من غضب الله علينا أن الصفوة (وهذا ما يسمي خريجو المدارس والمهنيون أنفسهم) طالقة لسانها في الآخرين ولم تجد بعد من يطلق لسانها فيها بصورة منهجية. فهي تصف جماعات غمار الناس ب "الأمية" أو "البدائية" أو "المتخلفة" أو بالمصابة ب "الذهن الرعوي" أو "ببله الريف" أو انها "مستعربة" أو "متأسلمة". واحتكرت حق تبخيس الآخرين أشياءهم.

واحتكرت حتى نقدها لنفسها، ولكن برفق. فهي "فاشلة" أو "مدمنة الفشل" بما يشبه التوبيخ على حالة عارضة تلبستها وستخرج منها متى صح منها العزم.
وقليلاً ما عثرت على نقد للصفوة تخطى ما تواضعت عليه من الرأفة بنفسها والعشم في صحوتها إلى نقد جذري يطال "فشلها" بالنظر إلى اقتصادها السياسي: إلى مناشئها الثقافية والاجتماعية ومنازلها من العملية الإنتاجية. وأسعدني أن قرأت قبل أيام بهذه الجريدة للأستاذ محمد الغبشاوي كلمة قاطعة "أدت" الصفوة في "التنك". فوصفها بأنها مصابة بأمرين. فهي "فاقد التياع" من جهة وتعاني من "فائض استتباع" من الجهة الأخرى.
يقصد الغبشاوي بمفهوم "فاقد التياع" ما حاولته أنا أكثر من مرة هنا بقولي إن الصفوة خلو من الحمية. وهي ترجمتي ل "باشون passion" الإنجليزية. وأعتقد أن الغبشاوي وقع على التعريب الأوفق للكلمة. فقد أفرغ الغرب الصفوة في مدارسه وتأثير قدوته من كل شغف بأهلها وثقافتهم وأطلق لسانهم فيهم "يا بدائي" "يا أمي" يا "متخلف" ي"الفعلتك يا التركتك". كنت أستغرب مثلاً لماركسي يقول، تأسياً بلينين، إن الأمي خارج السياسة وحزبه في قيادة معظم نقابات العمال واتحادات المزارعين التي قوامها أميون. أو تسمع من يقول لك "بالله الحاردلو دا لو قرأ كان بدّع". وكأن ما قاله الحاردلو شفاهة ناقص.
قال الغبشاوي إن فقدان الالتياع يخلي وجدان الصفوة من الإبداع. فمن أين يأتيها ولماذا طالما "ألغت الأمة". فأنظر كيف وصلنا إلى فشل الصفوة وعقمها وإدمانها ذلك بطريق جذري يقلب مناضد الصفوة كلها في وجها ويرجعها إلى منصة التأسيس. وبؤس التياع مما أخذته النظم الشيوعية في الصين وكمبوديا على الصفوة وعالجته ب"سخرة" إعادة التربية. وهي تفويج الصفوة إلى الريف لاستئصال شأفة نشأتهم الغربية بين الفلاحين الموصوفين ب"الأصالة" والكدح. وبالطبع أبعد رفاقنا النجعة وأورثونا مذمة. بل حاوله تمبل باي، رئيس وزراء تشاد الأسبق، ذلك بإخضاع كل الخدمة المدنية لطقس أفريقي تقليدي شديد القسوة ليعود بهم إلى "التشادوية".
أما فائض الاستتباع فهو فرط قبول الصفوة ل"الوصاية الشقراء" أي الغربية البيضاء في عبارة الغبشاوي. فهم بعد إلغاء الأمة صاروا عالة على الغرب وفكره وأنساقه. وللاختصار فقد أخذ على الصفوة المسلمة أنها لم تكتشف تجربة العالم البنغلاديشي محمد يونس (صاحب كتاب عالم بلا فقر) في التمويل الأصغر إلا بعد أن "هرَّج" بها البنك الدولي. وهو البنك الذي يفلق ويداوي. فهو من كتب الفقر على غالبية سكان العالم الثالث بسياسته المعروفة بالإصلاح الهيكلي (والخصخصة منه) ثم جري يغطي سوءته بمثل التمويل الأصغر.
ولاحظت أن الغبشاوي يقرأ لغير ما اتفق لأكثر صفوتنا في أحسن الأحوال من مثل ماركيز وأمل دنقل ومنصور خالد ومحجوب شريف والجابري. فهو يقرا بنظر لمّاح لجلال أمين ورمزي زكي (تحديث الفقر وتنمية التخلف) وللمهدي النجرة (الأهانة في عهد الميغا) ولم أعرف عن الأخيرين من قبل. إنه يقرأ المظان الحسان.
قال الأستاذ صلاح فرج الله إن صفوتنا عالة على الواقع. وهذا قريب من قول بريخت: "تنشئة المثقفين عملية طويلة وشاقة. وهي مما يمتحن الجماهير ويعيل صبرها". فإذا أدمنت الصفوة الفشل واستمرأت خرج عليها مثل بول بوت الكمبودي و"وراها المكشن بلا بصل" أو حميدتي الذي سمعوا منه، كأولاد مدارس كما قال عنهم، لأول مرة بالمطر بلا براق وحصو في الخطاب السياسي.

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

مخاطر وعلامات نقص فيتامين «د» .. تعرف عليها

نقص فيتامين د يؤثر سلبًا على العديد من أجهزة الجسم، ويُعتبر من المشكلات الصحية الشائعة التي قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة إذا لم يتم علاجها.

مخاطر وعلامات نقص فيتامين د 

وإذا كنت تعاني من الصداع المستمر أو الأعراض فقد يدل على نقص فيتامين د، يُنصح بإجراء تحليل للدم ومراجعة الطبيب لتقييم الوضع والحصول على العلاج المناسب.

برج الحوت.. حظك اليوم الأربعاء 25 ديسمبر 2024: رحلة عملبرج الدلو.. حظك اليوم الأربعاء 25 ديسمبر 2024: الإرهاق

ومن أبرز الأعراض والمخاطر المرتبطة بنقص فيتامين د، وفقًا لما جاء في موقع “هيلث لاين” الطبي، وتشمل ما يلي :

مشاكل العظام والعضلات :

ـ هشاشة العظام وزيادة خطر الكسور.

ـ ضعف العضلات وآلام فيها.

ـ الإصابة بلين العظام (Rickets) عند الأطفال.

ضعف الجهاز المناعي:

ـ زيادة خطر العدوى والأمراض، مثل نزلات البرد والإنفلونزا.

مشاكل المزاج :

الاكتئاب والشعور بالإرهاق والتعب المزمن.

مشاكل في القلب والأوعية الدموية:

زيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم ٠وأمراض القلب.

اضطرابات التمثيل الغذائي:

مقاومة الأنسولين وارتفاع خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني.

الأمراض المزمنة:

بعض أنواع السرطان، مثل سرطان الثدي والقولون.

أمراض المناعة الذاتية مثل التصلب المتعدد.

مخاطر وعلامات نقص فيتامين د 

هل نقص فيتامين دن يكون مرتبطً بزيادة خطر الصداع النصفي؟

ـ الصداع الناتج عن التوتر: قد يؤدي نقصه إلى ضعف .

ـ العضلات والتعب يسبب صداعًا ناتجًا عن الإجهاد.

ـ الصداع المزمن: بعض الأشخاص الذين يعانون من نقص شديد على صحة الجهاز العصبي.

علاج نقص فيتامين د:

ـ المكملات الغذائية:

تناول مكملات فيتامين د بجرعات يحددها الطبيب بناءً على مستوى النقص.

التعرض للشمس:

ـ التعرض لأشعة الشمس لمدة 10-15 دقيقة يوميًا لتحفيز إنتاج فيتامين د.

الغذاء:

ـ تناول أطعمة غنية بفيتامين د مثل الأسماك الدهنية (السلمون، التونة)، البيض، منتجات الألبان المدعمة.

مقالات مشابهة

  • نجوم كبار وأرباح هزيلة.. 10 أفلام "فشلت" في 2024
  • جمال عامر: استهداف إسرائيل لمنشآت مدنية وبنى تحتية دليل على الفشل وقلة الحيلة
  • ○ من الذي خدع حميدتي ؟
  • الاحتلال يشتري المزيد من صواريخ حيتس.. فشلت بصد صواريخ الحوثيين
  • الفشل في هذا الامر يولد احباط كبير لدى المسؤولين الصهاينة والامريكيين
  • الدفاع الأوكرانية تطلب تأجيل قانون التسريح من الجيش.. هل فشلت التعبئة؟
  • مخاطر وعلامات نقص فيتامين «د» .. تعرف عليها
  • الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة القادمة.. تعرف عليها
  • 6 فوائد مذهلة لتناول زيت الزيتون كل يوم.. تعرف عليها
  • حزب العدل الكردستاني:الإقليم يعيش أسوأ حالاته