القضاء العراقي ينهي عضوية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي
تاريخ النشر: 14th, November 2023 GMT
قال رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي في مقطع مصور أصدره مكتبه اليوم الثلاثاء إن قرار المحكمة إنهاء فترة ولايته "غريب"
أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، أعلى سلطة قضائية في البلاد، اليوم الثلاثاء (14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023) قرارا بإنهاء عضوية رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، أبرز سياسي سني عراقي، في خطوة أتت بناء على دعوى "تزوير" تقدم بها أحد النواب.
وجاء في البيان الذي نشر على الموقع الرسمي للمحكمة أنها "قررت إنهاء عضوية رئيس مجلس النواب محمد ريكان الحلبوسي اعتبارا من تاريخ صدور الحكم في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2023".
كما اتخذت المحكمة قرارًا مماثلًا بحق النائب ليث مصطفى حمود الدليمي الذي أقام الدعوى، وفقا للبيان. وبدأت المحاكمة في شباط/فبراير الماضي أمام المحكمة الاتحادية العليا، بعد شكوى تقدم بها النائب ليث الدليمي.
من جهته قال رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي في مقطع مصور أصدره مكتبه اليوم الثلاثاء إن قرار المحكمة إنهاء فترة ولايته "غريب" وإنه سيطلب توضيحات.
مختارات البرلمان العراقي يخفق في انتخاب رئيس جديد للبلاد العراق ـ هل تقود الاتهامات بتزوير الانتخابات إلى توترات سياسية وأمنية؟وقالت وسائل إعلام رسمية إن المحكمة الاتحادية العليا العراقية أنهت فترة ولايته، وهو قرار له آثار سياسية خطيرة ويقلب مسيرة أقوى سياسي سني في العراق رأسا على عقب. وقرار المحكمة نهائي وغير قابل للاستئناف.
وأتهم الدليمي، وهو أصلا نائب سني كان ينتمي إلى حزب تقدم الذي يتزعمه الحلبوسي، أتهم رئيس البرلمان بـ"تزوير" تأريخ طلب استقالة باسمه قدم سابقاً، بهدف طرده من البرلمان.
ويشكل حكم المحكمة العليا تطوراً آخر في العراق الذي يشهد اضطرابات سياسية، حيث تؤدي الانقسامات الداخلية إلى تشكيل وكسر التحالفات بين الأحزاب الرئيسية وزعماء التحالفات السياسية.
غالبًا ما تكون الانتخابات وتعيين المسؤولين في أعلى المناصب في الدولة عمليات شاقة يمكن أن تستمر عدة أشهر، وتعقدها مفاوضات لا نهاية لها مع صعوبة كبيرة في التوصل الى اتفاقات.
ويهيمن على البرلمان الذي يضم 329 نائبا حاليا ائتلاف من الأحزاب الشيعية الموالية لإيران، وحتى داخل هذا التحالف توجد انشقاقات.
ومع انتخاب 37 نائبا من حزب تقدم خلال الانتخابات التشريعية لعام 2021، تولى الحلبوسي زعامة ائتلاف سني كبير داخل البرلمان، قبل حدوث انشقاقات في معسكره.
حصل الحلبوسي، المحافظ السابق لمحافظة الأنبار ذات الأغلبية السنية، على أول ولاية له كرئيس للبرلمان في عام 2018، بدعم من الكتل الموالية لإيران. وبدأ صعوده السريع، وأصبح لاعباً رئيسياً على الساحة السياسية.
وقال النائب السابق محسن السعدون لفرانس برس إن النائب الأول لرئيس البرلمان سيتولى إدارة البرلمان لحين انتخاب رئيس جديد ترشحه إحدى الكتل السنية في مجلس النواب.
وبموجب نظام الحكم المعمول به منذ إقرار الدستور عام 2005 في فترة ما بعد صدام حسين، يكون رئيس الوزراء شيعيا، ورئيس البرلمان سنيا، ورئيس البلاد كرديا. لكن طبيعة الحكم الطائفية والحساسة تتعرض غالبا لضغوط شديدة بسبب الأجندات المتنافسة وفشلها في منع إراقة الدماء.
وأقام الحلبوسي، وهو مهندس من غرب العراق، علاقات جيدة مع الشيعة والأكراد الذين ساعدوه على الفوز بمنصب رئيس البرلمان. وتأتي الإطاحة بالحلبوسي قبل ما يزيد قليلا عن شهر من انتخابات مجالس المحافظات التي أجريت آخر مرة قبل عشر سنوات.
ع.أ.ج/ ع ج م(د ب ا، رويترز، أ ف ب)
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: العراق ليث الدليمي العراق ليث الدليمي رئیس البرلمان محمد الحلبوسی قرار ا
إقرأ أيضاً:
العراق: صراع القضاء وتحولاته!
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، شُكل المجلس الأعلى للقضاء وفقا لأمر سلطة الإئتلاف المؤقتة رقم 35 في أيلول/سبتمبر 2003، وأريد له أن يكون قضاء مستقلا بشكل كامل لا يخضع لأي سيطرة أو رقابة أو إشراف من السلطة التنفيذية/ وزارة العدل، استنادا إلى مبدأ الفصل بين السلطات. وكان الأمريكيون أنفسهم خلف قرار تشكيل المحكمة الاتحادية.
فقد تضمن قانون إدارة الدولة العراقية المؤقت (الذي صدر بتاريخ آذار 2004) مادة تحدثت عن تشكيل محكمة اتحادية عليا باختصاصات محددة (المادة 44) وأن يكون رئيس المحكمة الاتحادية العليا نفسه رئيسا المجلس الأعلى للقضاء (المادة 45). وبالفعل تشكل المحكمة الاتحادية العليا بموجب القانون رقم 30 لسنة 2005، وتولى القاضي مدحت المحمود رئاسة كلا المؤسستين.
وقد أثبتت هاتان المؤسستان، في السنوات اللاحقة، أنهما غير مهنيتين ومسيستين وخاضعتين لإراداة الفاعلين السياسيين الأقوى، وتتخادمان معهم لترسيخ البنية الكلبتوقراطية ـ الزبائنية للنظام السياسي، حيث تحولتا إلى أدة سياسية فعالة من خلال تفسير الدستور العراقي تبعا لعلاقات القوة، حتى لو أدى ذلك إلى الإطاحة بالدستور نفسه، وفي استخدام القضاء لترسيخ السلطة بيد الأقوى، ولاستهداف الخصوم السياسيين.
عام 2017 حدث تحول مهم في العلاقة بين هاتين المؤسستين، وذلك بعد تشريع قانون مجلس القضاء الأعلى الذي أخرج هذه المؤسسة عن سلطة مدحت المحمود، ونشأ عن ذلك صراع غير معلن بينه وبين رئيس مجلس القضاء الأعلى، بشأن أيهما رئيس السلطة القضائية، قبل أن ينفجر هذا الصراع بشكل علني عام 2019، ليتحول الصراع بين الرجلين إلى صراع بين المؤسستين نفسيهما!
ففي تلك السنة عمد حلفاء رئيس مجلس القضاء الأعلى في مجلس النواب بتاريخ شباط/ فبراير 2019، إلى تقديم «مقترح قانون» لتعديل (المادة 6/ ثالثا) من قانون المحكمة الاتحادية رقم 30 لسنة 2005 الذي يحدد إعمار قضاة المحكمة الاتحادية «دون تحديد حد أعلى للعمر» إلى 63 سنة فقط، وهو تعديل كانت الغاية الحقيقية منه الإطاحة بمدحت المحمود من رئاسة المحكمة الاتحادية العليا. بل أنهم سعوا إلى إصدار قرارا يوم 17 نيسان/ أبريل 2019 باستضافة رئيس المحكمة الاتحادية والأعضاء الثمانية الآخرين، وهو قرار كشف عن جهل رئيس مجلس النواب بصلاحيات مجلس النواب نفسه، وأن رقابته تشمل «أداء السلطة التنفيذية» حصرا! ليرد مدحت المحمود والمحكمة الاتحادية بقرار مضاد بتاريخ 21 أيار 2019 تضمن الحكم بعدم دستورية المادة 3 من قانون المحكمة الاتحادية الذي يقضي بأن قضاة المحكمة الاتحادية العليا يجري ترشيحهم من مجلس القضاء الأعلى، وبأن الدستور لم يعط هكذا اختصاص لمجلس القضاء الأعلى (القرار 38/ 2019)!
وتصاعد هذا الصراع بعد ذلك في العام 2020، بعد إصدار رئيس الجمهورية برهم صالح بتاريخ 20 كانون الثاني/ يناير 2020 مرسوما بتعيين أحد القضاة عضوا أصيلا في المحكمة الاتحادية العليا. فقد أصدر مجلس القضاء الأعلى يوم 26 كانون الثاني/ يناير، بيانا قال فيه إن قرار المحكمة الاتحادية البات والملزم للسلطات كافة كما يقرر الدستور، كان «تصرفا شخصيا» من رئيس المحكمة الاتحادية، ومن خلال «دعوى هو شخصيا كلف أحد المحامين بإقامتها» وبأنه ما دام مجلس النواب لم يشرع نصا بديلا للنص الملغي يعد هذا المرسوم «باطلا وملغيا»! لتصدر المحكمة الاتحادية في اليوم نفسه بيانا مضادا عن هذا البيان الذي وصفته بأنه صدر «عن جهات لا شأن لها بشؤون المحكمة الاتحادية العليا ولا سند لها في ذلك من الدستور والقانون»! وأن تعيين ذلك القاضي في المحكمة الاتحادية «إجراء دستوري لا يجوز المساس به»!
ومرة أخرى حكمت التحالفات وعلاقات القوة هذا الصراع، بسحب رئيس الجمهورية لمرسوم تعيين القاضي في المحكمة الاتحادية ببساطة. وبات واضحا لجميع المتابعين أن الصراع قد حسم بشكل نهائي لصالح رئيس مجلس القضاء الأعلى، وأن أيام مدحت المحمود ومحكمته الاتحادية ككل أصبحت معدودة!
وهذا ما حصل فعلا عبر تقديم رئيس الجمهورية نفسه مشروع قانون بتعديل قانون المحكمة الاتحادية العليا حيث ضرب عرض الحائط، قرارا باتا وملزما للسلطات كافة، أصدرته المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية ترشيح مجلس القضاء الأعلى لقضاة المحكمة الاتحادية، فقد نص مشروع التعديل على أن «تُرشِّح المحكمة الاتحادية العليا ومجلس القضاء الأعلى، ومجالس القضاء في الأقاليم، في اجتماع مشترك، رئيس المحكمة الاتحادية ونائبه وقضاتها». وقد صوت مجلس النواب على هذه المادة، وهو ما يعني أن «المشرع» نفسه انتهك قرار المحكمة الاتحادية البات والملزم للسلطات كافة!
منطق التعاطي مع مؤسسات الدولة في العراق بوصفها إقطاعيات خاصة لمالكيها
لكن منطق التعاطي مع مؤسسات الدولة في العراق بوصفها إقطاعيات خاصة لمالكيها، أعادت الصراع العلني مرة أخرى بين رئيس المحكمة الاتحادية ورئيس مجلس القضاء الأعلى، ففي 15 نيسان/ أبريل 2024 حيث أفتت المحكمة الاتحادية بقرارها بالرقم (102/ اتحادية/ 2024) بعدم دستورية عبارة وردت في قانون التقاعد الموحد، ليرد مجلس القضاء الأعلى قرارا مضادا ينقض فيه قرار المحكمة الاتحادية «البات والملزم للسلطات كافة» ويعدُه «معدوما».
ومن يراجع حيثيات هذا القرار سيجد أن مجلس القضاء قد مارس تدليسا صريحا، وذلك عبر إغفال أن الحكم بعدم دستورية المادة القانونية المرتبطة بالموضوع، هو اختصاص أصيل للمحكمة الاتحادية، وأنه لم يكن هناك أي تعديل في النص القانوني سوى برفع العبارة التي تنتهك أحكام الدستور! ومرة أخرى حكمت علاقات القوة هذا الصراع لصالح رئيس مجلس القضاء الأعلى، وأجبرت رئيس المحكمة الاتحادية العليا وقضاته على زيارة رئيس مجلس القضاء الأعلى والجلوس في حضرته بطريقة شرحت معنى تحكم علاقات القوى، وليس الدستور، في إدارة الدولة بالعراق!
اليوم يتجدد الصراع نفسه، حيث صدر أمر ولائي من المحكمة الاتحادية بشأن سلة القوانين التي مررت الأسبوع الماضي، سارع مجلس القضاء الأعلى إلى إصدار قرار مضاد يلغي عمليا الأمر الولائي. لكن صراع اليوم هو صراع مختلف عن الصراعات السابقة، فهو لم يعد صراعا شخصيا ومؤسساتيا فقط، بل بات انعكاسا واضحا لصراع سياسي بين الفاعلين السياسيين الشيعة أنفسهم، وهذا يعني أن علاقات القوة بين المتصارعين السياسيين هي التي ستحسم نتائجه هذه المرة!
توصف الدولة بأنها دولة فاشلة حين تتحول مؤسساتها إلى إقطاعيات، وتكون علاقات القوة فيها هي الفيصل في العلاقة بين تلك الإقطاعيات، ولا يكون الدستور أو القانون أو المنطق هو الحاكم!
القدس العربي