تتميز خطابات حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بأنها خطابات شاملة تتجاوز رؤيتها البناء اللحظي إلى البناء الدائم من أجل الحضارة.. وعُمان نفسها في فكر جلالة السلطان المعظم أكبر بكثير من كونها «دولة»، إنها «كيان حضاري» عريق، استطاع أن يؤثر ويتأثر بحضارات العالم المختلفة ليرسخ هذه المبادئ والقيم التي تشكل الهُوية العمانية.
وكان خطاب جلالة السلطان المعظم اليوم في افتتاح مجلس عُمان يتجاوز خطاب القائد السياسي أو القائد الاقتصادي أو حتى الرمز الاجتماعي.. لقد كان خطاب القائد الحضاري الذي لم يهمل، وسط التحديات السياسية والأمنية التي تعصف بالمنطقة من حولنا والتحديات الاقتصادية التي ما زالت تحيط بالعالم أجمع، دور القيادة الأخلاقية وأهمية ترسيخ القيم التي راكمها المجتمع العماني عبر التاريخ.. بما يجنب عمان وشعبها المأزق الأخلاقي الكبير الذي تعيشه الكثير من الدول والمجتمعات، ومثل هذه المآزق قادت، عبر التاريخ، أصحابها إلى التلاشي والاندثار والهبوط إلى ما دون المكانة الحضارية.
وقال جلالته في خطابه لعُمان بوصفها «كيانا حضاريا» اليوم: «نرصد التحديات التي يتعرض لها المجتمع ومدى تأثيراتها غير المقبولة في منظومته الأخلاقية والثقافية ونؤكد على ضرورة التصدي لها ودراستها ومتابعتها لتعزيز قدرة المجتمع على مواجهتها وترسيخ الهُوية الوطنية والقيم والمبادئ الأصيلة، إلى جانب الاهتمام بالأسرة؛ لكونها الحصن الواقي لأبنائنا وبناتنا من الاتجاهات الفكرية السلبية، التي تخالف مبادئ ديننا الحنيف وقيمنا الأصيلة وتتعارض مع السمت العماني الذي ينهل من تاريخنا وثقافتنا الوطنية».
واستعرض جلالة السلطان المعظم خلال خطابه اليوم ما تحقق خلال السنوات الأربع الماضية في مسار التنمية الشاملة مؤكدا أن أبناء عُمان كان لهم الدور الأساسي فيه إلى جانب مؤسسات الدولة. مشيدا بخطة الاستدامة المالية التي حافظت على المركز المالي لسلطنة عمان وساهمت في رفع كفاءة الإنفاق جنبا إلى جنب مع البرامج الوطنية التي أسهمت في النمو الاقتصادي وتعزيز الاستثمار. كما أشاد جلالته بنتائج إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة الذي أسهمت في زيادة فاعلية الأداء الحكومي.
وفي الوقت الذي أكد فيه جلالته على ترسيخ مبدأ اللامركزية في رؤيته للإدارة المحلية للمحافظات أكد، أعزه الله، على تقييم التجرية وتوسيع نطاقها لتشمل قطاعات متعددة تكريسا لدور المجتمع المحلي في التنمية والتطوير.
ولأن خطاب جلالته الحضاري شامل يناقش كل ما من شأنه تعظيم الصورة الحضارية لسلطنة عمان فقد أكد -أيده الله- أهمية الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين فرص الإنتاجية والكفاءة لمجموعة واسعة من القطاعات، إضافة إلى التأكيد على جعل الاقتصاد الرقمي في سلطنة عمان أولوية ورافدا للاقتصاد الوطني، كما أكد جلالته على العمل من أجل وضع أطر قانونية وسياسات تعالج التأثيرات المتعلقة بالتغير المناخي والتأثيرات الناتجة عنه مؤكدا -حفظه الله- أهمية البحث المستمر عن مصادر متجددة للطاقة النظيفة.
وفي الشأن الدولي، أكد جلالته على مبدأ عُمان الثابت في حق الفلسطينيين لإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية مؤكدا أن على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته والتزاماته تجاه القضية الفلسطينية ووقف العدوان الغاشم الذي يتعرض له قطاع غزة.
إن هذه الرؤية الحضارية التي تمزج بين ثنائيات الأصالة والمعاصرة ومفردات التراث ومعطيات المستقبل، وبين الجوانب المادية والروحية والقيمية والتضامن العربي والإنساني من شأنها أن ترسخ مكانة عمان وتدفع بها نحو المستقبل بكثير من الثبات ووضوح الرؤية.
حفظ الله عُمان وجلالة السلطان.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
علي جمعة يكشف عن اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله سبحانه وتعالى أرشدنا في كتابه الكريم أن ندعوه بأسمائه الحسنى فقال: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) [الأعراف: 180]، وقال: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [الإسراء: 110]، وقال: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [طه: 8]، وقال: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [الحشر: 24].
وبين "عبر صفحته الرسمية على فيس بوك" ان الحسنى مؤنث الأحسن؛ أي لله تعالى أحسن الأسماء وأجلها وأعظمها وأشرفها لاشتمالها على معاني التقديس والتعظيم والتمجيد، وهي أحسن المعاني وأشرفها، وعلى صفات الجلال والكمال لله رب العالمين.
اسم الله الأعظم
وكشف عن اسم الله الأعظم الذى إذا دعى به أجاب واذا سئل به أعطى وقال إن أسماء الله الحسنى كثيرة، ولفظ الجلالة "الله" هو الاسم الأعظم، وهو أعلى مرتبةً من سائر الأسماء؛ قال تعالى: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
أسماء الله الحسنى
وتابع: ومن هذه الأسماء تسعة وتسعون اسمًا من حفظها دخل الجنة، لقوله ﷺ: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة» [البخاري]. وقيل: من أحسن مراعاتها والمحافظة على ما تقتضيه، وصدق بمعانيها وعمل بمقتضاها. وقيل: من أخطر بباله عند ذكرها بلسانه معانيها وتفكر في مدلولاتها متدبرًا ذاكرًا راغبًا راهبًا معظِّمًا لها ولمسمياتها، مقدِّسًا للذات العلية، مستحضرًا بباله عند ذكر كل اسم المعنى الدال عليه.
وأوضح انه لا يُفهم من قوله ﷺ في الحديث المتفق عليه: «تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا» أن الأسماء محصورة في العدد المذكور فقط؛ لأن أسماء الله تعالى لا يمكن أن يحصيها العد، إذ لا يمكن لأحد من الخلق أن يحيط بكنهه تعالى. فقد قال سبحانه في وصف كلماته: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) [لقمان: 27].
وقد نقل اتفاق العلماء على ذلك الإمام النووي فقال: "واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى؛ فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة؛ فالمراد: الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء" [شرح صحيح مسلم].
ولفت إلى أن أسماء الله سبحانه وتعالى منها ما هو أسماء جمال، ومنها أسماء جلال، ومنها أسماء كمال. فأسماء الكمال كالأول والآخر والمحيي والمميت والضار والنافع، وأسماء الجمال مثل: الرحمن والرحيم والعفو والغفور، وأسماء الجلال كالمنتقم والجبار والمتكبر.
اسماء لا يجوز إطلاقها على غير الله
وذكر ان من أسمائه ما لا يجوز إطلاقه على غيره سبحانه كـ"الله والرحمن"، ومنها ما يجوز كـ"الرحيم والكريم". ومنها ما يُباح ذكره وحده كأكثرها، ومنها ما لا يُباح ذكره وحده كـ"المميت والضار"؛ فلا يقال: يا مميت ويا ضار، بل يقال: يا محيي يا مميت، ويا نافع يا ضار؛ وذلك تأدبًا في حقه تعالى وتفاديًا من إيهام ما لا يليق بجلاله تعالى.
ومثل صفاته تعالى وأفعاله يجب تنزيه أسمائه سبحانه عما لا يليق بعظمته وجلاله، ويجب تنزيه سائر أسمائه عن تفسيرها بما يوهم نقصًا في حقه تعالى وينافي كماله، كتفسير الرحيم برقيق القلب لاستحالة ذلك عليه تعالى. قال تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) [الأعلى: 1-2]، أي: نزِّه اسمه تعالى عن كل ما لا يليق به.
ومذهب جمهور أهل السنة والجماعة من الأشاعرة والماتريدية أن أسماءه تعالى توقيفية كصفاته؛ فلا يُثبت له اسم ولا صفة إلا إذا ورد ذلك في النصوص الشرعية أو ثبت بالإجماع.
الحكمة من ذكر اسماء الله الحسنى
ومن حكمة الله في ذكر أسمائه وصفاته أن نتخلَّق بها كما ورد في الأثر: (تخلَّقوا بأخلاق الله)، فنتخلَّق من الرحيم بالرحمة، ومن الكريم بالكرم، ومن الحليم بالحلم... وهكذا؛ فإن جميع الأسماء للتخلُّق إلا اسمه تعالى "الله" فإنه للتعلُّق.
ولأهمية أسمائه تعالى في الإيمان به وأمره عباده بالتخلُّق بها، ختم سبحانه وتعالى كثيرًا من الآيات في كتابه الكريم بالأسماء الحسنى؛ فلا تكاد تجد صفحة من المصحف إلا وقد ختمت كثير من الآيات فيها باسم أو اسمين من أسمائه تعالى، وما ذلك إلا لأمرين اثنين:
الأمر الأول: دلالة هذه الأسماء على معانٍ عظيمة.
الأمر الثاني: الدلالة على أن الطريق إليه تعالى لا يتأتى إلا عبر المرور من باب معرفة أسمائه سبحانه وتعالى والتعبد بها.
واختتم كلامه قائلا: إن أسماء الله سبحانه وتعالى مليئة بالحِكَم والأسرار التي يعرفها أهل الله الذاكرون السائرون في طريقه، فعلى كل مسلم أن يذكر الله سبحانه في كل حال بما يحب من أسمائه، ويجتهد في التخلق بهذه الأسماء ومراعاتها في حياته كلها، ليفتح له أبواب أسرارها.