التيار الجامي.. استثمار في تدجين الشعوب
تاريخ النشر: 14th, November 2023 GMT
لا ينبغي أن يكون هذا التيار الموسوم بالجامية أو المدخلية موضع نقاش جادّ في شأن مقاومة الفلسطينيين الجارية في قطاع غزّة للعدوان الإسرائيلي، ولا في أيّ نقاش في الحقيقة؛ لا لتهافت مقولته فحسب، ولكن أيضا لارتكاسها عن حقائق الفطرة الآدمية؛ المركوز فيها الوعي بالكرامة الآدمية، إلا أنّه يجدر الوقوف معه لكونه واحدا من أدوات أنظمة الطغيان والعمالة، في مسح كرامة شعوبها، وتشويه وعيها، سعيا منها في إعادة صياغة إدراك تلك الشعوب لذاتها بما لا يصعد بها إلى مراتب البشر.
الجامية أو المدخلية صارت علما على هذا التيار، بيد أنّه وللدقّة لا يعني ذلك أنّهم أتباع للمدخلي، أو على قلب رجل واحد، فالانقسامات سمة أساسية في تفاعلات هذا التيار الداخلية، لانعدام القيمة المحترمة في انشغالاتهم، ليصير دورانهم حول ذواتهم، لتحقيق المشيخة التي قوامها الادعاء، وبالتقرّب من أصحاب المفاتيح الأمنية والسياسية، أي بعرض الخدمات على المشغّلين، تساعدهم في ذلك نزعة "التصحيح" الداخلية التي هي جوهر الادعاء السلفي المعاصر، الذي يثير في جملته، على تنوّعاته، سوء الظنّ بعقائد المسلمين، ويشكّ في كونهم يحقّقون التوحيد ويعرفون معنى "لا إله إلا الله"، ومن ثمّ فطرفيّ غلوّه، الجامية والداعشية، يستبيحان الداخل الإسلامي استنادا إلى ذلك التشكيك بصحة اعتقاد الناس ومعرفتهم دينهم.
ولا تخلو الحالة الدينية، من مشارب أخرى، من أصحاب عمائم وأدعياء اشتغال بالعلم الشرعي وأصحاب وظائف دينية؛ من حَمَلة مباخر وخدم للحاكم ومماسح لسياساته على حساب قيم العدل والحقّ والقسط والكرامة والأخوّة الإيمانية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا أنّ الصفاقة بحيث تكون ظاهرة عامة، تكاد تنحصر في هذا التيار المنسوب للسلفية، إذ لا يواري ولا يتجمّل ولا تهمّه تناقضاته المكشوفة، ممّا يعني أنّه في جملته أداة أمنيّة تنفّذ وظيفتها كما يراد منها ولا يهمّها بعد ذلك ما يمكن أن يقال عنها، كأيّ أداة أمنيّة أخرى تقتل وتُرهِب وتسجن وتحاصر في الرزق وتمنع من السفر مرتكنة إلى منطق القوّة، فهذه أداة أمنية وتلك مثلها.
ومن نافلة القول التذكير بكون هذا التيار يدور على مقالة واحدة وهي "طاعة ولي الأمر"، ولأنّ هذه المقالة في الصورة التي يرسمها مجرد تعبير أمنيّ، فإنّ ولاية الأمر عنده محصورة بالنظام السياسي المنحدر من النظام الإقليمي العربيّ القديم، ومن ثمّ فإنّ ولاية الأمر لا تَنسحبُ على أيّ قادم جديد للحكم منحدر من جماعة إسلامية يعاديها النظام القائم سليل النظام القديم. فليس تناقضا أن يتمركز هذا التيار حول مقالة طاعة ولي الأمر، ولكنه يعمل على هدم ولي أمر جاء من حماس أو الإخوان المسلمين أو أيّ جماعة أخرى تعاديها الأنظمة المعروفة، كما اتضح ذلك من بعد الثورات العربية، فهذا التناقض الظاهر ليس تناقضا بقدر ما هو التزام بالوظيفة، فكأنما المنتسب لهذا التيار مخبر، وليس داعية فضلا عن أن يكون فقيها، حتى يلتزم الاتساق ويتجنب التناقض ويخشى الله تعالى فيما يقول!
فكأيّ أداة أمنيّة، وظيفة هذا التيار هي الإخضاع، ولأنّ مجاله هو الحقل الديني، فإنّ الإخضاع ينزع نحو تكريس التبعية حتى لا نقول العبودية للحاكم، وللمفارقة، تحت دعوى تحقيق معنى "لا إله إلا الله". وهذا من أعجب وأبشع ما طرأ على الخطاب الديني في الإسلام، إذ كيف تصبح طاعة الحاكم المطلقة، وتسويغ الحرام له، أو منع انتقاده مطلقا، من لوازم "لا إله إلا الله"؟ بل كيف تصير الموضوع الأكثر حضورا في شرح معنى "لا إله إلا الله"؟!
فلمّا كان الأمرُ كذلك، تصير رواية الحاكم السياسية، في أيّ أمر، رواية هذا التيار بتجلياته كلّها وتناقضاته جميعها، ولمّا كان النظام الإقليمي العربي على تبايناته متذيّلا للولايات المتحدة، ومجمعا على كون القضية الفلسطينية عبئا ينبغي التخلّص منها، ومتواطئا في التطبيع مع "إسرائيل"، معاديا لقوى المقاومة، لا سيّما الإسلامية منها، صار ذلك بالضرورة منعكسا في خطابات رؤوس هذا التيار على اختلاف بلدانهم، مع تطابق أكبر مع سياسات الدولة المنشأ لهذا التيار، ليكون الواحد منهم في أيّ بلد كان مخبرا مكعّبا، مرّة لنظامه الأمنيّ، ومرّة للدولة المنشأ، ومرّة بحكم المآل؛ لكلّ قوى الاستكبار والاحتلال والهيمنة العالمية!
ولأنّ سياسات التذيّل للقوى المعادية، تنمّ عن خَوَر وجُبن وانخلاع من قيم الشجاعة والمروءة والشهامة والنخوة، فإنّ العداء لأصحاب تلك القيم من المسلمين يرتفع، للتشويش على حقائق الكرامة والرجولة الظاهرة، فتوصف بالعنتريات والمغامرات والقتال العبثي، فيُستدعى هذا التيار لتأويل ذلك دينيّا، لينتهي به الأمر، بلسان الحال، إلى التغافل عن مقرّرات القرآن كقوله تعالى: "كَم مِن فِئَةٍ قَليلَةٍ غَلَبَت فِئَة كَثيرَة بِإِذنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصّابِرينَ"، والتلبّس بكلّ مقالات النفاق التي فضحها القرآن كقوله تعالى: "الَّذينَ قالوا لِإِخوانِهِم وَقَعَدوا لَو أَطاعونا ما قُتِلوا قُل فَادرَءوا عَن أَنفُسِكُمُ المَوتَ إِن كُنتُم صادِقينَ"، والعودة بالغفلة ودون وعي، للتشكيك بالجهاد النبوي، الذي ما كان له أن يكون في بدر وأحد ومؤتة وتبوك وغيرها؛ إن راجعناه بما يحاكمون به اليوم الفلسطينيين !
وبقطع النظر عن مغالطة بعضهم الكبرى، بدعواهم الحاجة إلى إذن وليّ الأمر ليصحّ جهاد الفلسطينيين، إذ إنّه لا محلّ لذلك صورة وحكما وحقيقة، فلا أولياء أمرهم أولياء أمر للفلسطينيين، ولا أولياء أمرهم يصدق عليهم حكم ولي الأمر الشرعي، ولا في فلسطين وليّ أمر مجمع عليه له حقّ الطاعة، ولا الجهاد الذي في فلسطين مما يحتاج إذن ولي الأمر لكونه دفعا عن النفس والعرض والمال والدين للعدوّ الممتنع بالقوّة المسلحة.
فإنّ جوهر مقالتهم، بترك دفع العدوّ لانعدام التكافؤ أو انعدام الإذن، يعني تأبيد الأمر القائم من غلبة العدو والظلم، في تنكّر كامل لمسار التاريخ، وضرورات التدافع، وبواعث الكرامة، إذ لا يمكن تغيير الوضع القائم دون تدافع لأجل إقامة الحقّ والعدل والقسط والذي هو غاية من إنزال الكتب وإرسال الرسل: "لَقَد أَرسَلنا رُسُلَنا بِالبَيِّناتِ وَأَنزَلنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالميزانَ لِيَقومَ النّاسُ بِالقِسطِ وَأَنزَلنَا الحَديدَ فيهِ بَأسٌ شَديدٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ وَلِيَعلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالغَيبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزيزٌ"، ليفضي أمر هؤلاء إلى كونهم خدما لقوى الاستكبار والاستعمار والاحتلال والظلم من أعداء الإسلام، فالمُستضعَف وفق منطقهم، سيبقى محلّ الاتهام، لأنّه لو جاهد بالكلمة أو بالحجر أو بالسلاح، إنما يجاهد بما لا يكافئ العدوّ، وهو يُحرج وليّ أمرهم.
فلا معنى، والحالة هذه للوقوف عند اتهامهم لغيرهم بكونهم أتباعا "للمشروع الفارسي" أو "للرافضة"، أو دعوتهم، كما على لسان أحدهم، أبا عبيدة، للجهاد بالسنّة لا السلاح، وهو كلام لا قيمة له، فليس هؤلاء في الموضع الذي يهمّ المرء أن يوضّح فيه سلامة عقيدته وصحّة جهاده، ولكن المهمّ كشف سعيهم لنزع الشرف في التعامل بين البشر، فضلا عن المسلمين.
فبقطع النظر عمّن هم أهل غزّة، وما هي عقيدتهم، ولمن يتبعون، فإنّ كونهم أصحاب أرض أصليين، هُجّر آباؤهم وأجدادهم من الأراضي المحتلّة عام 1948، يجعل نصرتهم حقّا لهم على البشر، فكيف بالمسلمين منهم؟! هذا وهم في أكناف بيت المقدس وجزء من أهل فلسطين، فالسؤال عن العقيدة أو التبعية مجرّد تشغيب، يكشف عنه اتهامهم باستفزاز الإسرائيلي، في نزع كامل للحدث من السياق، كأيّ سياسيّ أو إعلاميّ غربيّ متصهين، يلحّ على كون القصّة بدأت من 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وكأنه لا احتلال قائما، ولا تاريخ للجريمة قبل ذلك!
والحاصل أنّ حصيلة خطاب هذا التيار، هي إساءة الظنّ بعموم المسلمين بما يفضي إلى التفرقة بينهم وتسويغ تخلّي بعضهم عن بعض، وطمس الجهاد، ونزع قيم الكرامة والرجولة من بينهم.
ولأنّه مقذوف من أجهزة الأمن في قلب الحقل الديني، فإنّ خطابه بلسان الحال أو حتى بلسان المقال اعتداء على الله تعالى وكتابه ونبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقد قال أحدُهم مثلا إنّ الله مع أعداء المسلمين كما هو مع المسلمين، زاعما أنّ آيات الجهاد كلّها خُتمت بقوله "يَنصُرُ مَن يَشاءُ"، ليكون قد أتى عظيما من قبيح القول لم يخطر على عقل مسلم قطّ مهما بلغ به الجهل أو السفه، فآيات القرآن نصّت على أنّ الله مع الصابرين والمتقين والمؤمنين والمحسنين، وليس فيها أنّه تعالى مع الظالمين أو الكافرين! وأمّا قوله تعالى "يَنصُرُ مَن يَشاءُ"، فلم تُذيّل بها آيات الجهاد، وإنما ذُكِرت في سياق الحديث عن قتال الروم والفرس لبعضهم! ليكون هذا الرجل المعمم بلحيته الطويلة قد طوّع نصوص القرآن وهو يزعم أنّه فقيه، بل بلغ به الحال أن يسخر ممن يقول إنّ الله تعالى فوق طائراتهم وبوارجهم، فأيّ عقيدة هذه يراد بها من مثل هذا تصحيح عقائد الذين يتوكّلون على ربهم ويستعينون به ويؤمنون بأنّه القاهر فوق عباده، وهم في الوقت نفسه يؤمنون أنّ الأمر كلّه له تعالى يفعل ما يشاء لا يُسأل عمّا يفعل.
وليس ثمّة غاية لمناقشة مثل هؤلاء، إذ كما هو واضح يضطر المرء للتذكير بالبدهيات الدينية والأخلاقية والعقلية والتاريخية، ولكنّه بيان لمستوى الانحطاط، الذي يراد منه تدجين الشعوب واجتثاث إحساسها بكرامتها، ولو بتحريف القرآن كما في المثل المضروب أعلاه!
twitter.com/sariorabi
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينيين المقاومة فلسطين غزة المقاومة السلفية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لا إله إلا الله هذا التیار ولی الأمر له تعالى ه تعالى
إقرأ أيضاً:
تحفيز الشباب على السعي بالتوكل وليس بالتواكل
سالم البادي (أبو معن)
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة النجم "وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى". والسعي في الرزق أو البحث عن عمل هو أمر قائم على الفعل والحركة، وليس على التمني والكلام والرغبة والنوايا، والسعي هو الخوض في الحياة ودروبها، والمغامرة وبذل الجهد.
والسعي يعني الإيمان التام بأن الله قد خلق الإنسان حرًا، وهذه الحرية تقتضي الاختيار، والاختيار بدوره يعني الحركة للأمام وعدم الثبات والسكون أو القعود والاستسلام، كما يعني أيضًا الخوف من الفشل والرغبة العارمة في النجاح، والإيمان بهذه المعاني دافع قوي لفهم معاني الحياة.
وعلى شبابنا معرفة أن السعي هو الذي يصنع الأقدار، وهو صانع المعجزات والمتغيرات، فما يقوم به الشباب من خطوات في عقولهم هي ما يصنع يومهم وغدهم كذلك، وذلك لا يتنافى مع إيماننا بأن الحياة والأرزاق مقدرة في علم الله، لكن طالما لا يعلم شبابنا ما تخبئه لهم الأقدار فعليهم مواجهتها بما تفعله وتصنعه أيديهم.
إن الله تعالى أمر عباده بالسعي في الأرض لطلب الرزق والتكسب وكفاية النفس عن الحاجة إلى الناس، قال تعالى: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" (المُلك: 15).
السعي للرزق بالتوكل يعني العمل الجاد والاجتهاد مع الاعتماد على الله في تحقيق النتائج، بينما التواكل يعني انتظار الرزق دون بذل أي جهد. والتوكل يتطلب من الشباب أن يبذلوا جهودا وأن يأخذوا بالأسباب، مثل العمل أو الدراسة، والنتائج تأتي بعد التوكل على الله.
هذا هو التوازن الصحيح بين الجهد والتوكل، حيث العمل بجد والسعي لتحقيق الأهداف، مع الإيمان بأنَّ الله هو الذي يرزق العباد ويسخر لهم الأسباب.
وقد حثَّ ديننا الإسلامي الحنيف على السعي والعمل وعدم التواكل ففي سورة الجاثية (آية: 13): يقول تعالى "وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ". هُنا دلت الآية الكريمة على أهمية استخدام ما وهبه الله من وسائل لتحقيق الرزق.
وفي سورة العنكبوت (آية: 69): قال تعالى "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا"، هنا تأكيد على أنَّ الجهد والسعي في سبيل الله يؤديان إلى الهداية والرزق.
إن آيات الكتاب الحكيم تعكس أهمية السعي والجهد في الحصول على الرزق وعدم الاعتماد فقط على التوكل دون العمل. وهنا لا بُد أن يعرف ويعي شبابنا معنى الفرق بين التوكل والتواكل، وهو فرق أساسي في المفهوم والسلوك:
أولًا: التوكل: هو الاعتماد على الله مع الأخذ بالأسباب، يعني أن الشخص يقوم بما عليه من واجبات ويسعى لتحقيق أهدافه، ثم يضع ثقته في الله ويتوكل عليه في النتائج. والتوكل يتضمن الإيمان بأن الله هو الذي يحدد النتائج النهائية، ولكن الشخص يبذل جهده ويعمل بجد.
ثانيًا: التواكل: وهو الاعتماد على الله دون اتخاذ أي خطوات فعلية؛ فالشخص المتواكل يتوقع أن تأتي النتائج دون أن يبذل أي جهد أو عمل، وهذا السلوك يعتبر سلبياً لأنه يتجاهل أهمية العمل والسعي لتحقيق الأهداف.
باختصار.. التوكل هو التوازن بين السعي والاعتماد على الله، بينما التواكل هو الاعتماد فقط على الله دون أي جهد شخصي.
والسعي بالتوكل في الحياة له فوائد عديدة، منها: الطمأنينة النفسية؛ فالتوكل يمنح الشخص شعورًا بالراحة والسكينة، حيث يثق بأن الله هو المتولي لأمره، مما يقلل ذلك من القلق والتوتر ويبعد الخوف. كذلك زيادة الإيمان، عندما يتوكل الشخص على الله، فإنه يعزز إيمانه ويزيد من ثقته في حكمة الله وقدرته على تدبير الأمور، فضلًا عن تحقيق الأهداف، فالتوكل على الله يشجع الشخص على العمل بجد والسعي نحو تحقيق أهدافه، حيث يدرك أن الجهد المبذول يجب أن يقترن بالتوكل على الله.
ويساعد التوكل في مواجهة التحديات والصعوبات؛ حيث يمد الشخص بالقوة والعزيمة للاستمرار رغم العوائق. وتُفتح أبواب الرزق باعتقاد أن التوكل يجلب الرزق والتوفيق؛ حيث إن الله ييسر ويسهل الأمور لمن يتوكل عليه.
وبالتوكل على الله تتحسن العلاقات العامة ويُعزز من روح التعاون والتفاهم والتعاضد مع الآخرين، حيث يعمل الشخص بعقلانية وروح إيجابية ويتقبل نتائج الأمور بصدر رحب.
وهذه الفوائد تجعل التوكل عنصرًا مهمًا في حياة الأفراد، مما يساعدهم على التقدم والنمو في مختلف جوانب حياتهم.
وعلى شباب اليوم أن يعقدوا العزم ويتحلوا بالصبر والتوكل على الله قال تعالى: "فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" (آل عمران: 159)، وقال تعالى: "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" (الطلاق:3). وهذه الآيات تؤكد على أهمية التوكل على الله والثقة به في كل الأمور.
والقرآن الكريم ذكر لنا قصصًا ملهمة عن التوكل على الله، ومنها: قصة النبي موسى عليه السلام عندما واجه فرعون وجنوده، كان في موقف صعب للغاية، لكن عندما وصل إلى البحر، توكل على الله ورفع يده، فانفلق البحر ونجا هو وقومه. وهذه القصة تظهر كيف أن التوكل على الله يمكن أن يؤدي إلى معجزات.
وقصة النبي إبراهيم عليه السلام عندما أمره ربه تعالى بذبح ابنه إسماعيل، وكان موقفًا صعبًا جدًا، لكنه توكل على الله وأطاع أمره، وعندما كان على وشك التنفيذ، فدى الله إسماعيل بكبش عظيم. وهذه القصة تعكس الإيمان العميق والتوكل الكامل على الله.
كذلك قصة الصحابي أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- في رحلة الهجرة مع نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث كان أبو بكر يتوكل على الله تمامًا رغم المخاطر، وكان يثق في الله ويؤمن بأنَّ الله سيوفر لهما الحماية، وبالفعل، تمكنا من الوصول إلى المدينة المنورة بأمان.
وكذلك قصة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها عندما بدأ نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم دعوته؛ حيث كانت- رضي الله عنها- تدعمه وتتوكل على الله في كل خطوة، كانت ترى في دعوته حقًا وتؤمن بأنه سيحقق النجاح، وهذا التوكل كان له دور كبير في دعم ومؤازرة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في بداية دعوته.
وهذه القصص وغيرها تظهر كيف يُمكن للتوكل على الله أن يكون مصدر إلهام وقوة في مُواجهة التحديات والصعوبات والأزمات.
أخيرًا.. نحث وندعو الشباب على السعي بالتوكل دون التقاعس والتواكل، وعلى الحكومة والمجتمع والأسرة دور كبير في الوقوف مع الشباب، على سبيل المثال: التوعية: نشر الوعي حول مفهوم التوكل وأهميته في تحقيق الأهداف، ويمكن تنظيم ورش عمل أو محاضرات وندوات حول ذلك. والتشجيع على العمل الجاد، وتعزيز ثقافة العمل الجاد والمثابرة، من خلال تقديم أمثلة ملهمة لنجاحات تحققت بفضل الجهد والتوكل، وتوفير الدعم: توفير الدعم النفسي والاجتماعي للشباب، مثل الإرشاد والتوجيه، لمساعدتهم في تخطي العقبات التي قد تواجههم. وكذلك تحديد الأهداف، من خلال تشجيع الشباب على وضع أهداف واضحة وقابلة للتحقيق، مما يساعدهم على التركيز والسعي نحو تحقيقها.
والعمل على تنمية المهارات؛ حيث إن توفير فرص لتعلم مهارات جديدة، مما يعزز الثقة بالنفس ويزيد من قدرة الشباب على مواجهة التحديات. وأيضًا المشاركة المجتمعية، عبر تشجيع الشباب على المشاركة في الأنشطة المجتمعية، مما يعزز روح التعاون والتفاعل مع الآخرين.
ومن خلال هذه الخطوات، يمكن تحفيز الشباب على التوكل والسعي بجد نحو تحقيق أهدافهم، ونبذ مفهوم التواكل والتقاعس والتخاذل والتهاون، والاعتماد على أنفسهم دون الانتظار العون من أحد.
إن الشباب هم ركيزة أساسية لبناء أوطانهم، وهم السد الأول في مواجهة التحديات، واستثمار الطاقة والقدرات الشبابية يعزز من تطور المجتمعات ويؤدي إلى تحقيق التنمية المستدامة، عندما يشعر الشباب بقيمتهم وأهميتهم، سيكونون أكثر حماسًا للمساهمة في بناء مستقبل أفضل.
يقول تعالى: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" (التوبة: 105).
رابط مختصر