جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-01@06:07:56 GMT

دلالات الخطاب السامي

تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT

دلالات الخطاب السامي

 

حاتم الطائي

الخطاب السامي الذي تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وألقاه خلال افتتاح دور الانعقاد السنوي الأول للدورة الثامنة لمجلس عُمان، رَسَمَ مسارات واضحة للمُستقبل الذي تنشده عُمان، تحت القيادة الحكيمة لقائدها المفدّى، وأرسَى جُملةً من الركائز لتكون منهاج عملٍ وسراجًا يُهتدى به، وسفينة الأمان التي تقودنا إلى بر الاستقرار والرخاء.

وقد تشرفتُ بحضور مراسم افتتاح دور الانعقاد، واستمعتُ بأذنٍ صاغية إلى كل حرفٍ وعبارة وفقرة، في هذا الخطاب السامي المُشتمل على جوامع الكلم في الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي لجلالة عاهل البلاد- نصره الله. واستوقفتني محطات عدة في هذا الخطاب، بدايةً من الاختيار الحكيم لآيات الذكر الكريم التي تُليَت في مُستهل مراسم الافتتاح؛ إذ وقع الاختيار على سورة الفتح، لما تتضمنه من معانٍ قرآنية ذات دلالات عميقة تُبشِّر ببدء مرحلة جديدة من الازدهار والنصر، وتؤكد أنَّ المستقبل يحمل في طيّاته الخير والنماء. ولنا أن نتأمل في روعة هذه الآيات وتوافقها مع الحالة العُمانية الراهنة، فالتدرج في المعاني والألفاظ يتوازى مع ما نحن عليه من تطور واستقرار، وتفاؤل بالمستقبل، بدءًا من "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا" مرورًا بـ"وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا"، وليس انتهاءً بـ"وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا".

والوقوف على الخطاب السامي بالتحليل والقراءة المتأنية، يُسهم في تعزيز فهم المجتمع للمقاصد السامية التي هدف إليها جلالته- أعزه الله- وسعى من خلال الاختيار الدقيق للكلمات والأوصاف لطرح مضامين عدة، نستقي منها الكثير من الأفكار والرؤى السديدة، وننطلق منها في دروب التقصي والاستيعاب للتطورات التي تشهدها عُماننا الغالية، استنادًا إلى الحكمة السامية والبصيرة النافذة والقرارات الصائبة.

ولتحليل مضامين الخطاب السامي، وقراءة ما بين السطور، نُقسِّم هذا الخطاب إلى محاور عدة، كالآتي:

 مجلس عُمان والشراكة بين المؤسسات وفق قاعدة دولة المؤسسات والقانون؛ حيث أكد جلالة السلطان أن مجلس عُمان بلغ مرحلة متقدمة من النضح والتكامل في الأدوار مع مختلف مؤسسات الدولة، من منطلق الشراكة وتضافر الجهود؛ الأمر الذي عزَّز من فاعلية العمل الوطني، وساعد في تحقيق العديد من المُنجزات في القطاعات كافةً.  مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وانعكاساتها على رفاهية المواطن، مع التأكيد على الدور البارز لأبناء عُمان في دعم تطور هذه المسارات، والحفاظ على ما تحقق من مكتسبات يشهد لها القاصي والداني. ولا أدل على ذلك من خطة الاستدامة المالية التي نالت إشادات المنظمات الدولية المعنية بالتنمية الاقتصادية؛ إذ نجحت الجهود في ضبط الإنفاق العام وترشيده، وتوظيف الفوائض المالية لاحقًا في تخفيض المديونية العامة للدولة، ما أسهم في المحافظة على المركز المالي لعُمان، وانعكس ذلك على رفع مؤسسات التصنيف الائتماني لتصنيف السلطنة لمستويات متقدمة تعكس حجم الأمان الاقتصادي وقدرة منظومتنا الاقتصادية على مواجهة الصدمات، لا سيما تلك التي تنبع نتيجة تحديات خارجية في الاقتصاد العالمي. وقد توازى مع ذلك خطط ناجعة ساعدت في زيادة الإيرادات العامة، من خلال تنويع مصادر الدخل، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتسهيل بيئة الأعمال.  إعادة هيكلة الجهاز الإداري وتعزيز اللامركزية. وقد تجلى هذا المحور في غير موضع من الخطاب السامي؛ إذ يُمكن القول إن إعادة الهيكلة تمضي في مسار موازٍ مع جهود تعزيز اللامركزية، باعتبار تكاملية الأداء في العمل الحكومي، فإعادة الهيكلة تعني رفع كفاءة المنظومة الحكومية، واللامركزية تعزز من مسارات التنمية المحلية في المحافظات، من خلال المجتمع المحلي المُتجسِّد في المجالس البلدية المُنتخبة، بما يُحقق في نهاية المطاف سعادة ورفاهية المواطن. واللافت في هذا الجانب أنَّ مثل هذه الجهود ترتكز على مبدأ التدرج في السياسات والقرارات، مع التأكيد على مواصلة توسيع نطاق اللامركزية لضمان إحراز الأهداف المرجوة.  تطوير المنظومة القضائية لتحقيق العدالة الناجزة. وهنا جانب بالغ الأهمية؛ حيث حظي مرفق القضاء برعاية سامية كريمة، وتابعنا خلال المراحل الماضية مدى التطوُّر الهائل الذي تحقق في هذا المرفق، ترسيخًا لقيم العدالة والإنصاف.  منظومة القيم الأخلاقية والثقافية، ودور الأسرة في تعزيز التماسك المجتمعي؛ حيث من المُلاحظ التأكيد السامي في مختلف المناسبات على أهمية تعزيز القيم الأخلاقية في المجتمع، خاصة في ظل موجات الانفتاح الثقافي التي تحدث من حولنا في العالم، وتداعياتها السلبية غيرالمرغوبة علينا. وهنا يؤكد جلالة السُّلطان ضرورة أن نتمسّك بقِيَمِنَا الأصيلة النابعة من ديننا الحنيف، وتتماشى مع "السمت العُماني الذي ينهل من تاريخنا وثقافتنا الوطنية".  التعليم والبحث العلمي وتوظيف التقنيات الحديثة في إطار اقتصاد المعرفة. وهو المحور الذي يحظى باهتمام بالغ من لدن جلالته- أعزه الله- سواء من خلال المؤسسات ذات الصلة بتطوير البحث العلمي والابتكار وتوظيف التقنيات الحديثة، أو عبر التشريعات والبرامج والمبادرات الداعمة له. وفي هذا السياق نقرأ عزم جلالته على "جعل الاقتصاد الرقمي أولويةً ورافدًا للاقتصاد الوطني"؛ بل وإسداء توجيهات سامية "بضرورة إعداد برنامجٍ وطنيٍ لتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي وتوطينها"، والإسراع في إعداد التشريعات اللازمة لتحقيق الأهداف، وهنا نلحظ التكامل المرتقب في الأدوار بين الجهات المُنظمة لهذا الجانب ودور مجلس عُمان في التشريع وسن القوانين.  قضايا البيئة والتغير المناخي. وهي قضية محورية في رؤية "عُمان 2040"، خاصة بعد أن أطلقت السلطنة استراتيجيتها الوطنية لخفض الانبعاثات الكربونية واستهداف "صفر انبعاثات"- أو ما يُعرف بالحياد الصفري الكربوني- بحلول عام 2050. إضافة إلى الجهود المبذولة للتحول نحو استخدامات الطاقة المتجددة ومنها الهيدروجين الأخضر وهو قطاع واعد للغاية، نجح في استقطاب استثمارات، يُتوقع أن تواصل الارتفاع لتصل إلى 50 مليار دولار خلال العقود المقبلة.  القضية الفلسطينية التي لم تغب يومًا عن اهتمامات الدبلوماسية العُمانية. ولا شك أن التطرق لهذه القضية، ينسجم تمامًا مع الموقف العُماني المُشرِّف تجاه الأشقاء في فلسطين، ودعوة السلطنة رسميًا لمحاكمة الاحتلال الإسرائيلي على جرائم الحرب التي يرتكبها في فلسطين، وتحديدًا في قطاع غزة الذي يئن من ويلات البطش الهمجي والبربري لقوات الاحتلال الإسرائيلي، في أسوأ كارثة إنسانية في التاريخ. وقد توازى مع ذلك، التأكيد على الثوابت الدبلوماسية الراسخة لعُمان في علاقاتها بمحيطها والعام، وفق نهج الحياد الإيجابي.  دور القطاعات المدنية والعسكرية والأمنية في تحقيق أهداف التنمية، وهو دور فاعل ويعكس مدى التكامل وتضافر الجهود بين مختلف المؤسسات، مع تأكيد دور الأجهزة العسكرية والأمنية في الذود عن حياض الوطن. وكم كانت كلمات جلالته- أعزه الله- مُعبِّرة عن صدق المشاعر تجاه هذه الأجهزة التي تضحي بالغالي والنفيس من أجل حماية كل ذرة من تراب وطننا العزيز؛ إذ يقول جلالته- رعاه الله: "فسلام وتحية لأبنائنا المرابطين في كل جزءٍ من أجزاء هذا الوطن، يحرسون ترابه، ويصونون مكتسباته".

ويبقى القول.. إنَّ الخطاب السامي الذي تفضل به عاهل البلاد المُفدّى يمثل نقطة انطلاق نحو آفاق أرحب من المستقبل المُشرِق، استنادًا على ما تحقق من مُنجزات ومُكتسبات وطنية، تستلزم مواصلة العمل من أجل الحفاظ عليها وصونها وتنميتها، حتى ينعم كل مواطن ومواطنة على أرض هذا الوطن بالرخاء والعيش الكريم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

خادم الحرمين: نهنئُكم بعيد الفطر المبارك ونحمد الله عز وجل الذي أعاننا على صيام شهر رمضان وقيامه وبلَّغنا هذا اليوم السعيد

وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ، كلمة بمناسبة حلول عيد الفطر لعام 1446هـ.

وفيما يلي نص الكلمة التي تشرف بإلقائها معالي وزير الإعلام الأستاذ سلمان بن يوسف الدوسري: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله تعالى القائل في كتابه الكريم، “إليه يصعدُ الكلمُ الطيبُ والعملُ الصالحُ يرفعُه”، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبنائي وبناتي، إخواني وأخواتي المواطنين والمقيمين في وطننا الغالي المملكة العربية السعودية، والمسلمين في كل مكان.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: نهنئُكم بعيد الفطر المبارك ونحمد الله عز وجل، الذي أعاننا على صيام شهر رمضان وقيامه وبلَّغنا هذا اليوم السعيد، مبتهلين إلى المولى سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم الدعاء وصالح الأعمال.

أيها الإخوة والأخوات، لقد منَّ الله تعالى على بلادنا بنعم كثيرة لا تحصى، وعلى رأسها خدمة الحرمين الشريفين، وقاصديهما من حجاج ومعتمرين وزوار، وبذلُ كل ما من شأنه التسهيل لهم، لأداء مناسكهم في أمن وطمأنينة وسكينة.

اقرأ أيضاًالمملكة“الشؤون الإسلامية”: تهيئة 15948جامعًا و 3939 مصلى لصلاة عيد الفطر بالمملكة

وإذ نحمد الله تعالى أن يسر لملايين المعتمرين، أداء مناسك العمرة والزيارة خلال شهر رمضان هذا العام، لنشكر أبناءنا وبناتنا العاملين بإخلاص في مختلف قطاعات الدولة، على ما بذلوه من جهود كبيرة في هذا المجال.

أيها المسلمون والمسلمات، يوم العيد يوم فرح وسرور، تتجلى فيه معاني الوحدة والتراحم والإخاء، فلله تعالى الحمد والشكر على ما وهبنا وأعطانا، قال عز وجل: “ولتُكملوا العدة ولتُكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون”.

ونسأل الله عز وجل بمنه وكرمه، أن ينعم على بلادنا والأمة الإسلامية والعالم أجمع بالأمن والسلام، وأن يعم الاستقرار والازدهار في كل مكان.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقالات مشابهة

  • (مناوي) الذي لا يتعلم الدرس
  • هزيمة الدعم السريع .. دلالات ومعانٍ
  • ابتهاجا بالتشريف السامي ..أهالي بوشر ينظمون احتفالا شعبيا
  • الملك يصدر عفوه السامي على 1533 شخصا بمناسبة عيد الفطر السعيد
  • السعودية تخلع معطفها القديم
  • عودة: مؤسف أن الشياطين التي أفسدت النفوس وخربت البلد ما زالت متغلغلة وتحول دون الإصلاح
  • ما دلالات إعلان الصدر مقاطعة الانتخابات البرلمانية في العراق؟
  • الرئيس المشاط يهنئ قائد الثورة والشعب اليمني والقوات المسلحة والأمن بمناسبة عيد الفطر المبارك (تفاصيل + نص الخطاب)
  • خادم الحرمين: نهنئُكم بعيد الفطر المبارك ونحمد الله عز وجل الذي أعاننا على صيام شهر رمضان وقيامه وبلَّغنا هذا اليوم السعيد
  • اليُتْمُ الذي وقف التاريخُ إجلالًا وتعظيمًا له