جريدة الوطن:
2025-02-16@20:32:57 GMT

أضواء كاشفة: 53 عاما من العزة والمجد

تاريخ النشر: 14th, November 2023 GMT

أضواء كاشفة: 53 عاما من العزة والمجد

(53) عامًا من العزَّة والمَجد والإباء عاشها وما زال يعيشها الشَّعب العُماني الوفي منذ أن أشرقَتْ شمسُ النَّهضة المباركة لِتنشرَ أشعَّة التنمية والتقدُّم الذهبيَّة في كُلِّ رُكنٍ من أركان الوطن الغالي فيعمَّ التطوُّر ويعلوَ البناء.. وتنطلقُ البلاد في دروب الحضارة والازدهار والرُّقي والرَّخاء، وتحجزَ لها مكانًا في مصافِّ الدوَل المتقدِّمة بشهادة المحافل الدوليَّة.

إنَّ ذكرى العيد الوطني مناسبة غالية على قَلْبِ كُلِّ عُماني ومحفورة في وجدانه.. فهو بالنسبة له عيد بمعنى الكلمة.. تطغى فيه مشاعر الفخر ويتجدَّد فيه العزم لمواصلة مَسيرة التنمية والبناء والتحديث وفق استراتيجيَّة مرسومة بعناية ترسم المستقبل المُشرِق وتُحقِّق الاستقرار والأمان والرَّخاء والازدهار والرفاهيَّة. لا شكَّ أنَّ ما تمَّ تحقيقه من إنجازات جبَّارة خلال هذه الفترة القصيرة من الزمن ـ إذا ما قيست بعمر الدوَل ـ لهُوَ خير دليل على الرؤية الثاقبة والفِكر المستنير والبصيرة النَّافذة لقائد البلاد وعقلها المُدبِّر.. فبفضل الله تعالى وتوجيهات جلالته السَّديدة وسواعد الأبناء المخلِصين، شهدت البلاد تطوُّرًا ونُموًّا في جميع المجالات وفي كافَّة رُبوع البلاد أكثر ممَّا حلمنا به جميعًا منذ عدَّة سنوات.. فتحوَّلت سلطنة عُمان إلى دَولة عصريَّة بكافَّة مفرداتها وصار الحلم حقيقةً، وتحقَّقت طموحات المواطن العُماني وطالت النَّهضة كافَّة المجالات التعليميَّة والصحيَّة والاقتصاديَّة والسِّياسيَّة والسِّياحيَّة والثقافيَّة والصناعيَّة وغيرها.. فقَدْ أخذ حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ منذ أن تولَّى مقاليد الحُكم في البلاد على عاتقه مُهمَّة الارتقاء بالمُجتمع العُماني.. ساعده في ذلك القلوب المخلِصة والسَّواعد الفتيَّة الَّتي بَذلت الغالي والنَّفيس في سبيل تنفيذ طموحات وخطط جلالته، وحرصت على تحقيق الرَّخاء للشَّعب الوفي. إنَّ الشَّعب العُماني ينتظر مناسبة العيد الوطني المَجيد كُلَّ عام على أحرِّ من الجمر كَيْ يجدِّدَ لقائد البلاد المُفدَّى الولاء والعهد بمواصلة البناء والتعمير، فيرسمَ لوحة وفاء تجسِّد العلاقة الوطيدة بَيْنَ القائد وشَعبه.. فجلالته ـ أبقاه الله ـ يستشعر دائمًا هموم المواطن، ويعمل على علاجها أوَّلًا بأوَّل لأنَّ جلالته يَعدُّ أنَّ الإنسان هو أغلى ثروات الوطن وغاية التنمية لا وسيلتها فتوجَّهت آليَّات ووسائل ومبادئ النَّهضة وأهدافها صوب تحقيق الأمن والرَّخاء والرفاهيَّة للمواطن. إنَّ كُلَّ عُماني يفتخر بما تحقَّق على أرض الوطن الغالي من إنجازات كُتبت بمدادٍ من نُور في سجلَّات التاريخ.. فما تَحقَّق خلال الثلاثة وخمسين عامًا الماضية من تنمية شاملة إنَّما جاء ثمرة تكاتف العزائم قيادةً وحكومةً وشَعبًا.. فجلالة القائد لَمْ يدَّخرْ جهدًا في تهيئة كُلِّ ما من شأنه حشد طاقات الوطن في كُلِّ المجالات فقام باستجماع القوى الوطنيَّة، وعمل على ترسيخ وحدتها وتماسكها، كما منح المواطن العُماني ثقةً عميقة في قدراته، ووفَّر أمامه كُلَّ السُّبل لِيقومَ بِدَوْره على أكمل وجْهٍ نَحْوَ وطنه. لا شكَّ أنَّ احتفال سلطنة عُمان بهذه الذكرى الغالية على قلوبنا جميعًا يُمثِّل انطلاقةً حقيقيَّة للحاضر والمستقبل، خصوصًا أنَّ ما تَحقَّق خلال سنوات النَّهضة المباركة لَهُوَ إنجاز يشهد به التاريخ ولَمْ تكُنْ هذه الإنجازات لِتظهرَ على أرض الواقع لولا الجهد الكبير والعطاء المتواصل لكُلِّ مَنْ يعيش على هذه الأرض الطيِّبة. إنَّ عُماننا تتطوَّر بهدوء وثقة، وذلك بفضل فِكْر حضرة صاحب الجلالة المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ الَّذي أثبت أنَّ الاستقرار عماد أساسي لبناء دَولة حديثة ونهضة مستديمة، وأنَّ التغيير المتدرِّج والسَّلِس خير ضمان للاستمراريَّة وأفضل داعم للتنمية.. ولقَدْ تمكَّن العُمانيون بفضل التَّوجيهات السَّديدة والسِّياسة الحكيمة لجلالة السُّلطان المُعظَّم من الإمساك بمفاتيح التنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة مُسخِّرين كُلَّ جهودهم وطاقاتهم في خدمة السَّلطنة وتغيير بوصلتها نَحْوَ مسار التطوُّر والتحديث مع تجنيبها كُلَّ المُعوِّقات والهزَّات الطارئة بالسَّير على خطط تنمويَّة مدروسة ورغبة حقيقيَّة في اللحاق بركب الدوَل الصَّاعدة. ولعلَّ تجاوز السَّلطنة لكُلِّ الأزمات العالميَّة الَّتي مرَّت بها، خصوصًا في السَّنوات الأخيرة، وعدم تأثُّرها بها لدرجة كبيرة هو خير دليل على الفِكْر السَّديد الَّذي تنتهجه البلاد في قيادة اقتصادها نَحْوَ الاستقرار والرَّخاء.. فهذه النَّهضة الاقتصاديَّة جعلت سلطنة عُمان تتبوَّأ مرتبةً متقدِّمة في محيطها الإقليمي، وهذا ما شهدت به العديد من الدراسات والإحصاءات الدوليَّة والإقليميَّة. إنَّ سنوات النَّهضة الثلاث والخمسين شهدت اهتمامًا كبيرًا بكُلِّ ما يُحقِّق الاستقرار والرفاهيَّة للمواطن العُماني من تعليم وصحَّة ورعاية اجتماعيَّة واقتصاديَّة، وتوفير بنى تحتيَّة تُحقِّق له التنمية المستدامة، سواء على المستوى الشخصي أو العامِّ في مناخ من العدل والديمقراطيَّة والمساواة.. فثمرات النَّهضة متمثلة في كُلِّ شبرٍ من البلاد. أمَّا عن إنجاز سلطنة عُمان على الصعيد الخارجي فإنَّ نجاحها لا يقلُّ عن نجاحها على الصعيد الداخلي.. فالسَّلطنة كانت دائمًا وما زالت خير نموذج في مدِّ يَدِ الصَّداقة للدوَل الشَّقيقة والصَّديقة وكُلِّ مَنْ يدعو إلى السَّلام، واتَّسمت علاقاتها بدوَل العالَم بالحكمة وبُعد النظر من أجْلِ تحقيق الأمن والاستقرار للشَّعب الوفي وكُلِّ شعوب المنطقة، بل والعالَم أجمع، فحرصت على تحقيق التكامل مع شقيقاتها دوَل مجلس التعاون لدوَل الخليج العربيَّة في مختلف المجالات، كما أدَّت دَوْرًا بارزًا في دعم القضايا العربيَّة المُلتهبة وفقًا للقرارات الدوليَّة الشرعيَّة وآخرها القضيَّة الفلسطينيَّة المزمنة الَّتي أكَّدت فيها باستمرار على موقفها الثابت منذ بداية القضيَّة بالتأكيد على حقِّ الشَّعب الفلسطيني في إقامة دَولته المستقلَّة السلميَّة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقيَّة، وحرصت دائمًا على تقديم المساعدات الإنسانيَّة والتنمويَّة له، ودعمت بشدَّة جهود السَّلام.. ولعلَّ إعلان السَّلطنة إلغاء كافَّة الاحتفالات الرسميَّة بمناسبة العيد الوطني تضامنًا وحزنًا على ما يتعرَّض له الأشقَّاء في غزَّة من مجازر وحشيَّة أكبر دليل على دعمها للشَّعب الشَّقيق ورفضها القاطع لِمَا يواجهه من حرب إبادة. لقَدْ نجحت سلطنة عُمان في الوصول إلى غاياتها المرتجاة بسرعة ملحوظة وفي زمن قياسي؛ لأنَّها لَمْ ترفعْ يومًا الشِّعارات الزَّائفة، بل سَعَتْ وراء العمل والإنتاج وبناء الوطن بجدٍّ وإخلاصٍ، فحصدت الحياة الآمنة المطمئنَّة والرُّقي والتطوُّر ورسمت صورة مُشرِّفة بمعنى الكلمة للفِكر الاستراتيجي السَّديد. إنَّنا بهذه الذكرى الغالية على قلوبنا جميعًا نُجدِّد العهد ونُقدِّم أسمى آيات الولاء للقائد المُفدَّى ونرفع أكفَّ الدُّعاء لله ـ عزَّ وجلَّ ـ أن تبقى راية عُمان في عهده الميمون مرفوعةً خفَّاقة ترفل بثوب العزِّ والإباء.
ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الع مانی ع مانی جمیع ا ة والس

إقرأ أيضاً:

الجنجويد (الشر المطلق)

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم
لم يتعرض شعب في العصر الحديث لمحنة (خليط العنف الهمجي والنهب الممنهج) كما تعرض لها الشعب السوداني علي يد هؤلاء الاوباش. والذين في غفلة من الزمن وعلي يد جهلة واشرار (العسكر والكيزان)، تم تزويدهم بكافة انواع الاسلحة، ورعايتهم علي خير ما تكون الرعاية، لقطاع الطرق والقتلة واللصوص. ليفرضوا سطوتهم علي البلاد ويذلوا رقاب العباد.
وبطبيعة تكوينهم المليشياوي ووظيفتهم القذرة وامتهانهم الارتزاق والعمالة، تم استدراجهم ومن ثمَّ استخدامهم اماراتيا، مرة كمرتزقة لخوض حروبها التوسعية (ليبيا). ومرة كنخاسة لاستيراد وتصدير المرتزفة (اليمن). ومرة لنهب موارد البلاد (الذهب). ومرة للسطو علي السلطة، لتصبح الدولة السودانية بمن وما فيها تحت طوعها ورهن تصرفها.
وللاسف منذ لحظة تكوين هذه المليشيا البربرية، بغرض اداء المهام القذرة التي يستنكف الجيش رغم ما اصابه من ادلجة عن اداءها. بدأ اسوأ فاصل للحرب الاهلية، لتدخل نفق الابادة الجماعية والانتهاكات المروعة، وتحوُّل الحرب الي اسلوب حياة ومصدر ثراء، وتاليا بؤرة جذب لحثالة البشر من كل فج عميق.
والحال كذلك، لحظة تكوين المليشيا، هي نفسها لحظة الخصم من الدولة ككيان ووظيفة. اي بوصف الدولة مناط الاستقرار والنظام، مناقضة للمليشيا بطابعها الفوضوي وطبيعتها الهمجية. وعليه، لم يصل الطموح بحميدتي للسيطرة علي السلطة، إلا بعد ان توسع نفوذه وتضخمت سطوته، مع بلوغ الدولة ادني مراحل انحطاطها. وما كان ذلك ليحدث لولا خضوع البلاد لقيادة من طينة البشير والبرهان اللذان لا يجيدان شيئا سوي سرد الاكاذيب والجعجعة الفارغة واللعب الغبي بالنار.
اما الجانب السيئ الآخر فمرده ان قوة المليشيا وانفساح المجال امامها للطغيان، يحمل في جوفه مخاطر بذات المستوي علي سلامة الدولة وامن المواطنين. وهو ما اثبتته هذه الحرب اللعينة بعد اندلاعها، والتي لم يُشهد لها مثيل علي مستوي الخسائر البشرية (الهدر والاستنزاف) والمعنوية (صعوبة تضميد الجراح) وتدمير البنية التحتية (احد التقديرات 200 مليار دولار).
وما يحير ان وجود المليشيا وتمدد نفوذها لا يمس كيان الدولة وامن المواطنين فحسب، ولكن قبل ذلك فهو ينتقص من هيبة وسمعة ومكانة وقدرة المؤسسة العسكرية! وهذا ناهيك عن سحبها بساط الامتيازات التاريخية من تلك المؤسسة، سواء من جهة السيطرة علي السلطة او احتكار المصالح الاقتصادية! ورغما عن كل ذلك فقد تواطأت ذات المؤسسة بالسماح لتكوينها اولا، وزيادة نفوذها ثانيا، وغض النظر عن خطورة ذلك علي الامن القومي! بل كثيرا ما انبري ما يسمي خبراء استراتيجيون وقبلهم كبيرهم البرهان للدفاع عن المليشيا والتقليل من حجم تجاوزاتها وخطورة تواجدها داخل الدولة. والسبب خضوع المؤسسة لرغبات ونزوات قادتها الانقلابيين، والذين لا يشغلهم شيئا سوي المحافظة علي سلطتهم المغتصبة ولو كان الثمن ضياع البلاد وتشريد اهلها!!
وعلي العموم هنالك تحولان حاسمان خدما المليشيا وزادا من اطماع قائدها المغامر الطموح، وهو ما انعكس وبالا علي البلاد واهلها.
التحول الاول هو استقدام البشير لهذه المليشيا من دارفور للحفاظ علي سلطته في العاصمة، قبل ان يشملها برعايته كابنه المدلل. وبعد نجاحها في قمع انتفاضة 2013م بدموية مفرطة، زاد وله البشير بها واطمئنانه لجانبها، وهو ما دفعه لمزيد من الاغداق عليها من اموال الدولة ومواردها الطبيعية (ذهب جبل عامر) والتغاضي عن انتهاكاتها (تهم الابادة) وبما في ذلك الاساءة للجيش (تسجيل مشهور لحميدتي 2014م). وساعد علي احتضان البشير لهذه المليشيا، من جهة تخوفه من غدر الاسلامويين وسيطرتهم علي الجيش، ومن جهة زيادة نفوذ وطموحات قائد جهاز الامن قوش، وهو ما جعل كل الاطراف المتصارعة والمتنافسة علي السلطة تحاول شراء رضا الغادر حميدتي. ومن جهة إحاطة البشير في تلك المرحلة بسواقط المستشارين والمساعدين من امثال طه عثمان وعبدالغفار الشريف اللذان لا تخفي ارتباطاتهم بالخارج، ومن ثمَّ تزيين وتلميع المليشيا للبشير علي حساب نفوذ وسيطرة الاسلامويين.
ويبدو والله اعلم ان جزء من بواعث حرب اليمن التي تولي كبرها محمد بن زايد عبر تحريضه لمحمد بن سلمان، هو توافر الدماء الرخيصة بعد تسليع المقاتلين عبر وكلاء المليشيا (حميدتي) والجيش (البشير، البرهان وابنعوف). وما لم يحسب حسابه هؤلاء الاوغاد، الذين لا يفتقرون للذكاء والحكمة فحسب ولكن الشهامة والرجولة الي اشتهر بها السوادنيون، ليمرغوا سمعتنا في التراب. انهم بهذا الصنيع الوضيع فتحوا الباب للامارات ليس لنهب الموارد السودانية نظير الفتات الذي تتفضل به عليهم، وانما التدخل حتي لتغيير النظام السياسي وتركيبة البلاد الاجتماعية ومن ثم اخضاعها لمشيئتهم، وهو التاثير الذي لم ينفك حتي الآن يحكم مجريات الحرب المدمرة! والحال ان اكبر ابتلاء تتعرض له امة، ان يتصف قادتها بالبلادة والتبلد ونقص المروءة، وللاسف هذا نصيبنا من القيادات التي فرضتها علينا المؤسسة العسكرية منذ الاستقلال، وما زال الحبل علي الجرار!!
والتحول الثاني هو قيام الثورة التي صادفت بلوغ نفوذ حميدتي درجة لعبه الدور الحاسم ليس في ازاحة البشير فحسب، ولكن السيطرة علي كامل البلاد منذ ذهاب البشير والي قيام الحرب، بعد تحالفه المشبوه مع البرهان، الذي ارتضي ان يلعب دور الواجهة! وهي سيطرة استغلاها نهاب الفرص حميدتي خير استغلال. ليبني وخلال ثلاث سنوات دولة موازية عمادها القوة العسكرية والقدرة الاقتصادية والعلاقات الخارجية، من دون عوائق من اي نوع، بل بتسهيلات غريبة ومريبة من البرهان! وغالبا هذه العلاقة المريبة ودور الامارات فيها، هو ما اضفي علي هذه الحرب غرائبية تحاكي الافلام الفنتازية! وعلي راس ذلك الصراع المفتعل بين الكائن السيامي المكون من الرجلين. بل من يصدق ان حرب بكل هذا الدمار والانتهاكات وشارفت علي العامين، لا يُعرف مصير اكبر راس في هذا الكائن السيامي؟ ولا طبيعة العلاقة مع الامارات؟!
المهم وكما سلف كان هنالك تناسب بين قوة المليشيا ودرجة نفوذها وسطوتها، وبين الثمن الذي دفعته البلاد وشعبها. خاصة وان المليشيا في اصل تكوينها قوي شر وتخريب ونهب وقتل، ولطالما كانت مصدر قلق لكل حادب علي الوطن وشعبه. عليه لو كان هنالك مجرد وهم ولو بنسبة 0,1% ان هكذا مليشيا شرانية يمكن ان تخدم قضية خيِّرة للبلاد واهلها، فقد اكدت هذه الحرب العدوانية وما رافقها من تخريب ممنهج وانتهاكات متعمدة، درجة ضلال هذا الوهم ومن ثمَّ خطورة عواقبه. وتجربة الجيش والاسلامويين (جهاز الامن) مع المليشيا التي وفروا لها كل شئ، ثمَّ غدرت بهم، اكبر دليل وبرهان (وكما يقول المثل من جرب المجرب حاقت به الندامة)! لذلك اي محاولة للتقرب من المليشيا، ناهيك عن التحالف معها باي صورة من الصور، بعد كل الذي حدث منها، لهو الخسران المبين. اما التبرير بالتصدي للفلول فهو اقرب للعذر الاقبح من الذنب، ليس لان المليشيا هي في الاصل اداتهم القذرة، وهي مكون شر وقذارة وبربرية اصيل، وتاليا مناقضة للحضارة ومضادة للدولة وبيئة خصبة للعمالة والارتزاق، ولكن فوق كل ذلك هي مرجعية لاصدار احكام قطعية علي كل من لا يرفضها ولا يعاديها ولا يجرم فظائعها! وإلا علي ماذا يتصدرون المنابر؟ والي ماذا يدعون اصلا؟ والحال كذلك لا يستغرب المرء لماذا يسيطر العسكر والكيزان، ويرفض كثير من الثوار هذه الاحزاب السياسية والمنظمات المدنية والحركات المسلحة. وكما يقال مع هكذا طبقة سياسية مفلسة وقادة حركات مسلحة انتهازية ونشطاء مدنيين هواة، لا يحتاج العسكر الي حلفاء او مبررات للسيطرة علي الحكم الي قيام الساعة! (قال حكومة موازية قال، بل وتقدم خدمات/ بالله....، والسؤال والحال كذلك اين عائلة دقلو من كل ذلك بعد الجرائم الي اقترفوها/ جرائم حرب...؟ وما موقعهم من الحكومة المقترحة في اماكن سيطرتهم؟ ومن اين تستمد تفويضها، طالما هي بديل لحكومة الامر الواقع ببورتسودان؟ والحال كذلك، اليس في ذلك اعتراف وشرعنة لحكومة بورتسودان من حيث لا يحسبون؟!).
وصحيح ان مسألة التخلص من المليشيا ظلت هاجس يؤرق قوي الثورة والقوي السياسية عكس المكون العسكري! كما ظل الثوار يدفعون اثمان فادحة لاجرام المليشيا وفرضها كامر واقع، وهذا غير تحالفها مع كل اعداء الثورة (تحالف الموز وقوي الشر الاقليمية) لافراغ الثورة من مضمونها. ولتتوج كل ذلك بمشاركتها في الانقلاب علي حكومة الثورة. وهذا ناهيك عن حضور حميدتي المخجل في صدارة المشهد، بل وترؤسه لكل لجنة او اتفاقية او اي كان، المهم ان يكون رئيسا والسلام، وهو لا يفقه في كل ذلك شرو نقير! وهذا عندما لا يتعاطي لغة قطاع الطرق وكانه همباتي في فيافي دارفور، وصدق الاعلامي الساخر يوسف حسين وهو يمسح به البلاط (والاصح المُراح)!
وصحيح ايضا ان الاتفاق الاطاري اقلاه ظاهريا في جانب منه، كان محاولة لتجنيب البلاد شر الاصطدام بين اطراف المكون العسكري، علي ان تؤجل معضلة المليشيا لحلها في المستقبل. وهذا بالطبع اذا كان هنالك حكمة وجدية وهو ما لا يعرف لا عن الطبقة السياسية ولا المؤسسة العسكرية! خاصة وان تكوين ورعاية المليشيا من الاخطاء الكبري في حق الوطن والجرم الفادح في حق المواطنين، والتي اقترفها نظام الانقاذ بكل لا مسؤولية وقصور رؤية سياسية ليسا غريبان عليه.
ولكن باندلاع الحرب اتسع الفتق علي الراتق ودخلت البلاد في كارثة تاريخية تهدد بقاءها من قبل قوي همجية فوضوية تضليلية. وليدخل صراع السلطة ولاول مرة بين مكونين عسكريين. ترتب عليه إخراج القوي السياسية من المشهد، إلا من جهود خجولة لايقاف الحرب. وهو مطلب ليس عقلاني فحسب ولكن قبل لك انساني ووطني. ولكن المعضلة ان طرفا الحرب لا يؤمنان إلا بالقوة، ليذهب المطلب ادراج الرياح. كما ان موازين الحرب طوال الفترة الماضية كان تصب في صالح المليشيا وبصورة مريبة! وهو ما يعني ان ذهابه في ذلك الاتجاه يعني تقوية المليشيا، اي اعادة انتاج ذات الاوضاع الي قادت للحرب، ان لم يكن بصورة اسوأ! خاصة وان الغدر هو النهج الوحيد المتبع في مخططاتها ومخططات داعميها في الخارج.
المهم ليس هنالك اسوأ من الحرب وما ينتج عنها، كما لا اعتقد ان هنالك قضية عادلة او حقوق مغتصبة يمكن استردادها عبر الحرب في العصر الراهن. اي بوصف الحرب عدو للحياة والحضارة والانسانية، بل هي ما تبقي من تراث الهمجية. ولكن كل ذلك لا يمنع ان الحرب هي الظاهرة الوحيدة التي لم تتوقف منذ وجود المجتعات البشرية وصراعها من اجل السيطرة غالبا، والدفاع عن النفس بصورة اقل. وما يؤسف له ان كل جهود الحكماء والعظماء من اجل ايقافها، تمخضت فولدت شئ من التنظيم والتخفيف من آثارها. وهذا بالطبع ما يتعلق بالجيوش النظامية في الدول الديمقراطية، وليس جيوش الدكتاتوريات وبصورة اشمل المليشيات (ويا كافي البلاء نحن عالقين بين النوذجين الاخيرين).
وبما ان حربنا الراهنة هي اكثر الحروب كلفة وقذارة، وبما انها في جانب منها تتعلق ببقاء الدولة، فهذا يعني اي هزيمة واندحار للمليشيا هو في صالح الدولة والمواطنين والعكس صحيح، اي تقدم او انتصار لها فهو علي حساب بقاء الدولة وسلامة المواطنين. اي غض النظر عن الخلافات السياسية واخطاء المؤسسة العسكرية المزمنة، إلا ان الوقوف معها ودعمها هو واجب المرحلة، علي اعتبارها الجهة الوحيدة المكافئة للمليشيا عسكريا. وسواء استمرت الحرب او كان هنالك اتفاق، فمن المصلحة ان يكون الجيش في موقف القوة. لانه بكل المعايير لا يمكن المساواة بين الجيش والمليشيا، وهذا ليس من ناحية نظرية ولكن من خلال مجريات هذه الحرب نفسها، وانعكاسها علي كيان الدولة وحياة المواطنين. فانتصار المليشيا او دخولها اي بقعة يعني مباشرة انتفاء وجود الدولة وانكشاف حياة المواطنين، عكس اماكن وجود الجيش او تحريره لاي بقعة، فعندها يتوفر الحد الادني من الدولة والحماية للمواطنين.
اي الموضوع ليس موضوع سياسة او مكاسب ولكنها وقائع علي الارض، تظهر رعب المواطنين من المليشيا واحتفاءهم بالجيش. وكون سياسي او ناشط او كاتب يتغافل عن هذه الوقائع، فكيف والحال كذلك يتحدث عن دفاعه عن الوطن والمواطنين، او يتشدق بالتغيير والديمقراطية والدولة المدنية وغيرها من اللغو الذي لا يحمي مواطن او يقيل عثرة دولة، طالما هي نفسها في مهب الريح بسبب وجود وعنف وهمجية المليشيا. ومن يشكك في ذلك ماذا نسمي استهداف المليشيا لمحطات الكهرباء والسدود وميناء بشائر والمستشفيات ومواقف المواصلات والمساجد بطريقة متعمدة، ناهيك عن ما تكشف عن صناعة المخدرات وتزييف العملة في اماكن سيطرتها، ويبدو ما خفي اعظم؟!
كما ان مواجهة الكيزان والجيش علي حلبة السياسة والسلطة، هي مهمة كل قوي تتصدي للمسألة الديمقراطية والدولة المدنية من ناحية مبدئية، اي ليس عليها ان تدركها طالما موازين القوي مختلة، وانما تضع بصمتها وتترك ارث وتخط طريق للاجيال القادمة. اما مهادنة المليشيا او الاستعانة بها كما ينادي بعض السذج او اصحاب المصلحة الخاصة، فهذا يمكن ان يقال عنه كل شئ، إلا انها مساعٍ حميدة للديمقراطية او الدولة المدنية او مراعاة مصلحة الوطن والمواطنين.
واخيرا
اسوا من هذه الحرب بكل كوارثها هو عدم الاستفادة من تجربتها المريرة وتعويض كلفتها حكمة وانجازات. وهذا ما يتبدي من كل الاطراف المشاركة في الحرب او الداعمة للمتقاتلين او المنتظرة في الرصيف علي امل تنزيل الدولة الفاضلة المرتجاة. فما زالت لعنة السلطة التي لازمت البلاد من الاستقلال، بعد ان تحولت لعظمة نزاع، بدل تحولها الي رؤية موضوعية ووسيلة نهوض بالدولة وآلية لترقية حياة المواطنين. هي ما يحكم المشهد السلطوي بعد ان تردت بمتوالية هندسية مع مرور الزمن، حتي وصلنا مرحلة تنازعها بين قتلة ومجرمين (حميدتي والبرهان).
والمؤسسة العسكرية ما زالت ترتهن لقيادتها وتفرض وصايتها، رغم انها المسؤول الاول عن ما آلت اليه الاوضاع. والكيزان ما زالوا في ضلالهم القديم ولم يتعلموا درس، ان اضعاف القوي السياسية وطردها من المشهد السياسي، لا يعني خلو المشهد من المطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وانما يخلق فراغ يُملأ بالقوة الحاملة للسلاح، مما يرفع كلفة الاستجابة بعد خراب مالطة.
اما حملة السلاح فكل ما يتم جنيه من مكاسب، لا يساوي عُشر ما يتم خسرانه انسانيا وماديا، كما انه يغيب اهل الكفاءة لصالح امراء الحرب وتجارها. ويكفي ان حميدتي بقوة السلاح امتلك اموال قارون ووصل لمنصب النائب الاول رسميا والمتحكم الاول عمليا، ولكن ماذا كانت النتيجة؟
اما تقدم التي احسن الظن بها، فما زالت تثبت يوما بعد يوم انها اقل قامة حتي من الشعارات التي ترفعها، ناهيك ان تلبي تطلعات المواطنين المتفاوتة ما بين التغيير الجذري ومجرد الاستقرار باي ثمن.
اما حمدوك مندوب الامارات الدائم (ما عارفين نقوليهو شنو، غايتو عليهو العوض ومنو العوض). وبالمناسبة حتي اليوم لم تكشف لنا سر محاولة اغتيالك المزعومة! او ماذا كنت تفعل في منزل البرهان بعد الانقلاب؟ فهل كنت مضرب عن الطعام كوسيلة احتجاج؟ او طالبت بالحاقك برفاقك في المعتقلات؟ ولماذا لم تعرض لنا كشف حساب باموال القومة للسودان يا زول ياشفاف؟ اذا كان هذا حال حكومة الثورة وقائدها كما يدعون، ليها حق تلحق امات طه؟! والله يجيب العواقب سليمة. ودمتم في رعايته.
////////////////////////////////  

مقالات مشابهة

  • البنك الوطني العُماني يطلق برنامج "قادة الغد" لتمكين جيل المستقبل
  • تدشين براند التجميل العُماني"Nwary" في مسقط
  • الجنجويد (الشر المطلق)
  • "ملتقى الأعمال العُماني السعودي" يبحث في مسقط تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري.. الأربعاء
  • الأربعاء المقبل.. ملتقى الأعمال العُماني السعودي يناقش تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية
  • المشتريات المحلية لـكروة للسيارات تتجاوز 2.5 مليون ريال عُماني
  • المشتريات المحلية لـ "كروة للسيارات" تتجاوز 2.5 مليون ريال عُماني
  • ملتقى الأعمال العُماني السعودي يناقش تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية
  • «أضواء الشارقة 2025».. لوحة فنية تستحضر تاريخ الإمارة العريق
  • سامي القرشي يتهم ماني باللعب بخشونة معتمدة.. فيديو