سودانايل:
2025-03-06@22:18:51 GMT

ضابط الجيش (السويسري- السوداني) !

تاريخ النشر: 14th, November 2023 GMT

زرت سويسرا أربع أو خمس مرات.. جميعها زيارات قصيرة. لم يطل بقائي في أيّ منها أكثر من خمسة إلى ستة أيام. إثنتان من هذه الزيارات جاءتا بدعوة من تجمع السودانيين هناك لأغراض ثقافية - الزيارة الأخيرة لتدشين روايتي الجديدة " زغرودة في حوش أبّا الناير" في مدينتي (جنيف) و(لوزان)! وأشهد أنها رغم هطول الأمطار بغزارة - ونحن في فصل الخريف- ورغم حالة الإحباط التي يعيشها السودانيون داخل وخارج السودان بسبب هذه الحرب اللعينة - إلا إنّ المناسبتين في جنيف ولوزان قد لاقتا حفاوة وإقبالاً طيباً ومشاركة فعالة من الحضور.

وتلك مناسبة ربما أكتب عنها في سانحة أخرى.
ولعل الزيارة الأخيرة التي دامت ستة أيام (26 إلى 31 أكتوبر الماضي) كانت مدخلاً للتعرف عن كثب إلى جاليتنا هناك. ماذا أضاف السودانيون من سنوات الإغتراب إلى حصيلة ثقافتهم السودانية؟ ثم إنني في كل زياراتي لسويسرا كنت مهتماً - كما هو الحال عندي هنا في مقر إقامتي ببريطانيا- بالتحوّل الجذري في الجيل الذي ولد أو نشأ في اوروبا منذ نعومة أظافرهم. جيل لم ير السودان وطباع السودانيين سوى في زيارات عابرة للوطن الأصل ، أو عبر التربية التي يتلقونها في البيت الذي نشأوا فيه هنا ، في بلادٍ طيرها أعجمي!
الوطن باعتقادي هو ما رأيت الشمس والقمر فيه أول مرة ، وهو ما تمخضت خزانة ذكرياتك فيه بحصيلة حياتك في الصبا والشباب ! لذا فإن كاتب هذه السطور سيظل سودانياً في مسيره ومصيره وإن حمل كل جوازات بلاد العالمين. نعم.. سيظل السودان الذي عشت فيه طفولتي وصباي وشبابي وداعبت عيني فيه أشعة الشمس والقمر وعرفت فيه الحب وتعذبت فيه من الهجران وويلات السفر والمنافي – سيظل هذا السودان هو وطني الأول Home of origin وتبقى كل البلاد التي آوتني ساعة الضيق وأكرمتني بالجنسية وجواز السفر وساوت بيني وبين مواطنيها أهل المكان – تبقي كل هذه البلاد بكل ما أبرتني به وطناً ثانياً.. لأنها لم تزود ذاكرتي بما رفدها به السودان من حصيلة الذكريات والتجاريب. ولو لم أقل هذا لصرت شيخ المنافقين!!
بنفس هذه المعادلة جلست إلى الإبن حمد عبد الباقي - إبن الناشط الحقوقي السوداني بسويسرا الأستاذ عبد الباقي جبريل. ولأنّ منزل عبد الباقي ورفيقة دربه السيدة فاطمة خاطر هو مقر إقامتي في أكثر من زيارة مهما حاولت الزوغان ، فقد صرت أحد أفراد العائلة (امتدت الصداقة بحمد الله لعائلتينا في السودان). جلست إلى حمد الذي تخرّج قبل شهور قلائل من دراسة عامين بالكلية العسكرية لدولة الإتحاد السويسري برتبة ملازم ثاني في الجيش السويسري - قسم الإمدادات الطبية Para-medics. وقد التحق حالياً بالدراسة الجامعية. سألته كيف يجمع بين وظيفته كضابط في الجيش وطالب بالجامعة؟ أجابني بأن وجوده في الجيش حالياً بالإنتساب. فمتى احتاجته سويسرا فإنه سيكون جاهزاً للإلتحاق بسريته فوراً. لذا فإنّ عليه أن يقضي شهراً في الخدمة بالجيش السويسري في عطلته الصيفية الجامعية كل عام.
سألت الملازم ثاني حمد عبد الباقي جبريل عن إحساسه ساعة تخرجه - وأظنه أول ضابط من أصول سودانية بالجيش السويسري - سألته كيف يرى نفسه في الجيش السويسري وهو من أصول سودانية؟ أجابني بهدوء ودون البحث عن مبررات: تعرف يا عمي بأني ولدت في سويسرا. طفولتي وصباي وشبابي الآن في سويسرا. وكل مراحل تعليمي ، من الروضة حتى الجامعة تلقيتها وأتلقاها حالياً في السويسرا. أصدقائي وزملائي في كل المراحل سويسريون (أو سويسريون من أصول سودانية مثلي). طبعاً هذا لا ينفي أنتمائي الآخر لوطني الثاني السودان الذي أزوره من وقت لآخر مع أفراد أسرتي لألتقي جدتي وأعمامي وأخوالي وخالاتي وبقية أفراد الأسرة الممتدة. لكنها كما تعلم فترة من الزمن قصيرة جداً بالمقارنة مع العمر الذي عشته كمواطن سويسري!
سألت الملازم ثاني - الطالب الجامعي حمد عبد الباقي جبريل - هل تقدم له مؤسسة الجيش السويسري أي مساعدة في دراسته الجامعية مقابل انتسابه لها؟ أجابني بأنه يدفع رسوم وتكلفة المعاش بالجامعة حتى نهاية العام ، وتقوم إدارة الجامعة بإرسال صورة من هذه التكلفة لوحدته بالجيش السويسري التي تقوم بدورها بدفعها له كاملة. أي إن مؤسسة الجيش السويسري في ختام السنة هي التي تدفع منصرفات الجامعة ! إضافة إلى أنّ الشهر الذي يقضيه كل عام مدرباً بفرع الخدمات الطبية (السلاح الطبي) يتقاضي راتبه فيه كاملاً كضابط.
كان سؤالي الأخير له : هل شعرت إبان دراستك بالأكاديمية العسكرية -كطالب من أصول سودانية أفريقية Black African وكمسلم بأي نوع من التفرقة أو المعاملة غير المنصفة من أحد قادتك؟ أجابني مبتسماً: أبداً..أبداً يا أنكل. على العكس. لقد قمت بعد التخرج بتدريب بعض المستجدين. وكلهم تقريباً من زملائي وزميلاتي ذوي الأصول السويسرية البيضاء. لم أشعر بعقدة اللون في الجيش السويسري أبداً.
كدت أحكي له عن جيش بلادنا الذي ظل يشن الحرب على شعوب وطنه لفوق ال67 عاماً، دون أن يوجّه البندقية ولو بالخطأ إلى عدو أجنبي واحد. كدت أحكي له ذلك لكني خجلت !ولذت بالصمت.
تعرف بلاد العالم الصناعي المتقدم كيف تصنع مواطنها المنتمي إليها والحريص على خدمتها وخدمة شعبه. فالمؤسسة التعليمية تنقر على موهبة الطفل أو الطفلة منذ نعومة الأظافر. ثم تقوم بالتعاون مع الأسرة بتوجيهه/ها إلى المؤسسة التي تنمي وتطور هذه الموهبة
في مناسبة ثقافية استضافتني فيها مدينة لوزان قبل ثلاث سنوات شاركت فرقة هواة (صبية وصبيات) بفاصل عزف موسيقي منتهى الرفعة. عرفت أن بعض أفراد هذه الفرقة يتلقون دروساً في الموسيقى والعزف من فرقة الكونزرفتوار السويسرية!! وطالما شعرت بالسعادة حين علمت أنّ الإبنة ملاذ نصر الدين عوض الكريم واحدة من عضوات الفرقة. ملاذ حالياً طالبة بالرابعة بكلية الطب لكنها تواصل تلقي تدريبها في الموسيقي. كما لحقت بها في دراسة الموسيقي شقيقتها الصغرى التي تدرس الصيدلة بالجامعة.
وفي كل البيوت السودانية التي تشرفت بزيارتها تجد هذا الجيل الذي وظفت مواهبه بلاد العالم المتقدم الذي يعرف كيف يعد حياة مواطنه منذ نعومة الأظافر حتى يصبح شخصاً يعرف أن كل من حوله من الرجال والنساء مواطنون ومواطنات جديرون بالحياة الكريمة والتقدير والإحترام. وأنّ كل مواطن أو مواطنة يتمتع بنفس المرتبة التي يتمتع بها غيره في الحقوق والواجبات - غض النظر عن لونه أو دينه أو إثنيته أو الإقليم الذي جاء منه.
لك الله يا بلدي ، فما يزال فيك من يجأر بأعلى درجات صراخ الحلاقيم حين الخصومة بأن هؤلاء الفلانيين لا يشبهوننا !! أو يجهر البعض دون خجل وهم يصطرعون فوق جسد الوطن الجريح بأنهم يريدون حصتهم من التراب ليبنوا بلدهم الجديد !!
أين نحن من قطار العالم المندفع دون حرب ودون ضجيج صوب الثريا ؟

فضيلي جمّاع
لندن
14 نوفمبر 2023

fjamma16@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: عبد الباقی فی الجیش

إقرأ أيضاً:

الجيش السوداني يستعيد مواقع استراتيجية ويسيطر على جسر المنشية في الخرطوم

أعلن الجيش السوداني، الاثنين، استعادة سيطرته على "مواقع استراتيجية" شرقي ولاية الخرطوم وسط البلاد، بعد معارك مع قوات الدعم السريع.

وأفاد الجيش في بيان، بأن "القوات المسلحة وقوات الاحتياطي المركزي (تابعة للشرطة) تتقدم في محور شرق النيل وتستلم مزيدا من المواقع الاستراتيجية المهمة (دون تحديد) بعد دحر وسحق مليشيا الدعم السريع".

ولاحقا أعلن الجيش السوداني السيطرة على جسر "المنشية" المؤدي إلى وسط العاصمة، ويعد آخر الجسور التي لازالت تحت سيطرة "الدعم السريع" على النيل الأزرق.

وباستعادته الجسر، يكون الجيش قد ضرب حصارا مطبقا على قوات الدعم السريع المتمركزة وسط العاصمة بمحيط القصر الرئاسي والمطار الدولي.

وبث الجيش عبر صفحته بفيسبوك مقطع فديو لقواته في منطقة شرق النيل وقرب جسر المنشية الرابط بين شرقي مدينة الخرطوم ووسطها.

كما تداول ناشطون سودانيون على مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو لقوات الجيش وهي تجول بعدد من المواقع الحكومية في "شرق النيل".

وخلال الأيام الماضية، تمكن الجيش من استعادة أحياء كافوري وحلة كُوكُو بمدينة بحري (شرقي العاصمة)، ما مكنها من التقدم جنوبا باتجاه "شرق النيل".

ومنذ أسابيع وبوتيرة متسارعة، بدأت تتناقص مساحات سيطرة "الدعم السريع" لصالح الجيش في ولايات الخرطوم والجزيرة، والنيل الأبيض وشمال كردفان.

وفي ولاية الخرطوم المكونة من 3 مدن، بات الجيش يسيطر بالكامل على "مدينة بحري" شمالا، ومعظم أنحاء "مدينة أم درمان" غربا، و75 بالمئة من عمق "مدينة الخرطوم" التي تتوسط الولاية وتحوي القصر الرئاسي والمطار الدولي، بينما لا تزال "الدعم السريع" في أحياء شرق المدينة وجنوبها.

ويخوض الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" منذ نيسان/أبريل 2023 حربا خلّفت أكثر من 20
ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث
لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.


شرق النيل حلة كوكو، محاور القتال المشتعلة تجاه جسر المنشية.
معالم المنطقة والحديقة البرية إلى جانب أوضاع من تبقى هناك. pic.twitter.com/XDXzHELknS

— AlMigdad Hassan (@AlMigdadHassan0) March 3, 2025

مشاهد من تحييد الهاربين من فلول المليشيا على تخوم جسر المنشية عبر الطيران المسير والمدفعية الموجهة . pic.twitter.com/SiWSOyyIuN

— القدرات العسكرية السودانية???????? (@Sudanesearmy1) March 3, 2025

مقالات مشابهة

  • «مصطفى بكري»: الجيش السوداني يقترب بشدة من ساعة الحسم
  • قرقاش: الجيش السوداني وشركاؤه من الإخوان المسلمين يناورون لتبرير رفضهم للسلام
  • الجيش السوداني: صناعة الفشل والاستبداد أم مشروع للإصلاح المستحيل؟
  • الجيش السوداني يعلن تحقيق انتصارات على الدعم السريع في عدة محاور
  • ماذا بعد الإعلان عن تسلم الجيش السوداني مسيرات “بيرقدار TB2” تركية
  • الجيش السوداني يعلن خلو ولاية حدودية من الدعم السريع
  • الجيش السوداني يستعيد مواقع إستراتيجيَّة في محور شرق النيل
  • الجيش السوداني يستعيد مواقع استراتيجية ويسيطر على جسر المنشية في الخرطوم
  • الرجل السوداني البطل… والمرأة التي تدفع الثمن!
  • «شرق النيل» في قبضة الجيش السوداني