دلالات الخطاب السامي
تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT
حاتم الطائي
الخطاب السامي الذي تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وألقاه خلال افتتاح دور الانعقاد السنوي الأول للدورة الثامنة لمجلس عُمان، رَسَمَ مسارات واضحة للمُستقبل الذي تنشده عُمان، تحت القيادة الحكيمة لقائدها المفدّى، وأرسَى جُملةً من الركائز لتكون منهاج عملٍ وسراجًا يُهتدى به، وسفينة الأمان التي تقودنا إلى بر الاستقرار والرخاء.
وقد تشرفتُ بحضور مراسم افتتاح دور الانعقاد، واستمعتُ بأذنٍ صاغية إلى كل حرفٍ وعبارة وفقرة، في هذا الخطاب السامي المُشتمل على جوامع الكلم في الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي لجلالة عاهل البلاد- نصره الله. واستوقفتني محطات عدة في هذا الخطاب، بدايةً من الاختيار الحكيم لآيات الذكر الكريم التي تُليَت في مُستهل مراسم الافتتاح؛ إذ وقع الاختيار على سورة الفتح، لما تتضمنه من معانٍ قرآنية ذات دلالات عميقة تُبشِّر ببدء مرحلة جديدة من الازدهار والنصر، وتؤكد أنَّ المستقبل يحمل في طيّاته الخير والنماء. ولنا أن نتأمل في روعة هذه الآيات وتوافقها مع الحالة العُمانية الراهنة، فالتدرج في المعاني والألفاظ يتوازى مع ما نحن عليه من تطور واستقرار، وتفاؤل بالمستقبل، بدءًا من "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا" مرورًا بـ"وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا"، وليس انتهاءً بـ"وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا".
والوقوف على الخطاب السامي بالتحليل والقراءة المتأنية، يُسهم في تعزيز فهم المجتمع للمقاصد السامية التي هدف إليها جلالته- أعزه الله- وسعى من خلال الاختيار الدقيق للكلمات والأوصاف لطرح مضامين عدة، نستقي منها الكثير من الأفكار والرؤى السديدة، وننطلق منها في دروب التقصي والاستيعاب للتطورات التي تشهدها عُماننا الغالية، استنادًا إلى الحكمة السامية والبصيرة النافذة والقرارات الصائبة.
ولتحليل مضامين الخطاب السامي، وقراءة ما بين السطور، نُقسِّم هذا الخطاب إلى محاور عدة، كالآتي:
مجلس عُمان والشراكة بين المؤسسات وفق قاعدة دولة المؤسسات والقانون؛ حيث أكد جلالة السلطان أن مجلس عُمان بلغ مرحلة متقدمة من النضح والتكامل في الأدوار مع مختلف مؤسسات الدولة، من منطلق الشراكة وتضافر الجهود؛ الأمر الذي عزَّز من فاعلية العمل الوطني، وساعد في تحقيق العديد من المُنجزات في القطاعات كافةً. مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وانعكاساتها على رفاهية المواطن، مع التأكيد على الدور البارز لأبناء عُمان في دعم تطور هذه المسارات، والحفاظ على ما تحقق من مكتسبات يشهد لها القاصي والداني. ولا أدل على ذلك من خطة الاستدامة المالية التي نالت إشادات المنظمات الدولية المعنية بالتنمية الاقتصادية؛ إذ نجحت الجهود في ضبط الإنفاق العام وترشيده، وتوظيف الفوائض المالية لاحقًا في تخفيض المديونية العامة للدولة، ما أسهم في المحافظة على المركز المالي لعُمان، وانعكس ذلك على رفع مؤسسات التصنيف الائتماني لتصنيف السلطنة لمستويات متقدمة تعكس حجم الأمان الاقتصادي وقدرة منظومتنا الاقتصادية على مواجهة الصدمات، لا سيما تلك التي تنبع نتيجة تحديات خارجية في الاقتصاد العالمي. وقد توازى مع ذلك خطط ناجعة ساعدت في زيادة الإيرادات العامة، من خلال تنويع مصادر الدخل، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتسهيل بيئة الأعمال. إعادة هيكلة الجهاز الإداري وتعزيز اللامركزية. وقد تجلى هذا المحور في غير موضع من الخطاب السامي؛ إذ يُمكن القول إن إعادة الهيكلة تمضي في مسار موازٍ مع جهود تعزيز اللامركزية، باعتبار تكاملية الأداء في العمل الحكومي، فإعادة الهيكلة تعني رفع كفاءة المنظومة الحكومية، واللامركزية تعزز من مسارات التنمية المحلية في المحافظات، من خلال المجتمع المحلي المُتجسِّد في المجالس البلدية المُنتخبة، بما يُحقق في نهاية المطاف سعادة ورفاهية المواطن. واللافت في هذا الجانب أنَّ مثل هذه الجهود ترتكز على مبدأ التدرج في السياسات والقرارات، مع التأكيد على مواصلة توسيع نطاق اللامركزية لضمان إحراز الأهداف المرجوة. تطوير المنظومة القضائية لتحقيق العدالة الناجزة. وهنا جانب بالغ الأهمية؛ حيث حظي مرفق القضاء برعاية سامية كريمة، وتابعنا خلال المراحل الماضية مدى التطوُّر الهائل الذي تحقق في هذا المرفق، ترسيخًا لقيم العدالة والإنصاف. منظومة القيم الأخلاقية والثقافية، ودور الأسرة في تعزيز التماسك المجتمعي؛ حيث من المُلاحظ التأكيد السامي في مختلف المناسبات على أهمية تعزيز القيم الأخلاقية في المجتمع، خاصة في ظل موجات الانفتاح الثقافي التي تحدث من حولنا في العالم، وتداعياتها السلبية غيرالمرغوبة علينا. وهنا يؤكد جلالة السُّلطان ضرورة أن نتمسّك بقِيَمِنَا الأصيلة النابعة من ديننا الحنيف، وتتماشى مع "السمت العُماني الذي ينهل من تاريخنا وثقافتنا الوطنية". التعليم والبحث العلمي وتوظيف التقنيات الحديثة في إطار اقتصاد المعرفة. وهو المحور الذي يحظى باهتمام بالغ من لدن جلالته- أعزه الله- سواء من خلال المؤسسات ذات الصلة بتطوير البحث العلمي والابتكار وتوظيف التقنيات الحديثة، أو عبر التشريعات والبرامج والمبادرات الداعمة له. وفي هذا السياق نقرأ عزم جلالته على "جعل الاقتصاد الرقمي أولويةً ورافدًا للاقتصاد الوطني"؛ بل وإسداء توجيهات سامية "بضرورة إعداد برنامجٍ وطنيٍ لتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي وتوطينها"، والإسراع في إعداد التشريعات اللازمة لتحقيق الأهداف، وهنا نلحظ التكامل المرتقب في الأدوار بين الجهات المُنظمة لهذا الجانب ودور مجلس عُمان في التشريع وسن القوانين. قضايا البيئة والتغير المناخي. وهي قضية محورية في رؤية "عُمان 2040"، خاصة بعد أن أطلقت السلطنة استراتيجيتها الوطنية لخفض الانبعاثات الكربونية واستهداف "صفر انبعاثات"- أو ما يُعرف بالحياد الصفري الكربوني- بحلول عام 2050. إضافة إلى الجهود المبذولة للتحول نحو استخدامات الطاقة المتجددة ومنها الهيدروجين الأخضر وهو قطاع واعد للغاية، نجح في استقطاب استثمارات، يُتوقع أن تواصل الارتفاع لتصل إلى 50 مليار دولار خلال العقود المقبلة. القضية الفلسطينية التي لم تغب يومًا عن اهتمامات الدبلوماسية العُمانية. ولا شك أن التطرق لهذه القضية، ينسجم تمامًا مع الموقف العُماني المُشرِّف تجاه الأشقاء في فلسطين، ودعوة السلطنة رسميًا لمحاكمة الاحتلال الإسرائيلي على جرائم الحرب التي يرتكبها في فلسطين، وتحديدًا في قطاع غزة الذي يئن من ويلات البطش الهمجي والبربري لقوات الاحتلال الإسرائيلي، في أسوأ كارثة إنسانية في التاريخ. وقد توازى مع ذلك، التأكيد على الثوابت الدبلوماسية الراسخة لعُمان في علاقاتها بمحيطها والعام، وفق نهج الحياد الإيجابي. دور القطاعات المدنية والعسكرية والأمنية في تحقيق أهداف التنمية، وهو دور فاعل ويعكس مدى التكامل وتضافر الجهود بين مختلف المؤسسات، مع تأكيد دور الأجهزة العسكرية والأمنية في الذود عن حياض الوطن. وكم كانت كلمات جلالته- أعزه الله- مُعبِّرة عن صدق المشاعر تجاه هذه الأجهزة التي تضحي بالغالي والنفيس من أجل حماية كل ذرة من تراب وطننا العزيز؛ إذ يقول جلالته- رعاه الله: "فسلام وتحية لأبنائنا المرابطين في كل جزءٍ من أجزاء هذا الوطن، يحرسون ترابه، ويصونون مكتسباته".ويبقى القول.. إنَّ الخطاب السامي الذي تفضل به عاهل البلاد المُفدّى يمثل نقطة انطلاق نحو آفاق أرحب من المستقبل المُشرِق، استنادًا على ما تحقق من مُنجزات ومُكتسبات وطنية، تستلزم مواصلة العمل من أجل الحفاظ عليها وصونها وتنميتها، حتى ينعم كل مواطن ومواطنة على أرض هذا الوطن بالرخاء والعيش الكريم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية التي أودت بحياة مئات الآلاف
استحضارا لما حدث قبل 20 عاما، قرر الإندونيسيون إحياء ذكرى تسونامي الذي ضرب دولا آسيوية، وراح ضحيته أكثر من 230.000 شخص. وخشية من تكرار الكارثة، باتت السلطات تهتم بالتوعية، ولا تكتفي بعرض لافتات كُتب عليها (باللغة الإندونيسية) "أنت في منطقة معرضة للتسونامي"
اعلانشاركت مجموعة متنوعة من طلاب المدارس الثانوية في تدريبات التأهب للزلازل، ضمن الأنشطة المخلدة لذكرى واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخ البشرية. وخرج الطلاب والطالبات من المدارس، وكأنهم يستجيبون فعلاً لتحذير داعٍ ينذرهم بوقوع تسونامي جديد، فمثلوا الدور وكأن الحادث وقع فعلا.
فنانون يؤدون عرضا فنيا خلال عرض مسرحي يصور كارثة تسونامي خلال إحياء ذكرى مرور 20 عاما، في أتشيه في باندا أتشيه بإندونيسيا، السبت 14 ديسمبر/كانون الأول 2024.Achmad Ibrahim/APويستحضر السكان هناك تلك الطامة الكبرى، حينما هاجت الأمواج العاتية في المحيط الهندي، إبان عيد الميلاد، عام 2004، ووقع زلزال تجاوز قوته 9 درجات على مقياس ريختر، ضرب سواحل جزيرة سومطرة الأندونسية، وهاجت الأمواج، وحلقت في الهواء، في ارتفاع تجاوز 17 مترا، واجتاح المد شواطئ دول عديدة في المنطقة، كان أكثرها تضررا، بعد إندونيسا: تايلاند والهند وسريلانكا.
لقطة جوية باستخدام طائرة بدون طيار، تُظهر مسجد رحمة الله في قرية لامبوك، إحدى أكثر المناطق تضررا من تسونامي 2004، في أتشيه بيسار، إندونيسيا، الخميس 12 ديسمبر/كانون الأول 2024.Achmad Ibrahim/Copyright 2024 The AP. All rights reserved.وتُظهر الصور مدى تمسك السكان بأرضهم ووطنهم، واستعدادهم للعيش في تلك المناطق، رغم أن قرى بكاملها قد سُويت بالأرض جراء الأمواج العاتية التي قتلت أكثر من 150 ألفا في أندونيسيا وحدها.
Relatedزلزال بقوة 7.1 درجة يهز جنوب اليابان: تحذيرات من تسونامي وتفتيش للمفاعلات النوويةفيضانات وانهيارات أرضية في إندونيسيا.. وفاة 27 واستمرار عمليات الإنقاذتغير المناخ أحدث موجات تسونامي هزت الأرض 9 أيامإندونيسيا: عمليات إجلاء مستمرة مع استمرار ثوران بركان جبل ليوتوبي "لاكي لاكي"كما تظهر الفيديوهات مناطق أعيد بناؤها، وصارت تتزين بعشرات آلاف المباني السكنية والتجارية والحكومية، فضلا عن بناء المدارس في المنطقة التي شهدت فعليا دمارا شاملا في 2004.
واستذكارا لذلك اليوم الأليم، تقول السيدة تريا أسناني، مدرسة ثانوية في إندونيسيا: ”عندما يسألني الناس كيف نجوت، أقول لهم: الله وحده يعلم. فأنا لا أجيد السباحة. وكان اعتمادي على الدعاء وذكر الله، لأنني آمنت بأننا إذا كنا مع الله فالله أكبر“.
ومن اللافت أن الكارثة تسببت في توحيد الناس، بغض النظر عن دياناتهم ومعتقداتهم، فصار إحياؤها يشمل الصلوات عند كثير من أتباع الملل والنحل، وخصوصا: المسلمين والمسيحيين والبوذيين.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية منظر مذهل في تركيا.. تجمد جزئي لبحيرة في فان يخلق لوحة طبيعية خلابة إل ألتو البوليفية: "المنازل الانتحارية" مهددة بالانهيار والسكان يصرون على البقاء احتفال بالريادة في مجال الاستدامة في إندونيسيا.. شركات في خدمة المجتمع والبيئة عيد الميلادإندونيسياتسوناميذكرىاعلاناخترنا لك يعرض الآن Next إسرائيل تواصل قصف غزة موقعة قتلى وجرحى والحوثيون يستهدفون تل أبيب بصاروخ باليستي يعرض الآن Next ألمانيا: الشرطة تفتش منزل المشتبه به في تنفيذ هجوم سوق الميلاد بماغديبورغ يعرض الآن Next صاروخ باليستي من اليمن يسقط في تل أبيب ويصيب 16 شخصاً بجروح طفيفة يعرض الآن Next هجوم بطائرات مسيّرة يستهدف مدينة قازان الروسية ويتسبب بأضرار مادية يعرض الآن Next من التشويق إلى الدراما.. أفضل أفلام عام 2024 عليك أن تشاهدها قبل نهاية العام اعلانالاكثر قراءة القيادة المركزية الأمريكية تعلن عن تصفية "أبو يوسف" زعيم داعش في سوريا آيتان على سقف قصر السيسي ومُلْك فرعون الذي لا يفنى.. صورة الرئيس المصري تشعل مواقع التواصل عاجل. ألمانيا: 5 قتلى على الأقل وإصابة 200 شخص بعملية دهس بسوق عيد الميلاد واعتقال مشتبه به سعودي الجنسية إصابة شاب بنيران الجيش الإسرائيلي خلال مظاهرة في ريف درعا السورية بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية.. هل تعلم أن للأسد 348 اسمًا؟ اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومضحاياسورياهيئة تحرير الشام قطاع غزةبشار الأسدألمانياأبو محمد الجولاني الصراع الإسرائيلي الفلسطيني اعتداء إسرائيلقصفإسرائيلروسياالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024