حكم صيام المسلم يوم ميلاده شكرا لله.. دار الإفتاء توضح
تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما حكم صيام الإنسان يوم ذكرى ميلاده؟ فأنا أحتفل بيوم ميلادي بصومه شكرًا لله تعالى، وعندما عَلِم بعض الناس بذلك قالوا لي: إنه بدعة، فأرجو الإفادة بالرأي الشرعي في ذلك.
قالت دار الإفتاء، إن احتفال الإنسان بيوم ميلاده بصفة عامة من الأمور التي لا حرج فيها شرعًا، ما دامت في حدود الأدب والانضباط بضوابط الشرع، ولا يقع فيه شيء من المحرمات؛ لأن هذا الاحتفال عبارة عن تذكر هذا اليوم، والفرح فيه بنعمة وفضلِ الله تعالى إيجادًا وإمدادًا، كما أنه يتسبب في إشاعة ونشر البهجة والسرور في حقِّ من يتعلق به اليوم المذكور.
يقول ابن عطاء الله السكندري في حكمه المشهورة: "هو الذي أنعم عليك بنعمة الإيجاد ثم بتوالي الإمداد".
وورد الأمر القرآني بالتذكير بأيام الله تعالى؛ كما في قوله سبحانه: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: 5]، ولا شك أنَّ أيام الميلاد من أيام الله تعالى؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم يوم الإثنين من كلِّ أسبوع؛ شكرًا لله تعالى على نعمة إيجاده صلى الله عليه وآله وسلم، واحتفالًا بيوم ميلاده الشريف؛ فعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سُئل عن صوم يوم الإثنين فقال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ -أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ- فِيهِ» رواه مسلم.
كما ورد الأمر القرآني أيضًا بالفرح بفضل الله ونعمته على الإنسان، قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: 59].
ووجه الاستشهاد بهذه الآية أن الأمر بالفرح إنما يكون لما تفضل الله تعالى به على العبد من نعمة إيجاده، والتفضل عليه بإخراجه إلى نور هذا الوجود، وهذا -لا شك- فضل من الله ورحمة، وهو أمر يندرج في المقصود من الرحمة والفضل الوارد ذكرهما في الآية؛ لأن المقصود منهما عموم الرحمة والفضل، كما ذكره المفسرون. ينظر: "التسهيل لعلوم التنزيل" لابن جزي (1/ 358، ط. دار الأرقم).
وأكدت دار الإفتاء، أن الشريعة تدعو إلى إشاعة الفرحة وإدخال السرور على قلوب الآخرين، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «تُدْخِلُ عَلَى أَخِيكَ الْمُؤْمِنِ سُرُورًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تُطْعِمُهُ خُبْزًا» أخرجه ابن شاهين في "الترغيب"، وورد أيضًا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِدْخَالُكَ السُّرُورَ عَلَى مُؤْمِنٍ أَشْبَعْتَ جَوْعَتَهُ، أَوْ كَسَوْتَ عُرْيَهُ، أَوْ قَضَيْتَ لَهُ حَاجَةً» أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط".
ويُسْتَأنس في القول بجواز الاحتفال بيوم الميلاد بقول الله تعالى حكاية عن سيدنا عيسى عليه السلام: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 33]، فأشار بذلك إلى المعنى الذي يقتضي الحكم أن يوم مولد الإنسان هو يوم نعمة توجب الشكر عليها، كما أشار الحديث إلى جواز الاحتفال بأيام النعم كلها، فيوم المولد ويوم نزول الوحي والبعثة الشريفة نعمتان توجبان الشكر في ذلك اليوم.
حكم صوم المسلم يوم ميلاده
أما عن احتفال الإنسان بيوم ميلاده بصومه أو بالصوم فيه فهو شكرٌ لله تعالى بالعبادة، وهذا مأمورٌ به في قول الله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾ [العنكبوت: 17].
والأمر بالشكر هنا ورد على جهة العموم في مقابلة النعم، فيبقى على ذلك من حيث الأوقات والهيئات، ومما يندرج تحته إيقاع العبادة -ومنها الصيام- في ذكرى يوم الميلاد؛ شكرًا لله تعالى على نعمة الإيجاد، وهو ما نص عليه المفسرون عند تفسير قول الله تعالى: ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت﴾ [قريش: 1-3].
ولا يتأتى القول بمنع صيام الإنسان يوم مولده بدعوى عدم وروده، أو أنه أمر خاص بيوم ميلاد الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام؛ وذلك لاندراجه تحت أصل عام، ألا وهو ما جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» متفقٌ عليه.
وقد بيَّن العلماء أن المراد بقوله: "في سبيل الله" الطاعةُ لوجه الله على أيِّ كيفية كانت.
وقال الإمام المناوي في "فيض القدير" (6/ 161، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [(من صام يومًا في سبيل الله) أي: لله ولوجهه] اهـ.
وقال الإمام السيوطي في "حاشيته على شرح سنن النسائي" (4/ 172، ط. مكتب المطبوعات الإسلامية): [قال في "النهاية": سبيل الله عام يقع على كل عمل خالص لله سَلَكَ به طريق التقرب إلى الله تعالى بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات] اهـ.
ولا يخفى أن صوم الإنسان يوم مولده من شكر الله تعالى على نعمة الإيجاد إنما هو في سبيله عزَّ وجلَّ وطاعته وابتغاء مرضاته.
وهذا الفهم هو ما أثر عن بعض علماء السلف، فقد كان سعيد بن سلم الباهلي [ت: 209هـ] يستقبل عام ميلاده بصنوف من العبادات كالعتق والصدقة؛ شكرًا لله على نعمة الإيجاد، فلما بلغ الإمام أبو علي بن المديني -وهو من أكابر شيوخ الإمام البخاري- خبره استحسنه، حيث ذكر المبرد في "الكامل في اللغة والأدب" (3/ 8، ط. دار الفكر العربي): [وكان سعيد إذا استقبل السَّنَة التي يستقبل فيها عدد سنيه أعتق نسمةً وتَصَدَّق بعشرة آلاف درهم، فقيل لمديني: إن سعيد بن سلم اشترى نفسه من ربه بعشرة آلاف درهم. فقال: إذًا لا يبيعه] اهـ، وأورده أيضًا أبو سعد الآبي [ت: 421هـ] في "نثر الدر في المحاضرات" (2/ 169، ط. دار الكتب العلمية).
والاحتفال بـيوم الميلاد مظهرٌ من مظاهر تذكر أيام الله التي أمر الله به في القرآن الكريم، وليس في الشرع ما يمنع من أن تكون هناك مناسبة لذلك يُعَبِّر فيها الناس عن شكرهم لله تعالى، فإنَّ هذا أمرٌ مباحٌ لا حرج فيه، ولا صلة له بمسألة البدعة التي يدندن حولها كثير من الناس بمناسبة ومن غير مناسبة؛ فإن البدعة المردودة هي ما أُحدث على خلاف الشرع؛ لما ورد من حديث أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» متفقٌ عليه، ومفهومه أنَّ مَن أَحدث فيه ما هو منه فهو مقبول غير مردود، وقد قررنا آنفًا جواز شكر النعمة بالعبادة، ويدخل تحتها: عبادة الصوم.
قال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في "إحياء علوم الدين" (2/ 3، ط. دار المعرفة): [ليس كل ما أبدع منهيًّا عنه، بل المنهيُّ عنه بدعةٌ تضاد سُنَّةً ثابتةً، وترفع أمرًا من الشرع] اهـ.
وبناءً على ذلك: فإن الاحتفال بيوم ميلادك بصومه شكرًا لله تعالى من الأمور المباحة شرعًا، والصيام بهذه النية مما يثاب الإنسان عليه، ولا يُعدُّ ذلك من البدع المذمومة شرعًا.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء صيام احتفال الإنسان أيام الله صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه دار الإفتاء یوم میلاده الله تعالى على نعمة ه وآله ى الله ع
إقرأ أيضاً:
هل صيام من لا يصلي باطل أم صحيح؟.. اعرف الحكم الشرعي
قال الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بـ دار الإفتاء المصرية، إن صيام من لا يصلي خلال العام ثم يلتزم بالصلاة في رمضان فقط، صحيح شرعًا، إلا أن الأفضل للمسلم أن يحافظ على الصلاة بعد رمضان، لأنها من أركان الإسلام.
وأضاف أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الثلاثاء، أن هناك العديد من العبادات التي يلتزم بها البعض خلال الشهر الكريم، مثل ارتداء الحجاب، والإكثار من الذكر، والمحافظة على غض البصر، إلا أن الهدف الأسمى من الصيام ليس فقط التقرب إلى الله خلال أيام معدودة، بل الاستمرار في التقوى طوال العام، مصداقًا لقوله تعالى: "لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ".
بث مباشر.. صلاتي العشاء والتراويح من الجامع الأزهر ليلة 5 رمضان
تسبب العمى.. حركة في الصلاة حذر النبي من فعلها.. تجنبها في التراويح
أم العواجز.. تعرف على دعاء السيدة زينب لمصر وأهلها
بث مباشر .. شعائر صلاتي العشاء والتراويح من الحرمين الشريفين
وأشار أمين الفتوى إلى أنه لا يصح أن يعود الإنسان بعد رمضان إلى التهاون في العبادات، بل عليه أن يجعل الشهر الكريم بداية لطريق الطاعة والاستقامة، مؤكدًا أن الله قد يشرح صدر الإنسان للالتزام الدائم إذا بدأ في الطاعة حتى وإن كان ذلك لفترة مؤقتة.
وختم "صيام من لا يصلي صحيح، وكذلك من لم ترتدِ الحجاب، لكن الأجمل والأكمل أن يكون رمضان نقطة انطلاق نحو الالتزام، فكما نأخذ زينتنا عند كل مسجد، علينا أن نأخذ الاحتشام والمحافظة على العبادات طوال العام".
فوائد عظيمة لـ صيام رمضانوعن فوائد صيام شهر رمضان، أكدت الدكتورة هبة النجار، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن هناك حكمًا عظيمة يدركها العقل من وراء هذه العبادة.
وأضافت أن من أبرز مقاصد الصيام تحقيق التقوى، حيث قال الله تعالى: "لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة: 183)، كما أن من فوائد الصيام يشعر الإنسان بجوع الفقراء والمحتاجين، فيحرك بداخله مشاعر الرحمة والتضامن.
وأكدت أن الصيام أيضًا اختبار لقوة الإرادة، حيث يمتنع الإنسان عن الطعام والشراب والشهوات رغم أنها حلال له في الأصل، لكنه يفعل ذلك امتثالًا لأمر الله، مما يعزز قدرته على مواجهة المغريات وضبط النفس.
وشددت على أن الصيام ليس مجرد امتناع عن الأكل والشرب، بل وسيلة لتربية النفس، وتعويدها على الصبر والانضباط، والاستعداد لمواجهة التحديات بالحكمة والقوة.