ما زال الوضع على حاله منذ السابع من أكتوبر. أعجز عن الرد على الرسائل التي تصلني عبر الهاتف، لم أتحدث مع عائلتي منذ فترة لا بأس بها، وأصر على الاستمرار في توثيق يومياتي بينما أتابع هذه الكارثة.
نعتقد ويعتقد أصدقائي في غزة بأن هذه الحرب استطاعت أن تدق مسمارا في نعش الصورة الذهنية التي صنعتها دولة الاحتلال خلال عقود، ورغم عنف وقسوة ردود فعل الإعلام الدولي منذ بداية هذه الحرب، إلا أن ردود الفعل الشعبية جاءت لتقول وكالعادة أن الشعوب لا تتفق بالضرورة مع حكوماتها أو مع رؤوس الأموال التي تدير وسائل الإعلام هذه.
ليس أبلغ من ذلك اضطرار دولة الاحتلال للقيام بتصرفات أقل ما يقال عنها بأنها «صبيانية» لمحاولة رتق الصورة الممزقة أمام العالم كله، فبدأت بحملة إعلامية قوامها مقاطع فيديو وتسجيلات يدعي الاحتلال أنها لفلسطينيين. بدأ الأمر منذ مجزرة مستشفى المعمداني، عندما نشرت وزارة دفاع دولة الاحتلال، تسجيلا صوتيا لمكالمة هاتفية بين من يفترض أنه عضو تابع لحماس، وآخر لمدني من غزة، يعترفان فيه بأن الصواريخ التي فجرت المستشفى لم تكن قادمة من إسرائيل بل تابعة لحماس، وكان الهدف منها قصف دولة الاحتلال لكن الصواريخ تفجرت في المستشفى. يومها لم يكن هنالك صدى كبير لهذا التسجيل، الذي وبمجرد سماعه نتأكد من أن المتحدثين فيه لا يتقنون العربية أصلا فكيف إذا ما فحصنا اللهجة الغزاوية.
عادت دولة الاحتلال لاستخدام هذه الألاعيب خلال الأيام الماضية، وذلك عبر نشر مقطع لممرضة تغطي وجهها، تدعي أنها تعمل في مستشفى الشفاء، المستشفى الأكبر في غزة، والمحاصر هذه الأيام من قبل دبابات الاحتلال، والذي ارتكب الاحتلال فيه مجزرة قبل أسبوع، بتفجير ساحته التي لجأ إليها آلاف النازحين من شمال غزة، بالإضافة لتمركز الصحفيين فيها. تقول الممرضة في الفيديو إن حماس موجودة بالفعل في المستشفى وبأنها تستخدم المدنيين والطاقم الطبي كدروع بشرية. أقل ما يقال عن هذا المقطع بأنه يعبر عن حالة يأس عميقة عند المسؤولين عن اللجان الإلكترونية والكبيرة بالمناسبة، والتي يصرف عليها الملايين خلال أسبوع واحد فقط، لضمان قدرة دولة الاحتلال على الاستمرار في الضغط على مراكز القوى في العالم كله.
آخر تقليعات هذه اللجان، أن قامت سفارة إسرائيل في واشنطن بترجمة مقطع فيديو لسيدة فلسطينية استشهد أبناؤها، لتعمل على تزوير شهادتها، وتقديم ترجمة غير صحيحة للمحتوى الحقيقي للمقطع. فتقدم السيدة وهي تلوم المقاومة على خسارتها الفادحة هذه.
كل هذا مثير للاهتمام، لكن فلأعد قليلا لملاحظاتي اليومية، أشاهدُ الكوفية على أكتاف الفتيات والشبان في مسقط منذ أسابيع، أنا نفسي قررت ارتداءها معظم الوقت. اضطرني عملي للسفر مرتين منذ بداية العدوان لدولتين خليجيتين، في الأولى كنت ارتدي الكوفية في المكان الذي تلقيتُ فيه الدعوة ككاتبة، وفي المجمعات التجارية الكبيرة، حتى أنني وفي أثناء اجتماع العمل تلقيت شكرا «غريبا» بنبرة خائفة من فلسطينيين ومواطنين وعرب هناك، رأوا في ارتدائي لها شجاعة تستحق التقدير! لم أكن أفهم ما الذي يحدث! لم أقصد أن أتمرد بأي طريقة، لم أكن أعرف أن أي إظهار للتضامن مع الفلسطينيين حتى وعبر ارتداء الكوفية قد يشكل تهديدا من أي نوع أصلا! خصوصا وأنني لم أقرأ هذا في مشهد الحياة اليومية في مسقط.
كنتُ بحاجة لضربة قاسية لأفهم ما الذي يجري، وهذا ما حدث في زيارتي الثانية والسريعة لدولة خليجية أخرى، وبينما كنت أرتدي الكوفية وأستعد للدخول لمناسبة ثقافية ضخمة، أوقفني الأمن وطالبني بإزالتها فورا. أتذكر ارتباكي في تلك اللحظات وبأنني أشرت لكوفيتي: «تقصد هذه؟» قال نعم! كان موظف الأمن طويلا وعريضا ويثير الخوف بنظارته السوداء وبدلته السوداء الرسمية، سألته عن السبب، فقال: بس كذا!
أفكرُ الآن وأسأل كل ضمير حي هنا، منذ متى أصبح التضامن مع فلسطين مثيرا لكل هذا الخوف؟ وما الذي حدث في العقد الأخير، لتتحول علاقتنا الواضحة والمحسومة تجاه دولة الاحتلال، إلى علاقة مرتبكة لا مع الاحتلال بل مع فلسطين والفلسطينيين وأي ما قد يعبر عنهم؟ منذ متى نفكر مرتين كعرب وكمسلمين قبل أن نكتب مقالا متضامنا مع فلسطين ومع إيقاف الحرب فورا، وندين به جرائم الاحتلال الكبيرة والفظيعة والتي لا تضاهى. ما الذي تغير؟ نطالبكم نحن شعوب المنطقة كلها بأن تفسروا لنا «الواقع السياسي» الذي تسوغون به مواقفكم المخزية هذه. نريد أن نعرف ما الذي ستقدمه إسرائيل لنا ولمستقبلنا كشعوب تسهرون على راحتها بينما لديها مواقف انفعالية وعاطفية غير محسوبة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: دولة الاحتلال ما الذی
إقرأ أيضاً:
ما هي تبعات فوز ترامب على العلاقة مع الاحتلال وحرب غزة والتطبيع؟
مع بداية ظهور النتائج الأولية بفوز الرئيس، دونالد ترامب، بولاية رئاسية أمريكية ثانية، تزايدت "القراءات الإسرائيلية" حول التبعات المتوقعة لهذا الفوز على العلاقة الأمريكية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وكذا السلوك المتوقّع تجاه الحرب على غزة، والتعامل مع التصعيد الجاري مع إيران.
وفي هذا السياق، زعم الكاتب في "القناة 14" العبرية، تائير ألتشولر، أنّ: "ولاية ترامب الثانية قد تؤدي لدعم أمني قوي لدولة الاحتلال، واتخاذ موقف أمريكي حازم ضد إيران، والسعي لتوسيع اتفاقيات التطبيع مع دول عربية إضافية".
وأضاف ألتشولر، في مقال ترجمته "عربي21"، أنه: "رغم ذلك فإن سياسة "أمريكا أولاً" قفد تؤدي أيضًا لزيادة العزلة الدبلوماسية، وتؤثر على علاقات الاحتلال مع الديمقراطيين وحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا".
وتابع بأن: "التأثير المباشر لفوز ترامب على العلاقات الإسرائيلية الأمريكية يعيد للأذهان أن ولايته الأولى قد أسفرت عن قرارات مهمة للاحتلال، أهمها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، والاعتراف الأمريكي بسيادة الاحتلال على هضبة الجولان، وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، وكل ذلك عزّز علاقته مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووفّر للاحتلال الدعم الدبلوماسي".
وأشار: "ترامب قد يعمل على العودة لسياسته "أميركا أولا"، ما يعني انخراطا أقلّ في الشرق الأوسط، لكنه في الوقت نفسه سيدعم فرض عقوبات أكثر صرامة على إيران، والتعبير عن موقف صارم ضد منظمتي حماس وحزب الله، الأمر الذي يدفع للحديث عن التأثير المتوقع لفوزه على مستقبل الحرب الجارية".
وأوضح الكاتب نفسه، أن "إعادة انتخاب ترامب قد تؤدي لتغيير الدعم العسكري والسياسي الذي يتلقاه الاحتلال في حربه ضد حماس في غزة، وحزب الله على الحدود الشمالية، ومن المتوقع أن يواصل ترامب النهج المتشدد تجاه إيران وتشديد العقوبات، مما قد يضع ضغوطا إضافية على حزب الله، لكن من الممكن أيضا أن يطالب الاحتلال بالتصرف بشكل أكثر استقلالية من الناحية الأمنية".
وأضاف أن "ترامب الذي تفاخر بأنه خلال فترة ولايته تم إبرام اتفاقيات تطبيع بين دولة الاحتلال وعدد من الدول العربية مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين، وعمل على تعميق العلاقات الاقتصادية والأمنية في الشرق الأوسط، قد تدفع إدارته الجديدة لتوسيع هذه الاتفاقيات مع دول إضافية".
أمّا بخصوص السياسة المتوقعة لترامب من إيران، يرى الكاتب أن "أحد سمات ولايته السابقة معارضته للاتفاق النووي معها، ومن الممكن أن تؤدي ولاية أخرى لتشديد العقوبات وزيادة الضغوط الدبلوماسية عليها، مما قد يؤخر تقدمها في المشروع النووي، لكن الأمر لا يخلو من المخاطرة أيضاً، فإن السياسة القاسية أكثر مما ينبغي، من الممكن أن تؤدي أكثر لعدم الاستقرار في المنطقة، بل وحتى ارتفاع أسعار الطاقة العالمية".
وختم بالقول إن "فوز ترامب من المتوقع أن يلقي بظلاله على علاقات دولة الاحتلال مع الحزب الديمقراطي، فإن ترامب يعتبر رئيسا ودوداً بشكل خاص معها، لكن نهجه الصارم أدّى لابتعادها عن الحزب الديمقراطي وحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين".
من جهتها، أكدت الكاتبة في موقع "زمن إسرائيل" العبري، تال شنايدر، أن: "فوز ترامب لا يضمن الضوء الأخضر لنتنياهو، رغم أن فوزه يعد احتفالاعلى المدى القصير للأخير، لأنه لا يتوقع أن يدوم طويلا".
وأضافت شنايدر، في مقال ترجمته "عربي21"، أن "الوعود الكبيرة فيما يتعلق بإيران سوف تتلاشى، في ضوء علاقة ترامب الوثيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولذلك ليس بالضرورة أن تسمح إدارته للاحتلال بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، خاصة بعد إعلان نائبه، جي دي فانس، أن الولايات المتحدة تخطط لبدء مفاوضات دبلوماسية مع إيران قريبا، لأن لدينا مصلحة بعدم الدخول في حرب معها".
وتابعت بأن: "فانس الذي لن يكون صانع السياسات في البيت الأبيض، لكن إجاباته في مقابلة رئيسية خلال الحملة تعكس التعليمات والتحضيرات التي تلقاها من فريق ترامب من الخبراء والمستشارين، حيث قدم العديد من الوعود في الأسابيع الأخيرة من الحملة للجمهور المسلم والعربي واللبناني الأميركي، ووعد بإنهاء الحرب، وإحلال السلام والكرامة لشعب لبنان، وتحريره من معاناته الكبيرة".
وأشارت إلى أن "ترامب تطرق للحرب على غزة منذ يوليو 2024، في لقائه مع نتنياهو، وأكد أن الحرب يجب أن تنتهي، وإعادة المختطفين، وإيقاف الأنشطة العسكرية في غزة، مما يفسح المجال للحديث عن كيفية تحقيق كل ذلك مع حلول يناير 2025، وهو موعد تنصيبه، وهل تصبح مطالبه واقعا على الأرض إذا نجح في توسيع اتفاقات التطبيع، وإيصال السعودية لاتفاق مع دولة الاحتلال".
وأوضحت أنه "من المرجح أن تكون فجوة بين تصريحات ترامب الكبيرة والواقع الدموي للمجتمع الإسرائيلي، كما أنه يجري محادثات منتظمة مع بوتين، المعروف بعلاقاته ونفوذه في إيران، وقد يضطر الإسرائيليون للاعتياد على المحور الجديد لترامب- وبوتين، ومع عدم وجود معارضة سياسية كبيرة، فسيكون قادرًا على الترويج للعديد من التحركات".