مشاركة مارين لوبان بمسيرة ضد معاداة السامية... خطوة جديدة في مسار تطبيع علاقتها مع الطبقة السياسية الفرنسية
تاريخ النشر: 14th, November 2023 GMT
إعداد: حسين عمارة تابِع | رومان بروني إعلان اقرأ المزيد
على الرغم من بعض جمل السباب والإهانات والاصطفاف في مؤخرة الموكب، فإن الصورة التي ستتبقى من هذا الحدث هي التصفيق الحار لمارين لوبان لحظة وصولها للمشاركة في المسيرة الكبرى لمناهضة معاداة السامية في فرنسا. وهي صورة ملفتة للنظر بلا جدال وتحكي الكثير عن المسار الذي سلكه حزب "التجمع الوطني" على طريق تطبيع وضعه في الحياة السياسية الفرنسية.
لحظة دخول مارين لوبان في مسيرة مكافحة معاداة السامية
Marine Le Pen, accompagnée de Jordan Bardella, Sébastien Chenu et de nombreux élus du Rassemblement National, sont applaudis à leur arrivée à la marche contre l’antisémitisme.#marchecontrelantisemistisme #marche12Novembre pic.twitter.com/8RfAJSp7bN
— CLPRESS / Agence de presse (@CLPRESSFR) November 12, 2023ففي عام 2018، عندما حاول زعيم المجموعة النيابية لحزب التجمع الوطني في الجمعية الوطنية المشاركة في "المسيرة البيضاء" تكريما لميرييل كنول – الثمانينية التي قتلت في منزلها الباريسي لأنها كانت يهودية – اضطر للمغادرة سريعا تحت وقع صافرات الاستهجان من المشاركين. وها هو بعد مرور خمس سنوات ونصف على تلك الحادثة، يتمكن التجمع الوطني من المشاركة في مسيرة مناهضة معاداة السامية بهدوء ودون كثير من الجلبة. بالتوازي مع ذلك، لم يتردد الحزب في عمل الدعاية اللازمة مقدما نفسه كضامن لمكافحة معاداة السامية.
اقرأ أيضا"دعوة لنبذ الكراهية وإشاعة قيم التسامح"… مسيرة باريس ضد معاداة السامية تلمّ مختلف الأديان
فقد صرح رئيس الحزب جوردان بارديلا، الإثنين 13 نوفمبر/تشرين الثاني لإذاعة "آر تي إل" معلقا على قرار الرئيس إيمانويل ماكرون عدم المشاركة في المسيرة بالقول: "يؤسفني غياب رئيس الجمهورية عن هذا الحدث، لأنني أعتقد أن وجوده كان من شأنه إعطاء وزن أكبر لقضية مكافحة معاداة السامية".
وقد حاول عدد قليل من النشطاء من منظمة "غولم" اليهودية اليسارية معارضة وجود حزب "التجمع الوطني" في المسيرة وذلك قبل احتواء معارضتهم بسرعة من قبل الشرطة. كما أن القادة الاشتراكيين والشيوعيين والبيئيين أرادوا إنشاء "طوق جمهوري" لفصل اليمين المتطرف عن بقية المتظاهرين. من جانبها، علقت رئيسة الوزراء إليزابيت بورن على منصة إكس (تويتر سابقا) قائلة إن "وجود التجمع الوطني لا يخدع أحدا"، مسايرة بذلك حديث أولئك الذين كانوا يُذكِّرون منذ عدة أيام بتاريخ هذا الحزب الذي أسسه جان ماري لوبان عام 1972 وبيير بوسكيه أحد الأعضاء القدامى لفافن إس إس (Waffen-SS) الجناح العسكري للحزب النازي الألماني.
اقرأ أيضاماكرون لن يشارك فيها... فرنسا على موعد مع مسيرة كبيرة الأحد للتنديد بمعاداة السامية
إدوار فيليب "لا يفرق بين أصحاب النوايا الطيبة"
بإعلانه في 5 نوفمبر/تشرين الثاني على قناة "بي إف إم" أن جان ماري لوبان، والد مارين لوبان، لم يكن معاديا للسامية تسبب جوردان بارديلا في عاصفة إعلامية كان حزبه سيحقق أداء جيدا بدونها. فعلى إثر هذا التصريح، تم استخراج جميع الإسقاطات المعادية للسامية لجان ماري لوبان من الأرشيف: وبخاصة أن المحرقة النازية تعتبر "تفصيلا صغيرا في تاريخ الحرب العالمية الثانية".
جان ماري لوبان يصف المحرقة النازية بأنها تفصيل صغير في تاريخ الحرب العالمية الثانية
لكن هذا التذكير بالحقائق لم يمنع الكثير من الفرنسيين من اعتبار أن "الجبهة الوطنية" سابقا، التي أصبحت التجمع الوطني في عام 2018، لها مكانها الكامل في المسيرة ضد معاداة السامية. وهكذا اعتبر 45 بالمئة منهم أن وجود التجمع الوطني المتطرف في المسيرة ضد معاداة السامية "شرعي" فيما عبر 59 بالمئة عن موافقتهم لرفض حضور بعض الشخصيات السياسية إلى جانب التجمع الوطني وذلك وفقا لاستطلاع رأي أجرته باكبون أودوكسا للاستشارات من أجل صحيفة لوفيغارو.
ونعني بالنسبة الأخيرة تحديدا حزب "فرنسا الأبية"، الذي لم يرغب في المشاركة في هذه المسيرة بسبب وجود التجمع الوطني وحزب "الاسترداد" اليميني المتطرف الذي يتزعمه إيريك زمور. وعبر عن ذلك الموقف زعيمه جان لوك ميلنشون على منصة إكس بقوله إن "أصدقاء الدعم غير المشروط للمذبحة قد تجمعوا (في هذه المسيرة)"، وذلك في إشارة إلى مقتل العديد من المدنيين الفلسطينيين على يد إسرائيل في قطاع غزة.
فيما رحب جزء من الطبقة السياسية علانية بالتطور الكبير الحادث للتجمع الوطني، ومنهم رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب. "أن يقول التجمع الوطني صراحة أنه بدءا من الآن يناهض معاداة السامية لهو شيء يجب أخذه في الاعتبار. فأنا لا أفرق بين أصحاب النوايا الطيبة الذين يريدون محاربة معاداة السامية"، وذلك حسب تصريح فيليب، المرشح المفضل للماكرونيين في انتخابات 2027 الرئاسية، يوم الأحد الماضي على قناة "بي إف إم".
وهنا خصوصا تكمن قوة مارين لوبان. فمهمتها المتمثلة في القطيعة مع ماضي الحزب، واستبعاد الشخصيات التي يحتمل أن تسبب الأذى، والتأكد من تقديم مرشحين "نظيفين" في الانتخابات شيء، وقبول بقية الطبقة السياسية بوجودها شيء آخر.
دعم إسرائيل، حركة سياسية ثلاثية الحدوحاليا، تبدو هذه المهمة على وشك الإنجاز. فمنذ يونيو/حزيران 2022، تبذل مارين لوبان ونوابها البالغ عددهم 87 كل ما في وسعهم ليبدوا محترمين في الجمعية الوطنية. وما ساعدهم بصورة جيدة في هذا الأمر، هي السلطة التنفيذية والأغلبية الرئاسية، من ناحية، والتي لم تتوقف منذ عام 2017 عن تقديم التجمع الوطني بوصفه الخصم الوحيد لهم بينما يشوهون حزب "فرنسا الأبية". ومن ناحية أخرى، تصريحات زعيمه المثير للجدل جان لوك ميلنشون المتعددة والتي اعتبرت شائنة حتى بين صفوف حلفائه من الأحزاب اليسارية وهو ما يجعل مارين لوبان تبدو يوما تلو الآخر مناسبة لمنصب الرئيس.
الدعم الثابت الذي قدمه التجمع الوطني لإسرائيل بعد هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول قد شكل منعطفا ثلاثي الحدود في الوقت الذي رفض فيه نواب "فرنسا الأبية" وصف حماس بأنها جماعة إرهابية. وقد سمح ذلك بالتخلص من وصف الحزب بالمعاداة للسامية، ودمجه فيما تسميه الأغلبية "الطوق الجمهوري" بشكل كامل وتشويه صورة حزب "فرنسا الأبية" بشكل أكبر.
وقالت مارين لوبان في الجمعية الوطنية يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول، ليس فقط وسط تصفيق نوابها، بل أيضا نواب من الجمهوريين وبعض النواب من حزب النهضة الماكروني، إن: "أولئك الذين يدعمون ما لا يمكن دعمه، أو يقدمون له الأعذار، وبعضهم يجلس على هذه المقاعد، يهاجمون القيم الإنسانية".
ونتيجة لذلك، فإن نظرة الفرنسيين إلى التجمع الوطني آخذة في التغير. والآن ينظر 40 بالمئة من الفرنسيين إلى حزب مارين لوبان على أنه حزب قريب من مخاوف الناس – كانت نسبتهم 30 بالمئة فقط في يونيو/حزيران 2017 – وكحزب قادر على حكم البلاد بنسبة 44 بالمئة من الفرنسيين – مقابل 25 بالمئة فقط في يونيو/حزيران 2017 - وفقا لمسح أطلق عليه "خلافات فرنسية" نشر في أكتوبر/تشرين الأول 2023 وأجرته إيبسوس/ سوبرا ستيريا لصحيفة لوموند ومؤسسة جان جوريس. بالتوازي مع ذلك، باتت الإجابة بنعم على سؤال "هل حزب التجمع الوطني خطر على الديمقراطية؟"، لا تأتي إلا من واحد من كل شخصين فرنسيين (52٪)، وهي نسبة انخفضت بمقدار 9 نقاط مقارنة بعام 2020.
النص الفرنسي: رومان برونيه | النص العربي: حسين عمارة
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: الحرب بين حماس وإسرائيل الحرب في أوكرانيا ريبورتاج فرنسا إيمانويل ماكرون معاداة السامية الحرب بين حماس وإسرائيل مظاهرة اليمين المتطرف مارين لوبان للمزيد التجمع الوطني ضد معاداة السامیة التجمع الوطنی فرنسا الأبیة مارین لوبان المشارکة فی فی المسیرة
إقرأ أيضاً:
جمعة: "رسول الله ربّانا على القوة والمبادئ السامية"
أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق، أن سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أرشدنا إلى قيم القوة والسعي للارتقاء بالنفس والمجتمع، وشدد على أن العجز مرفوض في الإسلام، خاصة إذا كان مرتبطًا بالتقصير في عبادة الله أو عمارة الأرض، ورغم ذلك، فإن المؤمن العاجز خير عند الله من الفاجر القوي، لأن المؤمن يمتلك القيم والأخلاق التي تعزز الحضارة الحقيقية.
العجز والقوة: رؤية إسلامية متوازنةأوضح جمعة أن الإسلام يدعو إلى الجمع بين الإنجاز والقيم، مشيرًا إلى أن الإنجاز الذي يخالف الأخلاق والقيم مرفوض تمامًا. وأضاف أن الإنجاز الحقيقي يتطلب الالتزام بالمبادئ والثوابت، وليس فقط تحقيق النجاح المادي أو الظاهري. وذكر أن الأمم السابقة، مثل قوم عاد، وقعوا في فخ الغرور بإنجازاتهم، كما ورد في القرآن الكريم.
قال الله تعالى:
(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ)،
مشيرًا إلى أن نبي الله هود عليه السلام حاول تذكيرهم بأن نعم الله تزيد بالإيمان والتقوى، لكنهم تمسكوا بباطلهم وقالوا:
(سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الوَاعِظِينَ).
التوازن بين الكم والكيفأكد الدكتور جمعة أن الإسلام يُعلي من شأن الكيف على الكم، والقيم الإنسانية على الإنجازات المادية. وأوضح أن المسلم الحقيقي هو من يقدّم التقوى على الإنجاز، ويراعي حقوق الإنسان قبل بناء المنشآت.
وما ترك الله لنا طريقًا يبلغنا رضاه وجنته إلا وقد أرشدنا إليه، وحثنا عليه رسوله الكريم ﷺ ، وما ترك لنا طريقا يؤدي بنا إلى النار إلا وحذرنا منه وأحدث لنا منه ذكرا، وتركنا رسول الله ﷺ على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
فلما زاغ الناس عن المحجة البيضاء شاع الفساد، وفشت الفتن من حولنا، تلك الفتن التي وصفها سيدنا رسول الله ﷺ فقال : (يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من السكر، وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله عز وجل : أبي يغترون ؟ أم علي يجترئون ؟ فبي حلفت، لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيرانًا) [رواه الترمذي]. وفي ذلك تصديق لقوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ) .
رسالة للمسلمين اليوماختتم جمعة حديثه بالدعاء أن يرزق الله المسلمين الرشد والصواب في أعمالهم، ويحقق التوازن بين الإنجاز المادي والروحي، مشددًا على أهمية تقديم القيم الإنسانية والدينية كمعيار أساسي للنجاح والتقدم.