جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-06@22:15:49 GMT

دلالات الخطاب السامي

تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT

دلالات الخطاب السامي

 

حاتم الطائي

الخطاب السامي الذي تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وألقاه خلال افتتاح دور الانعقاد السنوي الأول للدورة الثامنة لمجلس عُمان، رَسَمَ مسارات واضحة للمُستقبل الذي تنشده عُمان، تحت القيادة الحكيمة لقائدها المفدّى، وأرسَى جُملةً من الركائز لتكون منهاج عملٍ وسراجًا يُهتدى به، وسفينة الأمان التي تقودنا إلى بر الاستقرار والرخاء.

وقد تشرفتُ بحضور مراسم افتتاح دور الانعقاد، واستمعتُ بأذنٍ صاغية إلى كل حرفٍ وعبارة وفقرة، في هذا الخطاب السامي المُشتمل على جوامع الكلم في الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي لجلالة عاهل البلاد- نصره الله. واستوقفتني محطات عدة في هذا الخطاب، بدايةً من الاختيار الحكيم لآيات الذكر الكريم التي تُليَت في مُستهل مراسم الافتتاح؛ إذ وقع الاختيار على سورة الفتح، لما تتضمنه من معانٍ قرآنية ذات دلالات عميقة تُبشِّر ببدء مرحلة جديدة من الازدهار والنصر، وتؤكد أنَّ المستقبل يحمل في طيّاته الخير والنماء. ولنا أن نتأمل في روعة هذه الآيات وتوافقها مع الحالة العُمانية الراهنة، فالتدرج في المعاني والألفاظ يتوازى مع ما نحن عليه من تطور واستقرار، وتفاؤل بالمستقبل، بدءًا من "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا" مرورًا بـ"وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا"، وليس انتهاءً بـ"وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا".

والوقوف على الخطاب السامي بالتحليل والقراءة المتأنية، يُسهم في تعزيز فهم المجتمع للمقاصد السامية التي هدف إليها جلالته- أعزه الله- وسعى من خلال الاختيار الدقيق للكلمات والأوصاف لطرح مضامين عدة، نستقي منها الكثير من الأفكار والرؤى السديدة، وننطلق منها في دروب التقصي والاستيعاب للتطورات التي تشهدها عُماننا الغالية، استنادًا إلى الحكمة السامية والبصيرة النافذة والقرارات الصائبة.

ولتحليل مضامين الخطاب السامي، وقراءة ما بين السطور، نُقسِّم هذا الخطاب إلى محاور عدة، كالآتي:

 مجلس عُمان والشراكة بين المؤسسات وفق قاعدة دولة المؤسسات والقانون؛ حيث أكد جلالة السلطان أن مجلس عُمان بلغ مرحلة متقدمة من النضح والتكامل في الأدوار مع مختلف مؤسسات الدولة، من منطلق الشراكة وتضافر الجهود؛ الأمر الذي عزَّز من فاعلية العمل الوطني، وساعد في تحقيق العديد من المُنجزات في القطاعات كافةً.  مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وانعكاساتها على رفاهية المواطن، مع التأكيد على الدور البارز لأبناء عُمان في دعم تطور هذه المسارات، والحفاظ على ما تحقق من مكتسبات يشهد لها القاصي والداني. ولا أدل على ذلك من خطة الاستدامة المالية التي نالت إشادات المنظمات الدولية المعنية بالتنمية الاقتصادية؛ إذ نجحت الجهود في ضبط الإنفاق العام وترشيده، وتوظيف الفوائض المالية لاحقًا في تخفيض المديونية العامة للدولة، ما أسهم في المحافظة على المركز المالي لعُمان، وانعكس ذلك على رفع مؤسسات التصنيف الائتماني لتصنيف السلطنة لمستويات متقدمة تعكس حجم الأمان الاقتصادي وقدرة منظومتنا الاقتصادية على مواجهة الصدمات، لا سيما تلك التي تنبع نتيجة تحديات خارجية في الاقتصاد العالمي. وقد توازى مع ذلك خطط ناجعة ساعدت في زيادة الإيرادات العامة، من خلال تنويع مصادر الدخل، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتسهيل بيئة الأعمال.  إعادة هيكلة الجهاز الإداري وتعزيز اللامركزية. وقد تجلى هذا المحور في غير موضع من الخطاب السامي؛ إذ يُمكن القول إن إعادة الهيكلة تمضي في مسار موازٍ مع جهود تعزيز اللامركزية، باعتبار تكاملية الأداء في العمل الحكومي، فإعادة الهيكلة تعني رفع كفاءة المنظومة الحكومية، واللامركزية تعزز من مسارات التنمية المحلية في المحافظات، من خلال المجتمع المحلي المُتجسِّد في المجالس البلدية المُنتخبة، بما يُحقق في نهاية المطاف سعادة ورفاهية المواطن. واللافت في هذا الجانب أنَّ مثل هذه الجهود ترتكز على مبدأ التدرج في السياسات والقرارات، مع التأكيد على مواصلة توسيع نطاق اللامركزية لضمان إحراز الأهداف المرجوة.  تطوير المنظومة القضائية لتحقيق العدالة الناجزة. وهنا جانب بالغ الأهمية؛ حيث حظي مرفق القضاء برعاية سامية كريمة، وتابعنا خلال المراحل الماضية مدى التطوُّر الهائل الذي تحقق في هذا المرفق، ترسيخًا لقيم العدالة والإنصاف.  منظومة القيم الأخلاقية والثقافية، ودور الأسرة في تعزيز التماسك المجتمعي؛ حيث من المُلاحظ التأكيد السامي في مختلف المناسبات على أهمية تعزيز القيم الأخلاقية في المجتمع، خاصة في ظل موجات الانفتاح الثقافي التي تحدث من حولنا في العالم، وتداعياتها السلبية غيرالمرغوبة علينا. وهنا يؤكد جلالة السُّلطان ضرورة أن نتمسّك بقِيَمِنَا الأصيلة النابعة من ديننا الحنيف، وتتماشى مع "السمت العُماني الذي ينهل من تاريخنا وثقافتنا الوطنية".  التعليم والبحث العلمي وتوظيف التقنيات الحديثة في إطار اقتصاد المعرفة. وهو المحور الذي يحظى باهتمام بالغ من لدن جلالته- أعزه الله- سواء من خلال المؤسسات ذات الصلة بتطوير البحث العلمي والابتكار وتوظيف التقنيات الحديثة، أو عبر التشريعات والبرامج والمبادرات الداعمة له. وفي هذا السياق نقرأ عزم جلالته على "جعل الاقتصاد الرقمي أولويةً ورافدًا للاقتصاد الوطني"؛ بل وإسداء توجيهات سامية "بضرورة إعداد برنامجٍ وطنيٍ لتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي وتوطينها"، والإسراع في إعداد التشريعات اللازمة لتحقيق الأهداف، وهنا نلحظ التكامل المرتقب في الأدوار بين الجهات المُنظمة لهذا الجانب ودور مجلس عُمان في التشريع وسن القوانين.  قضايا البيئة والتغير المناخي. وهي قضية محورية في رؤية "عُمان 2040"، خاصة بعد أن أطلقت السلطنة استراتيجيتها الوطنية لخفض الانبعاثات الكربونية واستهداف "صفر انبعاثات"- أو ما يُعرف بالحياد الصفري الكربوني- بحلول عام 2050. إضافة إلى الجهود المبذولة للتحول نحو استخدامات الطاقة المتجددة ومنها الهيدروجين الأخضر وهو قطاع واعد للغاية، نجح في استقطاب استثمارات، يُتوقع أن تواصل الارتفاع لتصل إلى 50 مليار دولار خلال العقود المقبلة.  القضية الفلسطينية التي لم تغب يومًا عن اهتمامات الدبلوماسية العُمانية. ولا شك أن التطرق لهذه القضية، ينسجم تمامًا مع الموقف العُماني المُشرِّف تجاه الأشقاء في فلسطين، ودعوة السلطنة رسميًا لمحاكمة الاحتلال الإسرائيلي على جرائم الحرب التي يرتكبها في فلسطين، وتحديدًا في قطاع غزة الذي يئن من ويلات البطش الهمجي والبربري لقوات الاحتلال الإسرائيلي، في أسوأ كارثة إنسانية في التاريخ. وقد توازى مع ذلك، التأكيد على الثوابت الدبلوماسية الراسخة لعُمان في علاقاتها بمحيطها والعام، وفق نهج الحياد الإيجابي.  دور القطاعات المدنية والعسكرية والأمنية في تحقيق أهداف التنمية، وهو دور فاعل ويعكس مدى التكامل وتضافر الجهود بين مختلف المؤسسات، مع تأكيد دور الأجهزة العسكرية والأمنية في الذود عن حياض الوطن. وكم كانت كلمات جلالته- أعزه الله- مُعبِّرة عن صدق المشاعر تجاه هذه الأجهزة التي تضحي بالغالي والنفيس من أجل حماية كل ذرة من تراب وطننا العزيز؛ إذ يقول جلالته- رعاه الله: "فسلام وتحية لأبنائنا المرابطين في كل جزءٍ من أجزاء هذا الوطن، يحرسون ترابه، ويصونون مكتسباته".

ويبقى القول.. إنَّ الخطاب السامي الذي تفضل به عاهل البلاد المُفدّى يمثل نقطة انطلاق نحو آفاق أرحب من المستقبل المُشرِق، استنادًا على ما تحقق من مُنجزات ومُكتسبات وطنية، تستلزم مواصلة العمل من أجل الحفاظ عليها وصونها وتنميتها، حتى ينعم كل مواطن ومواطنة على أرض هذا الوطن بالرخاء والعيش الكريم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

«رئيس جامعة الأزهر»: واذكروه كما هداكم دعوة لدوام الشكر على نعمة الهداية التي لا تُقدّر بثمن

أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ﴾ يمثل دعوة إيمانية عميقة لتقدير نعمة الهداية التي أنعم الله بها على عباده، وهي نعمة لا يمكن للإنسان أن يوفي حقها أو يجازيها شكرًا مهما طال عمره أو اجتهد في عبادته.

وأوضح رئيس جامعة الأزهر، خلال حلقة برنامج "بلاغة القرآن والسنة"، المذاع على قناة الناس، اليوم الجمعة، أن الكاف في "كما هداكم" هي للتسوية، أي أن على العبد أن يذكر الله بقدر ما أنعم عليه به من الهداية، وهو أمر يستحيل إدراكه في الحقيقة، لأن الهداية هي أعظم النعم على الإطلاق، ومن أعظم دلائل رحمة الله بعباده.

وأشار رئيس الجامعة إلى أن القرآن الكريم حذف متعلق الهداية في الآية، فلم يقيّدها بمناسك الحج وحدها، بل جاء النص عامًا ليشمل كل أبواب الهداية: إلى التوحيد، والصلاة، والزكاة، والحج، والأخلاق، ليعيش المؤمن دائمًا في ظلال هذا الفضل الإلهي الواسع.

وأضاف أن قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾ يعبر بلغة القرآن عن عِظم النقلة من حال الضلال إلى نور الهداية، حيث استخدم القرآن "من" للدلالة على الاندماج السابق في زمرة الضالين قبل الهداية، وهو أسلوب قرآني بليغ يجعل المؤمن دائم التذكر لحالته السابقة ويقدّر نعمة الإيمان التي يعيش فيها.

وقال الدكتور سلامة داود: "لا تسأل عن من عطب وهلك، ولكن سل من نجا: كيف نجا؟ فالهداية تحتاج إلى توفيق وسعي، وتحتاج إلى أن يعيش الإنسان في كنف رعاية الله وهداه، ولا ينبغي أن نحصر الشكر في موسم الحج وحده، بل علينا أن نوسّع دائرة النظر لنرى نعم الله في كل جوانب حياتنا، وفي كل لحظة من لحظات الإيمان والعمل الصالح".

مقالات مشابهة

  • ما هي الصلاة التي تحرم جسد المسلم على النار؟.. 8 ركعات اعرف توقيتها
  • بنعبد الله ينتقد استمرار ظاهرة العزوف السياسي والأحزاب التي لا يمكنها كسب مقاعد دون مال أو قفف
  • يُشعل حرارة الجو.. ماذا تعرف عن منخفض الهند الذي يضرب البلاد؟
  • في البحث عن نصر أبي زيد (في ذكراه)
  • عبء الألقاب الجارحة
  • ظلام الخدمات ونار الخطاب الطائفي..العراق نحو المجهول
  • ‏رئيس الوزراء اللبناني: الاستعراضات المسلحة التي شهدتها بيروت غير مقبولة بأي شكل من الأشكال وتحت أي مبرر كان
  • الشرير الذي أحببناه.. وفاة نجم هوليوود المثير للجدل مايكل مادسن
  • «رئيس جامعة الأزهر»: واذكروه كما هداكم دعوة لدوام الشكر على نعمة الهداية التي لا تُقدّر بثمن
  • ما دلالات عودة برلمان اليمن للواجهة عبر اللجان الميدانية؟ قراءة في التوقيت والأبعاد والتحديات (تحليل)