة التدليك لا بدَّ أن تكون المراكز الطبية المعتمدة التي تقوم بهذا النوع من التدليك مصرَّحًا لها قانونًا بممارسة ذلك النشاط بما يضمن أن يكون القائم به له نوع خبرة ودراية وتخصص، ويضمن كذلك رقابة الدولة على تلك المراكز، وبذلك تندفع شبهة الممارسات المحرَّمة؛ فقد نص القانون رقم (3) لسنة (1985م) -في شأن تنظيم مزاولة مهنة العلاج الطبيعي- في المادة التاسعة على أنه: [لا تجوز مزاولة مهنة العلاج الطبيعي في مراكز خاصة خارج المنشآت الطبية المنصوص عليها في القانون رقم (٥١) لسنة (١٩٨١م) بتنظيم المنشآت الطبية، إلا بترخيص خاص من وزارة الصحة] اهـ.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فيجوز العمل في مراكز التدليك الطبي مع مراعاة الضوابط الشرعية والطبية وأخلاقيات المهنة، ويجب أن تكون المراكز الطبية القائمة بذلك مصرَّحًا لها من قِبَل الهيئات المختصة بممارسة هذا النشاط.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: التدليك العلاج الطبيعي دار الإفتاء التداوي العلاج العلاج الطبیعی إ ل ى ال
إقرأ أيضاً:
"هنا الألباستر"| مهنة النحت في الصخر تقاوم عوامل الزمن والحداثة.. صور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
على بعد نصف ساعة من مدينة الأقصر و10 كيلو مترات من نهر النيل، حيث تقع مصانع الألباستر متناثرة شاهدة على التاريخ بمدينة القرنة، تحاول جاهدة الصمود ومقاومة الزمن، مستمدة من عظمة الحضارة المصرية التي تحيطها من كل الجوانب، القوة حتى تصمد في وجه الحداثة والتكنولوجيا وعصر الذكاء الاصطناعي الذي بدأ يتوغل في كل مناحي الحياة، فالقرنة هي القرية الوحيدة على مستوى الجمهورية التي يمتهن أهلها تلك الحرفة التي توارثتها الأجيال، ومازالت مستمرة حتى يومنا هذا، والتي يقوم عليها أنامل ذهبية تحول الحجر الصلب إلى تفاصيل دقيقة لقطعة أثرية تسر الناظرين.
منتجات الألباستروبالقرب من مقابر الأجداد من الملوك والملكات بالبر الغربي، يجلس على الأرض فنانون مهرة وبالفطرة يرتدون الجلباب والشال الصعيدي، بعضهم لم يلتحقوا بالكليات والمعاهد المتخصصة، والآخر لم يتعلم من الأساس، ولكنهم ورثوا هذه الحرفة عن الآباء والأجداد، ولديهم قدرة فائقة على صناعة قطعًا فنية تشبه تمامًا القطع الأصلية التي تمثل كنوز المقابر الفرعونية، وذلك باستخدام معدات بسيطة للغاية، تُخرج من تحت أيديهم تحف فنية يقبل عليها زوار الأقصر من السياح، كما يتهافت عليها أصحاب البازارات السياحية في الغردقة وشرم الشيخ ليبيعوها لزوارهم.
"البوابة" في جولة داخل ورش تشكيل الأحجار وتحويلها لتماثيل وتحف فرعونيةانتقلت “البوابة نيوز” إلى مدينة القرنة غرب الأقصر، وتحديدًا منطقة حتشبسوت، حيث تتراص ورش صناعة الألباستر على جانبي الطريق، وبمجرد المرور بالمنطقة تسمع دق الأدوات وصليل الحديد المستخدم لتكسير الأحجار على بعد أمتار، وعندما تصل إلى أول ورشة تجد الصنايعية مصطفون على الأرض كلٍ مشغول بآداته وقطعة الحجر والمرمر والألباستر التي تجلب من الجبال، وهي رحلة يقومون بها يوميًا لينتجون قطعًا من التحف والانتيكات غاية في الجمال، وغيرها من التماثيل الملونة.
وتعد مدينة القرنة، هي المصدر الأول لصناعة فن التحف من الألباستر، حيث تقع على عرش حرفة فن النحت علي الألباستر وهناك عشرات المصانع في هذة المدينة، تضم أكثر من 100 مصنعًا و400 ورشة منزلية لفنون الألباستر، وكأنها جينات متوارثة منذ سبعة آلاف سنة لم تفارق دم المصريين في تلك المنطقة.
في البداية، توجهنا إلى مصنع "سخمت" وهو أحد أشهر مصانع الالباستر بالقرنة، والتقينا ببعض الفنانين الذين يعملون به، حيث يروي "الطيب محمد يوسف" أحد شيوخ الصنايعية العاملين فى "الألباستر" قصته مع المهنة قائلًا: "عمري 68 عاما وأقيم بنجع السوالم بالقرنة، وأعمل بهذا الفن الذى ارتبطت به منذ ما يقرب من 50 عامًا بعد أن توارثته عن آبائي وأجدادي منذ الصغر."
وحول مراحل العمل، قال عم الطيب، لـ"البوابة نيوز" أنه يقوم بالنقش على الحجر بعد صنفرته وتجهيزه للرسم، وخاصة الحجر الجيري، ثم يلونه وفقًا للألون الأصلية للآلهة المرسومة على المعابد، كما يقوم برسم جميع الأشكال وفقًا لطلب الزبائن سواء من السائحين الأجانب أو المصريين الذين يقومون بزيارة المصنع والتحف الموجودة بمنافذ المعرض الخاص بمصنع الألباستر.
وأضاف الطيب، أن المواد الخام المستخدمة في التصنيع متنوعة وأهمهما الأحجار التي تستخرج من باطن الأرض، ويتم جلبها من أماكن بعيدة داخل الصحراء في مرسى علم على بعد مسافة من 80 إلى 150 كيلومتر، ويتم نقلها عن طريق الجمال والحمير، وتستغرق عملية النقل من يومين إلى 3 أيام وذلك نظرا لصعوبة الطريق داخل الجبل ومدقاته، مضيفًا أنه يوجد لدينا ثلاثة أنواع من الأحجار نستخدمها في التشكيل (الحجر الأبيض أو حجر بودرة التلك أو المرمر وهو لون الكريستال، والحجر الأصفر لون الشمس، والحجر الأخضر لون القمر)، بالإضافة لحجر الجرانيت الأصلي الذي يستخدم في صناعة التماثيل، وهناك فرق بين حجر المرمر أو الرخام الذي يصنع منه الألباستر، وحجر الأولكس الذي يأتي من سيناء ويكون به الكثير من الخطوط والتجازيع والعروق والألوان، أما حجر المرمر يكون شفاف نوعًا ما.
وتابع: بعد أن نأتي بالأحجار من الجبل والتي تكون عبارة عن كتل كبيرة وبها رطوبة عالية، وقبل البدء في التشكيل يجب سحب هذه الرطوبة من الأحجار حتى لا تنكسر أثناء التشكيل أو خلال تفريغها من الداخل، لذلك نقوم بلفها بالقطن أو القماش مع وضع الغراء وبودرة الألباستر وتركها أربعة أيام في الشمس، حتى نتخلص من الرطوبة والمياه الموجودة داخل الأحجار، ثم نبدأ في تكسيرها ثم نقوم بطحنه بـ”الهون” وجعله بودرة، وتحضيرها للعمل بحسب القطع التي نريد تشكيلها سواء كانت “فازة” أو شمعدان أو تمثال أو لوحة جرانيتية، ثم بعد ذلك نبدأ في تنعيم الحجر من الخارج وصنفرته بالمبرد ثم بحجر الرمي.
وبجانبه، وجدنًا عامل آخر منهمكًا في الحفر على الحجر، وتعرفنا عليه فهو يدعى محمود الأمين، 40 سنة، عامل في المصنع، ومتخصص في التعامل مع حجر الألباستر، وأوضح أن مراحل بناء الألباستر تبدأ بالتقطيع والخراطة والتنشيف ووضع المنتج فى الفرن، لكى يصبح أكثر صلابة وأخيرًا التلميع، مشيرًا إلى أن حجر الألباستر من الحجارة القاسية التي يصعب التعامل معها، لذلك فالنقش والحفر على الألباستر يستغرق وقتًا كبيرًا وربما يستغرق الانتهاء من تجهيز قطعة واحدة من 3 أيام إلى أسبوع حسب الحجم والنقش، لأنها تحتاج إلى معاملة خاصة مثل ترغيتها بالماء ولفها بالقماش وإعادة تلميعها من جديد.
فنانين مهرةوفي ورشة أخرى، قال محمود سيد إبراهيم، صاحب ورشة بالقرنة: “أعمل في وزارة السياحة والآثار مرمم مقابر فرعونية، فضلا عن العمل في هذه الورشة، ورثت المهنة أبا عن جد، وتركت دراستي ولم أحصل على أي مؤهلات دراسية، ولكن مهارتي وحرفتي جعلت المسؤولين بوزارة الآثار يوافقون على عملي مرمما للآثار الفرعونية بعد اجتيازي الاختبارات المطلوبة فأنا وجدت جميع أفراد عائلتي يعملون في هذه الحرفة منذ نعومة أظافري وجعلوني أمسك بالقلم الرصاص للرسم قبل الكتابة، فقد كنت أضع ورق شفاف على الرسومات وأنقلها إلى القطع الحجرية.
فيما أكد ياسين محمود، عمره 35 سنة، أنه التحق بالعمل في هذا المجال منذ أن كان عمره 10 سنوات مؤكدا أنه عمل يحتاج إلى الصبر وقوة الملاحظة، كما أن التعامل مع الحجارة والحفر عليها وتلميعها ينتج عنه الكثير من الغبار والأتربة الناعمة التي يستنشقها العامل، وبالتالي تأتي على الصحة العامة مع تقدم العمر، وتكون نتائجها المباشرة على العين والجهاز التنفسي والجلد، لأن بعض الأجسام تتعرض لحساسية شديدة بعد التعرض للأتربة الناعمة الناتجة عن الحفر على الحجارة.
وكشف جمال يوسف، صاحب مصنع ألباستر بالقرنة، إنه يعمل بهذه الصناعة منذ صغرة بالوراثة عن والده وجده، إضافة إلى توريث المهنة والفن لأبنائه، مشيرًا إلى أنه يعمل بالمصنع 145 عاملًا، فالقرنة تشتهر بصناعة الألباستر منذ سنوات طويلة وأصبحت مصدر رزق رئيسيا لسكانها وذلك لعدم وجود أي مصانع أو مهن أخرى به، وهذه الصناعة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالسياحة، موضحًا أن هذا الفن يعتمد على الأحجار سواء كانت الملونة أو العادية الموجودة بمرسى علم ويتم شراؤها سواء كانت بالقطعة أو الطن.
فيما قال محمود عباس، أحد أقدم فناني الألباستر في الأقصر، إنه يمارس مهنة صناعة الألباستر والحفر على الحجارة لاستنساخ التماثيل التي تمثّل الحضارة المصرية القديمة منذ حوالي 50 سنة، مشيرًا إلى أنه شارك في صناعة جزء من ديكور المقبرة التي تم عرضها في برنامج المقالب السابق «رامز عنخ آمون» الذي قدمه الفنان رامز جلال.
وأكد عباس، أن استنساخ التماثيل الفرعونية بالنسبة له متعة كبيرة فهو يقوم بالحفر على الجرانيت الأسود والأخضر والوردي والبازلت بجميع أنواعه وحجر الهامر الأخضر والأبيض وحجر المرمر، موضحًا أن إنجاز عدد القطع يوميًا يتوقف على حجم القطعة ونوعية التفاصيل الموجودة في التمثال الذي يتم حفره، فهناك بعض القطع تأخذ أكثر من يوم كامل، مؤكدًا أن أصعب أنواع الحفر تكون على حجر الجرانيت، أما عند صناعة التمثال من الحجر الجيري فإن الأمور تكون أسهل كثيرًا، ومن الممكن أن تستغرق القطعة حوالي ساعتين فقط لأنه أسهل أنواع الحفر نظرًا للمرونة التي يتمتع بها هذا الحجر.
أشكال مصنوعات الألباستر وأسعار التحف والتماثيلوأوضح حجاج مرسي صاحب مصنع تحف مصنوعة من «الألباستر» ، أهم أشكال الألباستر تتمثل في الفراعنة الملوك مثل «رمسيس الثاني وتوت عنخ آمون ونفرتيتى»، ومعابد كالدير البحرى ومعبد حتشبسوت، واللوح الجيري، والألباستر اليدوى عليه الأشكال الفرعونية، ومن اليدوى ألباستر الماكينة ويسمى "شغل قلعة" يأتى من القاهرة، ثم الجرانيت، والبازلت، والشست، والجير، وللأونكس عدة أشكال منها، الأطقم والكاسات والفازات الشفافة، ومن خشب شجر "الدوم" يصنع منه تماثيل ومراكب فرعونية، بالإضافة لأشكال لأمور مقدسة عند الفراعنة مثل الجعران المقدس وهو رمز الشمس المشرقة، مشيرًا إلى أن جميع التماثيل المتواجدة بالمتحف المصرى هي من الألباستر، ومن أنواعها الألباستر البازلت وهو حجر أسود بركانى، والجرانيت والحجر الجيرى والذي يصنع منه اللوحات المرسومة لحفظ الألوان، ومنها أشكال تستخدم كزينة أو يوضع بداخلها شمعة للإنارة، وتماثيل الديورايت وهو أشد أنواع الأحجار صلابة، ومن القوالب الصب يتم استنساخ الأشكال، كما يسمى الفوسفور الذى يسمى بنور الصباح حيث إنه ينير في الظلام.
وعن أسعار التحف المصنوعة من «الألباستر» ، أوضح مرسي، أن الأسعار الخاصة بالألباستر تبدأ من 150 جنيهًا للأشكال الصغيرة وتتباين الأسعار بعد ذلك حسب حجم التمثال وقيمته، وزيادة السعر تكون مختلفة حسب الحجم أو نوعية التصنيع والخامة، ومع ارتفاع سعر الدولار والبنزين وتكلفة نقل الأحجار الخاصة بالألباستر ارتفعت الأسعار بصورة كبيرة، ولكن الإقبال هذه الأيام قليل جدا ولكن نعمل بجدا على أمل عودة السياحة إلى سابق عصرها، موضحًا أن أسعار الألباستر كانت تبدأ من 30 جنيها للقطعة في السابق، ويكون الفارق في الحجم أو التصنيع والخامة والعمل، ونظرًا لركود حركة البيع، ارتفعت أسعار الخامات كما ارتفع سعر منتجات الألباستر.
عائلة كاملة اتخذوا من الألباستر حرفة لهموتعد مهنة الألباستر مهنة أسرية يعمل بها الكبير والصغير في القرنة منذ الأزل، وتعد عائلة أبو القمصان هي الأشهر بين كافة العائلات في هذا الفن حتى لقبوا بإنهم “أخر سلالة الفراعنة ” وهو اللقب الناجم عن حجم خبراتهم في هذا الفن وقدراتهم الفائقة على صناعة تمثال طبق الأصل يعجز الخبراء عن التفرقة بينه وبين التمثال الأثري الحقيقي، واتخذ أبناء العائلة "النحت على الألباستر" مهنتهم الوحيدة والتي تميز بها أبناء العائلة بالتحديد عند منطقة الشيخ أبو القمصان.
وقال الحاج سيد أبو القمصان، أن عدد أفراد رواد النحت بالعائلة حاليًا 5 أفراد فقط، مشيرًا إلى أن صناعة التمثال تستغرق سنوات في بعض الأحيان وأن عدد المقتنيات الخاصة بعائلة أبو القمصان قليلة ونادرة حيث يستخدمون المواد الترابية والمستلزمات الطبيعية في الصنع وأنها تختلف بشكل كلي عن صناعة التماثيل العادية.
وتابع، أن التمثال المصنوع دقيق جدًا لدرجة فرض سياج أمني على عملية البيع، وأنه تم ضبط عدد من السائحين بحوزتهم أحد تلك التماثيل بمطار الأقصر وظنت الدولة أنها أثرية لولا التدخل السريع لإنقاذهم عن طريق خطاب رسمي مختوم للجهات الأمنية لمنع التلاعب بها من قبل المحتالين وتجار الأثار.
وأضاف أحمد أبو محسب، أحد أفراد عائلة أبو القمصان، أن لقب أخر سلالة الفراعنة أطلق على عائلة أبو القمصان نظرًا للقدرة الفائقة في صنع المثال طبق الأصل ولأن هناك دقة متناهية استدعت التدخل الأمني لحظر بيع تلك المقتنيات نظرًا لصعوبة التعرف عليها من قبل الخبراء وأن بيع أي تمثال يستدعي الموافقة الأمنية وتبديل حرف معين في كتابة التمثال لتسهيل الأمر على الخبراء.
وقال على أبو القمصان، صاحب مصنع للألباستر، إنه كان يعمل لديه نحو ٢٣ عاملًا قبل الثورة، قل عددهم حاليًا، موضحًا أن أغلب أصحاب المصانع والورش تعاني بعض الركود، مشيرًا إلى أنهم كانوا يتعاملون مع مختلف الجنسيات من أمريكان وإنجليز وألمان وروس وأستراليين وإيطاليين ويابانيين، وغيرها من الجنسيات التى كانت تحصل على المقتنيات المقلدة ويحتفظون بها كتذكار للحضارة المصرية وإحدى الوسائل التى كانت تساعد بصورة كبيرة فى تنشيط السياحة، حيث كانوا يحرصون على اقتناء رأس نفرتيتى والجعران والتماثيل الفرعونية المختلفة.
IMG_2086 (Medium) IMG_2089 (Medium) IMG_2090 (Medium) IMG_2095 (Medium) IMG_2096 (Medium) IMG_2097 (Medium) IMG_2099 (Medium) IMG_2100 (Medium) IMG_2166 (Medium) IMG_2168 (Medium) IMG_2173 (Medium) IMG_2175 (Medium) IMG_2176 (Medium) IMG_2177 (Medium) IMG_2182 (Medium) IMG_2183 (Medium) IMG_2184 (Medium) IMG_2185 (Medium) (1) IMG_2186 (Medium) IMG_2188 (Medium) IMG_2191 (Medium) IMG_2193 (Medium) IMG_2194 (Medium) IMG_2195 (Medium) IMG_2196 (Medium) IMG_2197 (Medium) IMG_2200 (Medium) IMG_20191228_131824 (Medium) IMG_20191228_131914 IMG_20191228_133716 (Medium) IMG_20191228_133721 (Medium) IMG_20191228_133723 (Medium) الألباستر (1) الألباستر (2) الألباستر (3)