ترسيخ الهوية الوطنية وتعزيز السمت العماني
تاريخ النشر: 14th, November 2023 GMT
د. سعيد الظفري: "ضمن الخطاب السامي إشارة مهمة جداً إلى إحياء المرصد الاجتماعي"
د. محمود السليمي: "تاريخ عمان يضم قدوات ونماذج ينبغي أن نحييها بأساليب جذابة"
بدر العبري: "سمت المجتمع العماني معروف داخليّا وخارجيّا.. والحفاظ عليه حفاظ على هوّيّته".
تحدث جلالته في خطابه السامي الذي ألقاه صباح اليوم في افتتاح دور الانعقاد السّنوي الأول للدورة الثامنة لمجلس عُمان بمبنى المجلس بمحافظة مسقط عن التحدّياتِ التي يتعرضُ لها المجتمعُ ومدى تأثيراتِها غيرِ المقبولةِ في منظومتِهِ الأخلاقيةِ والثقافيةِ؛ وأكد -حفظه الله- على ضرورةِ التصديّ لها، ودِراسَتِها ومتابعتِها، لتعزيزِ قدرةِ المجتمعِ على مواجهتِها وترسيخِ الهُويّةِ الوطنيةِ، والقيمِ والمبادئِ الأصيلة، إلى جانبِ الاهتمامِ بالأسرةِ؛ لِكونِها الحِصنَ الواقيَ لأبنائِنا وبناتِنا من الاتجاهاتِ الفكريةِ السلبيةِ، التي تُخالفُ مبادئَ دينِنا الحنيفِ وقيمَنَا الأصيلةَ، وتَتَعارضُ مع السَمْتِ العُماني الذي يَنْهَلُ من تاريخِنا وثقافتِنا الوطنيةِ.
إحياء المرصد الاجتماعي ..
وعن الاهتمام السامي بالمجتمع ومنظومة الأسرة، قال الأستاذ الدكتور سعيد بن سليمان الظفري، رئيس كرسي اليونسكو في علم النفس التربوي، ورئيس تحرير مجلة الدراسات التربوية والنفسية: إن المتابع والناظر بعين البصيرة إلى الخطاب السامي لجلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في مجلس عمان يدرك مدى الاهتمام السامي بالقضايا التي تضمن للمجتمع الحفاظ على هويته والنشئة الصحيحة للأجيال المتعاقبة في هذا الوطن، وأكد جلالته ـ أبقاه الله ـ على بعض القضايا المحورية التي يجب علينا جميعاً كأولياء أمور ومربين ومتخصصين في مجال التنشئة الأسرية والمجالات التربوية والنفسية العناية بها نظراً لما يعيشه العالم اليوم من انفتاح كبير جعل من التحديات التي يواجهها متنوعة ومتفرعة ومعقدة، وهذه التحديات يواجهها المجتمع على مختلف الأصعدة وفي مختلف جوانب الحياة بدءاً كما أكد جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ بالمنظومة الأخلاقية والثقافية والتي تمثل الحصن الحصين لبناء أي مجتمع، ولسلامة أي جيل، لذلك مهم جداً أن الخطوة الأولى تتمثل في إدراك هذه التحديات ورصدها ودراستها ومتابعتها بشكل دقيق على مختلف الأصعدة وباستخدام مختلف المناهج العلمية البحثية وهذا فيه إشارة مهمة جداً إلى إحياء المرصد الاجتماعي الذي كان موجوداً ضمن منظومة مجلس البحث العلمي السابق، والتوجيه السامي بإنشاء مراكز بحث اجتماعية وطنية تدرس هذه التحديات والقنوات التي تستخدمها الجهات التي تخطط للتأثير السلبي على المنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع، بالتالي الرصد المبكر لاي ظواهر سلوكية كانت أم فكرية قد تظهر لدى بعض النشئ، ومحاولة دراسة جذور هذه الظواهر ثم في الجانب العلاجي والوقائي الذي جاء واضح في الخطاب السامي يكمن في الاهتمام بالأسرة لكونها الحصن الواقي لأبنائنا وبناتنا من الاتجاهات الفكرية السلبية التي تخالف مبادئ ديننا الحنيف وقيمنا الأصيلة وتتعارض مع السمت العماني الذي ينهل من تاريخنا وثقافتنا الوطنية، لذلك فإن الأسرة هي الحاضن الأول والعامل الرئيسي والأهم في التنشئة الأسرية ويمكن أن تشكل شخصية الأولاد تشكيلاً مبكراً قبل تدخل العوامل الأخرى، وهذا في حال قيام الأسرة بدورها المنوط بها من التربية والرعاية والاهتمام بالجيل والنشء وحصر الوالدين على توفير البيئة النفسية والاجتماعية والقيمية والدينية الداعمة للتنشئة الصحيحة وكذلك تقديمهم أنفسهم كقدوة لأولادهم في الاعتزاز بالوطن والقيم الدينية والعادات والتقاليد العمانية الأصيلة بما يغرس في نفوس هؤلاء الأطفال العقيدة الإسلامية الصحيحة والعادات الأصيلة بحيث يكونوا قادرين على حماية أنفسهم والتعامل الصحيح مع أي مؤثرات خارجية قد تصل إليهم، وقادرين على النقد والتفكير الناقد والتمييز بين الحق والباطل ومعرفة السبل التي من خلالها يحافظوا على هويتهم وقيمهم. وأشار إلى أهمية وجود جهة تتولى ترسيخ الهوية الوطنية نظراً لأهمية القيم والمبادئ الوطنية الأصيلة، وتكون مهمتها الرئيسية القيام بترسيخ هذه القيم والتنسيق مع الجهات المعنية الأخرى لتوجيهم برامجهم نحو ذات الهدف وهي إحدى المطالب التي نادينا بها سابقاً في بعض اللقاءات العلمي، إذ لا يمكن أن يترك موضوع الهوية الوطنية عائماً بحيث أننا نفترض أن كل الجهات سوف تهتم وتعنى به، بينما قد يكون كل الجهات تعطيه الشيء البسيط من اهتمامها، لذلك وجود جهة ومؤسسة معنية بهذا الأمر ضرورياً جداً.
الاهتمام بالموروث الثقافي..
وحول أهمية إشارة جلالته -حفظه الله- إلى الأسرة وبنائها والحفاظ عليها، وحول أهمية التاريخ والثقافة الوطنية في تعزيز السمت العماني والحفاظ على الهوية، قال الكتور محمود بن مبارك السليمي، المستشار الأكاديمي لمنصة أثير والرئيس السابق لمجلس إدارة النادي الثقافي: "حينما يأتي الحديث وبشكل مباشر من القائد الأعلى حفظه الله جلالة السلطان هيثم عن منظومة القيم بمختلف فروعها الثقافية والاخلاقية والقسم ذا الصلة بالهوية العمانية الأصيلة وما يرافق ذلك من تحديات هذه التحديات التي أبرزتها معطيات العولمة بما تحمله بين جناباتها من سلبيات ومن منظومات نشأت وفق بيئات لا تتلاءم مع بيئاتنا فإن هذه الإشارة ينبغي الالتفات إليها بشكل كبير ووضع الأسس والوسائل والخطط في سبيل أن كيف نحافظ على قيمنا العمانية الأصيلة بغرس مفاهيم بدأت تتآكل كنتيجة طبيعية لإفرازات المنظومة العولمية إذا صح التعبير والتي من أبرز سماتها القضاء أو استلاب خصوصيات الآخرين أو الشعوب الأخرى وتغليب صفة الغالب عليها، ومن هنا ونحن نسمع هذه الصيحة بصوت عال لابد من أن يعمل كل في مجاله كما في إشارة جلالته بما يعزز قدرة المجتمع على الصمود في وجه هذه التحديات وإعادة موضعة القيم العمانية الأصيلة التي لا شك أنها بالاهتمام بها وبحاضنتها الاساسية الأسرة فالأسرة كما أشار جلالته الحصن الواقي لأبنائنا وبناتنا ولا شك أنها تتشكل من المرأة والرجل ومن الأبناء والوالدين هما الحاضنة الاولى لهذه التربية ولذلك لا بد من الاهتمام بالأسرة ولا بد من تعزيز القيم التي ينبغي ألا نتهاون وألا ننظر إلى الواقع بشيء من التساهل وأن نتعامل مع هذه المعطيات من خلال التربية المبنية على الاخلاق والتسامح والاهتمام بموروثنا الثقافي والحضاري الذي ننطلق منه في سبيل الحفاظ على السمت العماني الأصيل في ذلك".
وأضاف: "لا شك أن التاريخ والثقافة الوطنية لها دور كبير لأن التاريخ يحتوي على القدوات والنماذج التي ينبغي أن نحيي ونعيد تشكيلها بأساليب جذابة سواء كانت على مستوى المسرح أو السينما أو البرامج الإعلامية الموجهة إلى الصغار بل وإلى الكبار أحيانا، فالتاريخ مليء بهذه المعطيات والحضارة العمانية ملئى بما يشكل أنموذجا للاحتذاء فيه في غرس الهوية العمانية الأصيلة، لأن هذا التاريخ الموغل في القدم يشكل جانبا من جوانب الاعتزاز بالهوية ويشكل جانبا من جوانب القوة لدى الشخصية العمانية الأصيلة التي تمتد جذورها إلى آلاف السنين وفي هذا منحى جميل ينبغي أن ننظر إليه على أنه ينبغى على الأجيال أن تتعامل معه في احتذائها في أن تكون عمانية الطابع والثقافة والانتماء والهوية ، عمانية الأخلاق وكفانا في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفا حينما أشار إلى السمت العماني والأخلاق العمانية وإلى ما أكد عليه الخلفاء الراشدين وعلى رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين قال كفاكم يا معاشر أهل عمان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفا إلى يوم الميعاد، وهذا وسام كبير ينبغي أن ننهل منه ونحافظ عليه في ضوء الاهتمام السامي بمثل هذه القضايا التي ينبغي أن تنال من الاهتمام والتخطيط في سبيل تنفيذ هذه الرؤية الأصيلة".
أسرة جامعة لأسر متعدّدة ..
وقال الكاتب بدر العبري حول الخطاب السامي لجلالة السلطان: "يمثل خطاب جلالة السّلطان هيثم بن طارق – يحفظه الله – في افتتاح دورة الانعقاد السّنويّ الأول للدّورة الثّامنة لمجلس عمان، والمتأمل في الخطاب كما أنّه إشارة إلى الجهود المبذولة في السّنوات الأربع الماضية، والسّياسات الحكيمة الّتي ساهمت في إنقاذ المجتمع من تحدّيات كثيرة، إلّا أنّه يشير إلى التّحدّيات والتّحولات الّتي تحدث اليوم في العالم أجمع، نتيجة الانفتاح، والتّأثير الإعلاميّ الحر، والتّقدّم العلميّ والتكنلوجيّ، والتّفوق في في الجانب الرّقميّ وعلى مستوى الذّكاء الاصطناعيّ، وهذا جميعا له تأثيراته الإيجابيّة والسّلبيّة، على مستوى المجتمع والاقتصاد والإعلام وغيرها".
وأشار العبري إلى أنه وبقدر ما يدعو جلالته على الانفتاح عليها، وعدم الانغلاق، واستثمارها إيجابا فيما يخدم الإنسان العمانيّ؛ إلّا أنّه في الوقت نفسه يحذّر من الأبعاد السّلبيّة الّتي تؤثر سلبا على الفرد والمجتمع، وخصّ هنا في الجانب المجتمعيّ فيما يؤثر على الأسرة والهويّة.
وأضاف: "أمّا الأسرة فلكونها مكوّنا طبيعيّا في جميع المجتمعات البشريّة، منذ بدايات تكوّن التّجمعات السّكانيّة، وهي أصغر مفردة جمعيّة في المجتمع، ولكنّها أيضا أخطر مفردة جمعيّة حال تأثرها بمؤثرات سلبيّة، وتفككها عن غاياتها السّننيّة الاجتماعيّة.
واليوم هناك مؤثرات في العالم أجمع، متعلقة بالجانب الفكريّ والتّربويّ والقيميّ والاقتصاديّ، وإن كان جلالته ركز على الاتّجاهاتِ الفكريّة السّلبيّة، فجلالته لا يدعو إلى انغلاق الأسرة عن العالم وتطوّره، ولكنّه في الوقت ذاته يخشى عليها من الانحراف عن طبيعتها التّكوينيّة، وأدوارها المجتمعيّة، لهذا انهيارها يؤدي إلى انهيار المجتمع ككل، فهي أسرة جامعة لأسر متعدّدة.
وعليه لابدّ من وجود دراسات تربويّة وفكريّة واجتماعيّة تساير هذه التّحوّلات، وتتعامل معها بالشّكل الإيجابيّ الّذي يحفظ الأسرة والمجتمع من جهة، ولكنّه أيضا يستثمر التّحوّلات الإيجابيّة في خدمة تطوّر المجتمع ورقيّه، لأنّ الوضع الانفتاحيّ والإعلاميّ اليوم أقوى فرديّا من الهويّات الاجتماعيّة، ولهذا ينبغي التّدافع معها معرفيّا وعمليّا وفق مؤسّسات تفكّك هذه التّحوّلات والتّغيرات، ولا يقتصر عند العواطف والكلمات المطلقة، ليكون أثرها على حفظ الأسرة والمجتمع نابعة من الذّات، ومحافظة على الأسرة ذاتها".
وفيما يتعلق بالهوية فقد قال العبري حول ما جاء في الخطاب بأن لكل مجتمعات هوّياتها، نتيجة التّديّن أو نتيجة العادات والتّقاليد، أو بسبب الرّؤية الاجتماعيّة المرتبطة بالإرادة السّياسيّة والقانونيّة، والّتي تخلق نمطا معيّنا من طبيعة الهويّة، نتيجة لارتباطها بالتّأريخ، أو رغبة في الاستقلاليّة، وأضاف: "لا شك أنّ الهويّة اليوم أصبحت من أكثر المفردات تعقيدا وتأثرا، نتيجة التّأثير الإعلاميّ والسّياحيّ والسّينمائيّ والفنيّ والاقتصاديّ الاستهلاكيّ عليها، وهذا له تأثيره على الجانب الفكريّ والمجتمعيّ، واليوم العالم معرض لذوبان الهوّيّات، كما أنّه أيضا معرض لتشعب الهويّات في المجتمع الواحد".
وقال بدر العبري: "لهذا يدعو جلالته إلى تعزيز السّمت العمانيّ والحفاظ على الهويّة، والسّمت هنا ناتج من الصّورة النّمطيّة الّتي يراها أيّ مجتمع هيّ الصّورة الّتي ينبغي أن يستقر على صورتها كأيّ مجتمع كان، والمجتمع العمانيّ بعراقته له سمته الخاص المعروف بها داخليّا وخارجيّا، والحفاظ على هذا السّمت هو حفاظ على هوّيّته الّتي يتمتع بها، وورثها من آبائه، ليسلمها إلى الأجيال القادمة".
واختتم العبري مداخلته بقوله: "من هنا جدليّة الهويّة اليوم بقدر ما نحافظ عليها، علينا أيضا أن ننفتح على جدليّاتها، وأنّ الحفاظ على هويّة الذّات لا يعني الانغلاق على الانفتاح التّقنيّ والمعرفيّ والتّكلنوجيّ على العالم، لأنّ الثّاني مرتبط بالعقل والبحث والكشف والإبداع والاختراع والإنتاج، وهي مفردات إنسانيّة يشترك عليها المجموع البشريّ، وفي المقابل لكلّ مجتمع خصوصيّات من حقّه أن يحافظ عليها، ويتميز بها، ولا تعارض بينهما".
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الخطاب السامی هذه التحدیات حفظه الله ینبغی أن الهوی ة هذه الت ة ال تی على هو التی ت
إقرأ أيضاً: