لجريدة عمان:
2024-11-24@08:04:10 GMT

أمريكا تفقد السيطرة

تاريخ النشر: 14th, November 2023 GMT

منذ أن هاجمت حماس إسرائيل في السابع من أكتوبر، قدَّم الرئيس بايدن نفسه بوصفه رجل دولة متواضعا ومستنيرا بما لديه من خبرة بالأخطاء التي ارتكبتها بلاده بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. فنصح الإسرائيليين بقوله: «بينما تشعرون بهذا الغضب، لا تجعلوه يستهلككم».

كان الرئيس بايدن يقصد تقديم ما هو أكثر من علاج.

وسرعان ما كشف مسؤولون في البيت الأبيض عن قلقهم العميق إزاء الخطط الإسرائيلية لغزو قطاع غزة. وأعربوا عن خشيتهم من أن تفشل العملية في استئصال حماس، ومن أن تؤدي إلى قتل وجرح المدنيين الفلسطينيين بشكل متعمد، بما قد يؤدي إلى اندلاع حرب أوسع نطاقا. لكن أولئك المسؤولين قالوا ذلك دون الإفصاح عن هويتهم. أما في العلن، فقد أعرب الرئيس بايدن عن دعمه الراسخ للعمل العسكري الإسرائيلي، بينما حث إسرائيل على الامتثال لقوانين الحرب. وبدا واضحا أنه تصور أن هذه المعانقة الحميمية لحليفة أمريكا هي الطريقة المثلى لكبح جماحها ـ أو الطريقة الوحيدة التي كان مستعدا لأن يجربها.

غير أن هذه المقامرة منيت بالفشل؛ إذ مضت إسرائيل قدما بهجوم بري: فوصلت قواتها إلى مدينة غزة وسط استمرار القصف الجوي والحصار المفروض على القطاع. فخابت بذلك معانقة الرئيس بايدن الرامية إلى التقييد. ولم يكن من المتوقع أن يستمع القادة الإسرائيليون، وهم يعانون آثار هجوم شنيع، إلى محض كلمات من واشنطن. فهل كانت الولايات المتحدة، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لتغير سلوكها امتثالا للنصيحة الطيبة التي أسدتها قوة خارجية؟

فالرئيس بايدن هو الذي لم يتعلم من أخطاء أمريكا، واندفع رأسا إلى الحرب الأخيرة. وبدعمه لإسرائيل دونما قيد أو شرط، وبعدم مناصرته لحقوق الفلسطينيين أيضا، جعل الولايات المتحدة متواطئة في كل ما فعلته إسرائيل بعد ذلك. وتبيَّن أن الثمن باهظ بالفعل، ومدفوع من هيبة الولايات المتحدة الأمريكية وقوتها. وقد يصبح الثمن أفدح كثيرا.

في الأيام التالية للسابع من أكتوبر، سنحت للرئيس بايدن الفرصة لصياغة رد فعل إسرائيل من خلال تحديد علني لنوع الإجراءات التي يمكن -ولا يمكن- أن تدعمها الولايات المتحدة. فمن خلال الإعلان عن تضامنه مع إسرائيل واشمئزازه من حماس، كان يمكن أن يرجئ المساعدة في شن حملة عسكرية إلى أن تضع إسرائيل خطة يعتبرها البيت الأبيض فعالة وعادلة وتعامل المدنيين الفلسطينيين بشكل مقبول. لكن بايدن أعلن بدلا من ذلك قائلا: «إننا مع إسرائيل»، متعهدا بتوفير الدفاع عنها «اليوم وغدا ودائما». وحتى عندما كان يضغط سرا على القادة الإسرائيليين للتمهل والتفكير قبل القيام بغزو بري، فقد طلب علنا 14.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية الطارئة، دون أي شروط.

لم يكن لزاما عليه أن يكون على هذا القدر من الفروسية. فقد كان من شأن اتباع سياسة العصا والجزرة أن تؤدي إلى تحسين تصرفات إسرائيل أو إبعاد الولايات المتحدة عن الفشل الباهظ. غير أن الإدارة لم تعمد كثيرا إلى المحاولة؛ مفضلة أن تلزم نفسها أولا ثم تكتشف لاحقا بماذا ألزمت نفسها. والآن تجد الولايات المتحدة أنها تتبع إسرائيل في حرب وحشية» غير محددة المدة، غير محددة التكلفة، غير محددة العواقب»، على حد وصف باراك أوباما حينما كان عضوا في مجلس الشيوخ عن غزو العراق قبل أن يبدأ. ويشير المسؤولون الأمريكيون بشكل متزايد إلى استيائهم من العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وتصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية، دون أن يكون لهم سوى القليل من النفوذ لحمل إسرائيل على تغيير مسارها ما لم يحددوا «تبعات لذلك».

ولم يكن الرئيس بايدن أفضل حالا في تحديد حل طويل الأمد. متجاهلا الحقيقة الواضحة المتمثلة في أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو جوهر الصراع، وصف بايدن الفلسطينيين بالدرجة الأساسية إما بأنهم إرهابيون أشرار أو بأنهم مدنيون أبرياء يستحقون الحماية الإنسانية. لكن الفلسطينيين في المقام الأكبر أطراف سياسيون يسعون إلى تقرير المصير ويرفضون التجاهل. ولغة الرئيس بايدن الأيديولوجية المنحرفة -من قبيل «لن ينتصر الإرهابيون. الحرية ستنتصر»- تتجاهل أن الإرهاب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي يرسخان الظلم، وأن كليهما يعترض طريق السلام.

لعل معناقة الرئيس بايدن تمده بغطاء سياسي لتنشيط السعي إلى تحقيق حل الدولتين، الذي سعى إليه الدبلوماسيون الأمريكيون للمرة الأخيرة في فترة إدارة أوباما. لقد قال الرئيس بايدن أخيرا إنه «ما من عودة إلى الوراء» أي إلى الوضع الراهن قبل الحرب. ودعا وزير الخارجية أنطوني بلينكن السلطة الفلسطينية، التي تدير أجزاء من الضفة الغربية، إلى حكم غزة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية. ويفترض هذا أن إسرائيل سوف تنسحب ولا تدفع الثمن الذي ستطالب به السلطة الفلسطينية، وهو تحقيق تقدم جدي نحو إقامة دولة فلسطينية. ولكي يكون لدى الولايات المتحدة أي احتمالات للنجاح، سوف يتعين عليها أن تهدد بخفض المساعدات العسكرية والدعم السياسي والتصرف بناء على ذلك. وإلا فإن إسرائيل سوف تستنتج أن الكلام الأمريكي ليس إلا محض كلام.

لا تعولوا على أن الرئيس بايدن سوف يتغير. فإذا كان لم يرغب في فرض شروط على السلوك الإسرائيلي في البداية، عندما كانت لذلك أهمية قصوى، فمن غير المرجح أن يجازف بالانفصال عن إسرائيل، وهي قضية شعبية في السياسة الأمريكية، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في العام المقبل. ولكن الواجب عليه هو أن يفعل ذلك؛ لأن البديل أسوأ.

إن موقف الرئيس بايدن الانحيازي ينتقص، ويصرف الانتباه عن كل أولويات السياسة الخارجية الأخرى. لقد كانت الولايات المتحدة تكافح بالفعل لتسليح أوكرانيا وتايوان قبل حرب إسرائيل وحماس التي يرجح أن تؤدي إلى تحويل اتجاه قذائف المدفعية وأنظمة الدفاع الجوي الأمريكية والمزيد. وسوف تتزايد المقايضات في حال اتساع الصراع إلى حرب إقليمية. بل إن من الممكن أن تتورط الولايات المتحدة بشكل مباشر، وهو خطر تؤكده الهجمات المتزايدة على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا.

وفي الوقت نفسه، ثمة نزيف في نفوذ واشنطن في جميع أنحاء العالم. فبعد مناشدتها الدول غير الغربية أن تعارض روسيا في احتلالها الأراضي واستهدافها البنية الأساسية المدنية في أوكرانيا، يبدو بسفور أن الولايات المتحدة لا تتبع مبادئ بوقوفها على قدم وساق مع إسرائيل إذ تحتل الأراضي الفلسطينية، وتقطع الغذاء والمياه والكهرباء عن غزة. وليس الاستياء من ذلك مقصورا على الدول العربية. ففي الجمعية العامة للأمم المتحدة، أيدت 120 دولة قرارا يدعو إلى هدنة إنسانية. ولم ينضم غير اثنتي عشرة دولة فقط إلى الولايات المتحدة وإسرائيل في التصويت برفض القرار. فجعل هذا أمريكا معزولة أقل قليلا من روسيا عندما دعتها الجمعية العامة آخر مرة، بأغلبية 141 صوتا مقابل 7، إلى الانسحاب من أوكرانيا.

وعلى المستوى الداخلي أيضا، يمكن أن تكون التداعيات وجودية. فالناخبون الشباب والأمريكيون العرب والمسلمون، وكانوا حاسمين في فوز بايدن بانتخابات عام 2020، يشعرون بالذعر من طريقة تعامله مع الحرب. وقد لا يصوتون لصالحه في نوفمبر المقبل. ومثل هذا الانصراف عن ائتلاف بايدن هو بالضبط ما يحتاج إليه الجمهوريون، مدعومين باستطلاعات الرأي التي تظهر تقدم دونالد ترامب في ولايات رئيسية، لدفع مرشحهم الذي لا يحظى بشعبية إلى الأمام.

يقول الرئيس بايدن: إن «القيادة الأمريكية هي التي تجمع العالم معا». وبالنسبة له، يبدو أن القيادة الأمريكية تعني دعم حلفاء الولايات المتحدة إلى أقصى حد ووراثة صراعاتهم وكأنها صراعاتنا، والتغافل عن التكاليف والمخاطر. لقد أثبت موقف «إما معنا أو ضدنا» أنه مدمر قبل عقدين من الزمن. أما اليوم، فهو بمنزلة وصفة مضمونة لتقسيم العالم وفقدان السيطرة عليه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الرئیس بایدن

إقرأ أيضاً:

زعيم كوريا الشمالية يتهم الولايات المتحدة بتأجيج التوتر.. ويحذر من حرب نووية

أفادت قناة «القاهرة الإخبارية»، نبأ عاجل، يفيد بأن زعيم كوريا الشمالية يتهم الولايات المتحدة بتأجيج التوتر، ويحذر من حرب نووية في شبه الجزيرة الكورية.

مقالات مشابهة

  • عبدالمنعم سعيد: أمريكا تعد إسرائيل حليف استراتيجي كبير لها
  • عبدالمنعم سعيد: أمريكا تعتبر إسرائيل حليفا استراتيجيا كبيرا لها
  • عبدالمنعم سعيد: أمريكا تعتبر إسرائيل حليف استراتيجي كبير لها
  • الرئيس الكولومبي: هدف حرب الإبادة التي تمارسها “إسرائيل” في غزة منع قيام وطن للفلسطينيين
  • روته التقى ترامب في الولايات المتحدة
  • كوريا الشمالية: الولايات المتحدة تخلق جواً من المواجهة النووية
  • باحث سياسي: أمريكا لا تريد دعم نتنياهو وجالانت.. لكنها ترغب في الحفاظ على هيبة إسرائيل
  • باحث سياسي: أمريكا لا تريد إلا الحفاظ على هيبة إسرائيل
  • زعيم كوريا الشمالية يتهم الولايات المتحدة بتأجيج التوتر.. ويحذر من حرب نووية
  • إيلون ماسك المغربي يعلن تسويق سيارات الهيدروجين التي عرضها أمام الملك في الولايات المتحدة